نظام النکاح فی الشریعه الاسلامیه الغراآ المجلد 2

اشارة

سرشناسه : سبحانی تبریزی، جعفر، - 1308

عنوان و نام پديدآور : نظام النکاح فی الشریعه الاسلامیه الغراآ/ جعفر السبحانی

مشخصات نشر : قم: موسسه الامام الصادق(ع)، 1416ق. = [1374] -.

شابک : 10000ریال(ج.1).

يادداشت : بالای عنوان: الاحوال الشخیصه.

یادداشت : کتابنامه

موضوع : زناشویی (فقه)

موضوع : زناشویی (اسلام)

رده بندی کنگره : BP189/1 /س2ن6 1374

رده بندی دیویی : 297/36

شماره کتابشناسی ملی : م 75-7088

الجزء الثاني

الفصل الثاني عشر: في الكفاءة و لواحقها

اشارة

1- المؤمن كفؤ المؤمن

2- تزويج المؤمنة بالمخالف

3- تحديد الإسلام و الإيمان و دراسة أدلّة الموافق و المخالف

4- التمكّن من بذل النفقة شرط لزوم العقد إذا كانت جاهلة

5- لو تجدّد عجز الزوج عن بذل النفقة

6- وجوب الإجابة على الولي و عدمه

7- لو انتسب إلى قبيلة فبان عدمها

8- يكره التزويج بالفاسق

9- لو تزوّج بامرأة ثمّ علم بأنّها زنت

10- الكلام في الرجوع إلى المهر

11- أحكام التعريض بالخطبة

12- إذا تزوّجت المطلّقة ثلاثا مع شرط الطلاق و فيها صور ثلاث

13- في نكاح الشغار و حكمه و صوره.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 7

الكفاءة في النكاح و لواحقها

الأول: المؤمن كفؤ المؤمن

لا إشكال في شرطيّتها و إنّما الكلام في المراد منها، و فسّرها المحقق:

بالتساوي في الإسلام في كتابيه: الشرائع، و النافع، و تبعه الشهيد الثاني في المسالك، و المحدّث الكاشاني في المفاتيح، و نقله في المسالك، عن الشيخ المفيد و ابن حمزة، للإجماع على اعتباره و عدم الدليل الصالح لاعتبار غيره، و المراد من الإسلام في المقام، هو التصديق القلبي بتوحيده سبحانه و نبوّة نبيّه محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم و جميع ما جاء به من المعارف و الأصول و الأحكام إجمالا و إن لم يعرفها تفصيلا، و إن كان منكرا لبعض ما جاء به قطعا عن اجتهاد أو تقليد للآباء و يزعم أنّه ليس ممّا جاء به كإمامة الإمام أمير المؤمنين و أولاده المعصومين عليهم السّلام.

و يقابله، الإيمان الذي يؤمن بإمامته و إمامة من نصّ على إمامتهم النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم- نعم ربّما يطلق الإسلام على مجرد التلفّظ بالشهادتين،

مع عدم حصول الإذعان، في مقابل الإيمان الذي يراد منه الإذعان بهما و على ذلك جرى القرآن الكريم في مورد إيمان الأعراب، قال سبحانه: قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ «1». و لكنّه اصطلاح خاص غير مقصود في المقام بل المراد من الإسلام الإيمان و الإذعان بتوحيده سبحانه و نبوّة نبيّه و جميع ما جاء به.

______________________________

(1)- الحجرات: 14.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 8

الثاني: تزويج المؤمنة بالمخالف

و هل يشترط وراء الإسلام بالمعنى الذي عرفت، الإيمان و الاعتقاد بولاية الأئمّة الاثني عشر أو لا؟

قال العلّامة: المشهور اشتراط إيمان الزوج في نكاح المؤمنة «1» و لكن النسبة غير متحققة و المسألة ذات قولين و الأشهر هو الجواز و إليك بعض النصوص.

1- قال في الخلاف: الكفاءة معتبرة في النكاح، و هي عندنا شيئان، أحدهما، الإيمان- و الآخر- إمكان القيام بالنفقة، و قال الشافعي شرائط الكفاءة ستة: النسب، و الحرّية، و الدّين، و الصناعة، و السلامة من العيوب، و اليسار، ثمّ نقل أقوال أبي حنيفة و أصحابه، مثل أبي يوسف، و محمّد بن الحسن الشيباني فبعضهم حذف الحريّة و السلامة، و البعض الآخر، حذف الصناعة أيضا، و البعض الآخر، أثبت الصناعة و حذف الدين «2».

و لا يخفى عدم دلالته على اعتبار الإيمان بالمصطلح عندنا. و لذلك يدل الإيمان بالدين عند تبيين عقائد المخالفين، و ليس فيه أيّ إشعار بشي ء بل الظاهر أنّ المراد من الإيمان هو الدين.

2- و قال في المبسوط: الكفاءة معتبرة بلا خلاف في النكاح و عندنا هي الإيمان مع إمكان القيام بالنفقة و فيه خلاف، منهم من اعتبر ستة أشياء: النسب، و الحرية، إلى آخر

ما ذكره «3».

______________________________

(1)- و في الجواهر: 30/ 93، لم يحك أحد هنا الخلاف في ذلك عمّن علم أنّ مذهبه كفر المخالفين و نجاستهم، كالمرتضى، و ابن ادريس و غيرهما.

(2)- الخلاف: 2/ 366، مسألة 27.

(3)- المبسوط: 4/ 178.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 9

3- و قال في النهاية: و لا يجوز تزويج المؤمنة إلّا بالمؤمن و لا يجوز تزويجها بالمخالف في الاعتقاد. «1»

4- و قال ابن البراج: الأحرار من المؤمنين يتكافئون في النكاح و إن تفاضلوا في النسب و الشرف. «2»

5- و قال في السرائر: «عندنا أنّ الكفاءة المعتبرة في النكاح أمران، الإيمان و اليسار بقدر ما يقوم بأمرها» و المراد منه هو الإسلام بشهادة أنّه قال في ذيله (و ليس للمرأة الخيار إذا لم يكن موسرا و لا يكون العقد باطلا بل الخيار إليها و ليس كذلك خلاف الإيمان الذي هو الكفر إذا كان كافرا فانّ العقد باطل «3» فتأمل.

6- و قال ابن حمزة يكره أن يزوّج كريمته من خمسة: المستضعف المخالف إلّا مضطرا «4».

7- و قال المحقق فيه روايتان: أظهرهما الاكتفاء بالإسلام و إن تأكّد استحباب الإيمان و هو في طرف الزوجة أتم لأنّ المرأة تأخذ من دين بعلها «5».

8- و قال يحيى بن سعيد: و الكفاءة في النكاح: الإسلام و اليسار بقدر مئونتها فان بان أنّه لا يقدر فلها الفسخ «6».

9- و قال العلامة في التذكرة: ذهب أكثر علمائنا إلى أنّ الكفاءة المعتبرة في النكاح شيئان: الإيمان و إمكان القيام بالنفقة برواية الصادق عليه السّلام عن النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم عند ما أمر النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بتزويج الأبكار فقام رجل

قال: يا رسول اللّه فممّن نزوّج؟

قال: «الأكفّاء» قال: يا رسول اللّه من الأكفّاء، فقال: «المؤمنون بعضهم أكفاء بعض» «7».

______________________________

(1)- النهاية: 458.

(2)- المهذّب: 2/ 179.

(3)- السرائر: 2/ 557.

(4)- الوسيلة: 291.

(5)- الجواهر: 30/ 92.

(6)- الجامع للشرائع: 439.

(7)- التذكرة: كتاب النكاح: 2/ 604 البحث السابع: في الكفاءة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 10

10- يقول فقيه عصره، السيّد الاصفهاني في وسيلته: «و أمّا نكاح المؤمنة المخالف غير الناصب ففيه خلاف و الجواز مع الكراهة لا يخلو من قوة و حيث إنّه نسب إلى المشهور عدم الجواز فلا ينبغي ترك الاحتياط مهما أمكن» «1».

11- يقول السيّد الخوئي: يجوز للمؤمنة أن تتزوّج بالمخالف على كراهية بل الأحوط تركه إلّا إذا خيف عليه الضلال «2» و على الجملة لم نجد نصّا من القدماء و لا من المتأخرين بعد المحقق إلى زمن سيّد المدارك و الحدائق على منع تزوّج المؤمنة من المخالف إلّا الشيخ في النهاية، و أمّا التزويج من الناصب فلا إشكال في حرمته لكفره و انكاره ما علم من الدين ضرورة فهو خارج عن مورد الكلام.

فاذا كان ملاك الكفاءة هو الإيمان و الإسلام فيجب تحديدهما.

الثالث: تحديد الإسلام و الإيمان

اشارة

هناك روايات تحدّد الإسلام و الإيمان، و أنّ الأوّل يحقن به الدماء و عليه المناكح و المواريث و الإيمان فوقه مثل:

1- موثقة سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخبرني عن الإسلام و الإيمان أ هما مختلفان؟ فقال: «إنّ الإيمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الإيمان» فقلت: فصفهما لي؟ فقال: «الإسلام شهادة أن لا إله إلّا اللّه و التصديق برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و على ظاهره جماعة

الناس».

الخ «3»

2- صحيحة فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «إن الإيمان يشارك الإسلام و لا يشاركه الإسلام، إن الإيمان ما وقر في القلوب،

______________________________

(1)- وسيلة النجاة: 2/ 388، المسألة 8.

(2)- منهاج الصالحين: 2/ المسألة 1298.

(3)- الكافي: 2/ 25- 26، كتاب الايمان و الكفر، باب أنّ الإيمان يشرك الإسلام.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 11

و الإسلام ما عليه المناكح و المواريث و حقن الدماء، و الإيمان يشرك الإسلام و الإسلام لا يشرك الإيمان «1».

3- خبر حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السّلام سمعته يقول: «... و الإسلام ما ظهر من قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها، و به حقنت الدماء، و عليه جرت المواريث، و جاز النكاح» 2.

4- صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام بم يكون الرجل مسلما تحلّ مناكحته و موارثته؟ و بم يحرم دمه؟ قال: «يحرم دمه بالإسلام إذا ظهر، و تحلّ مناكحته و موارثته» «3».

و تفسير المناكحة في هذه الروايات بمناكحة هؤلاء بعضهم ببعض لا مع العارف و العارفة- كما ترى- مع تصريحه «من الفرق كلّها» مع أنّ الحكم بصحّة نكاحهم لا يتوقف على إسلامهم، إذ «لكلّ قوم نكاح» و إن لم يكونوا مسلمين.

5- صحيح علاء بن رزين، أنّه سأل أبا جعفر عليه السّلام عن جمهور الناس، فقال: «هم اليوم أهل هدنة، تردّ ضالّتهم، و تؤدّى أمانتهم، و تحقن دماؤهم و تجوز مناكحتهم و موارثتهم في هذه الحال» «4».

6- خبر القاسم الصيرفي شريك المفضل قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «الإسلام يحقن به الدم، و تؤدّى به الأمانة، و تستحلّ به

الفروج، و الثواب على الإيمان» «5».

7- صحيحة أبان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المستضعفين؟ فقال:

______________________________

(1) و 2- الكافي: 2/ 26، كتاب الايمان و الكفر، باب أنّ الإيمان يشرك الإسلام، الحديث 3 و 5.

(3)- الوسائل: 14/ الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 17.

(4)- الوسائل: 14/ الباب 12 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 1.

(5)- الوسائل: 14/ الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 12

«هم أهل الولاية» فقلت: أيّ ولاية؟ فقال: «أما أنّها ليست بالولاية في الدين و لكنّها الولاية في المناكحة و الموارثة و المخالطة» «1».

8- خبر حمران الذي هو أيضا بهذا المضمون 2.

9- صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الإيمان؟

فقال: «الإيمان ما كان في القلب، و الإسلام ما كان عليه التناكح و المواريث و تحقن به الدماء» 3.

10- خبر هشام بن الحكم عند ما سئل عن تزويج العجم من العرب و العرب من قريش و قريش من بني هاشم فقال: نعم. فقيل له: عمّن أخذت هذا؟ قال عن جعفر بن محمّد عليه السّلام سمعته يقول: «أ تتكافأ دماؤكم و لا تتكافأ فروجكم» «4».

11- خبر الفضيل بن يسار، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرأة العارفة هل أزوّجها الناصب؟ قال: «لا، لأنّ الناصب كافر» قلت: فأزوجها الرجل غير الناصب و لا العارف؟ فقال: «غيره أحبّ إليّ منه» «5».

و حمل «أفعل» التفضيل على غير التفضيل كما فعل صاحب الحدائق، خلاف الظاهر، بمعنى أنّه محبوب دون ذاك كما في قوله تعالى: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّٰا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ «6» و لو لا القرينة في الآية لما

حمل على الخلوّ من الفضل، كما لا يخفى.

هذه الروايات و غيرها صريحة في الجواز و لا يمكن العدول عنها إلّا بدليل قاطع، و إليك ما استدلّ به صاحب الحدائق على المنع.

______________________________

(1)- 3- الوسائل: 14/ الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث: 5 و 12 و 13.

(4)- الوسائل: 14 الباب 26 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث: 3.

(5)- الوسائل: 14 الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث: 11.

(6)- يوسف: 33.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 13

أدلّة المانع

استدل القائل بعدم الجواز بروايات نذكرها:

1- معتبرة «1» علي بن مهزيار، قال: كتب علي بن أسباط، إلى أبي جعفر عليه السّلام في أمر بناته و أنّه لا يجد أحدا مثله. فكتب إليه أبو جعفر عليه السّلام: «فهمت ما ذكرت من أمر بناتك و أنّك لا تجد أحدا مثلك، فلا تنظر في ذلك رحمك اللّه، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوّجوه إِلّٰا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسٰادٌ كَبِيرٌ» «2».

2- صحيحة إبراهيم بن محمّد الهمداني، قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام في التزويج فأتاني كتابه بخطّه: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «إذا جاءكم من ترضون خلقه» الخ 3.

3- معتبرة الحسين بن بشّار الواسطي قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام أسأله عن النكاح؟ فكتب إليّ: «من خطب إليكم فرضيتم دينه و أمانته فزوّجوه» الخ 4.

وجه الاستدلال أنّ المخالف ممّن لا يرضى بدينه.

و أجاب الشهيد الثاني بأنّ قوله: «ممّن ترضون دينه» محمول على الاستحباب بقرينة اشتراط الخلق بمعنى السجية في الحديث الأوّل و الثالث و الأمانة في الحديث

الثالث، مع عدم كونهما شرطا في صحّة العقد، و هذا دليل على أنّه قصد من اشتراط كلّ من الأمرين الكمال.

و ردّ عليه صاحب الحدائق بأنّ الخلق بمعنى الدين كما في قوله سبحانه:

______________________________

(1)- و التعبير بها لأجل وقوع سهل بن زياد في طريقها.

(2)- 4- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1- 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 14

إِنْ هٰذٰا إِلّٰا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ «1» و لكنّه غير تام لأنّ حمل الخلق على الدين خلاف الظاهر «2».

و الاولى أن يقال: إنّ الدين في الروايتين الاوليين هو الإسلام، بشهادة كونهما حاكيتين قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و هو في لسانه يوم ذاك هو الإسلام لا الإسلام المقيّد بالولاية و قال سبحانه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّٰهِ الْإِسْلٰامُ «3». و وروده في لسان أبي جعفر عليه السّلام مستقلّا في الرواية الثالثة لا يدلّ على أنّ المقصود هو الإيمان لأنّه حاك قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و إن لم يصرّح بالحكاية فيها لتصريحه بها في المكاتبتين الأولى و الثانية، فلاحظ.

و المراد أنّه إذا كان الرجل مسلما لا نصرانيّا و لا يهوديّا و لا مجوسيّا فزوّجوه فانّ المسلم كفؤ المسلم و لا يطلبوا شيئا غيره، و إلّا و الصبر إلى أن يخطب رجل مثلك (علي بن أسباط) يستعقب الفتنة و الفساد بين الشباب.

4- خبر زرارة بن أعين، على رواية الكافي لوقوع موسى بن بكر في سنده، و صحيحه على رواية الصدوق، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تزوّجوا في الشّكاك و لا تزوّجوهم فانّ المرأة تأخذ من أدب زوجها و يقهرها على دينه» «4».

و كون الشكاك

مبهم المراد، لا يضرّ بالاستدلال، لأنّ العبرة في الاستدلال على عموم التعليل. و الاستدلال تام، لو لا المعارض و قد عرفته، فينتهي الأمر إلى الجمع أو الطرح كما سيوافيك.

5- خبر فضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ لامرأتي اختا

______________________________

(1)- الشعراء: 137.

(2)- و يؤيّده قوله عليه السّلام في مكاتبة الحسين بن بشّار الواسطي: لا تزوّجه إن كان سيّئ الخلق. الوسائل:

14 الباب 30 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

(3)- آل عمران: 19.

(4)- الوسائل: 14 الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث: 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 15

عارفة على رأينا و ليس على رأينا بالبصرة إلّا قليل، فأزوّجها ممّن لا يرى رأيها؟ قال:

«لا و لا نعمة إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: فَلٰا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّٰارِ لٰا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لٰا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ» «1».

و الخبر ضعيف لأنّ «علي بن يعقوب» في السند لم يوثّق. و لعلّ المراد الناصب بقرينة خبر الآتي.

6- خبره الآخر، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن نكاح الناصب، فقال:

«لا و اللّه، ما يحلّ» قال فضيل: ثمّ سألته مرّة أخرى، فقلت: جعلت فداك ما تقول في نكاحهم؟ قال: «و المرأة عارفة»؟ قلت: عارفة، قال: «إنّ العارفة لا توضع إلّا عند عارف» «2».

و الخبر ضعيف لإرساله لأنّ الحسن بن محمّد بن (سماعة) رواه عن غير واحد و لم يسمّهم.

7- خبره الثالث، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرأة العارفة هل أزوّجها الناصب؟ قال: «لا، لأنّ الناصب كافر» قلت: فأزوّجها غير الناصب و إلّا العارف؟ فقال «غيره أحبّ إليّ منه» 3.

و الخبر ضعيف، لوقوع أبي جميلة في سنده و هو الفضل بن صالح

الأسدي، أضف إليه ضعف الدلالة، لما عرفت عند الاستدلال بخبر الفضيل بن يسار (الخبر الحادي عشر من أدلّة المجوّزين).

8- صحيح عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الناصب الذي قد عرف نصبه و عداوته هل يزوّجه المؤمن و هو قادر على ردّه و هو لا يعلم بردّه؟ قال: «لا يتزوّج المؤمن الناصبة و لا يتزوّج الناصب المؤمنة، و لا يتزوّج

______________________________

(1)- الوسائل: 14/ الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 4، و الآية 10 من سورة الممتحنة.

(2) و 3- الوسائل: 14، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 5 و 15.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 16

المستضعف مؤمنة «1».

و العبرة بالفقرة الأخيرة.

و الرواية صحيحة و عبد الرحمن بن أبي نجران، الواقع في طريقه، ثقة، و لكن الاعتماد عليها مشكل لورود الترخيص في تزويج المستضعف، مثل: صحيحة عمر ابن أبان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المستضعفين؟ فقال: «هم أهل الولاية» فقلت أيّ ولاية؟ فقال: «أما أنّها ليست بالولاية في الدين، و لكنّها الولاية في المناكحة، و الموارثة و المخالطة، و هم ليسوا بالمؤمنين و لا الكفّار، منهم المرجون لأمر اللّه عزّ و جلّ» «2».

و مثله خبر حمران 3.

و مع ذلك يشكل الاعتماد عليه، و عند ذلك يتعيّن الحمل على الكراهة.

9- التمسّك بالنهي عن تزويج الناصب «4» غير أنّه يجب تحقيق مفهوم الناصب حديثا و لغة، أمّا الأوّل فقد فسّر بوجوه:

1- مطلق المخالف غير المستضعف بمعنى كلّ من قدّم على علي عليه السّلام «5».

2- المبغض للشيعة و إن لم يكن مبغضا عليا و أولاده عليهم السلام كما يدلّ عليه ما رواه الصدوق في رواية

«... و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم أنّكم تتولّونا و أنّكم من شيعتنا» «6».

3- المبغض لأئمة أهل البيت و المعلن بعدائهم.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 3.

(2) و 3- الوسائل: 14 الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث: 5، 12.

(4)- الوسائل: 14 لاحظ روايات الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر.

(5)- الوسائل: 19 الباب 68 من أبواب قصاص النفس الحديث 4.

(6)- الوسائل: 19 الباب 68 من أبواب قصاص النفس الحديث 2 و 3، عقاب الأعمال: 247.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 17

و أمّا اللغة، ففي القاموس: و النواصب، و الناصبية، و أهل النصب: المتدينون ببغض علي- رضي اللّه عنه- لأنّهم نصبوه أي عادوه. و هو كما ترى يفسّر الناصب بالمعنى الأخص.

فنقول: إنّ النصب ذو مراتب و من مراتبه الخفيفة، هو بغض الشيعة، مع عدم بغض أئمتهم- عليهم السلام- لكن ذلك لا يثبت أنّ النصب بهذا المعنى هو الموضوع لحرمة التزويج و لنجاسته و حرمة ذبيحته، إذ من الجائز أن يكون الموضوع لحرمتها هو المرتبة الشديدة و هو من أبغض أهل البيت كما هو المصرّح به في بعض الروايات. ففي رواية الفضيل بن يسار، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرأة العارفة هل أزوّجها الناصب؟ قال: «لا، لأنّ الناصب كافر» قلت: فازوّجها الرجل غير الناصب و لا العارف؟ فقال: «غيره أحبّ إليّ منه» «1».

و قد ورد في لسان الروايات قولهم «الناصب لنا أهل البيت» فاذا تردّد المخصص بين الأقل و الأكثر و كان منفصلا فالمرجع هو عمومات جواز النكاح إلّا ما خرج بالدليل.

و حصيلة البحث: أنّ الروايات على طائفتين إحداهما: صريحة في جواز

التزويج و فيها الصحيح و غيره، ثانيتهما: ظاهرة في المنع القابل للحمل على الكراهة. و أكثرها أخبار، لا صحاح، و بذلك يحصل التوفيق بين الطائفتين.

و أمّا ما صنعه صاحب الحدائق «2» من حمل ما دلّ على الجواز، على التقية و استشهد بأمثلة أو ما صنعه صاحب الوسائل حيث قال في عنوان الباب: «باب جواز مناكحة الناصب عند الضرورة و التقية» فغير تامّ جدّا.

لأنّ التقية لا تثبت إلّا جواز العمل و أمّا ثبوت النسب و الأولاد، و المواريث

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 11.

(2)- الحدائق: 24/ 60.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 18

فيحتاج إلى الدليل، على أنّه يتفرّع على القول به مفاسد لا يلتزم بها الفقيه، من انفساخ العقد لو تجدّدت المعرفة للزوجة إذا كانت قبل الدخول و توقفه إلى انقضاء العدة، إذا تجدّدت بعده.

و الظاهر، هو الجواز إلّا إذا خيف على المؤمنة الضلال فتحرم بالعنوان الثانوي كما لا يخفى.

أضف إلى ذلك أنّه لو كان أمرا غير جائز، يجب تضافر النصوص عنهم عليهم السّلام عليه لكثرة الابتلاء.

الرابع: هل التمكن من النفقة شرط، أو لا؟

اشارة

يظهر من الشيخ و من بعده إلى زمان المحقق، أنّ للكفاءة دعامتين أحدهما:

الإيمان، و الآخر: إمكان القيام بالنفقة، و إليك بعض النصوص.

قال الشيخ المفيد: المسلمون الأحرار يتكافئون بالإسلام و الحريّة في النكاح، و إن تفاضلوا في الشرف بالأنساب، كما يتكافئون في الدماء و القصاص، فالمسلم إذا كان واجدا طولا للإنفاق بحسب الحاجة على الأزواج مستطيعا للنكاح، مأمونا على الأنفس و الأموال و لم تكن به آفة في عقله و لا سفه في الرأي فهو كفؤ في النكاح «1».

قال في الخلاف: الكفاءة معتبرة في النكاح، و هي عندنا شيئان، أحدهما:

الإيمان، و

الآخر: إمكان القيام بالنفقة، و قال في مسألة أخرى: اليسار المراعى ما يمكّنه معه القيام بمئونة المرأة و كفايتها. «2»

و قال في المبسوط: الكفاءة عندنا الإيمان مع إمكان القيام بالنفقة. «3»

______________________________

(1)- المقنعة: 512.

(2)- الخلاف: 2/ كتاب النكاح، المسألة: 27 و 32.

(3)- المبسوط: 4/ 179.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 19

و قال القاضي في المهذّب: الأحرار من المؤمنين يتكافئون في النكاح، و إن تفاضلوا في النسب و الشرف كما يتكافئون في الدماء و إن تفاضلوا في الشرف بالأنساب فمن كان منهم عاقلا قادرا على نفقات الزوجات بحسب الحاجة .. «1»

و قال ابن سعيد في جامع الشرائع: و الكفاءة في النكاح، الإسلام، و اليسار بقدر مئونتها، فإن بان أنّه لا يقدر، فلها الفسخ «2».

نعم تردّد المحقق و رجّح العدم، و قال: و هل يشترط تمكّنه من النفقة؟ قيل:

نعم، و قيل: لا، و هو الأشبه.

و يظهر من الشهيد في المسالك: إنّ عدم الاشتراط هو المشهور.

و على كلّ تقدير، فالمسألة خلافيّة ناشئة من اختلاف النصوص، أو اختلاف الاستنتاج منها.

و على القول بالشرطية، هل هو شرط الصحّة، كالإيمان بحيث يكون العقد بدونه باطلا مطلقا، أو في صورة الجهل أو شرط اللزوم، فلها الفسخ لو بدا فقره، أو هو شرط لوجوب إجابة الولي على القول به، إذا خطب المؤمن القادر على النفقة وجبت إجابته و إن كان أخفض نسبا، و لو امتنع الولي كان عاصيا؟

أمّا الاحتمال الأوّل، فقد نفاه الشيخ في المبسوط، حيث قال: و متى رضي الأولياء و المزوّجة بمن ليس بكف ء و وقع العقد على من دونها في النسب و الحرّية و الدين و الصناعة و السلامة من العيوب و اليسار كان العقد صحيحا بلا خلاف

إلّا الماجشوني، فانّه قال: الكفاءة شرط في صحّة العقد فمتى لم يكن كفؤا كان العقد باطلا «3».

______________________________

(1)- المهذب: 2/ 179.

(2)- الجامع للشرائع: 439.

(3)- المبسوط: 4/ 179.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 20

و بذلك يظهر ضعف ما نسبه صاحب الحدائق إلى القائل بالاشتراط بقوله:

و ظاهرهم أنّه شرط في صحّة النكاح و هو منقول عن الشيخ في المبسوط و العلّامة في التذكرة «1».

و قد عرفت أنّ الشارط لا يقول بكونه شرطا للصحّة و إلّا يجب أن يحكم بالبطلان مطلقا و إن رضيت مع أنّ ظاهر كلامه الصحّة إذا رضيت مطلقا قارن العقد أم لحقه. فهذا الاحتمال باطل بالاتفاق.

و أمّا الثاني أي كونه شرطا للزوم العقد، فهو الظاهر من ابن سعيد في جامعه كما عرفت، حيث قال: «فان بان أنّه لا يقدر فلها الفسخ» و يحتمل الثالث، لأنّ إجابة الولي مشروطة بوجود المصلحة، أو عدم المفسدة في مورد المنكوحة، و ليس العقد للصعلوك خاليا عن المفسدة و لا أقلّ ليس مقترنا بالمصلحة.

و إليك دراسة الاحتمالين:

1- عدم كونه شرطا للزوم العقد

ربّما يقال بعدم كونه شرطا للزوم العقد، و يستدل عليه بوجوه:

الأوّل: قوله سبحانه: وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَ الصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَ إِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ «2» قائلا بأنّ مقتضى إطلاق الآية بل نصّها عدم اشتراط اليسار في جانب الزوج فيصحّ عقده من الفقير أيضا.

يلاحظ عليه: أنّ الإطلاق منصرف عن الصعلوك الذي لا يقدر على تأمين معيشة زوجته على أقلّ الحدّ.

الثاني: ما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عن طريق أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال: «إذا

______________________________

(1)- الحدائق: 24/ 70.

(2)- النور: 32.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 2، ص: 21

جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوّجوه إلّا تفعلوا، تكن فتنة في الأرض و فساد كبير» «1».

و الظاهر انصرافه عن أقلّ التمكّن من الانفاق نفيا و اثباتا و هي بصدد نفي سائر الملاكات التي كانت رائجة في الجاهلية و بعدها، حتى جعل أهل السنّة، النسب و الصناعة و السلامة من العيوب من مقوّمات الكفاءة كما حكاه الشيخ في الخلاف «2».

الثالث: ما نقله الصدوق بسند ضعيف، و رواه الكليني مرسلا عن الرضا عليه السّلام: قال: «نزل جبرئيل على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال: يا محمّد ربّك يقرئك السلام و يقول:

إنّ الأبكار من النساء بمنزلة الثمر على الشجر (فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللّه فمن نزوّج؟ فقال: الأكفّاء، فقال: و من الاكفّاء؟ فقال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض) ثمّ لم ينزل (من المنبر) حتى زوّج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، المقداد بن الأسود الكندي ثمّ قال: أيّها الناس، إنّما زوّجت ابنة عمّي المقداد الكندي ليتّضع النكاح» «3».

أقول: الرواية منصرفة عن أقلّ حدّ المعيشة، و إنّما هي بصدد نفي سائر الملاكات التي كانت محورا للتزويج.

و بذلك يظهر مفاد كثير من الروايات الواردة في هذا المضمار «4»، و يدلّ على ذلك تعليل تزويج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير «5» بقوله سبحانه: إِنَّ

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث: 1- 2.

(2)- الخلاف: 2 كتاب النكاح، المسألة 27.

(3)- الوسائل: 14 الباب 23 من أبواب مقدّمات النكاح الحديث 2- 3، و ما بين القوسين موجود في رواية الكليني.

(4)- الوسائل: 14 الباب 25 من أبواب مقدّمات النكاح.

(5)- الوسائل: 14 الباب: 26 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1- 2.

نظام النكاح في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 22

أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ «1» فإنّ التعليل يدل على كونه بصدد نفي سائر الملاكات إلّا التقوى و لا صلة له بما ينفق لأجل العيش.

و أمّا أمره لجويبر لأنّ ينطلق إلى زياد بن لبيد حتّى يزوّجه ابنته الدلفاء، مع كونه فاقدا لكلّ شي ء حتّى المال إلّا الإيمان الخالص. «2» فلم يعلم منه عجزه عن القيام بالمعيشة و لو سلّم فيحتمل كونه من باب الولاية لا أنّه مع فقره كان كفؤا شرعيا لبنت زياد، كما أمر الإمام الباقر عليه السّلام ابن أبي رافع أن يزوّج بنته من منجح بن رياح الفقير الغريب 3. فلا يظهر من هذه الروايات أنّ المؤمن الفقير غير القادر على تأمين معيشة الزوجة كفو شرعي تجب على الولي الموافقة. و لو زوّجها يكون العقد لازما عليها.

2- استظهار كونه شرطا

و يمكن استظهار الاحتمال الثاني أي كونه شرطا للزوم العقد من الوجوه التالية:

الأوّل: قوله سبحانه: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ فَتَيٰاتِكُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ «4».

فالطول بمعنى الغناء و التطاول على الناس، التفضّل عليهم، و المعنى: من لم يجد منكم شيئا أن ينكح المحصنات أي الحرائر فمن ما ملكت أيمانكم فتدل على اشتراط الطول في تزويج الحرائر.

يلاحظ عليه: أنّ وجه العدول من الحرائر إلى الإماء لأجل قلّة مهورهنّ و خفّة مئونتهنّ و إلّا فالفاقد للنفقة، لا يدوم نكاحه، لا مع الحرائر و لا مع الإماء و ليست

______________________________

(1)- الحجرات: 13.

(2) و 3- الكافي: 5/ 339- باب أنّ المؤمن كفؤ المؤمنة، الحديث 1.

(4)- النساء: 25. المراد إماء الغير لا ما يملكه الرجل.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 23

الإماء غنية عن النفقة دون

الحرائر، و لذلك علّل الطبرسي وجه العدول بقوله: «لأنّ مهور الإماء أقلّ و مئونتهنّ أخفّ في العادة» «1» فالآية لا صلة لها بما نحن فيه.

الثاني: مرسلة أبان عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الكفؤ أن يكون عفيفا و عنده يسار» «2».

الثالث: صحيح محمد بن الفضيل (بن غزوان الثقة) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الكفؤ أن يكون عفيفا و عنده يسار» 3.

الرابع: خبر عبد اللّه بن الفضل الهاشمي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«الكفؤ أن يكون عفيفا و عنده يسار» «4».

و الظاهر أنّ المراد من اليسار، هو القيام على النفقة اللازمة، لا الغنى فيتم الاستدلال.

الخامس: روى البيهقي أنّ فاطمة بنت قيس أخبرت النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّ معاوية يخطبها، فقال: «إنّ معاوية صعلوك لا مال له» «5».

فالقول بكون اليسار شرطا للزوم العقد إذا كانت جاهلة، هو الأقوى.

و لم نقل بالشرطية مطلقا لأنّ الزوجة لو كانت عالمة بفقر الزوج و عدم تمكّنه، من النفقة المناسبة لشأنها، لم يكن لها خيار، و أمّا لو كانت جاهلة فبما أنّ الصبر لهذا النوع من الحياة لا يخلو عن حرج و مضيقة، فترفع الشكوى إلى الحاكم، من دون أن يكون لها حقّ الفسخ، لأنّ أسباب الفسخ محصورة، فإمّا يبذل الحاكم له من بيت المال فيسدّ عيلته أو يأمره بالطلاق، أو يطلّق و لا يلزم من القول بعدم الشرطية حرج.

______________________________

(1)- مجمع البيان: 2/ 34.

(2) و 3- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث: 4 و 5.

(4)- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 7.

(5)- السنن الكبرى: 7/ 135 باب اعتبار اليسار الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء،

ج 2، ص: 24

الخامس: لو تجدّد عجز الزوج عن النفقة

لو تجدّد عجز الزوج عن بذل النفقة للزوجة و كان قادرا عليها هل تتسلّط الزوجة بذلك على الفسخ أو لا؟ فقال المحقّق: فيه روايتان، أشهرهما عملا أنّه ليس لها ذلك، أي الفسخ لا بنفسها و لا بالحاكم، و في المسالك: أنّه المشهور.

أقول: في المسألة وجوه و احتمالات:

1- عدم التسلّط على الفسخ، نسب إلى المشهور.

2- إنّ لها السلطة على الفسخ.

3- ما نقله كشف اللثام، بأنّ الحاكم يفسخه، و إلّا فسخت بنفسها.

استدل على التسلّط على الفسخ بوجوه:

1- قوله سبحانه: الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ «1» وجه الاستدلال: أنّ قوله سبحانه: «فإمساك» بمنزلة قوله: أي بعد المرّتين لا مناص عن أحد الأمرين: إمّا الإمساك بمعروف، و إمّا الطلاق و التسريح الذي لا رجوع بعده، و الإمساك بمعروف في مقابل الإمساك بخلافه، فالإمساك بالجوع و البؤس ليس إمساكا بالمعروف، غاية الأمر أنّه مع الاستطاعة لا يكون مقصّرا، أمّا مع عدمها يكون قاصرا.

و على كل تقدير، لا يعدّ ذلك إمساكا بمعروف، و ما في الجواهر: «من منع كون الإمساك بلا نفقة من غير المعروف مع الإعسار و كونها دينا عليه» «2» غير تام، لأنّه إذا كان الصبر على مثل تلك الحياة حرجيا، و كان الزوج قادرا لأن يخليها، فإمساكها و الحال هذه يعدّ إمساكا بغير معروف، و كونه دينا عليه، لا يجعل الإمساك معروفا إلّا إذا كان الأمر مؤقتا معجّلا يرتفع بسرعة.

______________________________

(1)- البقرة: 229.

(2)- الجواهر: 30/ 106.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 25

2- صحيح ربعي بن عبد اللّه، و الفضيل بن يسار جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّٰا آتٰاهُ اللّٰهُ

قال: «إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة، و إلّا فرّق بينهما» «1».

3- صحيح أبي بصير المرادي، و هو مثل ما تقدم 2.

و قد رتب فخر المحققين، الخيار في المقام على ورود الخيار، في المسألة السابقة، مع أنّه قياس مع الفارق لإمكان وجود الخيار في العسر الابتدائي دون الاستدامي كما هو الحال في بعض العيوب الطارئة فهي موجبة للفسخ ابتداء لا استدامة.

و على كلّ تقدير فلو تم ما ذكرناه فهو و إلّا فلا محيص عمّا ذكرناه في المسألة السابقة من رفع الشكوى إلى الحاكم الخ.

السادس: وجوب الإجابة على الولي و عدمه

قال المحقق: «لو خطب المؤمن القادر على النفقة وجبت إجابته و إن كان أخفض نسبا، و لو امتنع الولي كان عاصيا» و لا بد من تقييده بما إذا لم يكن التزويج منه مكروها كالفاسق و لم يعلم فيه شي ء من المسلّطات للفسخ و لم تأبّ المولى عليه و لم يكن الهدف من الإباء العدول إلى أحسن منه أو مثله و إلّا لم تجب الإجابة، و الغالب على امتناع الأولياء هو الوجه الأخير، و لأجل ذلك قيّد الشيخ في النهاية ببعض الأمور و قال: «و إذا خطب المؤمن إلى غيره ... و لا يكون مرتكبا لشي ء من الفجور و إن كان حقيرا في نسبه، قليل المال فلم يزوّجه كان عاصيا مخالفا لسنّة نبيّه» «3».

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15 الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 1- 2، و الآية 7 من سورة الطلاق.

(3)- النهاية: 463.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 26

و على كلّ تقدير فمصدر الحكم ما روي عن النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم من أنّه «إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوّجوه

إِلّٰا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسٰادٌ كَبِيرٌ» «1».

ببيان اقتضاء الأمر للوجوب و استلزام مخالفته، العصيان.

و في الاستدلال نظر:

لأنّ الأمر في المقام إرشادي، لا مولوي لا يترتّب على مخالفته أيّة تبعة سوى شيوع الفساد و يكون المانع معينا عليه، و لكن كلّ ذلك إذا لم يكن الزواج مقرونا بما لا تحمد عاقبته فعندئذ جاز له الإباء لأنّ اعتبار رضا الولي ليس إلّا كونه أبصر بالوضع.

نعم لو كان الزواج مقرونا بالصلاح أو خاليا عن المفسدة، و لكن كان الإباء لأمور لا صلة لها به، تسقط ولايته و يكون الخيار بيد المولّى عليها، إن رضي.

السابع: لو انتسب لقبيلة فبان من غيرها

اشارة

صور المسألة: إمّا أن يكون الانتساب من الدواعي، أو من الأمور المبني عليها العقد إمّا الاتفاق عليه قبل العقد أو بذكره في العقد، وصفا أو شرطا، و على كلّ تقدير فظهور الخلاف بتبيّن كونه منسوبا إلى قبيلة أعلى، أو أدنى أو المساوي.

فقد ذكره الشيخ في النهاية التي لا يذكر فيها سوى المسائل المتلقاة من الأئمة عليه السّلام قال: «و إذا انتمى رجل إلى قبيلة بعينها، و تزوّج فوجد على خلاف ذلك بطل التزويج» «2».

و عمل به ابن سعيد في جامعه، حيث قال: في الفصل الذي عقده لبيان موارد فسخ النكاح «أو على أنّه من قبيلة أو أب مخصوصين فيظهر خلافهما» «3».

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1.

(2)- النهاية: 498.

(3)- الجامع للشرائع: 463.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 27

لا شكّ في أنّه لا يترتّب عليه الأثر لو كان الانتساب من الدواعي المخزونة في قرارة المزوّجة فزعمت أنّ الرجل هاشمي فزوّجت نفسها منه ثمّ بان خلافه من دون أن يبنى عليه العقد، أو يذكر فيه، من

غير فرق بين وحدة المطلوب أو تعدده، لأنّ ما يجب الوفاء به هو ما يقع تحت الإنشاء قولا أو فعلا، أو كان ممّا بني عليه العقد باتفاق الطرفين دون الخارج عنهما، إذ لا يعدّ من العقد حتّى يشمل قوله تعالى:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

كما أنّه لا شكّ إذا وكّل الغير في تولّي العقد مقيّدا بإجرائه على الهاشمي، أو رضي بعقد الولي مقيّدا بكونه هاشميا، في أنّه يقع غير صحيح، لأنّ غير الهاشمي خارج عن مصبّ الوكالة و الولاية فهاتان الصورتان خارجتان عن حريم الزواج، إنّما الكلام فيما إذا باشرت بنفسها على أحد الوجوه الماضية.

فاختار الشيخ، البطلان و تبعه ابن إدريس، فيما إذا ذكر في العقد سواء كان من قبيلة أدنى أو أعلى، و اختار ابن سعيد، الخيار للزوجة، و ذهب المحقّق، و الشهيد الثاني، إلى عدم الخيار، و جعله أشبه بأصول المذهب و قواعده.

و استدل للخيار بصحيح حمّاد عن الحلبي في حديث قال: «و قال في رجل يتزوّج المرأة فيقول لها: أنا من بني فلان، فلا يكون كذلك، فقال: يفسخ النكاح أو قال تردّ» «1».

أورد عليه، بالإضمار تارة، و أجيب عنه، بعدم كونه مضمرا لكون الحلبي أعظم من أن يروي عن غيره، و أخرى باحتمال رجوع الضمير إلى الحلبي و يكون هو المجيب، و ثالثة: أن ادّعاء الانتماء إلى قبيلة كان بعد التزويج أخذا بظهور «يتزوّج امرأة فيقول» لأنّ الفاء للترتيب، و من المعلوم أنّه غير مؤثّر.

أقول: احتمال رجوع الضمير في «قال» إلى نفس الحلبي: دون من سأله

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 16 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 28

الحلبي مخالف لظاهر الرواية، و إليك متنه عن التهذيب، عن

الحلبي: سألته عن رجلين نكحا امرأتين فأتي هذا بامرأة ذا، و أتي هذا بامرأة ذا، قال: تعتدّ هذه من هذا، و هذه من هذا، ثمّ يرجع كلّ واحدة منهنّ إلى زوجها، و قال: في رجل يتزوّج المرأة، فيقول لها: أنا من بني فلان. الخ «1».

و الظاهر أنّ فاعل الفعلين واحد و هو الذي سأله الحلبي، و الإشكال الأخير مبني على كون الوارد في الرواية لفظ «تزوّج» بصيغة الماضي، و الوارد في «التهذيب» و في نفس الوسائل «يتزوّج» بصيغة المضارع، و مثله ليس ظاهرا في تأخير بيان الانتماء عن التزويج.

و على كلّ تقدير، فلو تمّ الاستدلال به، و إلّا فالظاهر أنّ الأمر يدور بين البطلان و نفي اللزوم. فان قلنا بعدم شمول آية الوفاء بالعقود للمقام بحجة انّه رضيت بالمقيد بما هو مقيد و لم ترض بذاته بطل العقد، و ان قلنا بشمولها له فيكون شأنه شأن كل عقد فقد شرطه يكون لها الخيار.

أضف إلى ذلك أنّ إلزام الزوجة، بالاعتناق بمثله، حرجي ناشئ من تدليس الزوج، فيكون دليل الحرج حاكما على وجوب الوفاء به.

و الحاصل: أنّ الأمر دائر بين القول بعدم شمول أدلّة وجوب الوفاء لمثل هذا العقد، و القول بشمولها له و حكومة أدلّة الحرج عليها. و على كلّ تقدير لا وجه للزوم الوفاء. نعم أيّد صاحب الجواهر، الوجه الأخير أي اللزوم، بأمور:

1- من حصر ردّ النكاح في غير ذلك في صحيح الحلبي «2».

2- و معلومية بناء النكاح على اللزوم و لم يجر فيه شرط الخيار و لذا لا يبطل النكاح بفساد المهر، و يصحّ فيه اشتراط الخيار دون نفس النكاح.

______________________________

(1)- التهذيب: 7/ 432، كتاب النكاح، باب التدليس الحديث 35.

(2)- الوسائل: 14 الباب 1 من

أبواب العيوب و التدليس الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 29

3- و المؤمنون عند شروطهم، لا يقتضي أزيد من الإلزام بالشرط القابل لأن يلزم بتأديته، لا مثل شرط أوصاف العين «1».

يلاحظ على الوجوه المذكورة:

أمّا الأوّل: فلأنّ الحصر في الحلبي إضافي، لا حقيقي، حتّى بالنسبة إلى العيوب التي هو بصدد بيانها إذ لم يذكر بعض العيوب التي يفسخ عند وجودها نظير ما جاء في صحيحة داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء، قال: «تردّ على وليّها» «2». و ما رواه الصدوق، عن عبد الحميد، عن محمّد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «تردّ العمياء و البرصاء و الجذماء و العرجاء» 3.

و قد أفتى المشهور، بالخيار في موارد أخر كما إذا عقدت على أنّه حرّ فبان عبدا أو عقد على أنّها حرّة فبانت أمة، أو عقد على أنّها بكر، فبانت غيرها إذا علم زوال بكارتها قبل العقد بزنا أو غيره ففي الجميع، الخيار.

و أمّا الثاني: فلأنّ عدم جواز شرط الخيار، لا صلة له بالخيار الطارئ من دون اختيار كما في المقام.

و أمّا عدم طروء الخيار مع فساد المهر، أو عدم ذكره لكونه خارجا عن ماهية النكاح، لأنّه رابط بين الزوجين بخلاف البيع فإنّه رابط بين المالين، و لذا يبطل النكاح إذا تردّد الزوج بين الشخصين، كالبيع إذا تردّد بين المالين.

و أمّا الثالث: فانّما يتمّ إذا كان مصدر الخيار منحصرا بقوله: «المؤمنون عند شروطهم» حتّى يقال: بانصرافه إلى القابل بالتأدية، لا ما هو خارج عن القابلية.

و الظاهر، أنّ الأشبه بالأصول هو قدرته على الفسخ، و به يتبيّن حال كثير من

______________________________

(1)-

جواهر الكلام: 30/ 113.

(2) و 3- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب التدليس، الحديث 9 و 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 30

الشروط من كونه كاتبا فبان أمّيا أو كونه موظّفا دوليا فبان خلافه أو بالعكس، و اللّه العالم.

الثامن: في تزويج المرأة بالفاسق

الفاسق هو الخارج عن طاعة اللّه من «فسقت الثمرة» إذا خرجت عن غشائها، و استدل على الكراهة بوجوه غير تامة:

1- قوله سبحانه: أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لٰا يَسْتَوُونَ «1» و هو لا يدلّ على الكراهة، بل أقصاها، نفي الاستواء، و هو غيرها.

2- «إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوّجوه» «2» و المراد من الدين هو الإسلام قبال اليهود و النصارى لا الطاعة و القيام بالوظائف.

3- الحريّ بالفاسق الإعراض، و التزويج إكرام.

يلاحظ عليه: أنّ الحريّ بالفاسق إرشاده و دعوته إلى الحقّ لا الإعراض عنه و ربّما يكون التزويج مؤثّرا في إرشاده و ليس إكرام الفاسق على الإطلاق ممنوعا، إلّا إذا كان الإكرام لفسقه، أو كونه موجبا لتماديه في الفسق، و المفروض غير ذلك، و الأقوى الاكتفاء بالموارد المنصوصة كشارب الخمر و مرتكب الزنا و تزويج المؤمنة من المخالف لما عرفت أنّ ذلك مقتضى الجمع بين الروايات.

التاسع: إذا تزوّج بامرأة ثمّ بانت أنّها زانية؟

إذا تزوّجت بامرأة على أنّها عفيفة فبان الخلاف قال: فهل له الردّ أو لا؟

لنقدّم صور المسألة و هي أربعة:

______________________________

(1)- السجدة: 18.

(2)- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 31

1- إذا تزوّج بامرأة ثمّ علم بأنّها كانت محدودة قبل العقد.

2- إذا تزوّج بامرأة ثمّ علم أنّها زنت قبل العقد.

3- إذا تزوّج بامرأة ثمّ علم أنّها زنت بعد العقد و قبل الدخول.

4- تلك الصورة و لكنّها زنت بعد الدخول.

و الصورة الأخيرة خارجة عن محلّ النزاع و قد عنونت في كلماتهم مستقلّة.

و على كلّ تقدير يقع البحث تارة في الانفساخ أو حقّ الفسخ و عدمه، و اخرى في الرجوع إلى المهر.

أمّا الأوّل، فقد نقل العلامة الأقوال الثلاثة في

المختلف.

1- قال المفيد: تردّ المحدودة من الفجور و به قال سلّار و ابن البرّاج و اختاره ابن الجنيد و أبو الصلاح أيضا و قطب الدين الكيدري.

2- و يظهر من الصدوق في المقنع انفساخ العقد، حيث قال: إذا زنت المرأة قبل دخول الزوج بها فرّق بينهما.

3- قال الشيخ في النهاية: المحدودة من الزنا لا تردّ و كذلك التي قد زنت قبل العقد فليس للرجل ردّها إلّا أنّ له يرجع على وليّها بالمهر و ليس له فراقها إلّا بالطلاق، و قال ابن ادريس: الذي يقوى في نفسي، أنّ المحدودة لا تردّ، و مثلهما المحقق في الشرائع، قال لم يكن له فسخ العقد «1».

استدل للقول الثالث، بصحيح الحلبي «2» حيث خصّ الردّ بأمور ليس منها ذلك، لكنّك عرفت أنّ الحصر فيه إضافي بشهادة أنّه لم يذكر فيه من العيوب ما يصحّ به الردّ و بمعتبرة رفاعة بن موسى النخاس (الذي نصّ النجاشي بأنّه: ثقة في حديثه، مسكون إلى روايته، و وقوع سهل في طريقه لا يضرّ لأنّ الأمر فيه سهل)،

______________________________

(1)- المختلف: 4/ 105.

(2)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 32

عن الصادق عليه السّلام عن المحدود و المحدودة، هل تردّ من النكاح؟ قال: «لا». «1»

و كفى بذلك سندا و دلالة.

و استدل على جواز الردّ بموثق إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السّلام قال: «قال علي عليه السّلام في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها زوجها، قال: يفرّق بينهما و لا صداق لها لأنّ الحدث كان من قبلها» «2».

يلاحظ عليه:- مضافا إلى اختصاصه بالصورة الثالثة، و لعلّه لأجل أنّ العار المتوجّه

إلى الزوج فيها أشدّ من الصورتين الماضيتين، فلا يمكن الغاء الخصوصية- أنّها ظاهرة في الانفساخ و هو غير المدّعى، فإنّ المدّعى أنّ له حقّ الرد، أضف إليه أنّ الشيخ قال في حقّ روايات السكوني: إنّ الطائفة عملت برواياته إذ لم توجد رواية بخلافه.

و على فرض التكافؤ، فالمرجع هو أدلّة أصالة اللزوم من العمومات إذا وجدت أو استصحاب اللزوم على فرض عدمها.

فتبيّن أنّه لا ينفسخ العقد و ليس له حقّ الرد، بل إذا شاء طلّق.

العاشر: الكلام في الرجوع إلى المهر

الرجوع إلى المهر هو الأمر الثاني و فيه- مع قطع النظر عن الردّ- قولان:

1- الرجوع مطلقا اختاره المفيد و الشيخ.

2- الرجوع إذا كان الوليّ غارّا اختاره ابن إدريس.

استدل على جواز الرجوع بصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 5 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 2.

(2)- الوسائل: 14 الباب 6 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 33

أبا عبد اللّه: عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة فعلم بعد ما تزوّجها أنّها كانت قد زنت قال:

«إن شاء زوجها أخذ الصداق ممّن زوّجها و لها الصداق بما استحلّ من فرجها و إن شاء تركها» «1».

و بصحيح الحلبي أو حسنته «لأجل إبراهيم بن هاشم «2»» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سألته عن المرأة تلد من الزنا و لا يعلم بذلك أحد إلّا وليّها، أ يصلح له أن يزوّجها و يسكت على ذلك إذا كان قد رأى منها توبة أو معروفا؟ فقال: «إن لم يذكر ذلك لزوجها ثمّ علم بعد ذلك فشاء أن يأخذ صداقها من وليّها بما دلّس عليه، كان ذلك على وليّها، و كان الصداق الذي أخذت، لها

لا سبيل عليها فيه، بما استحلّ من فرجها، و إن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس» «3».

أقول: تجب الدقّة في مفاد الفقرتين في كلّ من الحديثين:

أمّا الحديث الأوّل: فهناك احتمالات.

1- أن تكون الفقرتان راجعتين إلى صورة حفظ العلقة فهو في هذه الحالة مخيّر بين الرجوع إلى الوليّ أو ترك المرأة بحالها.

2- أن يكون الشق الأوّل راجعا إلى صورة الردّ بالطلاق و الشق الثاني إلى صورة إبقاء العلقة.

3- أن يكون على العكس الرجوع في صورة حفظ العلقة، و عدمه في صورة الردّ بالطلاق

4- رجوعهما إلى صورة الردّ بالطلاق.

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 6 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 4.

(2)- إبراهيم بن هاشم لم يوثق في كتب الرجال لكن ذكرت في حقّه كلمات تعرب عن كونه فوق الثقة فهو ثقة بلا إشكال.

(3)- الوسائل: 14 الباب 6 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 34

هذه هي الاحتمالات الأربعة و الثالث منها ضعيف لأنّ الرجوع في صورة الرّد بالطلاق أنسب من الرجوع في صورة إبقاء العلقة

و مثله الرابع لأنّه لا يناسب مع قوله عليه السّلام: «و إن شاء تركها» فيدور الأمر بين الاحتمالين.

و الاحتمال الثاني لم يقل به أحد و هو الرجوع عند قطع العلقة دون عند الحفظ فيتعيّن الأوّل من أنّ له الرجوع عند الوقوف على سابقتها مع حفظ العلقة و أولى منه إذا طلّق لأنّ تمام الموضوع للحكم هو الوقوف على السابقة مع كونها زوجته.

و أمّا الحديث الثاني فربّما يستظهر منه الاحتمال الثاني من هذه الاحتمالات بحكم الرجوع على صورة الطلاق و عدمه على صورة الإبقاء بقرينة قوله عليه السّلام:

«و إن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس»

فيكون قرينة على أنّ الشقّ الأوّل راجع إلى صورة الردّ، لكن في الاستظهار نظر، و يحتمل قويا رجوع كلتا الفقرتين إلى إبقاء العلقة بتوضيح أنّ قوله عليه السّلام: «و إن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس» من تتمة الشق الأوّل، و الهدف بيان أنّ أخذ الصداق ممّن زوّج لا يخالف الإمساك بعد الأخذ فله بعد ذلك الإمساك، فتكون النتيجة أنّ الزوج له الرجوع إلى الغارّ و أنّ له الإمساك بعد ذلك كما أنّ له الطلاق بلا إشكال فينطبق على فتوى الشيخ و ابن إدريس إذ ليس خلافهما منحصرا في صورة الإبقاء فانّه إذا جاز فيها، جاز في الردّ بالطلاق بطريق أولى.

الحادي عشر: أحكام التعريض بالخطبة

1- خطبة ذات البعل و من في حكمها كالعدّة الرجعية محرّمة، لأنّ حرمة عرض المؤمن كنفسه و ماله، و التعريض بها، و لو بعد الطلاق و قبل خروج العدّة

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 35

هتك لحرمته، مضافا إلى أنّ خطبة ذات البعل لا تخلو من مفسدة.

2- لا بأس بخطبة الخليّة من الزوج و العدّة تصريحا أو تلويحا و لعلّ فيه تأسّيا للمعصوم عليه السّلام أمّا المطلقة ثلاثا فيجوز التعريض من الزوج و غيره في العدّة و لا يجوز التصريح لا منه و لا من غيره.

و يدلّ عليه قوله سبحانه: وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسٰاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّٰهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لٰكِنْ لٰا تُوٰاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلّٰا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً «1». و إن جاز التعريض.

و الآية مطلقة تعمّ جميع أقسام العدد.

أمّا المعتدّة تسعا للعدّة فينكحها بينها رجلان و نحوها ممّا تحرم على الرجل أبدا، نظير الملاعنة و الرضاع، فلا يجوز التعريض من الزوج

فضلا عن التصريح في العدّة و خارجها.

و أمّا غيره، فيحرم التصريح في العدّة دون التعريض كما يجوز التصريح بعدها.

و أمّا المعتدّة البائنة سواء كانت عن خلع أو فسخ، فيجوز التصريح من الزوج في العدّة فضلا عن التعريض، و أمّا غيره فلا يجوز التصريح و يجوز التعريض، و إن تردّد الشيخ في التعريض لأنّها في عدّة الغير، مع جواز رجوعها إليه بنكاح.

و حاصل الكلام: أنّ المعتدّة لو كانت بحكم الزوجة يحرم التصريح و التعريض من الغير، لأنّها بحكم الزوجة، و أمّا لو لم تكن بحكم الزوجة و لكن كانت معتدّة محرّمة، فان كانت محرّمة مطلقة، لا يحلّها المحلّل فالتصريح و التعريض من الزوج ممنوع لأنّها محرّمة عليه مؤبّدا فكيف يصحّ له الخطبة؟ و أمّا

______________________________

(1)- البقرة: 235.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 36

الغير فيجوز التعريض دون التصريح لكونها معتدّة، و أمّا إذا كانت محرّمة مؤقّتة يبيحها نكاح المحلّل فيجوز التعريض أيضا لهما دون التصريح في العدّة، و أمّا بعدها فيجوز للغير التصريح أيضا دون الزوج لحرمة زواجها منه قبل المحلّل و الفرق بين التعريض و التصريح واضح إذ التعريض مثل قوله: ربّ راغب فيك أو حريص عليك، و التصريح كما إذا قال: إذا انقضت عدتك تزوّجتك.

و على كلّ تقدير، فلو خطب في موضع التحريم، ثمّ انقضت العدّة لم تحرم على الخاطب إذ ليست الخطبة في غير موضعها من المحرّمات.

و لو خطب منها فأجابت فهل يحرم على الغير خطبتها، أو لا؟ وجهان، قال المحقق بالحرمة. و الأولى الكراهة.

الثاني عشر: إذا اشترطت على المحلّل الطلاق

إذا تزوّج المحلّل، المطلقة ثلاثا و شرطت الزوجة على أنّه إذا أحلّها على زوجها السابق فلا نكاح بينهما، قال المحقق: بطل النكاح.

أقول: إنّ للمسألة صورا ثلاثا

صرّح بها الشيخ في المبسوط قال: إذا تزوّج امرأة ليبيحها للزوج الأوّل ففيه ثلاث مسائل:

إحداها: إذا تزوّجها على أنّه إذا أباحها للأوّل فلا نكاح بينهما، أو حتى يبيحها للأوّل، فالنكاح باطل بالإجماع لما روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّه لعن المحلّل و المحلل له. و روى عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم: أنّه قال: «أ لا أعرّفكم التيس المستعار؟» قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: «المحلّل و المحلّل له ...»

الثانية: تزوّجها على أنّه إذا أباحها للأوّل، أن يطلّقها فالنكاح صحيح و الشرط باطل، و قال قوم: النكاح باطل. و الأوّل أصحّ لأنّ إفساد الشرط المقارن لا يفسد العقد، و لها مهر مثلها لأنّها إنّما رضيت بذلك المسمّى لأجل الشرط فاذا

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 37

سقط الشرط زيد على المسمّى بمقدار ما نقص لأجله، و ذلك مجهول فصار الكلّ مجهولا فسقط المسمّى و وجب مهر المثل.

الثالثة: إذا نكحها معتقدة بأنّه يطلّقها إذا أباحها، أو أنّه إذا أباحها فلا نكاح بينهما ثمّ تعاقدا من غير الشرط كان مكروها و لا يبطل به العقد «1».

أقول: ذكر الشيخ الصورة الثانية في الخلاف قال: إذا تزوّج امرأة قد طلّقها زوجها ثلاثا بشرط أنّه متى أحلّها للأوّل طلّقها كان التزويج صحيحا و الشرط باطلا، و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، و الآخر: أنّ النكاح باطل.

و قال في مسألة أخرى: إذا نكحها معتقدا أنّه يطلّقها إذا أباحها و أنّه إذا أباحها فلا نكاح بينهما إن اعتقد هو أو الزوجة ذلك، أو هما و الوليّ أو تراضيا قبل العقد على هذا ثمّ تعاقدا من غير شرط كان مكروها

و لا يبطل العقد به «2».

أقول: إنّ التحليل يتوقف على أمور ثلاثة:

1- كون العقد دائما.

2- كون الزوج بالغا.

3- تحقّق الدخول بل الإنزال على الأحوط فلا مناص عن فرضهما قاصدين للدوام حتى يتحقّق التحليل لا الانقطاع إلّا إذا كانا جاهلين و هو خلاف الفرض.

ثمّ إنّ البحث على القول بأنّ الشرط الفاسد لا يفسد العقد إمّا لأنّه من باب تعدّد المطلوب، أو أنّه التزام في التزام إلّا إذا كان مخالفا لمقتضى العقد أو كونه موجبا لطروء الجهالة لأحد العوضين من الثمن و الثمن، و أمّا على القول بكونه مفسدا لكان الحكم بلا استثناء هو فساد العقد. إذا عرفت ما ذكر فإليك بيان

______________________________

(1)- المبسوط: 4/ 247- 248.

(2)- الخلاف: 2/ كتاب النكاح المسألة 120- 121.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 38

أحكام الصور:

أمّا الصورة الأولى فرّبما يتوهم، فساد الشرط و المشروط هنا بتخيّل أنّ العقد ليس بنكاح شرعي، لا دائم لفرض اشتراط ارتفاعه بالتحليل و لا منقطع، لعدم التحديد بمدّة بل التحديد بالإصابة و ليس منها.

و الحقّ ما عليه الشيخ، في الخلاف من صحّة العقد و فساد الشرط، لأنّ المنشأ هو العقد الدائم و اشتراط ارتفاعه، بالتحليل دليل على كونه دائما لا منقطعا، و إلّا لما جعله رافعا.

نعم لا كلام في فساده لأنّه جعل ما ليس برافع رافعا، و النكاح لا يرتفع إلّا بطلاق أو فسخ، أو بانفساخ أو بموت، و هو ليس منها و بما أنّ المحقّق هو عدم سريان فساد الشرط إلى المشروط يكون الشرط لغوا دون المشروط.

و أمّا الصورة الثانية: فقد عرفت من الشيخ في الخلاف، صحّة النكاح، و بطلان الشرط و المراد من بطلانه عدم لزوم الوفاء به.

و الظاهر صحة العقد و

الشرط معا لأنّه طلب فعل مقدور من المشروط عليه و ليس شرطه منافيا لقصد النكاح بل و لا لدوامه، و يترتّب على ذلك صحّة المسمّى و أنّه لو دخل بها لم يكن لها عليه إلّا ما سمّى.

نعم على القول ببطلان الشرط ربّما يقال بوجوب دفع مهر المثل إذا دخل بها لا المسمّى باعتبار بطلان الشرط الذي له قسط من المهر، لأنّها إنّما رضيت بالمسمّى مع الشرط، فإذا لم يسلم لها الشرط زيد على المسمّى مقدار ما نقص لأجله و هو مجهول و يبطل المسمّى بذلك فترجع إلى مهر المثل.

يلاحظ عليه: منع كونه جزء المسمّى، حتّى يتشكل من معلوم و مجهول و يكون المركب منهما مجهولا بل ربّما يكون المسمّى أكثر من مهر المثل.

و أقصى ما يمكن أن يقال: تسلطها على الخيار في المسمّى لا أنّه يكون

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 39

باطلا و يتعين مهر المثل.

أمّا الصورة الثالثة أعني ما إذا كان ارتفاع النكاح بالتحليل أو لزوم طلاقها بعده أمرا مضمرا للزوجين فقال المحقّق: لم يفسد النكاح و لا المهر، لأنّ العبرة بالمنشإ و المذكور لا المنوي و المضمر.

و لكنّه ملحوظ فيه فانّ الشروط المبنى عليها العقد كالمذكور إذا تقاولا و عقدا عليه، يلزم العمل بها إذا كانت صحيحة، و لا يمكن الاعتذار بعدم الذكر في العقد، لعموم وجوب الوفاء للالتزامات و العهود و الشروط، و على ذلك فلا بدّ من القول بعدم الفرق بين الثانية و الثالثة فبما أنا اخترنا صحة الشرط في الثانية فتكون الثالثة مثلها و يجب على الزوج العمل به.

و على كلّ تقدير ففي كلّ مورد صحّ العقد حلّت المرأة لزوجها الأوّل بعد الطلاق و انقضاء العدّة.

نعم

لو قلنا بفساد العقد في بعض الصور فلا يتحقّق التحليل، لأنّ المحلّل هو العقد الصحيح مع الدخول.

الثالث عشر: في نكاح الشغار

و الكلام في موارد:

1- ما هو الشغار؟ الشغار نكاح معروف في الجاهلية، قال في النهاية: كان الرجل يقول للرجل: شاغر منّي أي زوّجني اختك أو بنتك، أو من تلي أمرها حتّى أزوّجك أختي أو بنتي أو من إليّ أمرها. و لا يكون بينهما مهر و يكون بضع كلّ واحد منهما في مقابلة بضع الأخرى.

و قيل له: شغار، لارتفاع المهر بينهما، من شغر الكلب، إذا رفع إحدى رجليه ليبول. و ربّما يقال: بأنّه من شغر البلد إذا خلى من القاضي، لخلوّ العقدين

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 40

من المهر.

و الظاهر، أنّ ما ذكر طلب الشغار و ليس هو نفسه. بل الشغار لغة عبارة عن تزويج امرأتين بالنحو المذكور. و ان كان يظهر من بعض الروايات انّه أيضا شغار.

و يقرب منه ما جاء في صحاح الجوهري و القاموس و المصباح المنير، حيث فسّروه بقول الرجل للآخر: زوّجنى ابنتك أو أختك على أنّ أزوّجك ابنتي أو أختي على أنّ صداق كلّ منهما بضع الأخرى، و قد عرفت أنّ الشغار غير هذا بل هو التزويج بالنحو المذكور، هذا بحسب اللغة.

و تفسره الروايات، بنكاح المرأتين ليس لواحدة منهما صداق إلّا بضع صاحبتها، أو لا يكون بينهما مهر غير تزويج هذا هذا، و هذا هذا و ما يقاربهما «1».

و على هذا فلا فرق في التعبير، إذا قال: زوّجت بنتك على أن يكون مهر بضع ابنتي أو نكاح ابنتي، أو وطؤها أو الاستمتاع منها، فأنّ الجميع يشير إلى أمر واحد و هو المحاباة و المباضعة و مبادلة بضع ببضع، من دون

أن يكون لواحدة منهما مهر سوى بضع الأخرى، و قد كان للآباء و الإخوة و الأولاد سلطة على بناتهم و أخواتهم و أمّهاتهم فيبادلون بضاعتهن ببضاعة أشقائهن فيتمتّع الرجل و يتزوّج من دون أن يصرف شيئا و هو أشبه بالتجارة بمال الغير.

اتفق علماؤنا على بطلانه و عدم صحّته و اختلفت كلمات العامّة، قال الشيخ في الخلاف: نكاح الشغار باطل عندنا، و به قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق، غير أنّ مالكا أفسده من حيث فساد المهر، و أفسده الشافعي من حيث إنّه ملك لبضع كلّ واحد من شخصين (الزوج باعتبار كونه زوجا لها، و زوجه الآخر باعتبار كونه مهرا لها)، و ذهب الزهري و الثوري و أبو حنيفة

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 27 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1 و 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 41

و أصحابه إلى أنّ نكاح الشغار صحيح و إنّما فسد فيه المهر فلا يفسد بفساده «1».

و القدر المتيقّن من الشغار هو خلوّ عقدهما عن المهر إلّا بضع الأخرى فقط، و أمّا إذا كان البضع جزء المهر أو شرطه، بأن يقول: زوّجتك ابنتي على أن تزوّجني ابنتك و يكون بضع كلّ واحد مع عشرة دارهم صداقا للأخرى، فالظاهر خروجهما عن حريم الإجماع و النصّ و إن كان الظاهر من كشف اللثام خلافه، للشكّ في صدق الشغار و ظهور الأخبار في خلافه و اقتصارها على المتيقّن فيما خالف القواعد.

و أمّا بطلان نكاح الشغار، فلتضافر الأخبار على الحرمة الوضعية، حيث نقل الصدوق بسند صحيح عن غياث بن إبراهيم، [المسمّى ب «الأسدي»] قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و

سلم: لا جلب و لا جنب و لا شغار في الإسلام» «2». و ظاهره عدم كونه مشروعا في الإسلام، نظير «لا حرج» و «لا ضرر» على التفسير المشهور.

و ربّما يقال بكونه باطلا لأجل التعليق و هو إنّما يتم لو كان من قبيل التعليق في الإنشاء لا ما يكون من قبيل شرط الفعل و طلبه، مثل قوله: بعت هذا بهذا على أن تخيط لي قميصا. و المقام من هذا القبيل.

و ربما يحتمل أن يكون وجهه هو الدور، و يدفعه أنّ كلا الإنشاءين مطلقين- كما مرّ- و التعليق فيهما من قبيل اشتراط كلّ من المتزوّجين على الوليّ تزويج ما يتولّاه من البنات و الأخوات.

ثمّ إنّ في المقام فروعا ذكرها الشيخ في المبسوط و المحقق في الشرائع نذكرها:

1- لو زوّج الوليّان كلّ منهما صاحبه و شرط لكلّ واحدة مهرا معلوما و كان

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ كتاب النكاح، المسألة 118.

(2)- الوسائل: 14 الباب 27 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 42

الداعي لكلّ منهما تزويجه الآخر، صحّ بلا إشكال، لعدم جعل بضع كلّ مهر الاخرى في متن العقد و لا خارجة و عدم المحذورين المتوهمين من التعليق في الإنشاء أو الدور.

2- لو زوّج أحدهما أو كلّ منهما، الآخر، بمهر معين، أو على وجه التفويض و شرط مع المهر أن يزوّجه الآخر بمهر معلوم، قال الشيخ: «صحّ العقدان و بطل المهر فانّه جعل صداق كلّ واحدة منهما تزويج الاخرى فالبضع لم يشرك فيه اثنان»، و التعبير غير دقيق لأنّه لم يجعل التزويج مهرا بل شرطا للمهر كما في الشرائع و الأولى التعليل بما في الأخير من أنّه شرط مع المهر تزويجا و هو

غير لازم (و يلزم من عدم لزومه عدم لزوم المشروط). و النكاح لا يدخله الخيار و أوضحه في الجواهر بقوله: فلا يجوز أن يجعل شرطا للنكاح و إلّا لزم الخيار فيه إذا لم يتحقق الشرط.

و عندئذ فلا مناص من جعله شرطا للمسمّى و يلزم أن يكون جزءا منه كما أنّ الأجل جزء من الثمن أو المثمن و هو أمر مجهول، فيوجب جهل المسمّى فيبطل، و يكون لها مهر المثل كما هو الضابط في كلّ مهر فاسد «1».

يلاحظ عليه: ما ذكرناه من تحديد الشغار، من أنّ المتيقّن منه ما لا يكون هناك مهر إلّا التزويج و أمّا إذا كان هناك مهر و كان التزويج جزءا منه أو شرطا، فصدق الشغار عليه مشكوك و هو شرط سائغ يمكن الوفاء به، فإن كان المشروط عليه قادرا على الوفاء به كما إذا رضيت المولّى عليها أو أرضاها بالترغيب، يكون العقد نافذا و أمّا إذا كان الشرط خارجا عن وسعه يدخل تحت الشروط التي لا يتمكّن.

3- لو قال: زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك على أن يكون نكاح بنتي

______________________________

(1)- الجواهر: 30/ 131.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 43

مهرا لبنتك. صحّ نكاح بنت المتكلم و بطل نكاح بنت المخاطب لأنّ الشغار متحقّق في الثاني دون الأوّل لأنّ نكاح بنت المتكلّم صار مهرا لنكاح بنت المخاطب فليس له من المهر إلّا هذا، بخلاف بنت المتكلّم فلها مهر غير النكاح، لكنّه غير مذكور فهو إمّا المسمّى خارج العقد، أو مهر المثل.

4- و لو قال: زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك على أن يكون نكاح بنتك مهرا لبنتي، انعكس الحكم، بطل نكاح بنت المتكلم و صحّ نكاح بنت المخاطب.

أقول: لو

فسّر نكاح الشغار بنكاح المرأة مع جعل مهرها نكاح المرأة الاخرى، و بكلمة واضحة: من كان مهرها بضعا صحّ ذاك التفصيل فانّ مهر بنت المخاطب في الأوّل و بنت المتكلّم كذلك و أمّا البنت الأخرى فمهرها غير مذكور، فلو لم يكن هناك تواطؤ يرجع إلى مهر المثل.

و أمّا إذا قلنا بأنّ الملاك من الشغار هو اجتماع سلطتين على بضع واحدة فينعكس الحكم فيبطل نكاح بنت المتكلّم في الأوّل، لأنّه جعل نكاح ابنته مهرا لنكاح بنت المخاطب فعندئذ يلزم اجتماع سلطتين على بضع واحدة لأنّها- مع كونها مملوكة لزوجها أي (المخاطب)- تكون مملوكة لمن صارت مهرا لها.

و بذلك يعلم حكم الفرع الثاني أي يبطل نكاح بنت المخاطب، لأنّه جعلت فيه بضعها مهرا لنكاح بنت المتكلّم، فهي باعتبار مملوكة لزوجها، و باعتبار آخر مملوكة لبنت المتكلم. و بما أنّ الملاك عندنا هو ما ذكر في الأخبار أي من لم يكن له مهر إلّا البضع يكون التفصيل الأوّل أقوى. و على كلّ تقدير فهذا النوع من الشغار شغار من جانب واحد لا من جانبين و مورد الأخبار هو الثاني و يمكن إلغاء الخصوصية، و العرف يساعده.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 45

الفصل الثالث عشر في نكاح المتعة

اشارة

1- نكاح المتعة في الذكر الحكيم

2- الاستدلال بالسنّة

3- أركان عقد المتعة

الف- العقد

ب- المحلّ: الزوجان

1- التمتع بالزانية

2- التمتع بالبكر

ج- المهر

د- الأجل

4- أحكام المتعة

5- ميراث الزوجين في المتعة

6- عدّة المتمتع بها

7- عدّة الوفاة للمتمتع بها

8- تجديد العقد على المتمتع بها قبل انقضاء أجلها

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 47

في نكاح المتعة حقيقته تزويج المرأة الحرّة الكاملة- إذا لم

يكن بينها و بين الزوج مانع من نسب أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدّة أو غير ذلك من الموانع الشرعية- بمهر مسمّى إلى أجل مسمّى بالرضاء و الاتفاق، فإذا انتهى الأجل تبين من غير طلاق و يجب عليها مع الدخول بها- إذا لم تكن يائسة، و كانت ممّن تحيض- أن تعتدّ بخمسة و أربعين يوما، و ولد المتعة ذكرا كان أو أنثى يلحق بالأب و لا يدعى إلّا له و له من الإرث ما أوصانا اللّه سبحانه به في آية الوراثة من أنّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، كما يرث الأم و تشمله جميع العمومات الواردة في الأبناء و الآباء و الأمهات و كذا العمومات الواردة في الإخوة و الأخوات و الأعمام و العمّات.

و بالجملة: المتمتّع بها، زوجة حقيقة و ولدها ولد حقيقة و لا فرق بين هذا الزواج و الزواج الدائم إلّا أنّه لا توارث بين الزوجين، و لا قسم و لا نفقة لها كما أنّ له العزل عنها. و هذه الفوارق الجزئية فوارق في الأحكام لا في الماهية، و الماهية واحدة غير أنّ أحدهما مؤقّت، و الآخر غير مؤقّت و أنّ الأوّل ينتهي بانتهاء الوقت و الثاني ينفصم بالطلاق أو بالفسخ.

أجمع أهل القبلة على أنّه سبحانه شرّع هذا النكاح في دين الإسلام في صدره و لا شكّ و لا ترديد في أصل مشروعيته و إن كان هناك اختلاف في نسخه و بقاء مشروعيّته.

و أوضح دليل على مشروعيّته في صدر الإسلام نهي عمر عنها حيث قال:

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 48

«متعتان كانتا في عصر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم حلالين و أنا أحرّمهما و أعاقب

عليهما: متعة الحجّ، و متعة النساء» «1».

فإنّ النهي إمّا كان اجتهادا من عمر أو كان مستندا إلى نهي من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و على كلا التقديرين يدلّ على جوازه في فترة خاصة، و هذا واضح لمن له إلمام بالفقه.

[نكاح المتعة في القرآن]

اشارة

و الأصل في ذلك قوله سبحانه: وَ حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلٰابِكُمْ وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلّٰا مٰا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ النِّسٰاءِ إِلّٰا مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ كِتٰابَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوٰالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا تَرٰاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً حَكِيماً «2».

و لأجل إيضاح مفاد الآية نبحث عن مفرداتها و جملها واحدة بعد أخرى.

1- الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ النِّسٰاءِ، هو معطوف على قوله: وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أي حرم الجمع بين الأختين، كما حرمت المحصنات من النساء أي المتزوّجات. و المحصنات: اسم مفعول من الإحصان، و هو المنع. و يطلق على القلاع: الحصون، لمنعها من هجوم العدو ثمّ إنّ الإحصان بمعنى واحد يستعمل في موارد ثلاثة:

الأوّل: إحصان العفة، و يراد منه العفائف من النساء.

الثاني: إحصان الزوجية، و يراد المتزوّجات، لأنّ الزواج يمنع من اقتحام الزنا كما أنّ العفّة الفطرية كذلك.

الثالثة: إحصان الحرّية و يراد الحرائر، لأنّ الغالب عليهنّ العفة بخلاف

______________________________

(1)- سنن البيهقي: 7/ 206.

(2)- النساء: 23 و 24.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 49

الإماء فقد كان الزنا فاشيا بينهنّ.

و هذا لا يعني أنّ للإحصان معان ثلاثة حتى يصحّ كون اللفظ مشتركا معنويا بل له معنى واحد، و

إنّما الاختلاف في موارد الاستعمال، لأجل أنّ عوامل المنع عن السقوط، إمّا طبع المرأة، أو تزوّجها، أو حرّيتها فإنّ الغالب على الأحرار، هو العفّة خلافا للإماء.

و القرآن الكريم استعمل المحصنات بمعنى واحد في الموارد الثلاثة، و سنذكر أمثلتها عند تفسير الآية.

و المراد من المحصنات هنا: مطلق المتزوّجات، أي القسم الثاني من الاحصان أي من تمسكت باحصان الزواج و ذلك بقرينة عطفه على سائر المحرّمات و إلّا فلا وجه لتحريم العفائف أو الحرائر غير المتزوّجات فإنهنّ في موضع الحثّ على النكاح، لا تحريمه.

2- إِلّٰا مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ: فقد استثنى من المتزوّجات الأمة المملوكة لغير الزوج فيجوز أن يحول المالك بين مملوكته و زوجها، ثمّ ينالها بعد استبرائها و ظهور خلوّ رحمها من الولد، و لا يصحّ الاستثناء متصلا من «المحصنات» بمعنى المتزوّجات إلّا بهذا المعنى.

3- كِتٰابَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ منصوب لفعل مقدّر، أي خذوا كتاب اللّه و ألزموه.

4- وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ الإتيان بلفظ «ما» مكان «من» مع كونه الرائج في ذوي العقل و لفظ «ذا» مكان «هؤلاء» قرينة على أنّ المراد من الموصول و اسم الإشارة هو النكاح أي أحلّ لكم نكاح وراء ذلك النكاح، المذكور في نفس الآية قبلها، أيّها المخاطبون.

5- أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوٰالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ الجملة واقعة مكان العلّة الغائية لتحليل ما وراء ذلك، و هي بصدد تبيين الطريق المشروع في نيل النساء

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 50

و مباشرتهنّ الذي دلّت على حلّيته الجملة السابقة و هي قوله: وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ و المقصود هو بعث الرجال إلى ابتغاء النكاح بالمال لكن مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ متعففين لا زانين، فإنّ نيل النساء يتحصّل بأحد أمور

ثلاثة: النكاح، ملك اليمين، و السفاح، و الآية تحث على النكاح و تنهى عن نيلهنّ بالسفاح، و أمّا ملك اليمين فغير مذكور في الآية.

و على ذلك فيكون المراد من قوله مُحْصِنِينَ هو إحصان العفّة، أي تقصدوا بأموالكم أمرا فيه تحقيق إحصانكم و عفّتكم لا خلافه و ضدّه. و قد استعمل لفظ «محصنين» في إحصان العفّة كما استعمل لفظ «محصنات» فيما سبق في إحصان التزويج. و أمّا استعماله، في إحصان الحرّية فهو في الآية التالية عند البعث على نكاح الإماء بقوله: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ «1» و المراد منها الحرائر كما هو واضح.

و يمكن أن يراد من الإحصان في المقام، إحصان التزويج، و المراد متزوّجين لا زانين أي اطلبوا النساء بأموالكم سالكين سبيل التزويج، لا الزنا، و لا ينافي كون الفقرة الآتية ناظرة إلى العقد المنقطع لأنّه من أقسام التزويج، لا السفاح و لا ملك يمين و أما فقدان بعض أحكام التزويج من الميراث و وجوب النفقة فلا ينافي ذلك.

و لكن الظاهر، هو الأوّل:

و السفاح، من السفح، و هو صبّ الماء من غير غاية، استعير للزنا، لأنّ الزاني لا هدف له إلّا صبّ مائه و إرضاء شهوته لا حفظ العفّة و الأخلاق.

و مع ذلك فليس المراد هو المعنى اللغوي له، الذي ربّما يجتمع مع الزواج الصحيح، بل المراد هو الزنا لشيوع استعماله فيه، بحيث يحتاج إرادة المعنى اللغوي بما هو هو، إلى القرينة.

______________________________

(1)- النساء: 25.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 51

6- فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً

يحتمل أن تكون «ما» مصدرية زمانية و عندئذ يرجع الضمير في «به» إلى النيل، و يعود

معنى الآية إلى، مهما استمتعتم بالنيل منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ، كما يحتمل أن تكون «ما» موصولة و الجملة الواقعة بعدها صلة و الضمير في «به» عائده و المعنى: «من استمتعتم به من النساء». الخ و تذكير الضمير لأجل لفظ الموصول.

و هو تفريع على ما سبق بيانه أي حلّية نيل النساء عن طريق النكاح، و يمنع عن السفاح، ففرّع عليه هذه الجملة و أنّه مهما تمتّع أحد منكم بهنّ فليدفع الأجر.

و لكن الكلام في أنّ المراد هل هو النكاح الدائم أو غيره؟ فالشيعة على أنّ الآية بصدد تشريع هذا النوع من الزواج المنقطع و لفيف من أهل السنّة على أنّه راجع إلى الزواج الدائم، و لكن القرائن تدلّ على أنّ المراد هو الأوّل و إليك بيانها:

القرائن الدالّة على كون المراد هو المنقطع

الأولى: إنّ كلمة «الاستمتاع» ظاهرة في هذا النوع من الزواج

و قد كان هذا النوع من النكاح معروفا في صدر الإسلام بالمتعة و التمتع و ليس المراد منه «الالتذاذ» بل المراد عقد المتعة، يعلم ذلك من الوقوف على وجوده في صدر الإسلام بهذا اللفظ.

1- روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس: قال: كانت متعة النساء في أوّل الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس معه من يصلح له ضيعته و لا يحفظ متاعه فيتزوّج المرأة إلى قدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته فتنظر له متاعه و تصلح له ضيعته ... «1».

______________________________

(1)- الدرّ المنثور: 2/ 140.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 52

2- أخرج الطبراني و البيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كانت المتعة في أوّل الإسلام، فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوّج بقدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته لتحفظ متاعه و تصلح له شأنه «1».

3- أخرج عبد الرزاق و ابن أبي شيبة و البخاري

و مسلم عن ابن مسعود قال: كنّا نغزو مع رسول اللّه و ليس معنا نساؤنا فقلنا: أ لا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك و رخّص لنا أن نتزوّج المرأة بالثوب إلى أجل ... 2.

إلى غير ذلك من الروايات في شأنه و الكلّ يعرب عن وجوده في صدر الإسلام، أي وجود ذلك النوع من العقد فيه، لا العمل الخارجي الالتذاذي، نعم كان العمل يتبع العقد. و بذلك يعلم أنّ المراد من الفعل «استمتعتم» هو عقد المتعة لا المعنى اللغوي:

قال الطبرسي: و قيل: المراد به نكاح المتعة، و هو النكاح المنعقد بمهر معين إلى أجل معلوم، روي عن ابن عباس و السدي و ابن سعيد، و جماعات من التابعين و هو مذهب أصحابنا الإمامية و هو الواضح، لأنّ لفظ الاستمتاع و التمتع و إن كان في الأصل واقعا على الانتفاع و الالتذاذ، فقد صار بعرف الشرع مخصوصا بهذا العقد المعين لا سيما إذا أضيف إلى النساء، فعلى هذا يكون معناه. فمتى عقدتم عليهنّ هذا العقد المسمّى متعة فآتوهنّ أجورهنّ، و يدلّ على، ذلك أنّ اللّه علّق وجوب إعطاء المهر بالاستمتاع و ذلك يقتضي أن يكون معناه هذا، العقد المخصوص دون الجماع و الاستلذاذ لأنّ المهر لا يجب إلّا به «3» و سيوافيك أنّ المهر يجب بمجرّد العقد كله و أنّه ليس له الإمساك، نعم لو امتنعت عن الاستمتاع، ترد بمقدار ما امتنعت.

______________________________

(1) و 2- الدرّ المنثور: 2/ 140.

(3)- مجمع البيان: 2/ 32.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 53

الثانية: الحمل على النكاح الدائم يستلزم التكرار بلا وجه:

إنّ هذه السورة، أي سورة النساء، تكفّلت ببيان أكثر ما يرجع إلى النساء من الأحكام و الحقوق، فذكرت جميع أقسام النكاح في أوائل السورة على نظام خاص،

أمّا الدائم فقد أشار إليه سبحانه بقوله: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تُقْسِطُوا فِي الْيَتٰامىٰ فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً ... «1».

و أمّا أحكام المهر فقد جاءت في الآية التالية: وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً «2».

و قال سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسٰاءَ كَرْهاً وَ لٰا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مٰا آتَيْتُمُوهُنَّ ... «3».

و قال سبحانه: وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدٰالَ زَوْجٍ مَكٰانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلٰا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً «4».

و أمّا نكاح الإماء فقد جاء في قوله سبحانه: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ فَتَيٰاتِكُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِإِيمٰانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنٰاتٍ غَيْرَ مُسٰافِحٰاتٍ وَ لٰا مُتَّخِذٰاتِ أَخْدٰانٍ ... «5».

فقوله سبحانه: فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ إشارة إلى نكاح السيّد لأمته، الذي جاء في قوله سبحانه أيضا: إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ... «6».

______________________________

(1)- النساء: 3.

(2)- النساء: 4.

(3)- النساء: 19.

(4)- النساء: 20.

(5)- النساء: 25.

(6)- المؤمنون: 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 54

و قوله سبحانه: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ. إشارة إلى تزويج أمة الغير.

إلى هنا تمّ بيان جميع أقسام النكاح فلم يبق إلّا نكاح المتعة، و هو الذي جاء في الآية السابقة، و حمل قوله سبحانه: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ على الزواج الدائم. و حمل قوله: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ على دفع المهور و الصدقات مستلزم للتكرار و قد عرفت وجود نكاح المتعة في

صدر الإسلام، و لا يصحّ للشارع السكوت عن حكمها.

فالناظر في السورة يرى أنّ آياتها تكفّلت ببيان أقسام الزواج على نظام خاص و لا يتحقّق ذلك إلّا بحمل الآية على نكاح المتعة كما هو ظاهرها أيضا. و مما ذكرنا يعلم وجه الاتيان بلفظ «الفاء» مع عدم سبق ذكرها لأنّه لما ذكر جميع الأقسام الموجودة في الأديان و لم يبق إلّا هذا، استدركه بقوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ.

الثالثة: تصريح جماعة من الصحابة على شأن نزولها:

ذكرت أمة كبيرة من أهل الحديث نزولها فيها، و ينتهي نقل هؤلاء إلى أمثال ابن عباس، و أبي بن كعب، و عبد اللّه بن مسعود، و جابر بن عبد اللّه الأنصاري، و حبيب بن أبي ثابت، و سعيد بن جبير، إلى غير ذلك من رجال الحديث الذين لا يمكن اتّهامهم بالوضع و الجعل.

و قد ذكر نزولها فيه من المفسرين و المحدّثين:

إمام الحنابلة أحمد بن حنبل في مسنده «1».

و أبو جعفر الطبري في تفسيره «2».

و أبو بكر الجصاص الحنفي في أحكام القرآن «3».

و أبو بكر البيهقي في السنن الكبرى «4».

______________________________

(1)- مسند أحمد: 4/ 436.

(2)- الطبري: التفسير: 5/ 9.

(3)- أحكام القرآن: 2/ 178.

(4)- السنن الكبرى: 7/ 205.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 55

و محمود بن عمر الزمخشري في الكشّاف «1».

و أبو بكر بن سعدون القرطبي في تفسير جامع أحكام القرآن «2».

و فخر الدين الرازي في مفاتيح الغيب «3».

إلى غير ذلك من المحدّثين و المفسرين الذين جاءوا بعد ذلك إلى عصرنا هذا، و لا نطيل الكلام بذكرهم.

و ليس لأحد أن يتّهم هؤلاء الأعلام بذكر ما لا يفتون به. و بملاحظة هذه القرائن لا يكاد يشكّ في ورودها في نكاح المتعة.

و معنى الآية: أنّ اللّه تبارك و تعالى شرّع لكم نكاح ما

وراء المحرّمات لأجل أن تبتغوا بأموالكم ما يحصنكم و يصون عفّتكم و يصدّكم عن الزنا، فإذا تزوّجتم استمتاعا فآتوهنّ أجورهنّ.

و الغاية من النكاح مطلقا هو صيانة النفس، و هي موجودة في جميع الأقسام: النكاح الدائم، و المؤقّت، و الزواج بأمة الغير، المذكورة في أوائل هذه السورة.

الرابعة: قراءة ابن مسعود:

روي أنّ ابن مسعود كان يقرأ: «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل» كما أنّ ابن عباس كان يقرأ: «.. إلى أجل مسمّى ...».

و من المعلوم أن الزيادة كان تفسير لها، لا جزء منها.

الخامسة: ادّعاء النسخ في الآية:

إنّ ما نسب إلى بعض التابعين أو الصحابة، من أنّ الآية منسوخة ببعض

______________________________

(1)- الكشّاف: 1/ 360.

(2)- جامع أحكام القرآن: 5/ 13.

(3)- مفاتيح الغيب: 3/ 267.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 56

الآيات يدلّ على دلالتها على حكم المتعة فلو لا الدلالة، لما كان هنا وجه للقول بالنسخ، و هذا القول و إن كان خاطئا، لكنّه في ذاته يؤيّد دلالة الآية على ما نرتئيه.

الاستدلال بالسنّة

إذا كان الكتاب دالا على مشروعية المتعة فأغنانا عن دلالة السنّة عليها، و قد تضافرت الروايات بين الفريقين على مشروعيتها و إن ذهب الأكثر من أهل السنّة إلى كونها منسوخة، و قد سبق بعض ما يدلّ على الجواز من السنّة عند تفسير الآية.

و أمّا الروايات عن أئمة أهل البيت فحدّث عنه و لا حرج، و قد تواتر كلام الإمام عليّ عليه السّلام: «لو لا ما سبقني به بنو الخطاب ما زنى إلّا شقي» «1» و في لفظ آخر:

«لو لا ما نهى عنه عمر ما زنى إلّا شقي» «2».

ثمّ إنّ المتأخّرين من أهل السنّة كصاحب المنار و غيره ناقشوا دلالة الآية على حلّية المتعة بوجوه ذكرناها مع أجوبتها في كتابنا (الاعتصام بالكتاب و السنّة) فلاحظ.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 56

فلنذكر أحكام المتعة بعد الفراغ عن تشريعها و عدم منسوخيتها.

أركان عقد المتعة و هي أربعة:

الركن الأوّل: العقد

أعني الإيجاب و القبول فلا يحصل بدون ذلك كالإشارة أو بإدخال الخاتم

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب الأول من أبواب المتعة، الحديث 2، و لاحظ بقية روايات الباب.

(2)- الدر المنثور: 2/ 141.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 57

في يدها، أو بالمعاطاة و قد ادّعى صاحب الحدائق، الإجماع على شرطية العقد في النكاح. و استدل الشيخ الأعظم، بأنّه لو لا العقد لما بقي فرق بين النكاح و السفاح.

و لكن الإجماع المنقول حاله معلوم، و الثاني أيضا غير مفيد، لأنّ التفاوت بين النكاح و السفاح ليس هو العقد، بل التفاوت بينهما جوهري فإنّ الوطء في الأوّل بعنوان الزوجية، و في الثاني بعنوان الزنا، و هما في حدّ

أنفسهما ماهيّتان مختلفتان شرعا و عرفا، سواء أ كان هناك عقد أم لا، و إنّما العقد يحقّق إحدى الماهيتين و هذا يعرب عن وجود التفاوت الجوهري بين الأمرين مع قطع النظر عن العقد.

و العمدة في لزوم العقد، هو السيرة العملية الحاكية عن التزام المتشرّعة به التزاما لا يترك، و لعلّ هذا المقدار من السيرة كاف في إثبات لزومه، على أنّه يستفاد من الروايات الواردة حول السؤال عن كيفية الصيغة في المتعة أنّه كان أمرا مسلّما، و لأجل ذلك كان الأصحاب يسألون الإمام عن كيفية إجرائها «1».

نعم، قيام الكتابة مقام اللفظ لا يخلو عن قوّة بل عليها السيرة من الجوامع المتحضرة حيث يكتفون بها، مع المقالة المتقدّمة.

بل نقول: إنّ التعامل مع النكاح و أضرابه، معاملة العبادات و تقييده بقيود لا يعتني بها العقلاء، أمر في غير محلّه، فالذي عليه العقلاء، لزوم كون اللفظ صريحا قاطعا لا يبقى معه شكّ و لا ترديد، و عندئذ تسقط كثير من الأبحاث التي طرحها العلماء حول العقود في البيع و الإجارة و النكاح. و قد تقدّم الكلام مفصّلا عند البحث عن النكاح الدائم و قلنا: إنّ الالتزام بماضوية الإيجاب و القبول أو تقدّم الإيجاب على القبول أو جواز تقديم القبول مطلقا إلّا إذا كان بلفظ «رضيت» أو «قبلت» إلى غير ذلك من الشرائط- كلّها- من قبيل الالتزام بما لا يلزم و ليست المعاملات من قبيل الأمور التوقيفية مثل العبادات، و على ضوء هذا فالالتزام

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 18 من أبواب المتعة، لاحظ رواياته.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 58

بالتقدّم أوّلا، و الماضوية ثانيا، لا دليل عليه، مع أنّ الروايات الواردة في المتعة تشهد على خلاف هذا

الالتزام فقد تقدّم فيها القبول على الإيجاب أوّلا، و اكتفي فيها بصيغة المضارع فلاحظ الباب 18 من أبواب المتعة «1».

و قد قلنا في تزويج الصغرى: إنّه يصحّ الاكتفاء بلفظ واحد قائم مقام الإيجاب و القبول فيما إذا كان العاقد وليّا لهما، فقال: زوّجت هذه من هذا على مهر كذا، كيف لا يكون كذلك و زوّج سبحانه عبده عليّا من أمته فاطمة بلفظ واحد و قال: زوّجت أمتي فاطمة من عبدي عليّ، هذا كلّه حول الركن الأوّل: و إليك الكلام في الركن الثاني.

الركن الثاني: المحلّ

اشارة

المراد منه الزوج و الزوجة، و يترتّب عليه كلّ ما ذكرناه في العقد الدائم من الأحكام إلّا ما استثني بالدليل، و بعبارة أخرى: بما أنّ العقد المنقطع داخل في المستثنى من قوله سبحانه: إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ «2» يترتّب على الزوجين فيها من الأحكام، ما يترتّب عليهما في الدائم فالزوج المسلم لا يتزوّج إلّا مسلمة أو كتابية بأقسامها الثلاثة: اليهودية، و النصرانية و المجوسية.

و أمّا ما رواه معاوية بن وهب «3» من منع الكتابية عن شرب الخمر و أكل لحم الخنزير مع جوازه لها أخذا بأحكام الذمّة، فهناك احتمالات:

1- اشتراط تركهما في متن العقد.

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 18 من أبواب المتعة الحديث 1 و ظاهر حديث 2 و 3 و 4 و 5 و 6، فإنّ الظاهر أنّ ما يقوله الزوج هو القبول كما هو صريح الأوّل، و اسناده و إن كانت غير نقية لكن البعض يعاضد البعض.

(2)- المؤمنون: 6.

(3)- الوسائل: 14، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 59

2- إنّ المنع إنّما إذا كانا مانعين عن التمتع و موجبين

للتنفر.

3- إنّه من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و الكلّ غير مجد، لأنّ الأوّل خلاف الظاهر، لأنّ الرواية ظاهرة في وجوب منعها بالتزويج لا بالاشتراط، و الثاني مخالف لإطلاق الرواية سواء كان مانعا أو منفّرا، أو لا، و الثالث لا موضوع له لأنّ المفروض تجويز الشارع إذا لم تتظاهر، و الظاهر أنّ الرواية محمولة على الإرشاد لئلا يسري الأمر إلى الزوج بقرينة كونه ذا غضاضة في دينه كما عليه صريح الرواية.

و يستحبّ أن تكون المتمتع بها مؤمنة «1» عفيفة «2» كما يستحبّ السؤال «3» إذا كانت متّهمة بكونها مزوّجة، و ظاهر المحقّق سؤالها، و ظاهر المسالك، سؤال الغير عنها، لأنّها لا تعترف بالزوج لو سئل.

و ما ورد من الذم عن السؤال إنّما مورده بعد التزويج لا قبله 4.

مسألتان:

1- متعة الزانية.

2- متعة الباكر.

[التمتع بالزانية]

أمّا الأولى: فالمشهور على الكراهة، و ذهب الصدوق إلى المنع و فصّل ابن البرّاج و جوّزه إذا منعها من الفجور.

1- قال العلّامة في المختلف: قال الشيخ في النهاية: لا بأس بأن يتمتّع الرجل بالفاجرة إلّا أنّه يمنعها بعد العقد من الفجور «5».

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 7 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 14، الباب 8 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(3) و 4- الوسائل: 14، الباب 10 من أبواب المتعة، الحديث 5 و 3 و 4.

(5)- النهاية: 490، ط بيروت.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 60

2- و قال الصدوق في المقنع: و اعلم أنّ من يتمتّع بزانية فهو زان، لأنّ اللّه تعالى يقول: الزّٰانِي لٰا يَنْكِحُ إِلّٰا زٰانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّٰانِيَةُ لٰا يَنْكِحُهٰا إِلّٰا زٰانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ «1».

و قال ابن البرّاج: لا يعقد متعة

على فاجرة إلّا أن يمنعها من الفجور فان لم تمتنع من الفجور فلا يعقد عليها «2».

3- و قال المحقّق: و يكره أن تكون زانية، فإن فعل فليمنعها من الفجور و ليس شرطا، و قوله: «ليس شرطا» ردّ لما ذكره ابن البرّاج من الاشتراط.

و قال ابن رشد: و اختلفوا في زواج الزانية فأجاز هذا الجمهور و منعها قوم، و سبب اختلافهم، اختلافهم في مفهوم قوله تعالى: الزّٰانِيَةُ لٰا يَنْكِحُهٰا إِلّٰا زٰانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم؟ و هل الإشارة في قوله- ذلك- إلى الزنا أو إلى النكاح «3».

أقول: تفصيل الكلام: أنّه قال سبحانه: الزّٰانِي لٰا يَنْكِحُ إِلّٰا زٰانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّٰانِيَةُ لٰا يَنْكِحُهٰا إِلّٰا زٰانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ و الإشارة في ذلك إلى النكاح و المراد منه هو العقد لا الوطء لظهور حرمة الزناء على المؤمن و غيره.

و يؤيّده، ما ورد من المنع عن تزويجها كصحيح محمّد بن الفضيل قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة الحسناء الفاجرة هل تحبّ للرجل أن يتمتع منها يوما أو أكثر؟ فقال: «إذا كانت مشهورة بالزنا فلا يتمتّع منها و لا ينكحها» «4».

______________________________

(1)- المقنع: 113. و الآية من سورة النور: 3.

(2)- المهذّب: 2/ 241.

(3)- بداية المجتهد: 2/ 40، و قد ذكر القرطبي للآية وجوها ستة راجع: 12/ 167- 170.

(4)- الوسائل: 14، الباب 8 من أبواب المتعة، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 61

و مثلها، صحيحة عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المرأة و لا يدرى ما حالها أ يتزوّجها الرجل متعة؟ قال: «يتعرّض لها

فإن أجابته إلى الفجور فلا يفعل» «1» مضافا إلى خبر محمّد بن الفيض 2.

و في مقابلها، روايات تدلّ على الجواز و قد علل الحكم، بأنّك تخرجها من الحرام إلى الحلال «3» و القائل بالجواز يؤوّل الآية بأحد الوجهين:

1- إنّ النكاح في الآية ليس بمعنى العقد بل بمعنى الوطء، و انّ اسم الإشارة في قوله: وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ يشير إلى النكاح لكن المقصود منه الوطء المساوق في المقام مع الزنا، لا التزويج و معنى الآية: الزاني و المشرك يطأ الزانية و المشركة، و لكن وطؤهما حرام على المؤمن لكونها زنا، و بعبارة أخرى: المراد أنّ الزاني لا يزني إلّا بزانية أو بمثلها و هي المشركة، و إنّ الزانية لا تزني إلّا بزان أو بمثله و هو المشرك، و أمّا المؤمن فهو ممتنع عن ذلك لأنّ الزنا محرّم و هو لا يرتكب ما حرّم عليه «4».

يلاحظ عليه: أنّ النكاح في الأصل و إن كان بمعنى الوطء، لكنّه لم يستعمل في القرآن إلّا في التزويج فقد ورد اللفظ فيه حوالي 23 مرتبة بمشتقّاتها المختلفة.

و المتبادر في الجميع هو العقد حتّى في قوله سبحانه: وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذٰا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ «5» فحمل اللفظ (النكاح) الذي أشير إليه بلفظ: وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ في المورد على الوطء بعيد جدّا.

فإن قلت: إنّ لازمه جواز نكاح المسلم الزاني، المشركة، و جواز نكاح المشرك المسلمة الزانية، و هو كما ترى.

قلت: إنّ نكاح الزانية أو المشركة حرام على الزاني و المشرك و المؤمن غير أنّ

______________________________

(1) و 2- الوسائل 14، الباب 8 من أبواب المتعة، الحديث 2 و 3.

(3)- الوسائل 14، الباب 9 من أبواب المتعة، الحديث 1 و 2 و 3

و 4.

(4)- البيان: 384.

(5)- الممتحنة: 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 62

الأوّلين لأجل تمرّدهما ينكحا سواء نهيا أو لا، حرم ذلك عليهما أو لا، و لأجل ذلك ذكر المؤمن وحده، و قال: وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. و هذا لا يعني جوازه لغير المؤمن إذ عدم الذكر لأجل عدم اصغائهما للتحريم.

2- حمل «التحريم» في قوله تعالى: وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ على الكراهة، و هو أبعد، مع عدم استعماله في الذكر الحكيم إلّا في الحرمة القطعية، و ليس التصرف في دلالة الذكر الحكيم مع كونه نصّا في مفاده، أمرا سهلا فالقول بالحرمة أقوى و أحوط إلّا إذا قدر على منعها عن العهر فيجوز، لانصراف الآية عن هذه الصورة و لعلّ ما دلّ على الجواز محمول على هذه الصورة.

التمتع بالبكر

و أمّا التمتّع بالبكر فقد اختلفت كلمة الأصحاب في جوازه إلى أقوال.

1- قال الشيخ في النهاية: إذا كانت بالغة جاز له العقد من غير إذن أبيها إلّا أنّه لا يجوز أن يفضي إليها.

2- قال أبو الصلاح الحلبي: لا يجوز التمتّع بالبكر إلّا بإذن أبيها، و به قال الصدوق أيضا: لا يتمتع بذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهنّ.

و يظهر من ابن البرّاج الميل إلى ما ذكره أبو الصلاح و الصدوق، حيث قال:

الأحوط عدم العقد عليها بلا إذن أبيها «1».

و قال ابن سعيد: و يجوز متعة البكر البالغ و لا يفضى إليها إن كانت بين أبويها و إن أذنت، و إن لم تكن بين أبويها جاز إلّا أن تشترط أن لا يفضيها «2».

______________________________

(1)- المختلف: كتاب المتعة: 12، و المهذّب 2/ 241. و الإفضاء: التوسيع كناية عن الافتضاض.

(2)- الجامع: 451.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2،

ص: 63

و ذهب المحقّق إلى الكراهة مع عدم الأب، و يزيد الكراهة إذا كان مع الإفضاض، و عدم الجواز مطلقا إذا كان لها أب.

أمّا صور المسألة: فانّ التمتع إمّا مع الإفضاض أو بدونه، و على كل تقدير إمّا مع وجود الأب، أو عدمه.

أمّا الروايات فهي على أصناف:

1- ما ينهي عن متعة البكر، كصحيحة حفص ابن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتزوّج البكر متعة؟ قال: «يكره للعيب على أهلها» «1». و مثله خبر مهلب الدلّال 2 و معتبرة أبي بكر الحضرمي 3 و خبر عبد الملك بن عمرو 4.

و لكن النهي محمول على الكراهة لقوله في صحيحة حفص: «يكره للعيب على أهلها» و قوله في خبر المهلب: «استر على نفسك و اكتم رحمك اللّه» و لعلّ المراد إذا عقدت فاستره، لأنّه يعدّ عيبا للعاقد و المعقود عليها، أضف إلى ذلك تضافر الروايات بجوازها كما سيوافيك.

2- ما يدل على الجواز مطلقا كمرسلة محمد بن عذافر عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سألته عن التمتع بالأبكار، فقال: «هل جعل ذلك إلّا لهنّ فليستترن و ليستعففن» «5» و مثله خبر محمد بن سنان عن أبي سعيد 6.

3- ما يدلّ على الجواز إذا لم يفض إليها، كصحيحة زياد بن أبي الحلال قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «لا بأس أن يتمتّع البكر ما لم يفض إليها كراهية العيب على أهلها» «7». و مثله خبر محمّد بن أبي حمزة 8 و مرسلة أبي سعيد القماط 9 و خبر الحلبي 10.

______________________________

(1)- 4- الوسائل: 14، الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 10 و 11 و 13 و 14.

(5) و 6- الوسائل: 14 الباب 11،

من أبواب المتعة، الحديث 4 و 6.

(7)- 10- الوسائل: 14 الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 1 و 2 و 7 و 9. الإفضاء في صحيحة زياد هو ما مرّ في عبارة ابن سعيد.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 64

4- ما يدلّ على أنّها لا تتزوّج إلّا بإذن أبيها كصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرضا عليه السّلام قال: «البكر لا تتزوّج متعة إلّا بإذن أبيها» «1». و مثله صحيحة أبي مريم، أي عبد الغفّار بن القاسم الثقة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «العذراء التي لها أب لا تزوّج متعة إلّا بإذن أبيها» 2.

5- ما يدلّ على جواز الافتضاض إذا كانت راضية مع كون التمتّع بلا إذن أبيها و يظهر ذلك من صحيحة إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: رجل تزوّج بجارية عاتق على أن لا يقتضّها ثمّ أذنت له بعد ذلك؟ قال: «إذا أذنت له فلا بأس» 3.

و الذي يمكن أن يقال حول الروايات أحد أمرين:

الأوّل: ما عليه المحقّق من الحكم بكراهة التمتع ببكر إذا لم يكن لها أب فإن فعل فلا يفتضّها. و ليس بمحرّم.

و على ذلك يحمل ما يدلّ على الجواز مع عدم الافتضاض و يؤيّده، ما ورد في الطائفة الخامسة من أنّها لو رضيت يجوز الافتضاض، و يؤيّد ذلك الحمل أيضا لسان الروايات من «كراهية العيب على أهلها»، كما في صحيحة زياد بن أبي الحلال، و على ذلك تبقى روايات اشتراط إذن الأب على إطلاقها، فلا يجوز التمتّع بلا إذن الأب كان هناك افتضاض، أم لا.

و لأجل ذلك خصّ المحقّق الكراهة بما إذا لم يكن لها أب، و

أمّا إذا كان لها أب فلو أذن يجوز بلا كراهة، و إلّا فلا يجوز من غير فرق بين الافتضاض و عدمه.

الثاني: التصرف في روايات اذن الأب باختصاصها بصورة الافتضاض و إلّا فلا يشترط الإذن و على ذلك فالحكم يدور مدار الافتضاض و عدمه فيشترط في

______________________________

(1)- 3- الوسائل: 14، الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 5 و 12 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 65

الأوّل دون الثاني.

و تدلّ على ذلك، صحيحة الحلبي، قال: سألته عن التمتّع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها؟ قال: «لا بأس ما لم يفتضّ ما هناك لتعفّ بذلك» «1».

حيث قيّد شرطية الإذن بما إذا لم يفتض، و أمّا إذا تجاوز عنه فلا يجوز بلا إذنه و بذلك يحمل كلّ ما دلّ على شرطيّة الإذن على ما إذا كان افتضاض، لا ما إذا لم يكن، مثل صحيحة البزنطي 2. و خبر أبي مريم 3.

فتكون النتيجة على الجمع الأوّل، الجواز مطلقا إذا لم يكن لها أب و عدم الجواز مطلقا إذا كان لها أب.

و على الجمع الثاني، الجواز مطلقا إذا لم يكن هناك افتضاض، كان هناك إذن أو لا، و عدم الجواز إذا كان هناك افتضاض، إلّا إذا أذن الأب. هذا، و لكن الأقوى، هو الأوّل، لأنّ رواية الشيخ، عن أبي سعيد، عن الحلبي، ضعيف لوقوع موسى بن عمر بن يزيد «4» في سنده و هو ضعيف، و محمّد بن سنان مختلف فيه، فجعله شاهدا للجمع، أمر مشكل، و على هذا، فما ذهب إليه المحقق من الكراهة مطلقا أو في صورة الافتضاض في صورة عدم الأب و عدم الجواز في صورة وجوده، هو الأقوى و قد

قوّيناه أيضا في باب شرطيّة ولاية الأب في السابق، فلاحظ.

***

الركن الثالث: المهر

اشارة

قال المحقّق: هو شرط في عقد المتعة، و يبطل بفواته العقد. و قال في الحدائق: لا خلاف بين الأصحاب- رضي اللّه عنهم- في أنّ ذكر المهر شرط في صحّة هذا

______________________________

(1)- 3- الوسائل: 14 الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 9 و 5 و 12.

(4)- لاحظ سنده في التهذيب: 7/ 354.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 66

العقد، فيبطل بفواته بخلاف الدائم. و يدلّ على ذلك صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تكون متعة إلّا بأمرين: أجل مسمّى، و أجر مسمّى» «1».

و هذا دليل على أنّ في المتعة رائحة الإجارة، و الأجرة فيها أيضا ركن، فهكذا المتعة، و قد ورد في بعض الأخبار، و إن كان ضعيفا ب «أنّهنّ مستأجرات» «2» أو «و إنّما هي مستأجرة» 3. فما ذكره الأصحاب من أنّ الغرض الأصلي من نكاح المتعة هو الاستمتاع و تحصين النفس فاشبهت عقدها بعقود المعاوضات، ليس أمرا بعيدا، و إن لم يرتضيه صاحب الحدائق.

ثمّ إنّهم فرّعوا على هذا الأصل أمورا:

1- أن يكون مملوكا.

2- أن يكون معلوما، بالكيل، أو الوزن، أو الوصف، أو المشاهدة.

3- لا تقدير له قلّة و كثرة بل يكفي في الأجرة المراضاة قلّت أو كثرت.

4- هل يجب دفعها بالعقد، أو يجوز له توزيع المهر على تمام المدة؟.

و إليك البحث عنها واحدا بعد الآخر.

المسألة الأولى: يجب أن يكون مملوكا

و المراد منه أمران: الأوّل: أن يقبل التملّك فلا يصح جعل الخنزير و الكلب مهرا لأنّهما ممّا لا يملكان.

الثاني: ما يختصّ تملّكه بالعاقد، فلا يجوز العقد على مال الغير مغصوبا كان

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 17 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(2) و 3- الوسائل: 14 الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 2 و

4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 67

أو لا، و الفرق بين البيع و المتعة- حيث يصحّ هناك العقد على مال الغير فضولا، فإذا أجاز صحّ للغير، و لا يصحّ هنا- هو أنّ البيع ربط و علقة بين المالين، و البائع و المشتري تابعان فيدخل المثمن من حيث خرج الثمن، فإذا أجاز صاحب الثمن يقع له و إن قصد العاقد تملّك نفسه لما عرفت من خروج المتبايعين عن حقيقة البيع، و هذا بخلاف النكاح فإنّ النكاح علقة بين الزوجين و المهر تكريم للمرأة، غير أنّه دلّ الدليل على عدم جواز خلوّ العقد من المهر و المدّة، فإنّ فيه (أجل مسمّى و أجر مسمّى) فإذا عقد لنفسه بمال الغير، فإمّا أن يقع النكاح لصاحب المال، أو للعاقد، أمّا الأوّل، فلا يمكن في المقام لأنّه غير مقصود للزوجة و قد عرفت ركنية الزوجين و تعيينهما.

و أمّا الثاني: فلأنّه لم يبذل شيئا و الأجرة و إن لم تكن ركنا في الدائم لكنّها ركن في المنقطع فيبطل.

و مع ذلك ففيه مجال للمناقشة، و هو أنّ المقام أشبه بما إذا باع شيئا له و لكنّه صار غير متمكّن من تسليمه، أو عقد بمال و اعتقد أنّه ماله، فهل يبطل العقد أو أنّه ينتقل إلى المثل و القيمة، و لا يبعد أن يكون المقام من قبيلهما خصوصا إذا قلنا بأنّ الأجرة ركن و أمّا عينها فلم تعلم ركنيتها، و ما هو المقصود للمرأة هو الثمن لا عينه.

و على ذلك فالمراد من كونه مملوكا أن يكون قابلا للتملّك، لا مملوكا لشخص العاقد و أقصى ما يمكن أن يقال أن لا يكون العقد خاليا من الأجرة، التي تسلم للمرأة عينها أو

مثلها أو قيمتها.

و لو أباح المالك عامة التصرفات للعاقد حتى بيعه و إتلافه فجعله مهرا يصح، فأنّ جعله مهرا يدلّ بالدلالة الاقتضائية على أنّه تملّك المال ثمّ جعله مهرا مثل ما إذا قال: أعتق عبدك عنّي.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 68

المسألة الثانية: أن يكون معلوما بالكيل أو الوزن

و يكتفى بالمشاهدة أو الوصف حتّى في المكيل و الموزون و المعدود، مع عدم الاكتفاء بهما في البيع إذا كان المبيع مكيلا أو موزونا، و ما ذلك إلّا لأنّ المتعة ليست من المعاوضات المحضة فقط حتى يلاحظ فيها عدم الغرر، أضف إليه أنّ الروايات دلّت على أنّ الصحابة يتمتّعون بكفّ من برّ أو طعام مع اختلاف الأكف في السعة و الضيق.

المسألة الثالثة: لا تقدير للمهر قلّة و كثرة، و إنّما يتقدّر بالمراضاة

و تدلّ على ذلك صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: كم المهر يعني في المتعة؟ قال: «ما تراضيا عليه إلى ما شاءا من الأجل» «1».

و بذلك يظهر معنى قوله عليه السّلام في بعض الروايات: «يجزي فيه الدرهم فما فوقه» 2 و قوله عليه السّلام عند ما سئل عن أدنى مهر المتعة ما هو؟ قال: «كفّ من طعام دقيق أو سويق أو تمر» 3. فهو كناية عن المراضاة و ما ذكر فيه من باب المثال و ليس معناه أنّه لا يكفي نصف الدرهم أو نصف الكفّ من تمر إذا كانت لها مالية.

المسألة الرابعة: هل يجب دفع الاجرة بالعقد، أو يجوز توزيعها حسب الزمن المدّة؟

بعبارة أخرى: هل العقد سبب تام لدفع المهر إذا طلبت، أو سبب ناقص يتوقّف على انضمام تمكينها منه في المدّة المضروبة؟ المشهور هو الأوّل، قال ابن البرّاج: «و إذا انعقد نكاح المتعة على ما بيّناه وجب على الرجل تسليم الأجر إلى المرأة، فإن أخّر بعضه برضا المستمتع بها كان جائزا و إذا تسلّمت منه ذلك، استحقّ بضعها على الشروط التي استقرّت بينهما «4».

______________________________

(1)- 3- الوسائل: 14 الباب 21 من أبواب المتعة: الحديث: 3 و 1 و 5.

(4)- المهذّب: 2/ 242.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 69

و يمكن استظهاره من ابن سعيد في الجامع قال: «و إن أقبضها المهر و مكّنته من نفسها تمام المدّة دون بعض رجع عليها بالحساب و أيّام حيضها لها.

و نسبه في الجواهر إلى المشهور، و يدلّ عليه قبل السنّة الكتاب العزيز، قال سبحانه: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (النساء- 24) لما سمعت من أنّ المراد من الفعل، هو عقد المتعة، لا نفس العلم، و إلّا فإمّا أن يراد جنس الاستمتاع أو

مجموعه في المدّة المضروبة و على الأوّل يجب الإقباض عند تحققه و لو مرّة، و على الثاني لا يجب التسليم إلّا إذا تمّ الأجل، و لم يقل بهما أحد.

لكن وجوب التسليم ليس بمعنى أنّها يملكها مطلقا، مكّنت نفسها فيها من الزوج أو لا، دخل بها أو لا، بل الملكية المنجّزة متوقفة على التمكين، و إلّا رجع عليها بالحساب كما أنّه لو طلّق الدائمة قبل الدخول، يرجع عليها بالنصف قال ابن البرّاج: «و إذا عقد على امرأة متعة ثمّ اختار فراقها قبل الدخول بها كان لها النصف و يهب لها أيّامها، و إن كان قد أسلم إليها جميع المهر فإنّ له الرجوع عليها بنصفه «1». و سيوافيك الكلام في التنصيف.

أمّا السنّة فتدلّ عليه:

1- صحيحة عمر بن أبان، عن عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أتزوّج المرأة شهرا فتريد منّي المهر كملا و أتخوّف أن تخلفني؟ قال: «لا يجوز أن تحبس ما قدرت عليه فإن هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك».

كذا نقله في الجواهر، و لكن الموجود في الوسائل «يجوز» «2» مكان «لا يجوز» و أوعز إليه في الجواهر بقوله و في بعض النسخ «يجوز» و قال: لكنّه لا يوافق ظاهر قوله «فخذ منها» «3».

______________________________

(1)- المهذّب: 2/ 154.

(2)- الوسائل: 14 الباب 27 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(3)- الجواهر: 30/ 164.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 70

أقول: يمكن تصحيح ما في الوسائل بتقدير كلمة «و إن دفعته» فكأنّه قال:

يجوز أن تحبس ما قدرت عليه (و إن دفعته كله) و أخلفتك فخذ منها ... و يشهد للتقدير صحيحته الأخرى عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت

له: أتزوّج المرأة شهرا فأحبس عنها شيئا؟ فقال: «نعم، خذ منها بقدر ما تخلفك إن كان نصف شهر فالنصف و إن كان ثلثا فالثلث» «1». فيقدّر قوله «و إن دفعته» فكأنّه قال: نعم و إن دفعته خذ منها. و مثلها روايته الثالثة المروية في الفقيه و فيها:

«يحبس عنها من صداقها، مقدار ما احتبست عنك إلّا أيّام حيضها فإنّها لها» 2.

لكن الكلام على كلتا النسختين في حجّية خبر عمر بن حنظلة، فإنّ الأصحاب أعرضوا عن رواياته إلّا موردا واحدا اشتهر بمقبولة عمر بن حنظلة.

2- مكاتبة الريّان بن شبيب إلى أبي الحسن عليه السّلام: الرجل يتزوّج المرأة متعة بمهر إلى أجل معلوم و أعطاها بعض مهرها و أخّرته بالباقي، ثمّ دخل بها و علم بعد دخوله بها قبل أن يوفيها باقي مهرها أنّها زوّجته نفسها و لها زوج مقيم معها، أ يجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟ فكتب: لا «يعطيها شيئا لأنّها عصت اللّه عزّ و جلّ» «3».

فاستظهر من قوله «فأخّرته» أنّ للمرأة حقّ المطالبة لكنّها أخّرت المطالبة.

يلاحظ عليه: أنّه ليس واردا في كلام الإمام عليه السّلام و إنّما ورد في كلام السائل فلا يصحّ الأخذ بظهوره.

هذا حسب الكتاب و السنّة، و قد عرفت قوّة دلالة الأوّل، و ضعف دلالة الثاني إلّا أنّ هنا وجها آخر يثبت وجوب التسليم بعد العقد و هو أنّ ما يدفع إليها

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 27 من أبواب المتعة، الحديث 2 و 4.

(3)- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب المتعة، الحديث 2 و في السند علي بن أحمد بن هاشم و قد أكثر الصدوق الرواية عنه و هو قرينة على وثاقته.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2،

ص: 71

مهر، ليس بأجرة محضة و يترتّب عليه أحكام المهر.

توضيحه: أنّ الأجرة لا يجب دفعها ما لم يسلّم الأجير العمل، فلو استأجر لكنس الدار، فلا يجوز له الطلب ما لم يسلّم الكنس و غيره إلّا إذا اتفقا على التسليم.

نعم ربّما يستظهر كونه أجرا بما ورد في بعض الروايات، من «أنّها مستأجرة» «1».

و لكن الإمعان فيها يقضي بأنّه ليس المراد كونهنّ مستأجرات في جميع الجهات، بل التنزيل في أنّها لا تحتاج إلى الطلاق و لا ترث فهي أشبه بالأجير إذا تمّ عمله آخر النهار يتركك و يشتغل لشخص آخر، و لا صلة بينه و بين الإنسان لا أنّ خاصية العمل، استئجار، كيف و قد عرفت دخوله في قوله تعالى: إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ (المؤمنون/ 6).

و ممّا يشهد على كونها زوجة و أنّ ما تراضيا عليه من قبيل المهر، هو الحكم بلزوم دفع النصف قبل الدخول إذا وهب المدّة و أعرض عن التمتّع، و تدلّ عليه صحيحة الحسين بن سعيد عن الحسن (و هو مردّد بين كونه الحسن بن الوشّاء أو الحسن بن محبوب، أو الحسن بن علي بن يقطين، أو الحسن بن علي بن فضال، و على أيّ تقدير، فالكل ثقات) عن زرعة عن سماعة قال: سألته عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها ثمّ جعلته من صداقها في حلّ يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال: «نعم إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه، فإن خلّاها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة على الرجل نصف الصداق» «2». فإنّ المراد من قوله «خلاها» هو الأعم من الطلاق في الدائم وهبة المدّة في المنقطع، فيجب على المرأة، النصف إن أخذت

______________________________

(1)-

الوسائل: 14 الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 2 و 4.

(2)- الوسائل: 14 الباب 30 من أبواب المتعة، الحديث 1 و قد عرفت فتوى ابن البرّاج عليه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 72

الكل كما على الرجل دفع النصف إن لم يدفعه. و هذا دليل على أنّه بمنزلة المهر يترتّب عليه ما يترتّب على المهر في الدائم، فالأحكام الواردة في مهر الدائم تجري في المنقطع لأنّ الموضوع هو المهر، و إن كان المورد هو الدائم و ليس هذا ببعيد فإنّ الفقهاء حكموا بوحدة أحكام الصلاة المفروضة و المسنونة و الصوم الواجب و المستحب مع أنّ مورد الروايات، هو الواجب دون الأعم لكنّهم أجروا أحكام الصلاة المفروضة في مورد المسنونة و أحكام الصوم الواجب في مورد المستحب.

هذا هو الأصل، و لو دلّ دليل على الخروج و الاستثناء، نأخذ به و إلّا فهذا الأصل هو المحكّم. و قد دلّ الدليل على الفرق بين الدائم و المنقطع بعد الدخول حيث إنّ المهر تملكه الزوجة في الدائم و إن كانت ناشزة و إنّما النشوز يؤثر في مورد النفقة دون المهر، بخلاف المنقطع فإنّ ملكيتها للمهر لا يستقرّ إلّا بالتمكين و إن كانت مدخولا بها، فإن أخلفت يحسب عليها بقدر ما أخلفت، و تدلّ عليه ما مضى من روايات حنظلة الثلاثة و غيرها «1» و ضعف السند مجبور بعمل الأصحاب في المقدار الذي عملوا به من الرجوع إذا أخلفت لا في جواز الحبس و إن كانت ممكّنة، كما مرّ.

نعم، خرجت أيّام الحيض بالنص، و لا تعدّ مخلفة، و هل يلحق بها أيّام المرض إذا استوعبت المدّة أو لم تستوعب، و مثله ما إذا منعها الظالم من التمكين أو

صارت معذورة أو شاغلته لدفع الضرر عن نفسه و ماله و عرضه، أو لا؟ الجواب هو أنّ ما تراضيا عليه من مهر يترتّب عليه كلّ ما يترتّب على المهور إلّا ما خرج و هو ما إذا كانت مخلفة لا إذا لم تكن كذلك، فالأقوى عدم التوزيع كما أنّ الأقوى عدم التنصيف بالموت.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 27 من أبواب المتعة، الحديث 1 و 2 و 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 73

في أحكام المتعة

إذا تبيّن فساد العقد، لكون المزوّجة أختا رضاعيّة للزوج، أو مزوّجة للغير، فله صورتان:

1- إذا تبيّن قبل الدخول، فلا مهر، و لو قبضته يسترجعه، لعدم المقتضي بعد تبيّن فساده.

2- إذا بان بعد الدخول، فلا تخلو إمّا أن تكون عالمة أو جاهلة، فهناك قولان:

الأوّل: ما اختاره الشيخ في النهاية من «أنّ لها ما أخذت و ليس عليه تسليم ما بقي» قال فيها: «فإن تبيّن بعد الدخول بها أنّ لها زوجا كان لها ما أخذت منه و لا يلزمه أن يعطيها ما بقي عليه» «1».

و مستنده، حسنة حفص، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا بقي عليه شي ء من المهر و علم أنّ لها زوجا فما أخذته فلها بما استحلّ من فرجها، و يحبس عنها ما بقي عنده» «2».

و الرواية لا توافق القواعد لأنّها لو كانت عالمة فلا مهر لبغيّ مثل التبيّن قبل الدخول، و إن كانت جاهلة فلها مهر المثل، لا ما أخذته، اللّهمّ إلّا أن تحمل على صورة الجهل و يكون الاكتفاء بما أخذت لكونه مساويا بمهر مثلها.

مضافا إلى مكاتبة ابن الريّان، حيث دلت على أنّها لو كانت عالمة لا تستحق شيئا، حيث كتب إلى أبي الحسن عليه السّلام: الرجل يتزوج

المرأة متعة بمهر إلى أجل معلوم و أعطاها بعض مهرها و أخّرته بالباقي، ثمّ دخل بها و علم بعد دخوله

______________________________

(1)- النهاية: 491.

(2)- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب المتعة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 74

بها قبل أن يوفّيها باقي مهرها، أنّها زوّجته نفسها و لها زوج مقيم معها، أ يجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟ فكتب: «لا يعطيها شيئا لأنّها عصت اللّه- عزّ و جلّ» «1».

و الإمام عليه السّلام و إن أجاب بأنّها لا تستحق الباقي، لكنّه لأجل سؤال السائل عنه، و إلّا فمقتضى التعليل عدم استحقاقها شيئا لأنّ ما يؤخذ في مقابل الحرام كالزنا سحت لا تملك، فيجوز له الاسترجاع إذا كان موجودا و تكون ضامنة إذا أتلفت.

و كون الزوج مسلّطا لها على ماله، فلا ضمان عند التلف، غير تامّ، لأنّه سلّطها بعنوان أنّها زوجته و هو مفقود، و كان الآخذ- أي الزوجة- عالمة بأنّ التسليط صدر بهذا العنوان و هي غير واجدة له، فكان التصرف فيه حراما و مضمونا و ذلك مثل ما إذا أباح لزيد أكل طعامه بعنوان أنّه صديقه و هو عدوّ له، فلا يجوز لزيد التصرّف فيه و لأجل ذلك، لا مناص من تأويل كلام النهاية بمثل ما أوّل به الحديث، من حمل كلامه على الجاهلة و كون المأخوذ بمقدار مهر المثل، و إلّا فالتعميم إلى صورة العلم غير صحيح، و أسوأ منه ما إذا فسّر كلامه بأنّ لها ما أخذت و إن كان تمام المهر، و له حبس ما عنده و لو كان الجميع.

و بالجملة، هذا القول، غير تامّ جدا.

الثاني: ما اختاره المحقّق، من التفريق بين الجهل و العلم من ثبوت

مهر المثل إذا كانت جاهلة، فيما يتصوّر الجهل كالأخت الرضاعية، و جواز الاستعادة إذا كانت عالمة أخذا بحكم القواعد، و حسنة الريّان بن شبيب «2»، و المراد بمهر المثل مهر مثل النكاح المنقطع لا الدائم، لأنّ لكون العقد دائما أو منقطعا تأثيرا في قيمة

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب المتعة الحديث 2.

(2)- الوسائل: 4 الباب 28 من أبواب المتعة الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 75

البضع، فمن فرض فساده، لها أجرة المثل بالنسبة إلى المدّة الماضية التي مكّنت نفسها منه، و احتمال مهر المثل للنكاح الدائم كما في الجواهر حتّى جعله أقوى القولين، موضع تأمّل فلاحظ.

الركن الرابع: الأجل

اشارة

فهو شرط في عقد المتعة، و تدلّ عليه- قبل كلّ شي ء صحيحة زرارة، قال:

«لا تكون متعة إلّا بأمرين، أجل مسمّى و أجر مسمّى» «1».

إذا لم يذكر الأجل لفظا انقلب دائما و إن كان من قصده الانقطاع لكن قيّد في الجواهر بما إذا لم يقصد الانقطاع، و هو خلاف المتبادر من كلمات الأصحاب، و النصوص الواردة، و الظاهر أنّ محلّ البحث أعم من أن يقصد الانقطاع أم لا.

و الشاهد عليه، أنّهم جعلوا المقام من قبيل تخلّف العقود عن القصود.

و أمّا الأقوال، فنتلوها عليك:

1- صحّة العقد، و انقلابه إلى الدوام، و هو خيرة الشيخ و من تبعه.

2- البطلان و هو خيرة المسالك.

3- الصحّة و الانقلاب إلى الدوام إن كان العقد بلفظ التزويج و النكاح، و البطلان إن كان بلفظ التمتع و هو خيرة ابن ادريس.

4- الفرق بين العمد و الترك، عن جهل و نسيان فينقلب إلى الدوام في الأوّل و يبطل في الأخيرين.

5- الصحة و الانقلاب إلى الدوام مطلقا إلّا إذا أريد من نفس الصيغة

الانقطاع، و إنّما يكون ذكر الأجل كاشفا لما أراده من اللفظ (في غير هذا الموضع) و هو خيرة الجواهر «2». هذه هي الأقوال، و الصحيح هو القول الأوّل تبعا

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 17 من أبواب المتعة، الحديث 1- 2 و غيرهما.

(2)- الجواهر: 30/ 175.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 76

للنصوص، و إليك ما استدلّ به على ذلك:

1- موثق ابن بكير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «إن سمّى الأجل فهو متعة، و إن لم يسمّ الأجل فهو نكاح بات» «1».

و في دلالته نظر لأنّه بصدد تعيين حدّ النكاحين، لا انقلاب أحدهما إلى الآخر عند نسيان الأجل.

2- خبر أبان بن تغلب «2» أنّه قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام: فانّي أستحي أن أذكر شرط الأيّام؟ قال: «هو أضرّ عليك» قلت: و كيف؟ قال: «لأنّك إن لم تشرط كان تزويج مقام و لزمتك النفقة في العدّة و كانت وارثا، و لم تقدر على أن تطلّقها إلّا طلاق السنّة» «3».

و العمدة في الحكم بالصحّة و انقلابه إلى الدائم، هذا الحديث و لكنّه غير نقيّ السند، و لو عمل به فلأجل جبره بالشهرة.

و يؤيّده، خبر هشام بن سالم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أتزوّج المرأة متعة مرّة مبهمة؟ قال: فقال: «ذاك أشدّ عليك، ترثها و ترثك، و لا يجوز لك أن تطلّقها إلّا على طهر و شاهدين»، قلت: أصلحك اللّه فكيف أتزوّجها؟ قال:

«أيّاما معدودة بشي ء مسمّى مقدار ما تراضيتم به» 4.

و لو صحّ السند، فالدلالة واضحة، و يدلّ على أنّ إضمار الأجل غير مفيد بل يقع دائما إلّا إذا أظهره، و لا ينافي لما سيأتي، من أنّ القيود المضمرة كالمذكورة

لما عرفت من ركنية الأجل في المتعة فلا يكفي إلّا إذا كان مذكورا.

و استدل للقول الثاني، أعني البطلان: بقاعدة تبعية العقود للقصود، فإنّ

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(2)- في سنده عمر بن عثمان و هو ثقة و إبراهيم بن الفضل لم تثبت وثاقته.

(3) و 4- الوسائل: 14، الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث 2 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 77

المقصود هو المتعة و اللفظ موضوع للعقد الدائم فكيف يصحّ الثاني مع كونه غير مقصود و ربّما يؤيّد بمضمرة سماعة قال: سألته عن رجل أدخل جارية يتمتع بها ثمّ نسي أن يشترط حتّى واقعها يجب عليه حدّ الزاني؟ قال: «لا، و لكن يتمتّع بها بعد، و يستغفر اللّه ممّا أتى» «1». بناء على أنّ المراد من الاشتراط، هو الأجل، بقرينة رواية أبان بن تغلب «2» و مع ذلك يحتمل أن يكون المراد، هو نسيان العقد. و يكون المراد من قوله: «و يتمتّع بها بعد» بعد إجراء العقد، و أمّا تبعية العقود للقصود فيمكن الجواب عنها بالبيان التالي:

تحليل مشكلة تخلّف العقد عن القصد

إنّ الدوام و الانقطاع خارجان عن حقيقة النكاح إذ لو كان أحدهما داخلا في حقيقته لما صحّ تقسيمه إليهما، و هذا يعرب عن أنّ حقيقته ليست إلّا جعل الربط بين الزوجين فقط و هو موجود في كلا القسمين. نعم من شأنه إذا لم يقيّد أن يدوم و لا يرتفع إلّا برافع هذا حسب الثبوت.

و أمّا الإثبات، فالنكاح ثبوتا و إن كان ينقسم إلى قسمين، و كلّ قسم يتميّز ثبوتا بقيد خاص، و إلّا يلزم أن يكون القسم نفس المقسم و لكن يكفي في تحقق أحد القسمين في مقام الإثبات،

الإطلاق بخلاف الآخر، فهو يحتاج إلى القيد فإذا قال: زوّجت أو متعت بلا قيد، فهو في نظر العرف إنشاء للفرد الدائم. و ذلك لأنّ الدائم هو النكاح المطلق غير المقيد بقيد فيكفي فيه الإطلاق و لا يحتاج إلى القيد، بخلاف المنقطع.

و هذا كانصراف الأمر إلى العيني التعييني، و النفسي فإنّ كلّ واحد منها

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 39 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 14 الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 78

يمتاز عن مقابله بالقيد ثبوتا، فالعيني مثل الكفائي يشاركان في أصل الوجوب و يفترق العيني عن قرينه ثبوتا بقيد خاص و بالعكس و ليس كذلك في مقام الإثبات، فالعيني لا يحتاج إلى القيد بخلاف الكفائي فإذا أطلق يكون قالبا لأحد القسمين (العيني) دون الآخر و كأنّ العيني هو الأمر المطلق، و الكفائي هو الأمر المقيّد.

إذا عرفت ما ذكرنا تقف على عدم الخلف في مقام تبعيّة العقود للقصود- إذا ترك القيد نسيانا- أمّا ثبوتا فلما عرفت من خروج الدوام و الانقطاع عن حقيقة النكاح، و العاقد أنشأ حقيقة ذلك الأمر الاعتباري عاريا عن القيدين، و أما ثبوتا فلما مرّ أنّ الإنشاء إذا كان مطلقا يكون في نظر العرف إنشاء للدائم دون المنقطع لأنّه المحتاج إلى القيد دون الدائم، فينطبق المنشأ على الدائم ثبوتا و إثباتا.

نعم، هذا الجواب إنّما يتمشّى فيما إذا نسي ذكر الأجل، و أمّا إذا تركه عمدا، و مع ذلك قصد الانقطاع فلا يتمّ لأنّ المفروض أنّ العاقد قصد المنقطع فكيف يفرض عليه الدوام.

و لعلّ الحكم مختصّ بصورة النسيان، لا الترك عمدا، و ما ورد في رواية أبان ابن تغلب «1» من أنّه إذا

لم يذكر الأجل كان تزويج مقام أو أنّه «ترثها و ترثك» لعلّه وارد في التنازع، و لا شكّ أنّ القول قول المدّعي الدوام لكونه موافقا للظاهر.

و لو لا هذا التوجيه، لكان الانقلاب إلى الدوام، مع إضمار الانقطاع، مخالفا للقاعدة، و لو قلنا بركنية الأجل و أنّه ممّا يجب ذكره و لا يكفي إضماره، لزم القول بالبطلان لا القول بالانقلاب، و لأجل ذلك يختصّ الحكم بالانقلاب بصورة النسيان و لا يعمّ تركه عمدا و تحمل الروايتان على صورة التحاكم و التنازع.

و أمّا القول الثالث: و هو القول بالصحة و الانقلاب إذا كان بلفظ التزويج

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث 2- 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 79

دون «متّعت» فيبطل، و لعلّ وجهه تصور دخول الانقطاع في مفهوم لفظ «متعت» و هو غير واضح و إلّا لما وقع نزاع في تفسير قوله سبحانه: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ و أنّ المورد هو المنقطع أو الدائم.

و أمّا القول الرابع: و هو الفرق بين ترك الأجل عمدا و تركه نسيانا فينقلب إلى الدائم في الأوّل و يبطل في الثاني، فيمكن توجيهه بأنّ الترك عن عمد ظاهر في إرادة الدوام.

و لكنّه، إنّما يفيد في مقام التنازع لا في غيره، و الكلام أعم منه، على أنّك قد عرفت أنّ الأولى هو العكس و التسامح في صورة النسيان، دون العمد، أخذا بقاعدة «العقود تابعة لما قصد من الإنشاء».

و أمّا القول الخامس: فهو خيرة الجواهر، و إليك نصّه: «لا يبعد البطلان مع فرض قصد العاقد الانقطاع من نفس الصيغة، و إنّ الأجل إنّما يذكره كاشفا لما أراده من اللفظ ضرورة عدم قصد المطلق من النكاح حينئذ فلا

مقتضى لصيرورته دائما كما لا وجه لصيرورته منقطعا، لعدم ذكر الأجل فيه و قد عرفت أنّه شرط في صحّته «1».

يلاحظ عليه: أنّ كلّ لفظ يستعمل فيما وضع له، و الخصوصيات تفهم من القرائن، و على ضوء هذا، لا يطلق التزويج و لا التمتع إلّا و يراد منه ما وضع له، و المفروض أنّ الموضوع له هو الجامع بين النكاحين فكيف يصحّ له قصد الانقطاع من نفس الصيغة، فما ذكره لا موضوع له في الاستعمالات الرائجة. و تصور أنّ الاستعمال مجازا صحيح، مدفوع بأنّ المجاز هو استعمال اللفظ فيما وضع له ثمّ نصب القرينة على المورد من مصاديقه. و المقام ليس كذلك.

______________________________

(1)- الجواهر: 30/ 175.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 80

فروع حول الأجل
1- لا حدّ معين في الأجل:

يطلق الأجل و يراد منه تارة تمام المدّة، و هذا هو المراد من المقام و قد يطلق و يراد منه آخرها، مثل قوله سبحانه: فَإِذٰا جٰاءَ أَجَلُهُمْ لٰا يَسْتَأْخِرُونَ سٰاعَةً وَ لٰا يَسْتَقْدِمُونَ* «1».

و الضابطة الكلية، ان يكون الأجل المضروب أمرا متعارفا في مورده، فلا يصحّ فيما تنصرف عنه النصوص، كتزويج العجوزة التي لا يؤمّل أن تعيش أزيد من عشرة أعوام، تسعين سنة، كما أنّه يشترط أن تكون الزوجة قابلة لبعض الاستمتاعات و إلّا تكون النصوص منصرفة عنها و على هذا فتزويج الرضيعة يوما أو شهرا لغاية صيرورة أمّها أمّ الزوجة و تكون من محارم الرجل العاقد لا يتم إلّا إذا امتدّ الأجل إلى حدّ تكون المعقودة عليه قابلة للاستمتاع، و إلّا فالعقد ساعة أو ساعتين لا يصحح ما يطلب من هذا النوع من الزواج.

2- يشترط أن يكون محروسا من الزيادة و النقيصة:

يشترط في صحّتها- كسائر العقود المشتملة على الأجل- أن يكون مضبوطا و على ذلك، لا يجوز أن يكون كلّيا كشهر من الشهور، أو التزويج إلى قدوم الحاج و الحصاد و الدياس.

و يدلّ عليه- مضافا إلى قوله عليه السّلام: «لا تكون متعة إلّا بأمرين: أجل مسمّى و أجر مسمّى» «2»-: خبر بكّار بن كردم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يلقى

______________________________

(1)- النحل: 61.

(2)- الوسائل: 14 الباب 17 من أبواب المتعة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 81

المرأة فيقول لها: زوّجيني نفسك شهرا، و لا يسمّي الشهر بعينه ثمّ يمضي فيلقاها بعد سنين؟ فقال: «له شهره إن كان سمّاه، فإن لم يكن سمّاه فلا سبيل له عليها» «1».

و يترتّب عليه عدم جواز العقد على الأجل القابل للزيادة و النقصان، و تدلّ عليه موثقة ابن بكير،

عن زرارة، قال: قلت له: هل يجوز أن يتمتّع الرجل من المرأة ساعة أو ساعتين؟ فقال: «الساعة و الساعتان لا يوقف على حدّهما» «2».

و لو ترك الأجل و ذكرت مكانه «المرّة» أو المرّتان على وجه يكون أجلا للمتعة فمقتضى كون الأجل ركنا، انقلابه إلى الدوام، خصوصا على القول بعموم الحكم و شموله للجاهل و الناسي و العامد و أمّا ما ورد في رواية هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أتزوّج المرأة متعة مرّة مبهمة؟ «3» فلا بدّ من حملها على ما إذا كان الأجل مشخصا و كان التحديد بمرّة أو مرّتين لأغراض خاصة.

و هل يجوز أن يكون الشهر منفصلا أو يجب أن يكون متصلا و لو أطلق انصرف إلى المتصل، مقتضى عدم جوازه في الدوام عدم جوازه في المنقطع أيضا، اللّهمّ إلّا أن يقال: يفرق بينهما بأنّ المتعة أشبه بالإجارة و يؤيد الجواز خبر بكّار بن كردم، حيث إنّ المنع فيه لعدم تعيين الشهر، لا لكونه منفصلا.

و الحقّ هو الأوّل: للشكّ في شمول الأدلّة لمثل ذلك، و بالنظر إلى التأويل المذكور للآية في رواية ابن عباس حيث ورد في تفسيرها «فما استمتعتم منهنّ إلى أجل مسمّى»، الظاهر في اتصال الأجل إلى زمان.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 35 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 14 الباب 25 من أبواب المتعة، الحديث 2، المراد منهما هو: لحظة أو لحظتين، لا الساعة المحدّدة بستين دقيقة، فانّه مصطلح حديث.

(3)- الوسائل: 14 الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث 3، و على هذا النحو يؤوّل أو يطرح ما دلّ على جواز تزويج المرأة على عرد واحد، لاحظ الباب 25 من أبواب المتعة، الحديث 4- 5.

نظام النكاح في الشريعة

الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 82

و يؤيّد المنع ما ورد من المنع من الجمع بين الأجلين بأن يعقد عليها الزوج قبل انقضاء المدة «1»، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ المانع هناك هو الجمع بين الأجلين لا الانفصال وحده.

و على كلّ تقدير فكون النكاح مبنيا على الاحتياط يدفعنا إلى القول بعدم الاكتفاء و لو أطلق الشهر انصرف إلى المتصل سواء قلنا بجواز الأجل المنفصل أو لا، لدلالة العرف.

لو تركها حتى انقضت المدّة

لا شكّ أنّ الطلاق قبل الدخول منصّف و بعده يجب دفع الكل، و الموت قبله ليس بمنصّف، على المشهور و أمّا المتعة فلو تركها حتى تنقضي المدّة استقرّ لها الأجرة سواء دخل بها أو لا، لكون الأجرة في مقابل التمكين و هي قامت بواجبها و الزوج قصّر في الاستيفاء، و لو وهبها المدّة قبل الدخول، و قبلت فيأتي حكمه.

أحكام المهر في المتعة

الأوّل: قد عرفت أنّ الأجل و المهر ركنان

فلو ذكرا صحّ العقد و لو أخلّ بالمهر بطل و لو ترك الأجل انقلب دائما.

فإن قلت: ما معنى قوله سبحانه: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا تَرٰاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ (النساء/ 24) فإنّ الظاهر أنّ المراد من الموصول في قوله فِيمٰا هو الأجرة، فيدلّ على جواز ترك ذكر الاجرة و الاكتفاء بالرضاية لما بعد، فكيف يجتمع ذلك مع قولهم: «و لو أخلّ بالمهر بطل»؟.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 24 من أبواب المتعة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 83

قلت: قوله وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ غير ظاهر، في ترك الأجرة في العقد، بل المراد أنّه لا جناح في زيادة الأجرة و تنقيصها بعد الاتفاق على الأجر المعيّن في العقد، لأنّه أشبه بالدين، فالدائن إبراؤه الجميع أو بعضه، كما أنّ للآخر، أن يزيد في الأجر. على أنّه فسر في الروايات بزيادة الأجل أو نقصانه.

الثاني: حكم الشرط غير المذكور في العقد

اشارة

قال في النهاية: كل شرط يشترطه الرجل على المرأة إنّما يكون له تأثير بعد ذكر العقد، فإن ذكر الشروط و ذكر العقد بعدها كانت الشروط التي قدم ذكرها باطلة لا تأثير لها فإن كررها بعد العقد ثبتت على ما شرط «1». و مراده من قوله «بعد العقد» هو ذكره بعد الإيجاب و بعد القبول.

و قال المحقّق: كل شرط يشترط فيه فلا بدّ من أن يقترن بالإيجاب و القبول و لا حكم لما يذكر قبل العقد، و قال الشيخ الأنصاري في أحكام الشروط عن الخيارات بعد الفراغ. الشرط الثاني: أن يلتزم به في متن العقد فلو تواطأ عليه قبله لم يكف ذلك في التزام المشروط به على المشهور.

أقول: الشرط الابتدائي يطلق و يراد منه

أحد أمرين:

1- أن يلتزم الشخص على نفسه إنجاز عمل، لا بصورة الوعد أو الاخبار، بل بصورة الإنشاء من دون أن يكون الالتزام تابعا لالتزام آخر بل كان التزوّج عملا مستقلا.

2- أن يكون تابعا لالتزام آخر و لكن لا يكون مذكورا في العقد، بل مذكورا قبل العقد، و بني العقد عليه، بحكم أنّ المقدّر كالمذكور.

أمّا القسم الأوّل فهو خارج عن موضوع البحث و قد فصّلنا القول فيه في أحكام الشروط و إنّما الكلام في الشرط المبنيّ عليه العقد.

______________________________

(1)- النهاية: 493.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 84

استدل على لزوم الذكر بوجوه:

1- حكاية الإجماع على ما عرفت من الأعلام.

يلاحظ عليه: أنّه لا يحكى في المقام عن وجود نصّ وصل إليهم و لم يصل إلينا، و لعلّهم استندوا إلى بعض الوجوه الآتية.

2- ما أشار إليه الشيخ الأعظم من أنّ الشرط من أركان العقد المشروط بل هو كالجزء من أحد العوضين فيجب ذكره في العقد.

يلاحظ عليه: عدم الدليل على كلّية المدعى إذ ليس كل شرط من الأركان، و على تقدير كونه جزءا من العوضين لا دليل على أنّ حكمه حكمها حتّى في الوقوع تحت الإنشاء، أضف إلى ذلك أنّ ذكر العوضين غير لازم إذا كانا معلومين من القرائن.

3- أنّ الشرط هو الالتزام و هو لا يتحقق بمجرّد التباني بل يحتاج إلى الإنشاء و إلّا لا يصدق عليه الإلزام و لا الالتزام، و هذا بخلاف سائر متعلّقاته فإنّه يكفي فيه النية و التعذير.

يلاحظ عليه: أنّ الشرط بمعنى الإلزام من أقسام التعهد كالنذر و اليمين، فكما تصدق على ما لو ورد في ضمن العقد، كذلك يصدق على ما إذا تعاهدا مجرّدا عن العقد، ثمّ يبنى العقد عليه.

و بذلك يظهر ضعف ما ربّما

يقال: إنّ الإنشاء لا بدّ له من محصل و لا يحصل بمجرّد القصد و الإخطار القلبي بالضرورة و لذا لا يحصل البيع و النكاح به «1» و ذلك لأنّه خروج عن محطّ النزاع، لأنّ المفروض فيما إذا سبق تعهد لفظي من الطرفين منفكّا عن العقد، ثمّ بني العقد عليه، نعم لو لم يكن هناك أيّ إنشاء

______________________________

(1)- نثارات الكواكب: 308.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 85

سابق و كان هناك صرف إخطار بالبال، لتمّ ما ذكر كما يظهر ضعف ما في تعليقة السيد الطباطبائي جوابا عن الاستدلال من أنّ الإنشاء كما يكون باللفظ، كذا يكون بالإخطار القلبي «1» و هو كما ترى.

4- إنّ إنشاء إلزام الشرط على نفسه قبل العقد كان إلزاما ابتدائيا لا يجب الوفاء به قطعا و إن كان أثره مستمرّا في نفس الملتزم إلى حين العقد بل إلى حين حصول الوفاء و بعده، نظير بقاء أثر الطلب المنشأ في زمان، إلى حين حصول المطلوب و إن وعد بايقاع العقد مقرونا بالتزامه فإذا ترك ذكره في العقد فلم يحصل ملزم له.

يلاحظ عليه: إذا كان الإنشاء مبنيا لبّا على ما اتفقا عليه خارج العقد فالقول، بأنّه ليس هنا ملزم للعمل نفس المدعى لأنّه إذا دلّت القرائن على أنّ العقد مبنيّ على ذلك الشرط و كان التزام الطرفين بالعقد على ذاك الأساس، فلما ذا لا يحصل له ملزم بالوفاء فإذا كان ذاك المقدّر بحكم المذكور و كان حذف ما يعلم جائزا، فلم لا يلزم الالتزام به، و قد اتفقوا على جواز حذف ذكر المبيع و الثمن إذا كانا معلومين خارجا و حكموا بلزوم القبض و الإقباض.

فإن قلت: فرق بين متعلّقات العقد، و الشروط

فإنّ المتعلّقات يمكن أن يقدّر و ينوى لأنّها متعلّقة بالعقد جوهرا فيمكن حذفها من اللفظ و كون اللفظ دالّا عليها، بضميمة القرينة الحالية أو المقالية بخلاف الشرط إذ ليس من أجزائه الجوهرية فهو يحتاج إلى الإنشاء في متن العقد.

قلت: إنّ الشروط أيضا من توابع العقد و قد صرّحوا بأنّه بمنزلة الجزء من أحد العوضين، فلما ذا يجوز حذف المتعلّقات دون توابعها. و كون أحدهما جزء منه جوهرا دون الآخر، لا يورث الفرق، سوى بالوضوح و الخفاء و هو غير مؤثر إذا كان

______________________________

(1)- تعليقة السيّد الطباطبائي: 118.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 86

معلوما بالقرينة.

و الحاصل أنّه لم يعلم فرق بين جواز متعلّقات العقد، و الشرط التابع لأحد العوضين بنحو من التبعية فيجوز حذف الأولى دون الثاني و يحصل الملزم بالنسبة إليها دون الأخير.

5- الأخبار الواردة الدالّة على عدم الاعتبار بالشرط السابق على عقد النكاح و أنّه يهدم ما كان من الشروط السابقة و إليك ما ورد:

1- ما رواه ابن بكير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا اشترطت على المرأة شروط المتعة فرضيت به و أوجبت التزويج، فاردد عليها شرطك الأوّل بعد النكاح فإن أجازته فقد جاز و إن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من شرط قبل النكاح» «1».

و المراد من قوله «فاردد» هو الذكر، و من النكاح قوله: أنكحتك نفسي، فتكون الشروط داخلة في الإيجاب.

2- ما رواه ابن بكير أيضا قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح و ما كان بعد النكاح فهو جائز» 2.

و قد عرفت معنى النكاح، و هو الإيجاب الذي يقوله الرجل عن قبلها.

3- ما رواه ابن

بكير أيضا، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول في الرجل يتزوّج المرأة متعة: «إنّهما يتوارثان إذا لم يشترطا و إنّما الشرط بعد النكاح» 3.

4- ما رواه محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا تَرٰاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ؟ فقال:

«ما تراضوا به من بعد النكاح فهو جائز، و ما كان قبل النكاح فلا يجوز إلّا برضاها

______________________________

(1)- 3- الوسائل: 14 الباب 19 من أبواب المتعة، الحديث 1 و 2 و 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 87

و بشي ء يعطيها فترضى به» «1».

و قد عرفت رواية أبان بن تغلب فيما إذا ترك الأجل مع كونه قاصدا له «2».

يلاحظ على الاستدلال: بأنّ المقاولة على الشروط على قسمين: تارة تتقاول، و لا يكون العقد مبنيّا عليه، و أخرى تتقاول و يكون العقد مبنيّا عليها، و الروايات ناظرة إلى القسم الأوّل و الكلام في القسم الثاني: و إلى ذلك ينظر قول السيد الطباطبائي في تعليقته حيث قال: إنّ مفاد هذه الأخبار أنّ الشرط السابق لا يكفي و لا ينافي ذلك، كفاية التباني الحاصل حال العقد بحيث يعدّ عرفا شرطا و التزاما في العقد ... و قال: نعم الرواية الأخيرة ظاهرة في عدم كفايته «3».

أقول: عدم كفايته في مورده لأجل أنّ الأجل ركن و الركن يجب ذكره في العقد كما عرفت فلا ينافي عدم الكفاية فيها ما ذكرنا من كفاية التباني في سائر الشرائط.

الثالث: ما يجوز لها أو له من الشرائط

الضابطة الكلّية في صحّة الشرائط و عدمها، عدم كون الشرط مخالفا لمقتضى العقد، بحيث يرى تناقضا بين العقد و شرطه كما إذا باع بلا ثمن

أو آجر بلا أجرة.

و بعبارة أخرى: أن لا يكون الشرط مخالفا لمقتضى مطلق العقد، من البيع و الإجارة و النكاح مثلا لو عقدها و اشترطت المرأة أن لا يتمتّع الرجل بها أصلا، كان الشرط مخالفا لمقتضى عقد النكاح، نعم لو كان الشرط مخالفا لمقتضى العقد المطلق، أي ما يترتّب عليه الأثر عند الإطلاق، يكون الشرط مقيّدا لإطلاقه كما إذا أشرطت أن لا يفتضها صحّ الشرط.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 19 من أبواب المتعة، الحديث 3.

(2)- الوسائل: 14 الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث 2.

(3)- تعليقة السيد الطباطبائي على المكاسب: 116.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 88

و على ضوء هذا تستطيع على تمييز الصحيح من الفاسد، و ربّما يقع الشكّ في كون الشرط من أيّ قسم من القسمين، و على هذا لو شرط الإتيان ليلا أو نهارا أو يشترط المرّة و المرّات من الزمان المعين جاز لأنّها تقييد لإطلاق العقد، و لو شرط الاستمتاع دون الدخول جاز لعدم منافاته لمقتضى مطلق عقد النكاح، و تدلّ عليه صحيحة عمّار بن مروان «1» (اليشكري الذي هو و أخوه عمرو ثقتان) «2».

كما أنّ لها إسقاط شرطه و يجوز له الدخول لأنّها زوجته، و لا مانع من الدخول إلّا حقّ الغير و قد أسقطته و به رواية «3».

و لو دخل بلا إذن يلحق به الولد، لأنّها زوجته، و إن كان الدخول ممنوعا لأمر خارجي كالحيض، و الإيلاء و الظهار و مخالفته لا يمنع كونه ولدهما ولدا شرعيا.

الرابع: في جواز العزل

لا شك أنّه لا يجوز العزل في الدائمة إلّا بإذنها، بخلافه في المتمتّع بها، فيجوز بلا إذنها.

قال الشيخ في النهاية: و يجوز للرجل العزل و إن لم يكن شرط و متى

جاءت بولد كان لاحقا به سواء عزل أم لم يعزل. أمّا جواز العزل، فقد أرسلوه إرسال المسلّم و استدل عليه بروايات، إمّا مطلقة، تعمّ الدائمة و المنقطعة «4» أو واردة في مورد الاشتراط لخبر الأحول «5» و هشام بن سالم الجواليقي 6 و غيرهما «7».

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 36 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(2)- النجاشي: الرجال: 2/ 138 برقم 778.

(3)- الوسائل: 14، الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 3.

(4)- الوسائل: 14، الباب 34 من أبواب المتعة، الحديث 1- 2.

(5) و 6- الوسائل: 14، الباب 18 من أبواب المتعة، الحديث 5 و 6.

(7)- الوسائل: 14، الباب 33 من أبواب المتعة، الحديث 2- 3 و الباب 45 الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 89

و ليس الاشتراط إلّا تأكيدا لحكم المتعة، و يدلّ عليه ذكر عدم الموارثة مع أنّ المشهور عدم الموارثة شرط أو لا.

إنّما الكلام في الفرع الثاني و هو أنّه إذا عزل و لكنّها أتت بولد قابل للحوق، فهل يجوز للزواج نفي الولد إذا صارت حاملا، و ذلك- مضافا إلى احتمال سبق المني من غير تنبّه، و إطلاق قوله: «الولد للفراش»-: وجود النصوص في المقام.

منها- صحيحة ابن بزيع، قال: سأل رجل الرضا عليه السّلام و أنا أسمع، عن الرجل يتزوّج المرأة متعة و يشترط عليها أن لا يطلب ولدها فتأتي بعد ذلك بولد فينكر الولد فشدّد في ذلك و قال: «يجحد و كيف يحجد إعظاما لذلك» قال الرجل فإن اتّهمها؟ قال: «لا ينبغي لك أن تزوّج إلّا مأمونة» «1».

هل فيها لعان، و إيلاء، و ظهار، أو لا؟

تختصّ المتعة بأحكام و تفارق بها عن الدائم و هي عدم تشريع اللعان فيها و عدم جريان أحكام الإيلاء و الظهار فيها على

الأشهر.

قال العلامة في المختلف:

«قال الشيخ في النهاية: لا يقع بالمتمتّع بها لعان و لا إيلاء.

و قال السيد المرتضى: إنّهما يقعان بها.

و قال أبو الصلاح: لا يقع بينهما إيلاء و لا طلاق و لا يصحّ بينهما لعان و يصحّ الظهار.

قال ابن إدريس: لا يصحّ بينها و بين الزوج لعان و يصحّ الظهار منها عند بعض أصحابنا و كذلك اللعان عند السيد المرتضى و الأظهر أنّه لا يصحّ بينهما» «2».

______________________________

(1)- الوسائل: 14/ الباب 33 من أبواب المتعة، الحديث 2.

(2)- المختلف، الفصل الخامس في نكاح المتعة: 5/ 11.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 90

و الظاهر عدم وجود إجماع في المسائل و من أثبت أو نفى فلدليل زعمه.

أمّا اللعان فقد قال به السيد المرتضى من الأصحاب في الانتصار: و الظهار أيضا يقع بالمتمتع بها و كذلك اللعان «1» و خالفه الباقون إلّا ابن سعيد في الجامع قال: «ولد المتعة لاحق بالمتمتع، فإن أنكره لاعن، و قيل: لا يلاعن» «2».

و الظاهر هو العدم لصحيحي، ابن أبي يعفور و ابن سنان، ففي الأولى «لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع بها» و في الثانية «لا يلاعن الحرّ الأمّة، و لا الذمّية و لا التي يتمتّع بها» «3».

و إطلاق الروايتين ينفي اللعان في كلّ مورد يثبت فيه اللعان في الدائم سواء كان السبب نفي الولد أو القذف بالزنا.

و هل ينتفي الولد مع عدم تشريع اللعان أو لا؟ وجهان، من ملازمة عدم تشريعه، انتفاء الولد بدونه غير أنّ الدائم ينتفي فيه معه و المنقطع بدونه، و من إطلاق النصوص الناهية عن نفي الولد على ما مرّ من رواية ابن بزيع «4».

و الأقوى هو الأوّل لأنّ النصوص الناهية ناظرة فيما إذا كان

شاكّا أو ظانّا لأجل العزل و غيره، لا ما إذا علم بانتفائه منه.

و أمّا الإيلاء: فقد نسب إلى المرتضى وقوعه بها، و لكن كلامه في الانتصار، لا يوافق المحكي قال: و أمّا الإيلاء فإنّما لم يلحق المتمتّع بها لأنّ أجل المتعة ربّما كان دون أربعة أشهر و هو الأجل المضروب في الإيلاء «5».

و الظاهر عدم وقوعه بها، لاختصاص دليلها بالدائم أعني قوله سبحانه:

______________________________

(1)- الانتصار: 115.

(2)- الجامع: 452.

(3)- الوسائل: 15 الباب 10 من أبواب اللعان، الحديث 1 و 2.

(4)- الوسائل: 14 الباب 33 من أبواب المتعة، الحديث 2.

(5)- الانتصار: 115.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 91

لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فٰاؤُ فَإِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلٰاقَ فَإِنَّ اللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «1».

فإنّ قوله وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلٰاقَ يدلّ على اختصاصها بما فيه الطلاق، و لا طلاق في المتعة.

و أمّا الظهار: فيمكن القول به أخذا بعموم قوله سبحانه: الَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسٰائِهِمْ مٰا هُنَّ أُمَّهٰاتِهِمْ إِنْ أُمَّهٰاتُهُمْ إِلَّا اللّٰائِي وَلَدْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً «2» و جعله المحقق هو الأظهر في المقام و قال في كتاب اللعان، و قيل: يقع بالمتمتّع بها، فيه خلاف و الأظهر الوقوع.

و لكن الأظهر عدمه لا قياسا على اللعان و الإيلاء، بل لأجل أنّ من أحكام الظهار ما يخصصه بالدائم، حيث إنّ للمرأة أن ترفع أمرها إلى الحاكم و هو يخيّر الزوج بين التكفير و الرجعة و الطلاق و النظر ثلاثة أشهر من حين المراجعة «3» فإن انقضت المدّة و لم يتخيّر أحدهما ضيّق عليه في المطعم و المشرب حتّى يختار أحدهما و لا يجبره على الطلاق. فإنّه ليس

بالمتمتّع بها حق الاعتراض، لو تركها و لم يجامعها أصلا في الفترة المجعولة فيكفي مثل ذلك مانعا من انعقاد الإطلاق، و ما ربّما يقال من «أنّ الإلزام بأحد الأمرين لا يوجب التخصيص، إذ من الجائز اختصاصه بمن يمكن معه أحد الأمرين و هو الدائمة، و كذا المرافعة دون غيره فيبقى أثره فيها باقيا و هو اعتزالها» «4» لا يدفع الانصراف فإنّه احتمال عقلي لا يزاحمه، مضافا إلى ما رواه المشايخ الثلاثة بسند صحيح عن ابن فضال عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«لا يكون الظهار إلّا على مثل موضع الطلاق». «5»

______________________________

(1)- البقرة: 226- 227.

(2)- المجادلة: 2.

(3)- الوسائل: 15 الباب 18 من أبواب الظهار، الحديث 1.

(4)- الجواهر: 30/ 189.

(5)- الوسائل: 15 الباب 2 من أبواب الظهار، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 92

أضف إلى ذلك، أنّ الظهار نوع إرغام على الزوجة بترك وطئها و هو يتمّ في الدائمة لا المنقطعة، لأنّ التمتع لصالح الزوج غالبا لا للزوجة فلا وجه للإرغام.

و هناك وجه ثالث، و هو أنّ المظاهرة من تشريعات العصر الجاهلي و قد أمضاها على وجه ينتهي الأمر إلى أحد الأمرين: التكفير أو الطلاق، و القدر المتيقّن من التشريع الممضى هو اختصاصها بالدائمة لاختصاصها عند الجاهلية بها.

ميراث الزوجين في المتعة

إذا توفّي أحد الزوجين قبل تمام الأجل، هل يتوارثان أو لا؟ أقوال أربعة:

الأوّل: ما اختاره ابن البرّاج في المهذّب و الكامل: من أنّها كالدائمة، قال في الأوّل: و قد ذكرنا فيما سلف، أنّ نفي التوارث لا يصحّ اشتراطه، فأمّا إن شرط التوارث ثبت ذلك بينهما «1» و على هذا، فهما يتوارثان، و لا أثر للشرط، سواء شرطا التوارث أو عدمه، إلّا التأكيد في

الصورة الأولى.

الثاني: عكس ذاك، و أنّهما لا يتوارثان و لو شرطا التوارث فضلا عما أطلقا أو شرطا عدمه، اختاره أبو الصلاح في الكافي، و تبعه ابن إدريس، و العلّامة في المختلف، و هو خيرة الجواهر.

قال أبو الصلاح في الكافي: و لا سكنى لها و لا عليها و لا إنفاق و لا توارث بينهما، و إن شرط ذلك و لا يقع بها إيلاء و لا طلاق و لا يصحّ بينهما لعان و يصح الظهار «2».

و نقل في المختلف، عن ابن إدريس، أنّه قال المحصلون: لا توارث في هذا

______________________________

(1)- المهذّب: 2432 و يكون الشرط مؤكّدا لما يفيده نفسه.

(2)- الكافي: 298.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 93

النكاح، شرطا التوارث أو لم يشترطا، لأنّهما إن شرطا كان الشرط باطلا لأنّه مخالف للسنّة، و قال العلّامة: و الوجه ما قاله أبو الصلاح و هو اختيار ابن إدريس «1».

الثالث: الأصل هو التوارث إلّا أن يشترطا العدم، و هو خيرة المرتضى في الانتصار، قال في الإجابة عن استدلال الخصم- على أنّها ليست بزوجة بشهادة أنّها لا ترث و لا تورث-: ليس فقد الميراث علامة على فقد الزوجية لأنّ الزوجة الذمية و الأمة و القاتلة لا يرثن و لا يورثن (كذا) و هنّ زوجات، على أنّ مذهبنا أنّ الميراث قد يثبت في المتعة إذا لم يحصل شرط في أصل العقد بانتفائه و يستثنى المتمتع بها مع شرط نفي الميراث من ظواهر آيات الميراث كما استثنيتم الذمية و القاتلة «2».

الرابع: الأصل هو عدم التوارث إلّا إذا اشترطا أنّ بينهما التوارث عكس القول الثالث، و هو خيرة الشيخ في النهاية، و المحقّق في الشرائع، قال الشيخ:

و ليس في نكاح المتعة توارث،

شرط نفي الميراث أو لم يشترط، اللّهمّ إلّا أن يشترط أنّ بينهما التوارث فإن شرط ذلك ثبت بينهما الموارثة و إنّما لا يحتاج نفي التوارث إلى شرط «3».

هذه هي الأقوال المعروفة بين الأصحاب استدل للقول الأوّل: بإطلاق ما دلّ على أنّ للزوج و الزوجة، النصف أو الربع، أو الثمن، قال سبحانه: وَ لَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كٰانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْنَ ... «4».

و قد دلّت الروايات على أنّها زوجة داخلة تحت قوله سبحانه: إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ «5». فتشمله العمومات.

يلاحظ عليه: أنّ الاستدلال بالعموم إنّما يتمّ إذا لم يكن هنا مخصّص

______________________________

(1)- المختلف: 15.

(2)- الانتصار: 114.

(3)- النهاية: 492.

(4)- النساء: 12.

(5)- المؤمنون: 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 94

و المخالف يدّعيه فلا بدّ من دراسته بالقبول أو الردّ.

استدل للقول الثاني بروايتين:

الأولى: صحيح سعيد بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يتزوّج المرأة متعة و لم يشترط الميراث؟ قال: «ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط» «1».

و الاستدلال مبنيّ على كون الفاعل في «اشترط» هو «الميراث» و أمّا لو قلنا بأنّ الفاعل هو «عدم الميراث» المفهوم من قوله: «لم يشترط الميراث» فلا. و على الاحتمال الثاني لا يرث فيما إذا لم يشترط عدم الميراث أو شرطه، و أمّا إذا شرط الميراث فالرواية لا تشمله.

الثانية: صحيح عبد اللّه بن عمرو قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتعة؟

فقال: «حلال لك من اللّه و رسوله» قلت: فما حدّها؟ قال: «من حدودها أن لا ترثها و لا ترثك». «2»

و في الوسائل «عمرو» بفتح العين و لعلّه بضم العين أعني

عبد اللّه بن عمر ابن بكار الحنّاط الذي هو كوفيّ ثقة كما في النجاشي.

حيث جعل نفي التوارث من حدود نكاح المتعة.

يلاحظ عليه: أنّ مراده من الحدّ ليس الجنس و الفصل حتى يلازمه عدم التوارث، بل الظاهر أنّ من أحكامه عدم التوارث و أنّ المتعة بما هي هي لا يقتضي بخلاف النكاح الدائم فإنّه يقتضي ذلك، لكنّه لا ينافي الاقتضاء بالشرط في متن العقد، فلا يكون منافيا لما يدلّ على التوارث بالشرط على ما عليه الشيخ، و الحاصل أنّ معناه أنّ عقد المتعة لا يقتضي التوارث لا أنّه يقتضي عدمه.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 7.

(2)- الوسائل: 14 الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 95

استدل للقول الثالث: أعني كون الأصل التوارث إلّا اذا شرطا العدم،- مضافا إلى ما عرفت في كلام السيد-: بموثق ابن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول في الرجل يتزوّج المرأة متعة، انّهما يتوارثان إذا لم يشترطا و إنّما الشرط بعد النكاح «1».

و حمله الشيخ على أنّهما يتوارثان ما لم يشترطا الأجل بأن يكون دائما فإذا اشترطا الأجل، لا يتوارثان و استقربه صاحب الحدائق، و قال: لا بأس به جمعا بين الأخبار «2».

و لكنّه بعيد عن ظاهر الرواية لتقدّم لفظة «متعة» و السؤال مركّز على الزواج متعة لا على مطلق الزواج، حتّى يحتاج إلى التقييد و تكون النتيجة التفصيل بين الدائم و المنقطع.

و مع ذلك فهذا التأويل، لا بأس به لوجهين:

الأوّل: دلّت صحيحة أخرى لمحمّد بن مسلم على أنّ العقد لا يقتضي شيئا و إنّما يترتّب التوارث على الاشتراط، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: كم المهر؟- يعني

في المتعة- فقال: «ما تراضيا عليه- إلى أن قال:- و إن اشترطا الميراث فهما على شرطهما» «3».

الثاني: أنّه يحتمل سقوط لفظة «لا» في موثقته و الأصل أنّهما لا يتوارثان إذا لم يشترطا.

استدل للقول الرابع: أعني أنّ الأصل عدم التوارث إلّا إذا شرطاه الذي هو خيرة المحقّق و صاحب المسالك و يدل عليه أمران:

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 2.

(2)- الحدائق: 24/ 181.

(3)- الوسائل: 14 الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 96

1- ما روي عن البزنطي صحيحا عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «تزويج المتعة نكاح بميراث و نكاح بغير ميراث إن اشترطت كان و إن لم تشترط لم يكن» «1» و رواه الحميري في قرب الإسناد.

2- صحيحة محمّد بن مسلم التي تعرفت عليها عند الاستدلال على القول الثالث و هذا هو الأظهر.

و أمّا نقد ما استدل للقول الثاني و الثالث فنقول أمّا القول الثاني فقد استدل له بما دلّ على عدم الميراث و لكنّه إنّما يرجع إلى بيان حقيقة عقد المتعة و أنّها ليست كالعقد الدائم، فلا تقتضي الميراث لا أنّها تقتضي عدمه.

و ليس قوله: «لا وارثة و لا موروثة» ناظرا إلى أنّ هذين الأمرين ملازمان للمتعة و لا ينفكّان عنه بل لأجل تبيّن أنّه ليس فيها ذلك الاقتضاء حتّى لا تكون مخدوعة «2».

و الإمعان في الروايات التعليمية يوضح مفاد صحيحة سعيد بن يسار التي تمسك بها أبو الصلاح من نفاة الإرث مطلقا حتّى مع الشرط. فإنّ قوله: «ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط» يمكن أن يكون ناظرا إلى ما ورد في الروايات التعليمية من ذكر قوله: «لا وارثة و لا

موروثة» أو ما يؤدّي مفاده أي سواء ذكر عدم الميراث تبيينا للحقيقة أو لم يذكر، لا ترث المرأة و لا تورث بناء على أنّ فاعل الفعل (اشترط) هو نفي الإرث.

و أمّا نقد ما دل على القول الثالث الذي عمدة دليله هو موثقة محمّد بن مسلم (لا صحيحته) فقد عرفت أنّ الشيخ حملها على أنّهما يتوارثان ما لم يشترطا الأجل، فإذا اشترطا الأجل لا يتوارثان، أضف إلى ذلك أنّه يحتمل فيه سقوط «لا».

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(2)- لاحظ الروايات التعليمية في إجراء الصيغة الواردة في الباب 18 و 1 و 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 97

فيبقى القول الرابع بالنظر إلى صحّة رواياته و صراحتها بلا إشكال.

نعم أورد على هذا القول وجوه من الإشكال نذكرها مع ما يمكن أن نذبّ به.

1- لا مقتضى للتوارث هنا إلّا الزوجية، و لا يقتضي ميراث الزوجة إلّا الآية فإن اندرجت هذه الزوجة في هذه الآية، ورثت و إن لم يشترط ثبوته و بطل شرط نفيه، و إن لم تندرج في الآية لم يثبت، اشترط التوريث أم لا، لأنّه شرط توريث من ليس بوارث و هو باطل.

2- إنّ صحيح البزنطي «1» و ابن مسلم 2 اللّذين استدلا بهما على القول الرابع قابلان للحمل على الوصية و ليس الحمل على اشتراط سقوط الإرث أولى من حمل الخبرين على إرادة الوصية من الإرث فيها.

3- مقتضى إفادة شرط الإرث أن يكون ذلك على حسب ما يقع منه و لو اختص الشرط بأحدهما كان الإرث له خاصة مع غلبة التوارث من الجانبين.

4- أنّ التزام صحّة شرطية إرث الزوجة و الزوج على حسب حالهما من وجود الولد و

عدمه بالنسبة إلى النصف و الثمن و الربع و إرث العقار و عدمه غريب و على هذا لا زوجية بالموت بل يكون بالموت كمن و هبت المدة و يتفرّع عليه عدم جواز تغسيلها و النظر إليها «3».

يلاحظ على الأوّل: بأنّ الإرث لا يترتّب على العقد وحده، حتّى يقال إنّ الاشتراط عندئذ لغو، و لا على الشرط وحده حتى يكون من قبيل توريث الأجنبي، بل العقد في الدائم علّة تامة و في المنقطع جزء العلة و أشبه بالمقتضي و يتمّ تأثيره

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14، الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 1- 5 و الروايتان من أدلّة القول الرابع و قد قال صاحب الجواهر في حقهما: «هذان الخبران لمكان سنديهما قد اغترّ بهما جماعة من المتأخرين منهم الشهيدان».

(3)- الجواهر: 30/ 194- 195.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 98

بالشرط، و على ذلك فالمنقطعة داخلة تحت الآية و لو لا النص لقلنا بكونه علّة تامة إلّا أنّ النص يصدّنا عن القول بدخولها تحتها مثل دخول الدائمة.

و على الثاني أنّ الالتزام بكون الوراثة تابعة للاشتراط، ليس ببعيد بعد كون الشرط متمّما للمقتضي و ليست الوراثة للعقد وحده حتى لا يقبل التفكيك و لا للشرط وحده حتّى يقال إنّه من قبيل توريث من ليس بوارث.

و على الثالث بأنّ كيفية التوارث تابعة للضوابط الموجودة في الذكر الحكيم، و لكونها زوجة داخلة تحت الآية، و أنّما الشرط متمّم لتأثير عنوان الزوجية فعندئذ تكون في الكيفية تابعا لها لا للاشتراط.

عدّة المتمتّع بها

إذا انتهى أجلها أو بذلها الزوج أيّامها يجب عليها الاعتداد و قد اختلفت كلماتهم في مقدارها إلى أقوال:

1- قال الشيخ في النهاية: عدّة المتمتعة إذا انقضى أجلها أو وهب

لها زوجها أيّامها، حيضتان أو خمسة و أربعون يوما إذا كانت لا تحيض و هي في سنّ من تحيض «1». و تبعه ابن البرّاج و سلّار و أبو الصلاح و ابن حمزة إلّا أنّ الأخيرين قالا عوض الحيضتين، قرءان.

2- و قال المفيد: عدّة المتمتّع بها من الفراق قرءان و هما طهران، و تبعه ابن إدريس قال: عدّتها طهران للمستقيمة الحيض، و خمسة و أربعون يوما إذا كانت لا تحيض و مثلها تحيض «2».

3- قال الصدوق في المقنع إذا انقضى أيامها و هو حي فعدّتها حيضة و نصف «3».

______________________________

(1)- النهاية: 492.

(2)- المقنعة: 536، السرائر: 2/ 625.

(3)- المقنع: 114.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 99

4- و قال ابن عقيل: إن كانت ممّن تحيض فحيضة مستقيمة، و إن كانت ممّن لا تحيض فخمسة و أربعون يوما.

و ذهب المحقّق: إلى القول الأوّل و العلامة في المختلف إلى القول الثاني «1».

استدل للقول الأوّل: بصحيح إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتعة؟ فقال: «ألق عبد الملك بن جريج فسله عنها فإنّ عنده منها علما» فلقيته فأملى عليّ شيئا كثيرا في استحلالها و كان فيما روى لي فيها ابن جريج أنّه ليس فيها وقت ... و عدّتها حيضتان و إن كانت لا تحيض فخمسة و أربعون يوما، قال: فأتيت بالكتاب أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال: «صدق» و أقرّبه، قال ابن أذينة: و كان زرارة يقول هذا و يحلف أنّه الحق إلّا أنّه كان يقول: إن كانت تحيض فحيضة، و إن كانت لا تحيض فشهر و نصف «2».

و يدلّ عليه أيضا ما رواه العياشي في تفسيره، عن أبي بصير، عن أبي جعفر في

تفسير آية المتعة: «و لا يحلّ لغيرك حتّى تنقضي عدّتها، و عدّتها حيضتان» «3».

و ما رواه المجلسي في البحار، عن أبي بصير، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المتعة، فقال: «نزلت في القرآن- إلى أن قال-: و لا تحلّ لغيرك حتّى تنقضي لها عدّتها، و عدّتها حيضتان» «4».

و ربّما يستدل بخبر محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «طلاق الأمة تطليقتان و عدّتها حيضتان» بضميمة ما في صحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام ما عدّة المتعة إذا مات عنها الذي يتمتّع بها- إلى أن قال:- «و عدّة المطلقة ثلاثة أشهر، و الأمة المطلّقة عليها نصف ما على الحرّة و كذلك المتعة عليها

______________________________

(1)- المختلف: 11 من أحكام المتعة، و سيوافيك أنّ مرجع القول الرابع إلى الثاني، و دليلهما واحد، فالحيضة الواحدة، تلازم الطهرين غالبا لا دائما.

(2)- الوسائل: 14، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 8.

(3)- الوسائل: 14، الباب 23 من أبواب المتعة، الحديث 6.

(4)- البحار: 103/ 315 ح 20.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 100

مثل ما على الأمة» «1».

يلاحظ عليه: بأنّ محمّد بن الفضيل الأزدي لم يوثّق و هو غير محمّد بن الفضل الأزدي الذي وثّقه الشيخ في رجاله، و على فرض اعتبار الخبر فالظاهر من صحيح زرارة المماثلة من حيث العدد فيكون على الأمة شهر و نصف لا حيضتان.

أضف إلى ذلك أنّ نفس زرارة لم يقبل هذا التنزيل، لأنّه كما ورد في صحيح الهاشمي قال: بأنّ عدّة الأمة حيضة واحدة.

استدل للقول الثاني بالوجه التالي:

أي الاكتفاء بالطهرين بصحيح زرارة: «و إن كان حرّ تحته أمة، فطلاقها تطليقتان، و عدّتها قرءان» «2».

هذا من جانب، و من جانب: أن

عدّتها، عدّة الأمة.

يلاحظ عليه: بأنّ اللفظ من الأضداد و لا دليل على حمله على الطهرين بعد تضافر الروايات بأنّ عدّة المتمتّع بها حيضتان، فيفسّر الإجمال بالتفصيل، و إرادة الطهرين في باب العدد «3» حيث اتفقت الشيعة على أن المراد من القرء الطهر، و أهل السنة على أنّه الحيض، لا تكون دليلا على حمله هنا على الطهر، بعد ورود التصريح بالحيضتين في المقام، و ليعلم أنّ مرجع هذا القول و القول الرابع إلى أمر واحد، و الدليل عليهما واحد. كما سيوافيك.

استدل للقول الثالث: أي الاكتفاء بحيضة و نصف، برواية عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و إذا انقضت أيّامها و هو حيّ، فحيضة و نصف مثل ما يجب على الأمة» «4».

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 40 من أبواب العدد، الحديث 5، و الباب 52 منها، الحديث 2.

(2)- الوسائل: 14، الباب 12 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 1.

(3)- الوسائل: 15، الباب 14 من أبواب العدد 1- 9.

(4)- الوسائل: 14، الباب 22 من أبواب المتعة، الحديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 101

و الظاهر أنّ العبارة كناية عن الخمسة و الأربعين لما تضافر أنّها عدة من لا تحيض و هي في سن من تحيض، و إلّا فلا معنى للحيضة و نصف، إلّا أن يفسّر بأنّه يجوز لها التزويج بعد تنصيف الحيضة الثانية و إن كان الدخول ممنوعا و هو كما ترى.

استدل للقول الرابع: أعني الاكتفاء بحيضة واحدة بعدها طهر، بوجهين:

1- إذا كملت لها حيضة فقد مضى عليها طهران، أحدهما قبلها، و ثانيهما، بعدها و إن كان الطهر الثاني لحظة.

يلاحظ عليه: بما عرفت من أنّه لا تلازم الحيضة الطهرين كما إذا

كان انتهاء أجل المتعة مقارنا لحدوث الحيضة، فتكون هناك حيضة و طهر فقط لا طهران، نعم لو تمّ الأجل أثناء الحيضة أو أثناء الطهر يكون لها طهران.

2- حسنة زرارة، بل صحيحته عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «... و إن كان حر تحته أمة فطلاقها تطليقتان، و عدّتها قرءان» «1».

يلاحظ عليه: بما عرفت من أنّه لا دليل لحمل «القرءان» على الطهرين بعد اشتهار كون عدّة الأمة حيضتين هذا هو دليل الأقوال و قد عرفت تضارب الروايات، و هناك طريقان:

الأوّل: ما سلك صاحب الجواهر فحاول أن يجمع بين الروايات بما ورد في رواية الطبرسي في الاحتجاج.

الثاني: الرجوع إلى المرجحات.

أمّا الأوّل: فبالاستشهاد بما رواه صاحب الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السّلام حيث كتب إليه في رجل تزوّج امرأة بشي ء معلوم إلى وقت معلوم و بقي له عليها وقت، فجعلها في حلّ ممّا بقي له عليها، و قد

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 12 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 102

كانت طمثت قبل أن يجعلها في حلّ من أيّامها بثلاثة أيّام أ يجوز أن يتزوّجها رجل آخر بشي ء معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة أو يستقبل بها حيضة أخرى؟ فأجاب عليه السّلام: «بل يستقبل بها حيضة غير تلك الحيضة، لأنّ أقلّ العدّة حيضة و طهرة تامة (و في بعض النسخ طهارة)» «1».

و هذه الرواية تدلّ على شرطية حيضة تامة و طهارة مثلها، أمّا الأولى فلأجل عدم الاكتفاء بالحيضة التي جعلها في حلّ فيها، و أمّا الثانية فللتوصيف ب «تامة» و المراد هو الطهر التام الذي يكشف بدخول جزء

من الحيضة الثانية، و الحيض و الطهر الكاملان، لا ينفكّان عن الحيضتين، توضيحه:

1- لو اتفق الانقضاء في أثناء الطهر يتوقف على حيضة كاملة و طهر مثلها فكما يتحقّق هناك حيضة و طهر تتحقق حيضتان، الأولى بعد الطهر الذي تحقّق الانقضاء فيه، و الثانية بتمامية الطهر، حيث لا يعلم إلا بظهور جزء من الحيض.

2- لو اتفق الانقضاء في أثناء الحيضة فيتوقّف الخروج من العدّة على حيضة تامة و طهر تام فعندئذ تتحقّق الحيضتان فالأولى هي التي انتهى الأجل فيها، و الثانية هي التي دخل فيها بعد الطهر التام.

نعم، يحصل التخلّف فيما إذا انتهى أجلها بزمان طهرها، فيتحقّق طهران، دون الحيضتين لكنّهما نادران «2».

يلاحظ عليه: أوّلا. أنّ ظاهر الرواية هو أنّ الاكتفاء بالحيضة الواحدة كان أمرا مسلّما عند الراوي و الإمام عليه السّلام و كان الشك عند الراوي الاكتفاء بالناقصة منها أو لا، فأجاب الإمام عليه السّلام بكفاية الحيضة الواحدة و قال: «يستقبل بها حيضة، غير تلك الحيضة» و على هذا تحمل التمامية في الطهر على زوال النقاء من الحيض

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 22 من أبواب المتعة، الحديث 7.

(2)- هذا توضيح ما أفاده صاحب الجواهر و إن كان كلامه لا يخلو من إجمال، لاحظ 30/ 199.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 103

الكامل حتى يعلم تحقق الحيضة الكاملة، لا أنّ هذا الطهر من العدة.

و ثانيا: أنّه إذا كان الملاك هو الحيض و الطهر التامان يكون الحدّ هو هذا، و كونهما ملازمين غالبا مع الحيضتين أو الطهرين لا يكون سببا لجعلهما ملاكا للخروج عن العدّة فالعدول عن الملاك الواقعي إلى الملازم كما ترى.

و أمّا الثاني: أي استظهار كون الروايات متعارضة و الرجوع إلى المرجّحات فالترجيح

مع القول الأوّل لتضافر الروايات على أنّ عدّة المتعة هو عدّة الأمة و المشهور فيها هو الحيضتان مضافا إلى كون مقتضى الأصول بقاء العدّة إلى أن يعلم الخروج. و لا يعلم إلّا بالحيضتين التامتين و لا يكفي جزء من الحيض و اللّه العالم بأحكامه.

عدة الوفاة للمتمتع بها

المشهور في عدّة المتمتع بها في عدّة الوفاة هو نفس العدّة في الدائم:

1- قال الصدوق: «و إذا تزوّج الرجل امرأة متعة ثمّ مات عنها فعليها أن تعتدّ أربعة أشهر و عشرة أيّام» «1».

2- و قال أبو الصلاح في فصل العدّة «و كذلك حكم المتمتع بها لوفاة المتمتّع قبل انقضاء أيّامها تعتدّ أربعة أشهر و عشرا» «2».

3- قال الشيخ في النهاية: «إذا مات عنها زوجها قبل انقضاء أجلها كانت عدّتها مثل عدّة المعقود عليها عقد الدوام أربعة أشهر و عشرا» «3».

4- قال ابن البرّاج: «و إن كان ذلك بموت الرجل كان عليها العدّة و هي

______________________________

(1)- المقنع: 114.

(2)- الكافي: 313.

(3)- النهاية: 492.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 104

أربعة أشهر و عشرة أيام مثل عدّة الموت في النكاح الدائم للحرّة غير حبلى» «1».

و قال المفيد: «إنّها شهران و خمسة أيّام و نسب إلى سلار و لكن لم نجد في مراسمه ما يدلّ عليه لا في باب المتعة و لا في باب العدّة، قال: فما هو بموت معروف و ما هو بغير موت ...» و لعلّ عدم التفصيل في عدة الموت لأجل عدم التفاوت هنا بين الدائم و المنقطع «2».

إذا عرفت ذلك فاعلم، أنّه يدلّ على قول المشهور، إطلاق الآية وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوٰاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً «3» من غير فرق بين المتمتع بها و

عدمه. مضافا إلى الصحيحين.

1- صحيح زرارة، حيث قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام: ما عدّة المتعة إذا مات عنها الذي يتمتّع بها؟ قال: «أربعة أشهر و عشرا» ثمّ قال: «يا زرارة كلّ النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرّة كانت أو أمة و على أيّ وجه كان النكاح منه، متعة أو تزويجا أو ملك يعيين فالعدّة أربعة أشهر و عشرا» «4».

2- صحيحة ابن الحجاج 5.

و كون عدّة الأمة و ملك اليمين حسب هذه الرواية أربعة أشهر و عشرا لا ينافي ما هو المشهور، من كون عدّتها نصف ما على الحرّة و ذلك لأنّ المعروف هناك كون أمّهات الأولاد (ملك اليمين) هو مثل الحرّة و أمّا الأمة فالمشهور هو النصف، و إن كان هناك قول بالتمام لكن حمل على الاستحباب.

استدل للقول الثاني: بوجهين، الأوّل: أنّها كالأمة في الفراق فكذلك في الموت، و ضعف الاستدلال ظاهر لأنّه أشبه بالقياس.

______________________________

(1)- المهذّب: 2/ 244.

(2)- المقنعة: 536، و المراسم: 162.

(3)- البقرة: 234.

(4) و 5- الوسائل: 15 الباب 52 من أبواب العدد، الحديث 2 و 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 105

الثاني: الاستدلال بخبرين:

1- مرسل الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: سألته عن رجل تزوّج امرأة متعة ثمّ مات عنها ما عدّتها؟

قال: «خمسة و ستون يوما» «1».

2- خبر ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «عدّة المرأة إذا تمتّع بها فمات عنها خمسة و أربعون يوما» 2.

و الأوّل مرسل و الثاني ضعيف بأحمد بن هلال الذي يقول النجاشي في حقّه:

و قد روي فيه ذموم من سيّدنا أبي محمد العسكري عليه السّلام «3».

هذا كلّه، إذا كانت حائلا و أمّا إذا كانت حاملا فعدّتها أبعد الأجلين كما هو

الحال في الدائم، لقوله عليه السّلام في الحامل المتوفى عنها زوجها: «تنقضي عدّتها آخر الأجلين» «4».

تجديد العقد على المتمتّع بها قبل انقضاء أجلها

قال العلّامة في المختلف: المشهور أنّه إذا كان قد بقي من الأجل شي ء، لم يجز له الزيادة عليه بعقد و غيره إلّا بأن يهب لها أيّامها الباقية ثمّ يعقد عليها عقدا بمهر آخر، اختاره الشيخ و ابن البرّاج و ابن إدريس.

و قال ابن حمزة: إن أراد أن يزيد في الأجل جاز و زاد في المهر.

و قال ابن عقيل: لو نكح متعة إلى أيّام مسمّاة فإن أراد أن ينكحها نكاح الدائم قبل أن تنقضي أيّامه منها، لم يجز ذلك لأنّها لم تملك نفسها و هو أملك بها

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15 الباب 52 من أبواب العدد، الحديث 4 و 3.

(3)- رجال النجاشي: رقم الترجمة: 199.

(4)- الوسائل: 15 الباب 31 من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 106

منها ما لم تنقضي أيّامها «1».

أقول: يقع الكلام في أمرين:

1- ما هو مقتضى القاعدة الأوّلية؟

2- ما هو مقتضى الأدلة؟

أمّا الأوّل: فربّما يقال كما نقله العلّامة في المختلف 2 من أنّ كونها مشغولة بعقده لا يمنع من العقد عليها مدّة أخرى.

يلاحظ عليه: أنّه إن عقد عليها من حين العقد يلزم تحصيل الحاصل، لأنّ المفروض أنّها في جزء من المدّة زوجة له و الزوجة لا تزوّج، و إن عقد عليها من ذلك الحين بعد هبة بقية المدّة فهو جائز بالاتفاق، و إن عقد عليها بعد نهاية الأجل فهو ليس بمتعارف في النكاح و إن كان متعارفا في باب الإجارة، حيث يؤجر شقة من البناية لشخصين في شهرين متتابعين و يجري العقد في زمان واحد و المتعة ليست إجارة و

إن عبّر عنها في الروايات (لمناسبة ما) بأنّها مستأجرات، كما عبر عن الدائم في الروايات (بمناسبة ما) بأنّه يشتريها بأغلى الثمن مع أنّ النكاح غير البيع.

فظهر أنّ مقتضى القاعدة عدم صحّة تجديد العقد قبل انتهاء الأجل.

و أمّا الثاني: أي مقتضى الأدلّة فمنها قوله سبحانه: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا تَرٰاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً حَكِيماً «3».

فلو قلنا: إنّ المراد من الفريضة، هو ما سبق ذكره، يكون المراد منها هو الأجرة، غاية الأمر بما أنّ الأجرة ركن في المتعة يصير المقصود أنّه لا حرج و لا تضييق عليكم منه تعالى إذا تراضيتم بعد الفريضة، على الزيادة عليها أو

______________________________

(1) و 2- المختلف: 13، الفصل الخامس في نكاح المتعة.

(3)- النساء: 24.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 107

النقص منها، أو حطّها كلّها، لأنّ الإنسان مسلّط على ما ملك، نعم لا يجوز ترك ذكرها في العقد و إن رضيا بعده، لما مرّ من حديث الركنية، و على ذلك لا صلة للآية بالمسألة، إذ الزيادة و النقيصة على فرض وحدة العقد. و ممّا يدلّ على أنّ المراد من الفريضة هو المهر، إطلاقها عليه في قوله تعالى: مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً «1». و قوله تعالى: وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ 2.

نعم تفسّره بعض الروايات بالأجل لا الأجرة فلو فسّر قوله: «من بعد الفريضة» ب «من بعد مضيّ الأجل»، فيكون دالا على أنّ للرجل أن يزيد في الأجرة، حتّى تزيد في الأجل بعد انقضاء الأجل الأوّل، و عليه يكون دالّا على المنع قبل الانقضاء.

و أمّا لو فسر قوله: «من بعد الفريضة» ب

«بعد تحديد الأجل» لا انقضاؤه، يكون دليلا على تجديد العقد عليها قبل انقضاء الأجل الأوّل. و المتبادر هو المعنى الأوّل.

و أمّا الروايات:

فمنها: ما يدلّ على جواز التحديد بعد مضيّ الأجل من دون إشارة إلى جوازه و عدمه قبل مضيّ الأجل.

كصحيح محمّد بن مسلم، سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتعة؟ فقال: «إن أراد أن يستقبل أمرا جديدا فعل و ليس عليها العدّة منه، و عليها من غيره خمسة و أربعون ليلة» «3».

و مثله، مرسل ابن أبي عمير 4 و خبر زرارة 5 و مرسل أبي بصير 6.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 107

و منها: ما يدلّ على عدم الجواز ما لم ينقطع الأجل، و ذلك موقوفة أبي بصير، قال: «لا بأس أن تزيدك و تزيدها إذا انقطع الأجل فيما بينكما تقول لها:

______________________________

(1) و 2- البقرة: 236- 237.

(3)- 6- الوسائل: 14 الباب 23 من أبواب المتعة، الحديث 1، 3، 4 و 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 108

استحللتك بأجل آخر، برضا منها، و لا يحلّ ذلك لغيرك حتّى تنقضي عدّتها» «1».

و الدلالة بالمفهوم، و يمكن حمله على الغالب لأنّ الدواعي توجد بعد الانقضاء لا قبله و عندئذ لا يدلّ على عدم الجواز قبله. و الظاهر أنّه نفس مرسلة العيّاشي 2.

و خبر أبان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يتزوّج المرأة متعة فيتزوّجها على شهر، ثمّ إنّها تقع في قلبه فيحسب أن يكون شرطه أكثر من شهر فهل يجوز أن يزيدها في أجرها و يزداد في الأيّام قبل أن تنقضي أيّامه التي

شرط عليها؟ فقال: «لا يجوز شرطان في شرط» قلت: كيف يصنع؟ قال: «يتصدّق عليها بما بقي من الأيّام ثمّ يستأنف شرطا جديدا» «3».

و إتقان المتن يغني عن الإمعان في السند و إن كان السند غير صحيح حسب الطرق الثلاثة الواردة في الكافي.

و منها: ما يدلّ على جواز التجديد قبل انتهائه كخبر مفضل بن عمر الذي رواه صاحب بصائر الدرجات «4».

و الرواية ضعيفة لا يصحّ الاستدلال بها و غيرها متقدّمة عليها، و إن كانت صريحة في موردها و ليست مطلقة حتّى يصحّ تقييدها كما في الجواهر من أنّه «يجب تقييد ما ادّعى وروده في نفي البأس عن زيادة الأجل بزيادة الأجر» كأنّه في غير محلّه لما عرفت من كونها صريحة لا مطلقة، و الأولى رفع اليد عنها لعدم ثبوت حجيّتها.

ثمّ إنّ القوم طرحوا أيضا نكاح الإماء و تحليلها لكن عدم الابتلاء به إغناء من البحث فيها. و لعلّ تحليل الإماء عن خصائص الفقه الشيعي و إن لم يكن اتفاقيا» «5».

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 23 من أبواب المتعة، الحديث 2- 6.

(3)- الوسائل: 14 الباب 24 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(4)- الوسائل: 14 الباب 23 من أبواب المتعة، الحديث 5. و لاحظ الحديث 8.

(5)- المختلف: المتعة: 19.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 109

الفصل الرابع عشر: فيما يردّ به النكاح

في عيوب الرجل المتفق على الفسخ بها أربعة:

اشارة

1- الجنون

2- الخصاء

3- العنن

4- الجب

العيوب التي اختلفوا في الرد بها و هي ثلاثة:

1- الجذام

2- البرص

3- العمى

عيوب المرأة و هي ثمانية:

1- الجنون

2- الجذام

3- البرص

4- القرن

5- الافضاء

6- العرج

7- العمى

8- الرتق

أحكام العيوب في التدليس و أحكامه

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 111

فيما يردّ به

النكاح ممّا يرد به النكاح، العيوب. و يظهر من التصفّح في الأخبار و كلمات الفقهاء أنّ العيوب التي يردّ بها النكاح تارة تختص بالرجل و أخرى بالمرأة، و ثالثة يشتركان في الردّ فلنبدأ بعيوب الرجل التي بها تستحق المرأة أن تفسخ عقد النكاح.

فنقول: اختلفت كلمات الأصحاب في مقدارها.

1- قال الشيخ في النهاية: و لا يردّ الرجل من شي ء من العيوب إلّا من الجنون و يردّ أيضا من العنّة «1».

2- و قال في الخلاف: يفسخ النكاح عندنا بالعيب، المرأة تفسخه بالجبّ و العنّة و الجنون «2».

3- و قال المحقق: فعيوب الرجل ثلاثة: الجنون، و الخصي، و العنن، و هل يفسخ بالجبّ؟ فيه تردّد. و منشؤه التمسك بمقتضى العقد، و الأشبه تسلّطها به لتحقق العجز عن الوطء.

4- و قال ابن البراج: يردّ الرجل ستّة، منها ما يختصّ بالرجل و هو: الجبّ و العنّة، منها ما يشترك فيه الرجل و المرأة و هو الجنون و الجذام و البرص و العمى «3».

و يظهر من كلامه المنقول في المختلف عن كتاب الكامل، أنّه يردّ مضافا إلى

______________________________

(1)- النهاية: 486.

(2)- الخلاف: 2/ كتاب النكاح المسألة 124.

(3)- المهذّب: 2/ 231.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 112

الستة المذكورة، بالخصاء أيضا، فيكون ما يردّ به سبعة.

5- و اختار الشهيد في المسالك: وراء جواز الرد بالعيوب الأربعة المذكورة في الشرائع الردّ بالجذام و البرص أيضا فيبلغ ما يجوز به الردّ إلى ستّة «1».

هذا ما لدى الخاصة.

و أمّا غيرهم فقد قال الشافعي بأنّه يردّ بخمسة، اثنان يختصّ بالرجل، و هما، الجبّ و العنّة و ثلاثة يشتركان: الجنون و البرص و الجذام «2».

و قال أبو حنيفة: النكاح لا ينفسخ بالعيب أصلا لكن إن كان

الرجل مجنونا أو عنينا ثبت لها الخيار خيار الفرقة فيفرق بينهما فيكون طلاقا لا فسخا 3.

و قال ابن قدامة: عدد العيوب المجوّزة للفسخ و هي فيما ذكره «الخرقي» «4» ثمانية: ثلاثة يشترك فيها الزوجان و هي الجنون و الجذام و البرص، و اثنان يختصّان بالرجل و هما الجبّ و العنّة و ثلاثة تختص بالمرأة و هي الفتق و القرن و العفل «5».

إذا عرفت هذا: فلنذكر العيوب التي بها يجوز للمرأة فسخ نكاحها و هي أمور:

***

الأوّل من أسباب الفسخ: الجنون

يجوز الردّ بالجنون و قد اتّفقت عليه كلمة فقهائنا و عليه مالك و الشافعي من العامّة، فقالوا: إنّه يوجب الخيار في الردّ و الإمساك و قد تعرفت على فتوى أبي حنيفة في الجنون و أنّه لا فسخ لها، بل تطلّق «6». غير أنّ أهل الظاهر من العامّة قالوا: لا يوجب خيار الردّ و الإمساك، و هو قول عمر بن عبد العزيز، و القائلون

______________________________

(1)- المسالك: 8/ 112- 113.

(2) و 3- الخلاف: 2 كتاب النكاح المسألة 124.

(4)- أبو القاسم: عمر بن الحسين بن عبد اللّه بن أحمد الخرقي مؤلّف المختصر.

(5)- المغني: 7/ 110.

(6)- الخلاف: 2 كتاب النكاح، المسألة 124.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 113

بالخيار منهم، تمسّكوا بقول عمر بن الخطاب، أنّه قال: أيّما رجل تزوّج امرأة و بها جنون أو جذام أو برص فمسّها و في بعض الروايات أو قرن، فلها صداقها كاملا و ذلك لزوجها غرم على وليّها «1».

و الرواية على فرض صحّتها تختصّ بجنون المرأة لا الرجل و لأجل ذلك التجئوا إلى القياس ثانيا، قائلين بأنّ النكاح شبيه البيع، و إليك دليل الخيار بعد ذكر صور المسألة.

إنّ الجنون تارة يكون مقدّما على العقد، و

أخرى مقارنا، و ثالثا مؤخّرا، و على التقادير الثلاثة، يكون مطبقا، أو أدواريا، و على فرض كونه مطبقا إمّا أن يكون عاقلا لوقت الصلاة أو لا، و على فرض كونه بعد العقد، إمّا دخل بها أو لا، فهل هو موجب للردّ مطلقا أو يختصّ ببعض الصور، و إليك التفاصيل.

أ- إذا كان متقدّما على العقد أو مقارنا له ثبت لها به الفسخ مطلقا، مطبقا كان أم أدواريا عقل أوقات الصلاة أو لا. إلّا عند بعضهم إذا عقل وقت الصلاة.

و أما إذا كان متجدّدا بعد العقد، سواء كان قد وطأ أو لا، ففيه أقوال:

1- التفصيل بين عدم معرفته أوقات الصلاة، فلها الفسخ و إلّا، فلا، و هو خيرة الشيخ في النهاية و المفيد في المقنعة و ابن البرّاج في المهذّب «2».

2- الفرق بين تعقّل أوقات الصلاة مطلقا، و عدمه، سواء كان متقدّما على العقد، أو مقارنا، أو متأخرا، اختاره ابن حمزة و ابن البراج 3.

3- التفصيل بين المتأخر عن العقد فلها الفسخ دون المتقدّم و هو خيرة- صاحب الحدائق- جمودا على النصوص، حيث إنّ موضوعها هو الجنون المتأخّر «4».

______________________________

(1)- الخلاف: 2، المسألة 126.

(2) و 3- المختلف: الفصل الرابع ص 2. و لاحظ المهذّب: 2/ 233.

(4)- الحدائق: 24/ 337- 338.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 114

4- القول بأنّ لها الفسخ مطلقا من دون تقييده بشي ء و الجنون فنون يجمعها فساد العقل كيف اتفق و هو خيرة الشهيد في المسالك «1».

و إليك النصوص الواردة في المسألة:

1- مقبولة علي بن أبي حمزة: قال: سئل أبو إبراهيم عليه السّلام عن امرأة يكون لها زوج قد أصيب في عقله بعد ما تزوّجها أو عرض له جنون؟ قال: «لها أن

تنزع نفسها منه إن شاءت» «2».

2- قال في الفقيه بعد نقل هذه الرواية: و روي في خبر آخر أنّه «إن بلغ به الجنون مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرّق بينهما فإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه فقد بليت» 3.

و لعلّ مراد الفقيه هو ما ورد في الفقه الرضوي: «إذا تزوّج رجل فأصابه بعد ذلك جنون فبلغ به مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرّق بينهما، فإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه فقد ابتليت» «4».

و الفرق بين الروايتين، هو أنّ خبر الفقيه مطلق و هو لا يفرق بين الجنون المتقدّم و اللاحق، بل يفصل في جميع أقسام الجنون بين تعقّل أوقات الصلاة و عدمه بخلاف رواية الرضوي فإنّها تخصّ التفصيل بالجنون الطارئ بعد العقد.

3- صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في الرجل يتزوّج إلى قوم فإذا امرأته عوراء و لم يبيّنوا له؟ قال: «لا ترد»، و قال: «إنّما يردّ النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل» قلت: أ رأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟

قال: «المهر لها بما استحلّ من فرجها و يغرم وليّها الذي أنكحها مثل

______________________________

(1)- المسالك: 8/ 112.

(2) و 3- الوسائل: 14 الباب 12 من أبواب العيوب، الحديث 1 و 3.

(4)- فقه الرضا عليه السّلام: 237.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 115

ما ساق إليها» «1».

و هذه الروايات نقلها الكليني و الصدوق على الوجه المزبور إلّا أنّ الكليني أسقط لفظ «و إنّما» و نقلها الشيخ بإسقاط السؤال و اقتصر على مجرّد الجواب أعني قوله: «و قال: إنّما يردّ النكاح عن البرص و الجذام و العفل» 2.

و الجنون عبارة عن فساد العقل و

هو مفهوم عرفي و لو شكّ فالمرجع هو أهل الخبرة كسائر الموضوعات.

يقع الكلام في مقامين:

1- عموم الحكم للجنون المتقدّم و المتأخّر، خلافا لصاحب الحدائق حيث خصّه بالمتأخّر.

2- حكم التفصيل الوارد في خبر الفقيه أمّا الأوّل فيمكن استظهار العموم من النصوص بالبيان التالي:

إنّ القيد (بعد ما تزوّجها) في رواية ابن أبي حمزة وارد في كلام السائل لا الإمام، و من المحتمل وروده مورد الغالب، لندرة التزويج بالمجنون مع العلم به قبل العقد فلا يصحّ استظهاره منها كونه دخيلا في الحكم.

و منه يعلم حال الفقه الرضوي حيث إنّ القيد وارد مورد الغالب و في مثله لا يصحّ استظهار المدخلية.

و خبر الفقيه المفصّل بين تعقل أوقات الصلاة و عدمه، مطلق غير مقيّد بالجنون الطارئ.

و الصدوق و إن نقله بعد مقبولة ابن أبي حمزة لكنّه من جمع الصدوق و هو لا يصلح شاهدا لتقييد الخبر بالقيد الوارد في المقبولة. و صحيحة الحلبي مطلق

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 6 و 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 116

حيث قال: «إنّما يردّ النكاح على البرص و الجذام و الجنون و العفل «و كون الصدر راجعا إلى السؤال عن المرأة، لا يكون دليلا على رجوعه إليها، لأنّ الظاهر أنّ الجمع من ناحية الراوي، فجمع بين الروايتين، لا من جانب الإمام بشهادة أنّه قال (و قال إنّما يردّ النكاح ...) فلو لم يكن من قبيل جمع الراوي لما كان لتوسط «و قال» وجه.

و على ضوء ذلك فلا مانع في استظهار العموم للمتقدّم و المتأخر عن العقد من الروايات مع إمكان إلغاء الخصوصية فإذا كان الجنون في المرأة موجبا لتسلّط الرجل على الفسخ مع عدم

انحصار التخلّص بالفسخ بل له وراء الفسخ، الطلاق يكون الجنون في الرجل موجبا لتسلّطها على الفسخ على وجه أولى، لانحصار التخلّص بالفسخ بل يمكن أن يقال ببطلان العقد لأنّه لو كان العاقد هو الرجل كان النكاح باطلا و لو كان غيره فلم تثبت ولايته على التزويج و الحال هذه.

أضف إلى ذلك أنّ الحكم بلزوم العقد حكم حرجي جدّا و كيف لا يكون كذلك فإنّه إذا كان المسح على البشرة حرجيا «1» فالمعاشرة مع المجنون حرجي بطريق أولى.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ كونه حرجيا لا يثبت الخيار بل لها طرح الدعوى عند الحاكم حتّى يقوم هو بالطلاق و بذلك يظهر أنّ التمسك بقاعدة لا حرج في تلك الموارد لا يثبت جواز الفسخ مباشرة.

و هذه الوجوه كافية في القول بعمومية الحكم و بذلك يظهر أنّ توقف البحراني- في المسألة- جمودا على ورود الروايات في الجنون الطارئ- في حدائقه- في غير محلّه «2» و الجنون مطلقا موجب للفسخ أو لرفع الشكوى إلى الحاكم و هو

______________________________

(1)- الوسائل: 1، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 5.

(2)- الحدائق: 24/ 339.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 117

يقوم بحلّ المشكل، إمّا بأمره بالطلاق أو يطلقه نفسه أو يفسخه و أمّا المقام الثاني أي التفصيل بين معرفة وقت الصلاة و عدمه فلعلّ وجهه أنّ معرفة أوقات الصلاة، دليل على عدم كونه مجنونا و أنّ للاختلال في الفعل و الكلام غير الصلاة علّة أخرى سترتفع بالعلاج. و إلّا فالتفصيل مع عدم كونه واردا بسند صحيح مشكل.

الثاني من أسباب الرد: الخصاء

و ربّما يطلق عليها الوجاء بالكسر و المدّ و هو رضّ الخصيتين و كونها من أسباب الرّد هو المشهور بين الأصحاب.

قال الشيخ في الخلاف: إذا

تزوّجت برجل فبان أنّه خصيّ أو مسلول أو موجوء كان لها الخيار، و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، و الثاني لا خيار لها لأنّه متمكّن من الإيلاج و إنّما لا ينزل و ذلك لا يوجب الفسخ «1».

و لكنّه قال قبل هذه المسألة ما لفظه: أنّه إذا كان الرجل مسلولا لكنّه يقدر على الجماع غير أنّه لا ينزل أو كان خنثى حكم له بالرجل لم يرد بالعيب «2».

و ما في الجواهر من نسبة عدم الردّ إلى المبسوط و الخلاف مستدلا بأنّه ليس بعيب، لأنّه يولج، بل ربّما كان أبلغ من الفحل لعدم فتوره إلّا أنّه لم ينزل، و هو ليس بعيب، إنّما العيب عدم الوطء «3»، محمول على كلامه في الخلاف في العبارة الأخيرة.

و على كلّ تقدير فالظاهر جواز الردّ به للصحيح و الموثق من الروايات.

أمّا الأوّل: فلصحيح ابن مسكان قال: بعثت بمسألة مع ابن أعين قلت:

سله عن خصيّ دلّس نفسه لا مرأة و دخل بها فوجدته خصيّا؟ قال: يفرّق بينهما

______________________________

(1)- الخلاف: 2 كتاب النكاح المسألة 141.

(2)- الخلاف: 2 كتاب النكاح المسألة 125.

(3)- الجواهر: 30/ 323.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 118

و يوجع ظهره و يكون لها المهر لدخوله عليها «1».

و يظهر ممّا رواه الكشي أنّه بعث الكتاب مع إبراهيم بن ميمون «2».

و أمّا الثاني: فهو ما رواه ابن بكير عن أبيه عن أحدهما عليه السّلام في خصيّ دلّس نفسه لامرأة مسلمة تزوّجها فقال: «يفرق بينهما إن شاءت المرأة و يوجع رأسه، و إن رضيت به و أقامت معه لم يكن لها بعد رضاها به إن تأباه» 3.

إلى غير ذلك من الروايات و الواردة في المقام 4.

و فرض الدخول في

الصحيحة، لا يصح مع تفسيره بعدم الوطء و حمل الأخبار على عدم التمكّن من الإيلاج كما عن ابن البرّاج و كاشف اللثام، خلاف صريح الصحيحة.

إنّما الكلام في اشتمال النصوص على لفظ التدليس فيحتمل اختصاص جواز الردّ بصورة التدليس فلا يجوز الردّ إذا تخيّل أنّ الزوجة واقفة على عيبه.

و يقع الكلام في موضعين:

1- عمومية الحكم لصورتي تدليس الرجل و عدمه.

2- عموميته للخصاء المتقدّم و المقارن و المتأخّر.

أمّا الأوّل فهو مبنيّ على أنّ التدليس في الروايات علّة الخيار أو إشارة إلى جهل الزوجة بالعيب حتّى لا يعدّ كونها معه دليلا على رضاها به مع هذه الحالة.

ففي موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ خصيّا دلّس نفسه لامرأة؟ قال:

«يفرّق بينهما و تأخذ منه صداقها، و يوجع ظهره، كما دلّس نفسه» «5».

و ربّما يقال: بأنّ الكاف للتعليل مثل قوله سبحانه: وَ اذْكُرُوهُ كَمٰا هَدٰاكُمْ

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 13 من أبواب العيوب، الحديث 3.

(2)- 4- الوسائل: 14 الباب 13 من أبواب العيوب، الحديث 7 و 1 و 3.

(5)- الوسائل: 14 الباب 13 من أبواب العيوب، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 119

وَ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضّٰالِّينَ «1».

فلو كانت علة فهل هي علّة الأخيرة، أو للجمل الثلاث فلو كانت علّة للجميع لاختص الفراق بصورة التدليس لا مطلقا.

و لكن الظاهر رجوعه إلى الأخيرة لعدم صلاحية رجوعه إلى الثانية أعني «و تأخذ منه صداقها» لأنّ المراد منه إمّا نصف الصداق أو كلّه و الأوّل معلول العقد سواء أدلّس أم لا، و الثاني معلول الدخول كذلك و ليس للتدليس فيه أثر، و معه كيف يمكن أن يكون قيدا للأوّل و الثالث.

و قد عرفت أنّ ذكر التدليس

لأجل بيان جهل المرأة بالحال.

و يؤيّد ما ذكرناه أنّ أقصى ما يمكن أن يقال- فيما إذا كان الرجل غير مدلّس-: إنّه لا يوجع ظهره لعدم تدليسه لتخيّله علم المرأة أو لجهله بحالها و إن كان نادرا، و أمّا كون العقد لازما على المرأة إذا لم يكن الرجل مدلّسا فهو كما ترى إذ القول بالخيار في إحدى الصورتين دون الأخرى، لا يقبله الذوق السليم اللّهمّ إلّا أن تكون عالمة بالحال و هو غير المفروض.

و أمّا القسم الثاني: أعني عمومية الحكم للخصاء المتقدّم و غيره و عدمها فقد قال المحقق: «إنّما يفسخ بالخصاء، مع سبقه على العقد» أي دون المقارن فضلا عن المتجدّد بعده و خصوصا بعد الوطء للأصل و اختصاص النصوص به، و قيل:

تفسخ و إن تجدّد بعد العقد قبل الوطء بل قيل: و بعد الوطء، و ليس بمعتمد «2».

و وجهه اختصاص الأدلّة بالمتقدّم و عدم عموم في الروايات. نعم لو كانت الإقامة معه حرجيا رفعت الشكوى إلى الحاكم فيأمره بالطلاق أو يطلّق بنفسه لو رأى الوضع حرجيا.

______________________________

(1)- البقرة: 198.

(2)- الجواهر: 30/ 324.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 120

الثالث من أسباب الردّ: العنن

اشارة

عرّفه المحقق في الشرائع، بأنّه مرض تضعف معه القوّة عن نشر العضو بحيث يعجز عن الإيلاج و الاسم العنّة، و الوصف العنّين كسكين.

و حاصله عدم قدرته على الإتيان بالنساء سواء اشتهى أم لا، لأنّ جعل الخيار لأجل مراعاة حال المرأة و يكفي فيه عدم انتشار العضو، من دون مدخلية لاشتهائه و عدمه، و قد اتفقت كلمتهم على كونه موجبا للفسخ على وجه الإجمال، و إن اختلفوا في تفاصيله.

قال العلامة في المختلف: المشهور أنّ العنّة الحادثة بعد الدخول لا يثبت بها للمرأة خيار الفسخ. اختاره

الشيخ و ابن الجنيد و ابن البرّاج و ابن حمزة، و قال المفيد:

و إن حدثت بالرجل عنّة بعد صحّته كان الحكم في ذلك كما وصفناه ينتظر إلى سنة بأن يعالج فيها و يصلح و كانت المرأة بالخيار، و قال الشيخ في التهذيب بعد نقل فتوى الشيخ المفيد قال: الحامل له على التسوية هو رواية: محمّد بن مسلم عن أبي جعفر، و رواية أبي الصباح الكناني و أبي البختري، و قال بعد نقل الروايات:

و الأولى عندي الأخذ بالخبر الذي رويناه و هو خبر إسحاق بن عمّار «1».

إذا عرفت موضع الخلاف: فلنذكر الأخبار و هي على صنوف:

الأوّل: ما يدلّ على أنّه إذا ثبت كونه عنينا يجوز لها المفارقة نحو:

1- صحيح أبي بصير المرادي- بقرينة رواية ابن مسكان عنه- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على جماع أ تفارقه؟ قال: «نعم إن شاءت» «2».

______________________________

(1)- المختلف: الفصل الرابع في العيوب و التدليس، 3- 4، لاحظ الحديث 8 من الباب 14 من أبواب العيوب.

(2)- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 121

2- صحيح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على الجماع أبدا أ تفارقه؟ قال: «نعم إن شاءت» «1».

الثاني: على أنّه يؤجّل سنة نحو:

3- ما في رواية أخرى لابن مسكان عن أبي بصير: «ينتظر سنة فإن أتاها و إلّا فارقته فإن أحبّت أنّ تقيم معه فلتقم» 2.

4- صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «العنّين يتربّصن به سنة، ثمّ إن شاءت امرأته تزوّجت و إن شاءت أقامت» 3.

5- صحيح أبي الصباح قال: «إذا

تزوّج الرجل المرأة و هو لا يقدر على النساء أجّل سنة حتّى يعالج نفسه» «4».

6- خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «إنّ عليا عليه السّلام كان يقول:

يؤخّر العنّين سنة من يوم ترافعه امرأته فإن خلّص إليها، و إلّا فرّق بينهما» 5.

7- ما رواه عبد اللّه بن جعفر في قرب الإسناد، عن علي عليه السّلام أنّه كان يقضي في العنّين أنّه يؤجّل سنة من يوم ترافعه المرأة 6.

الثالث: ما يدلّ على أنّها بالخيار إذا لم يقدر الإتيان على سائر النساء نحو:

8- ما رواه عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن رجل أخذ عن امرأته فلا يقدر على إتيانها؟ فقال: «إذا لم يقدر على إتيان غيرها من النساء فلا يمسكها إلّا برضاها بذلك، و إن كان يقدر على غيرها فلا بأس بإمساكها» 7.

الرابع: ما يدلّ على أنّه لو وقع عليها مرّة فلا خيار، و بهذا المضمون روايات نحو:

9- ما رواه المشايخ الثلاثة، عن أبان، عن عباد الضبي (و في الفقيه

______________________________

(1)- 3- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث 6، 1 و 5.

(4)- 7- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث: 7، 9، 12 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 122

و التهذيب «غياث» مكان «عباد») عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: في العنّين، إذا علم أنّه عنّين لا يأتي النساء، فرّق بينهما و إذا وقع عليها وقعة واحدة لم يفرّق بينهما و الرجل لا يردّ من عيب «1».

و لعلّ التأجيل إلى سنة لتبيين الواقع و أنّه هل العجز حالة عرضية ترتفع بمرور سنة كما عليه الرواية الخامسة أو ليس كذلك؟ و على

ذلك فالصبر أمارة إلى تشخيص ما يعالج عمّا لا يعالج فلو صدق أهل الخبرة بأنّه أمر غير زائل، فلا وجه للصبر.

كما أنّ تمكّنه من الإتيان بسائر النساء أمارة أنّه حالة عرضية ترتفع بالمعالجة و أنّه ليس بعنين و أنّ عدم الانتشار لعلّة عارضة.

و بذلك يعلم حكم الصنف الرابع و أنّ الوقوع على المرأة مرّة أمارة أنّه ليس بعنّين لا أنّه إذا وقع على المرأة مرّة لا تردّ و إن علم أنّه صار عنينا إلى الأبد.

فالظاهر أنّ القيود ليست قيودا تعبّدية بل الكلّ أمارة الاستكشاف فلو علم المستكشف، فلا وجه للتثبّت.

العنن الطارئ:

إنّ مورد الروايات هو العنن المتقدّم على العقد أو المقارن معه، و أمّا الحادث بعد الدخول فهل يلحق بالمتقدم؟ الظاهر نعم، لوجود الإطلاق في رواية محمّد بن مسلم- (و إن قيّد بمرور السنة) و أبي الصباح و أبي البختري- كما ذكره شيخنا المفيد.

و أمّا استدلال الشيخ القائل بعدم الفسخ برواية إسحاق بن عمّار فهو ضعيف بغياث بن كلّوب، فالظاهر من الشيخ في العدّة أنّه عامل عمل

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث: 2. و لاحظ خبر إسحاق بن عمار برقم 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 123

الأصحاب برواياته، و بعد لم يوثق و الظاهر من ذكر النجاشي إيّاه أنّه إمامي و لكنّه مجهول أو مهمل.

و أمّا ما ذكره المحقّق: من تقييد الخيار بقوله: «لكن بشرط أن لا يطأ زوجته و لا غيرها، و لو وطأها و لو مرّة ثمّ عنّ إذا أمكنه وطئ غيرها مع عننه عنها لم يثبت لها الخيار على الأظهر، فهو لأجل أنّ تمكّنه من وطء غيرها دليل على عدم كونه عنينا و- مع ذلك- فلو

طالت المدّة و صار الأمر حرجيا فترفع الشكوى إلى الحاكم و هو يأمر الزوج بالطلاق أو ينوب عنه لدفع الحرج المنفيّ في الشريعة.

و لو تمكّن دبرا لا قبلا، فالظاهر عدم سقوط خيارها لانسباق غيره من نصوص التقييد، خصوصا على القول بالحرمة.

الرابع مما يردّ به: الجبّ

اشارة

الجبّ بفتح الفاء: القطع، و يطلق على قطع الذكر، أو ما لا يبقى منه قدر الحشفة، و الجبّ بالضم: ركية البئر، و الجمع جباب.

و من الأوّل قوله: «الإسلام يجبّ ما قبله» و «التوبة تجبّ ما قبلها».

و قد أفتى بالخيار فيه الشيخ «1» و تردّد المحقّق في الشرائع، و قال في الحدائق:

لم ينقل فيه خلاف من الأصحاب- وجه التردّد- عدم ورود نصّ فيه بالخصوص و يمكن الاستدلال على الخيار بما ورد في صحيحة أبي بصير «فلا يقدر على جماع» «2» و رواية عباد «لا يأتي النساء» 3 و صحيح أبي الصباح الكناني «فلا يقدر على الجماع أبدا» 4 و لو سلّم أنّ موردها هو العنّين- على تأمل في بعضها- و الخصي، لكن مقتضى التعليل هو العموم.

______________________________

(1)- الخلاف: 2 كتاب النكاح: المسألة 124.

(2)- 4- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب الحديث 1، 2 و 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 124

نعم القدر المتيقّن من الجبّ ما ذكرناه، في صدر البحث و لو بقي و لو بمقدار الحشفة بحيث يتحقق معه الدخول، لا دليل على الخيار لقصور الدليل عن إثبات الخيار فيه.

الجبّ الطارئ على العقد

إذا طرأ الجبّ بعد العقد و قبل الدخول، أو طرأ بعده. فقال الشيخ، في الخلاف: «إذا حدث بالرجل جبّ أو جنون أو جذام أو برص لم يكن في حال العقد فإنّه لا يردّ إلّا في الجنون» «1». و به قال المحقّق في الشرائع، أمّا لو حدث الجبّ لم يفسخ به، و حكي عن جماعة أيضا كابن إدريس و العلّامة في الإرشاد لأصالة اللزوم، و لكونه كالخصاء الذي ذهب الأكثر إلى اشتراط سبقه، و أمّا القاضي ابن البرّاج فقد فصل بين ما يمنع

عن الجماع و ما لم يمنع و لم يفصل بين الجبّ قبل العقد و بعده «2».

و يمكن التفريق بين الجبّ و الخصاء بأنّ الثاني لا يمنع من الإيلاج، فاشتراط سبقه لا يصير دليلا على اشتراط سبقه في الجبّ بخلاف الجبّ بل هو كالعنين الطارئ، و لو قلنا بأنّ مدرك الحكم في الجبّ هو التعليل الوارد في روايات العنّين من «أنّه لا يقدر على الجماع» يكون القول بجواز الردّ مطلقا أقوى.

و أيّده في الجواهر بقوله: «و لا ينافي ذلك عدم ثبوت الحكم في العنن و الخصاء ضرورة عدم ملازمة اشتراكه معهما في الفسخ في حال «قبل العقد» لاشتراكه معهما في عدمه في الحال الآخر، لإمكان استقلاله بدليل يقتضي اختصاصه بذلك» «3».

و لكن التأييد ليس في محلّه لما عرفت من عدم الدليل المستقل في الجبّ

______________________________

(1)- الخلاف: 2 كتاب النكاح، المسألة: 127.

(2)- المهذّب: 2/ 233.

(3)- الجواهر: 30/ 329.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 125

سوى التعليل الوارد في الخصاء فكيف يمكن الحكم بتعميم العلّة مع عدمه في المورد.

نعم لو كفى ما ذكرنا من التمسك بالتعليلات و إلّا فلها رفع الشكوى إلى الحاكم حتّى يأمره بالطلاق إذا كان الأمر حرجيا.

و لو صدر الجبّ منها عمدا عنادا فالأقرب عدم تسلّطها على الفسخ، لأنّ المتبادر من الأدلّة أنّ تشريع الجواز امتنان منه سبحانه على الزوجة فلا تشمل الأدلّة لما كانت هي السبب لفوت حقّها.

و ربّما يقال بالجواز لأنّه كهدم المستأجر الدار المستأجرة لنفسه و عدم استلزام رضاها بالعيب رضاها بالنكاح.

يلاحظ عليه: أنّ باب النكاح يفارق باب الإجارة موضوعا و عدم رضاها بالنكاح ليس دليلا على جواز الفسخ إذا كانت الأدلة منصرفة عن هذه الصورة.

هذه العيوب الأربعة التي في

الرجل كاد أن يكون الردّ بها إجماعيا، و هناك عيوب اختلفت كالمتهم فيها فإليك البحث عنها.

الخامس و السادس: الجذام و البرص

فهل يجوز لها الردّ بهما، أو لا؟ ذهب القاضي إلى أنّهما من العيوب المشتركة، و قال: و أمّا ما يصحّ اشتراك الرجل و المرأة فيه فهو الجنون و الجذام و البرص و العمى «1» و يمكن ادّعاء الأولوية لأنّه إذا كان مجوّزا للفسخ في مورد المرأة مع أنّ بيده الطلاق أيضا لكان موجبا له في مورد الرجل بالطريق الأولى، إذ ليس لها حينئذ سوى الفسخ.

و أمّا الحرج فقد عرفت أنّه لا يثبت جواز الردّ و إنّما يلزمه الحاكم على رفعه

______________________________

(1)- المهذب: 2/ 231.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 126

بالطلاق، و لأجل بعض ما ذكرناه قال السيّد الاصفهاني في وسيلته: و قيل بكونهما من العيوب المشتركة بين الرجل و المرأة و هو ليس ببعيد، لكن لا يترك الاحتياط بإرضاء الزوج بالطلاق أو من طرف الزوج بتطليقها إذا أرادت الفسخ و فسخت النكاح.

و قد استدل على الجواز بالعدوى و أجاب عنه في الجواهر بأنّه يجب عليها التجنب لا الفسخ، و هو كما ترى، لأنّ التجنب طيلة سنين ليس أسهل من المعاشرة معها.

و ربّما يستدل على العدم بما ورد في رواية «عباد» أو «غياث» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «في العنّين إذا علم أنّه عنّين لا يأتي النساء فرّق بينهما، و إذا وقع عليها وقعة واحدة لم يفرّق بينهما و الرجل لا يردّ من عيب» «1» و لا يخفى أنّ عمومه مخصص بما في صدره من ردّ الرجل بالعنّة، و لغيرها في سائر الروايات، و لعلّ هذا قرينة على المراد من العيب هو العيوب العرفية كعور

العين، و قصر القامة و غيرهما و اللّه العالم.

العيوب التي لا دليل على الفسخ بها

و هناك عيوب لا دليل على الفسخ بها في مورد الرجل و إليك الإشارة إليها:

1- العمى.

2- كونه خنثى.

3- كونه زانيا بعد العقد.

4- انتماء الرجل إلى قبيلة ثمّ تبيّن خلافه.

أمّا الأوّل: فقد ردّ بها القاضي ابن البرّاج في المهذّب «2» و حكى العلّامة في

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 14 من ابواب العيوب، الحديث 2.

(2)- المهذب: 2/ 231.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 127

المختلف عن «كامل» القاضي أنّه خصّ الردّ بهذا بالمرأة و هو المشهور بين الأصحاب، و لم ينقل جواز الفسخ به في الرجل إلّا عنه و عن ابن الجنيد و لا دليل عليه، و أمّا العمى في المرأة فتردّ به بلا كلام كما سيجي ء. كلّ ذلك فيما إذا لم يكن هناك تدليس و إلّا فسيوافيك حكمه في محلّه.

و أمّا الثاني: فهو على قسمين:

قسم ثبت أنّه رجل فلا خيار، لأنّ الزائدة كالثقبة الزائدة و كذلك في جانب المرأة إذا ثبت أنّه امرأة فإنّ الزائد بمنزلة الاصبع الزائد. و الحاصل، إذا ثبت أنّه رجل و تمكّن من الوطء لا وجه للخيار إلّا فكرة النفرة و هي ليست مجوّزة للردّ، و إلّا جاز الردّ لأجل سوء الخلق و سوء رائحة الفم و غير ذلك من المنفرات.

و قسم لم يتبيّن كونه رجلا أو امرأة فحينئذ يحكم ببطلان العقد لعدم إحراز رجولية الزوج.

و أمّا الثالث: فقد مضى الكلام فيه عند البحث عمّا يحرم بالمصاهرة و قد دلّت بعض الروايات على أنّ الرجل إذا زنى قبل أن يدخل بزوجته يفرق بينهما «1» و لكنّها رواية شاذة لم يعمل بها و إنّما عمل بصحيحتي رفاعة بن موسى الدالّتين على عدم

التحريم «2».

و أمّا الرابع: أعني انتماء الرجل إلى قبيلة فتزوّجه بناء على ذلك فظهر خلاف ما ادّعاه فهل للمرأة الخيار أم لا، فقد تقدّم الكلام فيه.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 17 من أبواب العيوب، الحديث 2 و 3، روى الصدوق، الأولى عن علي بن جعفر و الأخرى عن طلحة بن زيد.

(2)- الوسائل: 14 الباب 17 من أبواب العيوب الحديث 1 و 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 128

عيوب المرأة فهي ثمانية

اشارة

- على المشهور- 1- الجنون 2- الجذام 3- البرص 4- القرن

5- الإفضاء 6- العرج 7- العمى 8- الرتق

و إليك البحث عن الجميع واحدا تلو الآخر:

الأوّل: الجنون

لا خلاف في كونه موجبا للخيار نصّا و فتوى و يكفي في ذلك إطلاق صحيحة الحلبي و غيرها «1» و مقتضاه جواز الفسخ مطلقا سواء كان دائما أو أدواريا، عقلت وقت الصلاة أم لا.

نعم يشترط استقراره فلا عبرة بالمؤقت الزائل غير العاقد.

الثاني: الجذام

و هو بمعنى القطع لأنّه يقطع اللحم و يسقطه.

الثالث: البرص

و هو بياض يظهر في ظاهر البدن و ربّما يغيّر لون الإنسان إلى السواد، و على كل تقدير فالمرجع عند الاشتباه، أهل الخبرة و النصوص في المقام متضافرة مطلقة و تكفي في ذلك صحيحة الحلبي التي عرفتها و غيرها.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 6، و لاحظ الأحاديث 1 و 2 و 5 و 11 و 13 من نفس الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 129

الرابع: القرن

و هو العفل و قد فسّر باللحم الذي ينبت في قبل المرأة، و قيل: هو ورم يكون بين مسلكي المرأة فينقبض فرجها حتّى يمنع الإيلاج و ربّما فسر بالعظم أو السن في الفرج.

ففي صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المرأة تردّ من أربعة أشياء: من البرص، و الجذام، و الجنون، و القرن و هو العفل ما لم يقع عليها فإذا وقع عليها فلا» «1» و مثلها روايته الأخرى 2.

و قد عبّر عنه في الروايات بالعفل تارة «3» و هو الأكثر و بالقرن و القرناء أخرى «4» و لا حاجة إلى تحقيق حالهما من حيث اللغة بعد اشتراك الجميع في كون الفرج على حالة تمنع من الإيلاج سواء كان ناشئا من نبت اللحم أو العظم أو السن أو الورم.

و إنّما الكلام في أنّ المجوّز للردّ هل هو ما يمنع من الإيلاج بتاتا أو ما يعسر معه الإيلاج، الظاهر هو الثاني. و إن ذهب ابن البرّاج إلى الأوّل، قال في المهذّب:

و أمّا القرن فذكر أنّه عظم في الفرج يمنع من الجماع فإن لم يمنع من الجماع فلا خيار للزواج و إن منع منه كان له الخيار «5».

و

ربّما يؤيّد نظر القاضي بصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و قد مرّ و فيه «ما لم يقع عليها فإذا وقع عليها فلا» «6».

ببيان أنّ الوقوع عليه آية إمكان الوطء فلا خيار.

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 1 و 13.

(3)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 5 و 6 و 10 و 13 و من الباب 8 الحديث 1 و 5.

(4)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 3 و 4 و الباب 3 الحديث 1 و 3.

(5)- المهذب: 2/ 234.

(6)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 130

يلاحظ عليه: أنّ الظاهر منه هو التفصيل بين التصرّف فيها بعد العلم بالعيب و عدمه، حيث إنّ التصرّف رضا بالعقد فعدم الردّ ليس لعدم المجوز للفسخ و هو المانع عن الوطء بتاتا، بل لأجل المسقط و هو الوقوع عليها مع استشعاره حين العمل بأنّ فيها العفل، نعم لو لم يستشعر به و إن أحس عسر الإيلاج فلا دليل على سقوط الرد، بشهادة صحيح أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر عليه السّلام قال: في رجل تزوّج امرأة من وليّها فوجد بها عيبا بعد ما دخل بها فقال:

«إذا دلّست العفلاء و البرصاء و المجنونة و المفضاة و من كان بها زمانة ظاهرة فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق ...» «1» و نظيره رواية الحسن بن صالح «2» و خبر أبي الصباح 3.

و الظاهر هو العموم إذا كان العفل صادقا و هو لا ينفك عن الحرج عند الإيلاج، نعم لو أمكن الإيلاج مع العسر

و لكن بغير حرج. فالأحوط أن لا يفارقها، إلّا بطلاق و إن كان الأقوى جواز الردّ و الملاك هو عسر المجامعة.

الخامس: الإفضاء

و هو تصيير المسلكين واحدا، و لا كلام في كونه عيبا، و تدلّ عليه صحيحة أبي عبيدة الحذّاء «4».

نعم القول بالردّ فيها يحتاج إلى تخصيص ما دلّ على أنّ الرد منحصر في أربعة «5».

و ما دلّ على ما سوى العفل و البرص و الجذام و الجنون لا يرد به 6.

أو دلّ على الحصر لأجل لفظة «إنّما» في رواية الحلبي 7 و سيوافيك تحليله.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 1.

(2) و 3- الوسائل: 14 الباب 3 من أبواب العيوب، الحديث 3 و 1.

(4)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 1.

(5)- 7- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 1 و 2 و 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 131

السادس: العرج

و قد اختلفت كلمتهم فيه إلى أقوال:

1- من عدّه عيبا مطلقا و هو قول الشيخين في المقنعة و التهذيب و به قال ابن الجنيد و سلّار و أبي الصلاح و ابن البرّاج في الكامل و ابن حمزة.

2- عدم عدّه كذلك و هو ظاهر الشيخ في الخلاف، و ابن البرّاج في المهذب حيث لم يعدّاه منها.

3- التفصيل بين ما إذا كان بيّنا و هو خيرة الشيخ في نهايته، و ابن ادريس في السرائر، و العلامة في المختلف و ما إذا لم يكن كذلك «1».

4- التفصيل بين بلوغه حدّ الإقعاد و هو قول المحقّق في الشرائع و عدمه «2».

و يدلّ على الأوّل: صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء؟ قال: «ترد على وليّها، و يكون لها المهر على وليّها، و إن كان بها زمانة لا يراها

الرجال اجيزت شهادة النساء عليها» «3».

و موثق محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تردّ البرصاء و العمياء و العرجاء» «4».

و الروايتان صالحتان للاستدلال.

استدل للقول الثاني بأمور:

1- ورود الحصر في رواية الحلبي، حيث نقل الفقيه و الكليني، حيث قال:

______________________________

(1)- المختلف: 5/ 2، الفصل الرابع في العيوب.

(2)- جواهر الكلام: 30/ 335.

(3)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 9. حيث أورد صدر الحديث، و الباب 4، الحديث 1 ذيل الحديث.

(4)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 12، و رواه الفقيه مع «الجذماء» و لعلّها سقط من نسخ التهذيب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 132

إنّما يردّ النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل «1».

2- وجود النفي في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة فعلم بعد ما تزوّجها أنّها كانت قد زنت؟ قال: «إن شاء زوجها أخذ الصداق ممّن زوّجها و لها الصداق بما استحلّ من فرجها و إن شاء تركها» قال: «و تردّ المرأة من العفل و البرص و الجذام و الجنون فأمّا ما سوى ذلك فلا» «2».

3- التنصيص على الأربعة في رواية عبد الرحمن الأخرى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المرأة تردّ من أربعة أشياء: من البرص و الجذام و الجنون و القرن و هو العفل ما لم يقع عليها، فإذا وقع عليها فلا» «3».

و يمكن الإجابة عن الحصر المستفاد من «إنّما» في صحيحة الحلبي أنّ الحصر إضافي في مقابل الردّ بكونها عوراء حيث جاء في صدر الحديث: يتزوّج إلى قوم فإذا امرأته عوراء و لم يبيّنوا له قال: «لا تردّ»

ثمّ قال: «إنّما يردّ النكاح من البرص» الخ.

و ليس الحصر حقيقيا، كيف و الردّ بالمفضاة اتفاقي.

و أمّا قوله: «فأمّا ما سوى ذلك فلا» فهو في رواية عبد الرحمن أيضا إضافي في مقابل الزنا، حيث سئل السائل عن الزنا الواقع بعد العقد؟ قال: «إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوّجها و لها الصداق بما استحلّ من فرجها و إن شاء تركها ...»

و حاصله: أنّ له استرجاع مهر المسمّى و رفع مهر المثل، و أمّا الفسخ و الردّ فلا، و على ذلك فيكون قوله: «فأمّا ما سوى ذلك فلا» ناظرا إلى هذا النوع من العيب لا

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 6 و 10.

(2)- الوسائل: 14 الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث 4، و أورد ذيله في الباب 1 الحديث 13 و مثل هذا التقطيع غير جائز على المحدث لأنّه مخل بالمقصود.

(3)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 133

سائر العيوب كالإفضاء و العرج. و بذلك يقرب كون النفي في رواية رفاعة بن موسى «1» من هذا القبيل و إن لم تكن القرينة موجودة فيها.

و أمّا التنصيص بالأربعة- في رواية عبد الرحمن الأخرى- فلو قلنا بأنّ للعدد مفهوما، يخصص المفهوم بما مرّ.

و أمّا القول الثالث: أعني تقييده بالبيّن، فلعلّه للفرار عمّا لا يعدّ عيبا عرفا من الميل الخفيف غير المحسوس، إلّا عن دقة لأنّ العرج في الأصل هو الميل و سمّي به لميل الرجل عن مكانها أو عن الاستقامة في المشي و نحوه فلا بأس بالقول باللزوم.

و أما القول الرابع: و هو قول المحقّق في الشرائع: حيث قال: أظهره دخوله في أسباب

الفسخ إذا بلغ الإقعاد، فلم يظهر له وجه، و لأجل ذلك جعله المحقّق الثاني- في جامع المقاصد- متّحدا مع القول الثالث، أي العرج البيّن، و لا يخفى ما في هذا التفسير من الإشكال، لأنّ العرج البيّن، أعم من الإقعاد و ربّما يكون أعرج بيّنا و لا يبلغ عرجه إلى حدّ الإقعاد.

و أسوأ منه الاستدلال عليها بما ورد في صحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا دلّست العفلاء و البرصاء و المجنونة و المفضاة و من كان بها زمانة ظاهرة فانّها ترد على أهلها من غير طلاق» «2».

حيث فسّر كاشف اللثام الزمانة الظاهرة بما تؤدّي إلى الإقعاد «3».

يلاحظ عليه: أنّ تفسير الزمانة بالإقعاد، لا وجه له سوى وروده بعد العرجاء في رواية داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء؟ قال: «تردّ على وليّها و يكون لها المهر على وليّها و إن

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 2.

(2)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 1.

(3)- كما نقله في الجواهر، عن كشف اللثام.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 134

كان بها زمانة لا يراها الرجال أجيزت شهادة النساء عليها» «1».

و الزمانة في اللغة غير العرج و غير الإقعاد، و هو عبارة عن المرض المزمن الذي يدوم زمانا طويلا، كما في المصباح المنير، و التقييد بالظاهرة لأنّها على قسمين بين ظاهرة لا تحتاج إلى شهادة النساء، و خفية، أجيزت فيها شهادة النساء.

نعم إذا كان مطلق العرج موجبا للفسخ أو القسم البيّن منه فالإقعاد موجب له لكونه أسوأ حالا من العرج، بل هو أحد المصاديق الواضحة للزمانة.

فتلخّص

أنّ العرج موجب للفسخ إذا كان الزوج جاهلا به، و الأحوط لو لم يكن الأقوى هو الاكتفاء بالبيّن منه لا القسم الخفي الذي لا يعلم إلّا بالدقّة.

السابع: العمى

فإنّه موجب للخيار، و يدلّ عليه- وراء الاتفاق المحكي- صحيح داود بن سرحان، في الرجل يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء؟ قال: «ترد على وليّها و يكون لها المهر على وليّها» «2».

و المراد من «أحمد بن محمّد» هو البزنطي الذي يروي كتاب داود بن سرحان، و العمى أمر عرفي يطلق على المستور و الظاهر إذا فقد النور و إن كانت العين مفتوحة و إن كان في الأصل هو الأوّل و لكنّه توسع فيه و أطلق على الثاني.

نعم، لا اعتبار بالعور و قد ورد به النص في صحيح الحلبي «3».

هذه هي العيوب السبعة، و الجواب عن الحصر و غيره في الثلاثة الأخيرة، واحد.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب الحديث 9. أورد صدر الحديث، و الباب 4، الحديث 2 أورد ذيل الحديث.

(2)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 6.

(3)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 135

الثامن: الرتق

و هو كون الفرج ملتحما على وجه ليس للذكر فيه مدخل على أساس الخلقة، و هو غير القرن الذي يعود إلى نبت اللحم أو العظم أو السن لكنّه يشترك معه في النتيجة و هو عدم تمكّن الزوج من الوطء فتشمله روايات القرن ملاكا، و لقوله عليه السّلام في صحيح الكناني الذي ورد في القرن فقال: «هذه لا تحبل و لا يقدر زوجها على مجامعتها تردّ على أهلها صاغرة و لا مهر لها» «1».

نعم، روى عبد اللّه بن جعفر في قرب الإسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه، قال: سألته عن امرأة دلّست نفسها لرجل و هي رتقاء؟

قال: «يفرق

بينهما و لا مهر لها» «2».

و يظهر من السرائر: أنّ الرتق هو نفس القرن، حيث قال: «الرتق لحم ينبت في الفرج يمنع دخول الذكر».

و على أي حال فيردّ بها، سواء قلنا بأنّه دخل في القرن موضوعا أو ملاكا.

و مع ذلك فقد يظهر من المحقّق التردّد فيه حيث قال: «الرتق أحد العيوب المسلّطة على الفسخ. و ربّما كان صوابا إن منع الوطء أصلا لفوات الاستمتاع إذا لم يمكن إزالته أو أمكن و امتنعت من علاجه» «3».

أمّا التردّد فلا وجه له، لورود الصحيح مع عدم الإعراض، و لعلّ من لم يذكره لكونه مشتركا مع القرن ملاكا أو موضوعا، و أمّا التقييد بأمرين فهو الحقّ فإنّه إذا أمكنت إزالته و لم تمتنع من علاجه، فلا وجه للردّ و فوت الاستمتاع في مدّة المعالجة لا يضرّ لأنّ القدر المتيقن من التعليل هو سلب القدرة مطلقا، لا أيّاما

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 4 و فيه تقطيع للحديث و لأجل ذلك نقلناه، عن الكافي: 5/ 408 باب المدالسة في النكاح، الحديث 18. و قريب منه رواية الحسن بن صالح لاحظ الحديث 3 من الباب 1 و 3.

(2)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 8.

(3)- الجواهر: 30/ 337.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 136

قلائل خلافا لصاحب الجواهر حيث قال: و فيه منع خصوصا على تقدير اندراجه في العفل.

يلاحظ عليه: أنّ الحكم كذلك في العفل لو قبل العلاج في أيّام قلائل فلا يترك الاحتياط بالردّ بالطلاق لو أراد الفراق.

قال ابن البراج في المهذب: «فإن أرادت هي إصلاح نفسها بذلك لا تمنع منه، لأنّه ممّا يداوى و يصلح بالدواء، فإن عالجت نفسها و زال

عنها ذلك سقط خيار الزوج معه، لأنّ الحكم إذا تعلّق بعلّة و زالت العلّة زال حكمها بزوالها» «1».

ثمّ إذا لم يتمكّن الزوج من الوطء و تمكّن غيره إذا كان نحيف الآلة يحكم بجواز الردّ، خلافا لصاحب المسالك حيث نفى الخيار مع عدم بلوغ الارتتاق حدّ المنع من الوطء و لو بنحيفها و هو غير تام إذا كانت على خلاف المتعارف و تمكن الفرد النادر لا يرفع كونه عيبا. نعم لو كان متعارفا، و كانت حشفة الزوج غير متعارف فلا يجوز له الردّ إلّا بالطلاق لعدم دخوله في القرن موضوعا أو حكما.

بقي الكلام في أمرين:

1- زنا الزوجة قبل دخول الزوج بها.

2- المحدودة في الزنا.

قال الصدوق: إذا زنت المرأة قبل دخول الرجل بها فرّق بينهما و لا صداق لها لأنّ الحدث جاء من قبلها «2».

و قال المفيد و سلّار و ابن البراج و ابن الجنيد و أبو الصلاح، بالردّ في المحدودة «3» و في الكافي للأخير: إذا تزوّج الرجل فخرجت برصاء ... أو محدودة «4».

و لكن الشيخ قال بعدم الردّ في الأمرين، قال في النهاية: المحدودة من الزنا لا تردّ و كذلك التي كانت قد زنت قبل العقد فليس للرجل ردّها إلّا أن يرجع على

______________________________

(1)- المهذّب: 2/ 233- 234.

(2)- المقنع: 109.

(3)- المختلف الفصل الرابع: 2.

(4)- الكافي: 295.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 137

وليّها بالمهر و ليس له فراقها إلّا بالطلاق «1».

و قال في الحدائق: هذا هو المشهور بين المتأخرين.

أمّا المسألة الأولى: فقد أفتى الصدوق بالتفريق بينهما كما عرفت من المقنع.

و تدلّ عليه رواية السكوني عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهم السّلام قال: قال علي عليه السّلام في المرأة إذا زنت قبل أن

يدخل بها زوجها قال: «يفرّق بينهما و لا صداق لها، لأنّ الحدث كان من قبلها» «2».

و رواية الفضل بن يونس قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة فلم يدخل بها فزنت؟ قال: «يفرّق بينهما و تحدّ الحد و لا صداق لها» 3.

و الروايتان ناظرتان إلى الزنا قبل الدخول لكنّهما من حيث السند غير نقيّتين و لكن هنا روايتين صحيحتين إحداهما تفسّر الأخرى، هما:

1- صحيحة عبد الرحمن قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة فعلم بعد ما تزوّجها أنّها كانت قد زنت؟ قال: «إن شاء زوجها أخذ الصداق ممّن زوّجها و لها الصداق بما استحلّ من فرجها و إن شاء تركها» 4.

و قد أنكر الشيخ دلالة الرواية على جواز الردّ قائلا بأنّه ليس يمتنع أن يكون له استرجاع الصداق و إن لم يكن له ردّ العقد.

يلاحظ عليه: أنّ استرجاع الصداق مع حفظ المرأة جمع بين العوض و المعوّض و هو مستنكر عرفا فلو كان المقصود هذا، للزم التصريح به. و الظاهر من الرواية أنّ استرجاع المهر ممّن زوّجها كناية عن جواز الردّ. و على هذا يكون معنى قوله عليه السّلام: «إن شاء تركها» تركها على حالها و لا يردّها، و بالتالي لا يأخذ صداقها

______________________________

(1)- النهاية: 486.

(2) و 3 و 4- الوسائل: 14 الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث 3 و 2 و 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 138

ممّن زوّجها.

و أمّا على تفسير الشيخ يكون معنى الجملة «ترك أخذ المهر».

2- صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه قال: سألته عن المرأة تلد من الزنا، و لا يعلم بذلك أحد إلّا وليّها، أ يصلح

له أن يزوّجها و يسكت على ذلك إذا كان قد رأى منها توبة أو معروفا؟ فقال: «إن لم يذكر ذلك لزوجها ثمّ علم بعد ذلك، فشاء أن يأخذ صداقها من وليّها بما دلّس عليه، كان ذلك على وليّها، و كان الصداق الذي أخذت لها، لا سبيل عليها فيه بما استحلّ من فرجها. و إن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس» «1».

نعم، فرق بين الروايتين، فإنّ الأولى لا تأبى من الانطباق على الزنا بين العقد و الدخول، و لكن الثانية صريحة في الزنا قبل العقد، و من كان يقول بالردّ في الأولى يقول به في الثانية أيضا و مع ذلك فالروايات معرض عنها لم يعمل بها إلّا الصدوق.

و قال في الحدائق: و الأصحاب أعرضوا عن العمل بتلك الأخبار لمعارضتها بما هو أكثر عددا و أقوى سندا «2».

و قد استوفينا الكلام في المسألة عند البحث عن الكفاءة فراجع.

و أمّا الثانية، أعني: جواز ردّ المحدودة، فقد عرفت القائلين به و ليس لهم دليل سوى اعتبار عقلي من كونه عارا و ليس رفع العار منحصرا بالردّ بل يكون بالطلاق أيضا، مضافا إلى ما روي عن رفاعة بسند صحيح، سوى أنّ فيه «سهلا» الذي الأمر فيه سهل، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحدود و المحدودة هل تردّ من النكاح؟ قال: «لا» «3».

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث 1.

(2)- الحدائق: 24/ 368.

(3)- الوسائل: 14 الباب 5 من أبواب العيوب، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 139

في أحكام العيوب و فيه مسائل:

المسألة الأولى: حالات في العيوب الطارئة للمرأة

ان للعيب حالات ثلاث:

1- ما يحدث قبل العقد.

2- ما يحدث بعد العقد و الدخول.

3- ما يحدث بينهما.

لا شك في جواز الردّ في الصورة الأولى و

هو القدر المتيقّن كما لا شكّ في عدم جوازه في الثانية «1» و لم يخالف فيه إلّا ابن الجنيد في خصوص الجنون على ما نسبه إليه في المسالك «2».

نعم نسب الجواز إلى الشيخ في الخلاف لكن كلامه خال عن التصريح بحدوث العيب بعد الدخول، غاية الأمر وجود الإطلاق المنزّل على الصورة الثالثة، أي بعد العقد و قبل الدخول، قال في الأوّل: إذا حدث بالمرأة أحد العيوب التي تردّ به و لم يكن في حال العقد فإنّه يثبت به الفسخ. و للشافعي فيه قولان، ثمّ قال: دليلنا عموم الأخبار التي وردت في أنّ له الردّ بهذه العيوب و لم يفصلوا بين عيب كان في حال العقد، و بين ما يحدث فيما بعد «3».

إنّما الكلام في الصورة الثالثة و قد عرفت فتوى الشيخ على الجواز في الخلاف

______________________________

(1)- لتضافر النصوص على العدم لاحظ الوسائل الجزء 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 1 و 14 و الباب 2 الحديث 3.

(2)- المسالك: 8/ 125.

(3)- الخلاف: 2، المسألة 128.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 140

و مثله كلامه في المبسوط «1».

و ذهب ابن البرّاج في المهذّب «2»، و ابن إدريس في السرائر «3» و المحقّق في الشرائع «4» إلى عدم الجواز

قال المحقّق: في المتجدّد بعد العقد و قبل الدخول تردّد، أظهره أنّه لا يبيح الفسخ تمسّكا بمقتضى العقد السليم عن المعارض.

و لم أر من المتأخرين، من مال إليه إلّا الشهيد في المسالك، حيث قال بعد توضيح خيرة المحقّق: و لا بأس بهذا القول و إن كان القول الآخر لا يخلو من قوة، و في الحدائق- بعد توضيح قول المشهور- قال: إلّا أنّه لا يخلو من نوع

توقف.

و يمكن الاستدلال على جواز الردّ بوجوه:

الأوّل: إطلاقات جملة من الروايات:

1- صحيح رفاعة و في سنده سهل بن زياد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تردّ المرأة من العفل و البرص و الجذام و الجنون، و أمّا ما سوى ذلك فلا» «5».

2- صحيح محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «تردّ العمياء و البرصاء، و الجذماء و العرجاء» 6.

و ما ربّما يقال: من أنّه ليس في الروايات إطلاق يعمّ المتجدّد بعد العقد بل هي في مقام تعداد العيوب الموجبة للفسخ، غير تامّ، و إلّا لزم بطلان الإطلاق في أمثال «لا تعاد» لكونه في مقام التعداد مع أنّ السيرة على خلافه.

الثاني: الروايات المحدّدة لسقوط الخيار بالدخول، ففي صحيحة عبد الرحمن: «إنّه يردّها ما لم يدخل بها» «7».

______________________________

(1)- المبسوط: 4/ 252.

(2)- المهذّب: 2/ 235.

(3)- السرائر: 2/ 613.

(4)- شرائع الاسلام: 2/ 320.

(5) و 6- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 2 و 7 و يتّحد معه رقم 11.

(7)- الوسائل: 14 الباب 3 من أبواب العيوب، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 141

و غيرها ممّا حدّد الخيار بالدخول و مقتضاه جواز الردّ في المتوسط لعدم حصول الغاية.

الثالث: إطلاق خبر عبد الرحمن: و تزوّج امرأة فوجد بها قرنا ... فقال: «إنّه يردّها ما لم يدخل بها» «1».

فالحكم بالردّ من دون الاستفصال بين كونه قبل العقد أو بعده يوجب عمومية الحكم للمتقدّم و المتوسط «2».

هذا ما يمكن به الاستدلال على إطلاق الحكم، و الذي يصح أن يكون مقيّدا أمران:

الف: وجود التدليس في بعض الروايات، كصحيح أبي عبيدة الحذّاء «3» و صحيح قاسم بن بريد «بالباء» لا يزيد «بالياء» كما في المطبوع من

الوسائل، و محمّد ابن مسلم 4 و معتبرة قرب الإسناد 5 و هو دليل على وجود العيب قبل العقد، لكن المرأة دلّست نفسها.

ب- ظهور أكثر الروايات في العيب المتقدّم مثل قوله: عن رجل تزوّج فوجد بها قرنا «6». و قوله: يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء 7 و قوله: تزوّج امرأة فوجدها برصاء ... 8 إلى غير ذلك ممّا يشبهها.

أمّا الأوّل: فلظهور التدليس على تقدّم العيب على العقد. ذهب إليه صاحب الحدائق و الجواهر.

يلاحظ عليه: أنّه من المحتمل أن يكون القيد ناظرا لإخراج العالم بالعيب و إبقاء الجاهل، لا إلى إخراج العيب المتوسط بين العقد و الدخول، فلو كان

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 3 من أبواب العيوب، الحديث 2.

(2)- جامع المدارك: 4/ 373.

(3) و 4 و 5- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 1 و 7 و 8.

(6) و 7 و 8- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 3 و 9 و 14.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 142

للقضية مفهوم فهو لإخراج خصوص العالم لا كل مورد لم يكن هناك تدليس كما عرفت في المتوسط بين العقد و الدخول.

و أمّا الثاني:- فمضافا إلى أنّ المورد لا يكون مخصّصا- أنّ ظهور أكثر الروايات في العيب السابق لأجل أنّ الغالب في أمثال هذه العاهات تقادم العهد، و لأجل ذلك عبّر بشكل ينطبق على العيب السابق، و الظاهر أنّ القول بثبوت الخيار في المتوسط من العيب أقوى لتحكيم الإطلاقات على أصالة اللزوم و أنّ المسقط هو التصرّف و الدخول، و اللّه العالم.

و ربّما يتمسك لإثبات الخيار في المتوسط بالاستصحاب التعليقي بأن يقال:

إنّ هذا العيب لو كان قبل العقد لكان موجبا للخيار و

الأصل بقاؤه على ما كان و هذا الاستصحاب حاكم على استصحاب لزوم العقد الثابت قبل حدوث العيب.

يلاحظ عليه: أنّ الاستصحاب التعليقي بهذه الصورة أشبه بالقياس و الذي نقول به في الاستصحاب التعليقي إنّما هو في مورد انطبق الحكم الكلي على الموضوع الخارجي كالعنب ثمّ حدث فيه تغيّر، فعندئذ يستصحب الحكم السابق الجزئي الثابت للشي ء الخارجي و ليس المقام كذلك لعدم سبق العيب، و عدم وجوده قبل العقد حتّى يشار به إليه و يقال إنّه كان كذا أو الأصل بقاؤه و استصحاب حكم العيب كليّا من دون الانطباق على الخارج أشبه بالقياس و التفصيل في محلّه «1».

المسألة الثانية: هل الخيار فوري أو لا؟

المشهور من كلامهم أنّ الخيار هنا فوري، للرجل كان أم للمرأة فلو علم من له الخيار و لم يبادر بالفسخ سقط الخيار، و علل: أوّلا: بالإجماع على الفورية،

______________________________

(1)- لاحظ المحصول: 4/ 75.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 143

و ثانيا: بأنّ الغرض من الخيار هو دفع الضرر بالتسلّط على الفسخ و هو يحصل بذلك، فيقتصر فيما خالف الأصل على مقدار ما يحصل به الغرض. و ثالثا: بما دلّ على أنّ عقد النكاح لا يقبل الإقالة و لا يصحّ جعل الخيار فيه فيجب الاقتصار على القدر المتيقّن فلو علم بالخيار و لم يتبادر بالفسخ سقط الخيار.

نعم صرّحوا بأنّ الجهل بالموضوع أو الحكم لا يسقطان الخيار، و لكن كما ترى.

أمّا الأوّل: فلأنّ ادّعاء الإجماع في مثل تلك المسألة ممّا يمكن استظهار حكمها من مثل الوجوه السابقة، غير صحيح لاحتمال استناد المجمعين إلى تلك الوجوه.

و أمّا الثاني: فانّما يصح لو كان مدرك الخيار هو: «قاعدة لا ضرر» فيقتصر بما يدفع به الضرر لا الروايات السابقة المطلقة.

و أمّا الثالث: فإنّما يتمّ

لو كان الزمان مأخوذا قيدا للموضوع بحيث يكون عقد النكاح في كل آن موضوعا مستقلا و خروجه في الآن الثاني مستلزما لتخصيص زمانه، لا ما إذا كان الزمان ظرفا بحيث يكون خروجه في آن أو في آنات تخصيصا واحدا كما في المقام، و على الثاني يكون المجرى، مجرى الأصل أعني استصحاب بقاء الخيار عند ما لم يتبادر بالفسخ لا التمسك بالإطلاق.

نعم، ربّما يقال بأنّ القول بالفورية- مع كون الجهل بالعيب و الحكم عذرا موجبا لبقاء الخيار- لا يجتمعان لأنّ الخيار حق واقعي لا يدور مدار العلم و الجهل، و هو في الواقع لا يخلو عن كونه مجعولا إمّا على نحو الفورية أو على نحو الإطلاق، إذ الإهمال بحسب الواقع لا يتصوّر، فلو كان مقيّدا فكيف يحكم ببقائه مع الجهل بالعيب و الحكم؟ و لو كان في الواقع مطلقا فكيف يحكم بلزوم العقد بمجرّد العلم بالعيب و الخيار؟

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 144

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يتم إذا كان هناك دليل واحد، و الدليل الواحد لا يتكفّل حكمين متضادين بخلاف ما إذا كان هناك دليلان، أحدهما يتكفّل فورية الحكم بالذات و الآخر يوسعه في حقّ الجاهل.

فلو كان الحكم في الواقع مضيّقا و فوريا بعد العقد فيمكن توسيعه في حقّ الجاهل بالعيب و الحكم، و مثله ما إذا كان الحكم في الواقع موسعا و غير مقيّد بالفورية، يمكن تضييقه و تقييده بالفورية في حقّ العالم بالعيب.

كل ذلك بالدليل الثاني و بذلك حاولوا حلّ مشكلة الدور في تخصيص حكم الجهر و الإخفات و القصر و الإتمام بالعالم بهما، فإنّ التخصيص بالدليل الواحد يستلزم الدور، لأنّ العلم بالحكم متوقف على وجود الحكم، فلو كان العلم

جزءا للموضوع يلزم توقف الحكم عليه و هو دور، و الجواب: أنّ التضييق حصل بالدليل الثانوي لا بالدليل الأوّلي. و على كل تقدير، فلو قلنا بعدم الفورية لأجل استصحاب الحكم فالخيار باق ما دام لم يدخل بها، فاذا دخل يسقط، اللهمّ إلّا أن يكون لبقائه موجبا- كما إذا امتنع عن الدخول- لصيرورتها كالمعلقة فيجبره الحاكم باختيار أحد الأمرين.

المسألة الثالثة: في أنّ الفسخ ليس طلاقا

إنّ الفسخ ليس بطلاق «1» لأنّه يحتاج إلى لفظ ماض و شروط مقررة، من حضور العدلين و كونها في غير طهر المواقعة، و عليه فلا يعدّ من الثلاثة المحرّمة و لا ينتصف به المهر إلّا إذا دلّ الدليل كما في العنّة، و سيوافيك أحكام المهر في المسألة السادسة.

______________________________

(1)- تقدم البحث عنه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 145

المسألة الرابعة: هل إعمال الفسخ يتوقّف على حكم الحاكم؟

هل يجوز للفاسخ من الرجل و المرأة التفرّد به، أو يتوقف على إذن الحاكم؟

قولان، المشهور جواز التفرّد إلّا إذا كانت في المقام خصومة لا تنقطع إلّا بحكم الحاكم و نظره فيفسخ بإذنه.

و نقل عن ابن الجنيد: أنّه إذا أريد الفرقة لم يكن إلّا عند من يجوز حكمه من والي المسلمين أو خليفته أو بمحضر من المسلمين إن كانا في بلاد الهدنة أو سلطان متغلب، و جعله الشيخ في المبسوط أحوط.

مقتضى الإطلاقات فيما إذا اتفقا على العيب هو التفرّد، و استقلال كل الفسخ. و في رواية علي بن أبي حمزة الواردة في الجنون: «لها أن تنزع نفسها منه متّى شاءت» و في روايات الخصاء: «يفرّق بينهما» و في العنن: «إن شاءت تزوّجت و إن شاءت أقامت» و في بعض آخر: «تفارقه إن شاءت» إلى غير ذلك من التعبيرات الصريحة في تفرّد الفاسخ. إلّا أن يقال إنّها بصدد بيان نفس الحكم و أمّا كيفية الإجراء فهي ساكتة عنها و بما أنّها ربّما تورث الخلاف و الشقاق فالأولى الرجوع إلى الحاكم، و الفسخ في حضوره و باذنه.

نعم، فيما إذا كانت هناك حاجة إلى ضرب الأجل، فلا يتفرّد إلّا برفع أمرها إلى الحاكم.

و في رواية البختري: أنّ عليا عليه السّلام كان يقول: «يؤخّر العنّين سنة من يوم ترافعه امرأته

فان خلص إليها و إلّا فرق بينهما» «1».

و في قرب الإسناد، عن علي عليه السّلام أنّه كان يقضي في العنين أنّه يؤجّل سنة من يوم ترافعه المرأة 2.

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث 9 و 12.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 146

المسألة الخامسة: إذا اختلفا في وجود العيب

إذا اختلفا في وجود العيب يرجع إلى الحاكم عند الاختلاف، فإن كان جليّا حكم بمقتضى ما ظهر له و إن كان خفيّا تجري فيه أحكام المنكر و المدّعي، فالقول قول منكر العيب إلّا إذا أقام الآخر البيّنة، لأنّ الأصل السلامة كما تجري فيه أحكام ردّ اليمين و النكول.

المسألة السادسة: في أحكام المهر عند الفسخ

اشارة

إذا فسخ الزوج أو الزوجة بأحد العيوب السابقة، فلا يخلو إمّا أن يكون الفسخ قبل الدخول أو بعده، و على التقديرين إمّا أنّ العيب متقدّم على العقد أو متأخر عنه و قبل الدخول أو بعده «1». بناء على الخيار في العيب الثابت بعد الدخول، ثمّ الفاسخ إمّا زوجة أو زوج، و على كل تقدير، إمّا أن يكون هناك مدلّس أم لا. فالصور أربعة و عشرون صورة كذا في الجواهر.

و لا يخفى، عدم بلوغ الصور الصحيحة إلى العدد المذكور.

أمّا أوّلا: فلأنّه كيف يمكن ضرب الاثنين (قبل الدخول و بعده) في الثلاثة كون العيب متقدّما على العقد، أو متوسطا بينه و بين الدخول، و متأخّرا عنه.

و ثانيا: قد مرّ البحث أنّ العيب الحادث بعد الدخول لا يوجب الفسخ و إنّما الخلاف في المتوسط.

إذا عرفت ذلك فلنقدم البحث عن أحكام صور فسخ الزوج.

صور فسخ الزوج

1- إذا فسخ الزوج قبل الدخول فلا مهر لها. لتضافر النصوص على ذلك

______________________________

(1)- قد تقدّم عدم جواز الفسخ في العيب المتجدّد بعد الدخول، و قد عمّم المشهور الحكم إلى العيب المتجدّد بعد العقد و قبل الدخول و إن خالفنا و قلنا بالفسخ فيه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 147

مثل قوله عليه السّلام في صحيح أبي عبيدة: «و إن لم يكن دخل بها فلا عدّة عليها و لا مهر لها» «1». و قوله عليه السّلام في صحيح أبي الصباح: «ترد على أهلها صاغرة و لا مهر لها» «2» و مثله خبر غياث بن إبراهيم 3 و هذا من غير فرق بين وجود مدلّس أو عدمه لعدم الغرامة حتّى يرجع إلى المدلّس، و بذلك يعلم أنّه ليس للتدليس تأثير في جميع الصور، نعم

له دور في الصورة الآتية.

2- إذا فسخ الزوج بعد الدخول دخولا غير مسقط للخيار كما إذا كان جاهلا بالعيب و إلّا يكون الدخول رضا بالنكاح، و سيجي ء الكلام فيه: استحقت الزوجة المسمّى من غير فرق بين كون العيب متقدّما على العقد أو متأخرا عنه، و قبل الدخول أو بعده خلافا للشيخ في العيب المتقدّم كما سيجي ء.

و يدلّ عليه: أوّلا: أنّ الزوجة بالدخول استحقت المسمّى بلا إشكال، و ليس الفسخ فسخا من أصله و إنّما هو فسخ من حينه فما وجب عليه من المهر و النفقة في الماضي لا يسقط بالفسخ.

و ثانيا: تضافر الروايات مثل رواية رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في امرأة زوّجها وليّها و هي برصاء، أنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها «4». و صحيحة الحلبي «5» و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه «6». و صحيحة محمّد ابن مسلم «7».

و للشيخ في المقام تفصيل قال: «إذا فسخ عند الدخول بين ما حدث العيب

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 1.

(2) و 3- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 4 و 14.

(4)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 2.

(5)- الوسائل: 14 الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث 1.

(6)- الوسائل: 14 الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث 4.

(7)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، ذيل حديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 148

قبل الدخول و بعده قال: و إن كان (الفسخ) بعد الدخول، فان كان العيب حدث بعد العقد و قبل الدخول سقط المسمّى و وجب مهر المثل، لأنّ الفسخ و إن كان في الحال

فإنّه مستند إلى حال حدوث العيب فيكون كأنّه وقع مفسوخا حين حدث العيب «1».

و أمّا إن كان العيب حدث بعد الدخول استقرّ المسمّى لأنّ الفسخ إذا كان كالموجود حين حدوث العيب فقد حدث بعد الإصابة فاستقرّ المهر ثمّ فسخ بعد استقراره فلهذا لزمه المسمّى «2».

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّ الفسخ بالعيب الطارئ بعد الدخول لم يقل به أحد كما مرّ.

و ثانيا: أنّ تقدّم العيب أو توسّطه لا يوجب بطلان العقد و لا تنزّله منزلة العقد الفاسد حتى تلحقه أحكام العقد الفاسد فيرجع إلى مهر المثل، بل العقد يقع صحيحا، غاية الأمر يكون الفسخ فسخا من حينه لا من أصله حتّى يجب مهر المثل، و المفروض أنّها استحقت المسمّى بالدخول فلا وجه لسقوطه و إن كان العيب متقدّما على الدخول.

هذا إذا لم يكن هناك تدليس كما إذا لم يكن الزوج و لا المرأة واقفين على العيب فقد عرفت أنّه لا رجوع له بشي ء فتستحق المهر باستحلاله فرجها و لاستقرار المهر بالوطء.

3- إذا كان هناك تدليس، فمتى فسخ النكاح يرجع إلى المدلّس سواء كان المدلّس هو الوليّ أو نفسها. نعم لو كانت عارفة بالعيب و لم يكن المزوّج عارفا به يرجع إليها بالمهر إذا قبضته، و إن لم تقبضه لم تستحق شيئا.

و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل ولّته امرأة أمرها أو ذات

______________________________

(1)- و في المبسوط في المقام عبارة لا تتجاوز عن سطر و نصف كأنه زائد، أو تكرار للشق الأوّل.

(2)- المبسوط: 4/ 253.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 149

قرابة أو جار لها لا يعلم دخيلة أمرها فوجدها قد دلّست عيبا هو بها؟ قال:

«يؤخذ المهر منها و لا يكون

على الذي زوّجها شي ء» «1».

و في رواية رفاعة: «و لو أنّ رجلا تزوّج امرأة و زوجه إيّاها رجل لا يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شي ء و كان المهر يأخذه منها» 2.

و الظاهر من الروايتين هو الرجوع عليها بالكلّ، غير أنّ لازمه هو خلوّ البضع من المهر فيجب عليه دفع مهر مثلها لأنّه العوض للبضع إذا وطأ لا عن زنا.

فان قلت: إنّ ظاهر الروايتين أنّ الدخول لا يكون مانعا من الردّ بالعيب السابق على العقد، أو المتوسط بين العقد و الدخول، مع أنّ هناك روايات تدلّ على سقوط الخيار بالدخول، ففي رواية عبد الرحمن: «إنّه يردّها ما لم يدخل بها» «3» و في روايته الأخرى: «تردّ من أربعة أشياء .. ما لم يقع عليها، فإذا وقع عليها فلا» «4» و في رواية غياث بن إبراهيم: «و إذا دخل بها فهي امرأته» 5.

قلنا: يمكن الجمع بحمل الطائفة الثانية على الدخول بعد الوقوف على العيب، فإنّه يكون رضا بالعيب بخلاف الأوّل فإنّ حق الردّ باق إذا كان الدخول عن جهل، و تدلّ على هذا الجمع رواية الحسن بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«إن كان علم قبل أن يجامعها ثمّ جامعها فقد رضي بها، و إن لم يعلم إلّا بعد ما جامعها فإن شاء أمسكها، و إن شاء سرّحها إلى أهلها و لها ما أخذت منه بما استحلّ من فرجها» «6».

و مثلها، صحيحة أبي الصباح الكناني 7.

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 4 و 2.

(3)- الوسائل: 14 الباب 3 من أبواب العيوب، الحديث 2.

(4) و 5- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 1 و 14.

(6) و 7- الوسائل:

14 الباب 3، من أبواب العيوب، الحديث 3 و 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 150

هذا كلّه إذا فسخ الزوج و إليك الكلام فيما إذا فسخت الزوجة.

صور فسخ الزوجة

إذا كان الفسخ قبل الدخول، فلا مهر لها، إلّا فيما سيأتي في موارد العنن، و يمكن الاستدلال عليه بوجوه:

1- صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة حرّة تزوّجت مملوكا على أنّه حرّ، فعلمت بعد أنّه مملوك؟ فقال: «هي أملك بنفسها إن شاءت قرّت معه و إن شاءت فلا، فإن كان دخل بها فلها الصداق و إن لم يكن دخل بها فليس لها شي ء، فإن هو دخل بها بعد ما علمت أنّه مملوك و أقرّت بذلك فهو أملك بها» «1».

و يتمّ الحكم في غير هذا العيب بعدم القول بالفصل.

2- التعليل الوارد في مورد فسخ الزوج- إذا زنت المرأة قبل الدخول- فيما رواه السكوني، عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السّلام قال: «قال علي عليه السّلام في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها زوجها، قال: يفرّق بينهما و لا صداق لها لأنّ الحدث كان من قبلها» «2».

و مورد الرواية و إن كان فسخ الزوج لا الزوجة و لكن يمكن الاحتجاج بالتعليل على أنّه إذا كان الحدث «الفسخ» من ناحيتها، فلا مهر لها، سواء كان سببها، لأجل ارتكابها عملا شنيعا كما في مورد الرواية فيتسلّط الزوج على الفسخ أو لقيامها بالفسخ بنفسها، لعدم الرغبة في الزوج.

نعم لو كان الفسخ من جانبها لأجل العنّة الثابتة، ففي رواية أبي حمزة، قال:

سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «... فإن تزوّجت و هي بكر فزعمت أنّه لم يصل إليها

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 11

من ابواب العيوب، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 14، الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 151

فإنّ مثل هذا تعرف النساء فلينظر إليها من يوثق به منهنّ فإذا ذكرت أنّها عذراء فعلى الإمام أن يؤجّله سنة فإن وصل إليها و إلّا فرّق بينهما و أعطيت نصف الصداق و لا عدّة عليها» «1».

و المراد من «أبي حمزة» هو سالم، والد علي بن أبي حمزة البطائني و هو يعد مهمل في الرجال و الإفتاء بها، من باب الاحتياط- و مع ذلك- فقد وصفه السيّد الخونساري بالصحّة في جامع المدارك «2».

و إن كان الفسخ بعد الدخول فعليه المهر لأنّه يستقرّ بالدخول و ليس للفسخ دور في إسقاط ما ثبت بالعقد و استقرّ بالدخول.

أضف إليه، أنّه لم يستحلّ فرجها بلا عوض، بل في مقابل المهر، و العدول عنه إلى المثل أو عدم الدفع أصلا يحتاج إلى الدليل.

إنّما الكلام في الخصاء ففيه احتمالات:

1- إلحاقها بسائر العيوب، فلو فسخت قبل الدخول ليس لها شي ء و إن فسخت بعده فلها المهر كاملا.

2- إنّ عليه نصف الصداق مطلقا، و هو رأي علي بن بابويه كما نقله عنه العلّامة في المختلف «3» و عليه الفقه الرضوي.

3- إنّ لها المهر كاملا مع الخلوة، ذكره الشيخ في النهاية، و قال: «و إن كان قد خلا بها كان للمرأة صداقها منه و على الإمام عليه السّلام أن يعزّره لئلّا يعود إلى مثل ذلك» «4».

أمّا الأوّل: فهو مقتضى القاعدة، أمّا قبل الدخول لما عرفت من الروايتين «5» و الأولوية، و أمّا بعده فلأجل استقرار المهر بالدخول و إنّما المنصّف هو الطلاق

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 15 من أبواب العيوب، الحديث 1.

(2)- جامع

المدارك: 4/ 377.

(3)- المختلف: 5/ 5، الفصل الرابع في العيوب و التدليس.

(4)- النهاية: 488.

(5)- صحيح محمّد بن مسلم و موثق السكوني الماضيين.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 152

قبله.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن مسكان قال: بعثت بمسألة مع ابن أعين قلت: سله عن خصيّ دلّس نفسه لامرأة و دخل بها فوجدته خصيّا؟ قال: «يفرّق بينهما و يوجع ظهره و يكون لها المهر لدخوله عليها» «1».

و الدخول ظاهر في معناه المتبادر لا الخلوة.

و عليه تحمل موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ خصيّا دلّس نفسه لامرأة؟ قال: «يفرّق بينهما و تأخذ منه صداقها و يوجع ظهره كما دلّس نفسه» 2.

و أمّا الثاني: فلم نجد له دليلا غير الفقه الرضوي و هو يحتمل أن يكون نفس رسالة علي بن بابويه، و عبارة ابن بابويه و الفقه الرضوي في المقام متّحدان.

و أمّا الثالث: فهو مبنيّ على تفسير الدخول، في صحيحة ابن مسكان بالخلوة و عليها حملت موثقة سماعة، و قد عرفت أنّه على خلاف الظاهر.

بقيت في المقام: رواية علي بن جعفر «3» في قرب الإسناد، من التفصيل بين الدخول فالمهر كلّه و عدمه فالنصف، فهي ممّا لم يعمل بها أحد فإنّها تتعامل مع الفسخ معاملة الطلاق، و قد عرفت أنّه غيره و الأخذ به مشكل حسب المبنى في الأخبار المعرض عنها.

المسألة السابعة: كون العيب جليّا أو خفيا:

إذا كان العيب جليا فقطع المنازعة سهل، و أمّا إذا كان خفيّا فيثبت بالبيّنة العارفة للعيب كالبرص و الجذام، إنّما الكلام في العنن الذي لا يعلم إلّا من قبل صاحبه فهو يثبت بالطرق التالية:

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 13 من أبواب العيوب الحديث، 3 و 2.

(3)- الوسائل: 14 الباب 13 من

أبواب العيوب، الحديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 153

1- إقرار الزوج.

2- البيّنة على إقراره.

3- نكول الزوج عن الحلف لو قلنا بالقضاء به من دون حاجة إلى ردّها إلى المدّعي.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 153

4- باليمين المردودة منه إلى الزوجة، روى الصدوق مرسلا أنّه يعرف به.

5- بالقعود في الماء البارد فإن تشنج حكم بقوله، و إن بقي مسترخيا حكم لها «1».

6- و بأنّه يطعم السمك الطريّ ثلاثة أيّام ثمّ يقال: بل على الرماد «2». فإن ثقب بوله الرماد فليس بعنّين، و إن لم يثقب بوله الرماد فهو عنّين.

7- و بأنّ القابلة تحشو المرأة الخلوق و لا تعلم الرجل و يدخل عليها الرجل فإن خرج و على ذكره الخلوق كذبت و صدق، و إلّا صدقت و كذب «3».

8- تستذفر المرأة فرجها الزعفران ثمّ يغسل ذكره، فإن خرج الماء أصفر صدّقه و إلّا أمره بالطلاق 4 و إليك البحث واحدا بعد الآخر.

أمّا الأوّل و الثاني: فلا شكّ في الثبوت بهما، و أمّا الثالث: فهو مبنيّ على القضاء بالنكول، و هو مورد بحث، و أمّا الرابع: فربّما يبتنى الحكم به على القاعدة المعروفة من أنّ اليمين المردودة كبينة المدّعي أو كإقرار المنكر فإن قلنا بالثاني، تكون اليمين نافذة، و إن قلنا بالأوّل يشكل الأمر، لأنّ بيّنة المدّعي في المقام غير مسموعة لعدم معلومية الموضوع «العنن» إلّا من جانب نفس الرجل فتتعذّر إقامة البيّنة عليه فكيف تكون اليمين- القائمة مقام البيّنة- نافذة.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 15 من أبواب العيوب، الحديث 4.

(2)- الوسائل: 14 الباب 15 من

أبواب العيوب، الحديث 5.

(3) و 4- الوسائل: 14 الباب 15 من أبواب العيوب، الحديث 2 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 154

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّه إذا أقامت بيّنة على إقراره بالعنن تسمع منها، و إن كانت لا تسمع في نفس العنن، فلا يصحّ طرد بيّنتها على الإطلاق، و بالتالي لا يمكن طرد يمينها كذلك.

و ثانيا: نمنع تعذّر إقامة البينة فانّ التعرّف عليه من طريق الأجهزة العلمية ليس أمرا مشكلا فينفذ شهادة الطبيب العادل على كونه عنينا، و أمّا إثباتها بالطرق الأربعة فالأوّل و الثاني و الرابع غير نقي السند و الثالث صحيح السند، و الظاهر أنّه ليس حكما تعبديا بل لأجل كونه مفيدا لليقين.

هذا كلّه إذا ادّعت العنن و صار مصبّ الدعوى.

و أمّا إذا كان مصبّ الدعوى الوطء فله صورتان:

الأولى: لو ادّعى الوطء و أنكرت قبل ثبوت العنن.

الثانية: إذا ادّعى الوطء بعد ثبوت العنن و رفعت أمرها إلى الحاكم و أجّله سنة، و هو مفروض الشرائع.

ففي الصورة الأولى: القول قوله، لأنّ ظاهر الدعوى و إن كان يفترض الرجل مدّعيا للوطء، و المرأة منكرة له، لكن لبّ الدعوى يرجع إلى أمر آخر، و هو أنّ المرأة تدّعي العنّة و الرجل ينكرها فيؤخذ بقول المنكر بيمينه، بناء على أنّ الميزان في تميّز المدّعي و المنكر هو نتيجة الدعوى لا ظاهرها.

و يدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي حمزة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «إذا تزوّج الرجل المرأة الثيب التي قد تزوّجت زوجا غيره فزعمت أنّه لم يقربها منذ دخل بها، فانّ القول في ذلك قول الرجل و عليه أن يحلف باللّه لقد جامعها لأنّها المدّعية» «1».

و في الفقه الرضوي

«إذا ادّعت أنّه لا يجامعها عنّينا كان أو غير عنين فيقول

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 15 من أبواب العيوب، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 155

الرجل أنّه قد جامعها، فعليه اليمين و عليها البيّنة لأنّها المدّعية».

و لا يخفى أنّ القول بتقديم قوله مطلقا ينافي التفصيل بين البكر و الثيب في رواية أبي حمزة فلو كان المستند هي فينبغي التفصيل.

و أمّا الصورة الثانية: أعني ما إذا ادّعى الوطء بعد ثبوت العنن و ضرب الأجل ففيه قولان:

1- ما ذهب إليه المحقّق في الشرائع: من أنّ القول قوله مع يمينه: و هو خيرة أبي حنيفة و أصحابه و الشافعي و الثوري.

2- ما اختاره الشيخ في الخلاف: و قال: روى أصحابنا أنّه تؤمر المرأة أن تحشو قبلها خلوقا فإذا وطأها و كان على ذكره أثر الخلوق علم أنّه أصابها، و إن لم يكن علم أنّه لم يصبها- و قال:- و هذا هو المعمول به «1» و قال الأوزاعي: يخلى بينهما و يكون بالقرب منهما امرأتان من وراء الحجاب فإذا قضى وطره بادرتا إليها، فإن كان الماء في فرجها فقد جامعها و إن لم يكن في فرجها ماء فما جامعها 2.

و القولان يدوران على أنّ المورد من موارد الرجوع إلى الأمارات المفيدة للاطمئنان كما عليه القول الثاني أو من موارد الرجوع إلى الأصل القضائي المسلّم، من أنّ البيّنة للمدّعي و اليمين على من أنكر، و لأجل عدم تمكّن المدّعي منها ينحصر الحلّ في حلف المنكر.

و لا يخفى أنّه لو أمكن كشف الحال عن طريق مورث لليقين فهو مقدّم على علاج القضية عن طريق إعمال قاعدة «البينة للمدّعي و اليمين على من أنكر» لانصرافها إلى غير هذا

المورد. إنّما الكلام إذا لم يتمكّن القاضي حلّ العقد، عن طريق إعمال الأمارات المورثة لليقين لضيق الوقت أو غيره فيقع الكلام في تشخيص المدّعي و المنكر.

______________________________

(1) و 2- الخلاف: 2 كتاب النكاح المسألة 140.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 156

و من المعلوم وجود الفرق الواضح بين الصورتين، ففي الصورة الأولى لم يثبت كونه عنينا فهي المدّعية و هو المنكر لموافقة قوله أصل السلامة بخلاف الصورة الثانية فقد ثبت العيب و ضرب الأجل، فصار الرجل مدّعيا لزوال ما ثبت.

و على ذلك فلا يمكن إجراء ما قيل في الصورة الأولى من أنّ اليمين يمينه في هذه الصورة.

و مع هذا الفرق الواضح بين الصورتين فقد ذهب المحقق الكركي إلى نفس ما عرفته في الصورة الأولى و قد استدلّ له بوجوه:

1- بأنّه من الأمور التي لا يعلم إلّا من قبله كانقضاء العدّة بالإقرار.

2- و بأنّه لم يثبت العنن و إنّما الثابت العجز، و هو ليس موضوعا لحكم شرعي، و العنن لا يثبت إلّا لمرور سنة فإن وطأ دلّ على عدمها و إلّا ثبت العنن فحينئذ يؤخذ بقول الرجل في نفي العنن فيقبل، لكونه موافقا للسلامة.

3- و استصحاب العجز لا يثبت العنن لأنّه من الأصول المثبتة لأنّ العجز إلى سنة لا يلازم العنن الشرعي، فإن ثبت بالوجدان يؤخذ و إلّا فلا يثبت الاستصحاب.

4- و لإطلاق صحيحة أبي حمزة الماضية، حيث إنّ إطلاقها يعمّ الصورتين و قد قدّم فيها قول الرجل و عليه أن يحلف أنّه جامعها لأنّها المدّعية «1».

يلاحظ عليه: بأمرين:

1- أنّ المدّعي و المنكر من المفاهيم العرفيّة فيجب في تميز أحدهما عن الآخر، الرجوع إلى العرف و لا شكّ أنّ المرأة في الصورة الأولى هي المدّعية،

لأنّها تدّعي أمرا على خلاف أصالة السلامة الحاكمة على جميع الأفراد فهي تدّعي شيئا جديدا، لو تركت ترك.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 15 من ابواب العيوب الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 157

و هذا بخلاف الصورة الثانية: فالمرأة لما أثبتت عجز الرجل عن الوطء بإقراره أو غيره و أجّله الحاكم إلى سنة انقلبت القاعدة فصار العجز في مورده أمرا مسلّما، و خلافه أمرا طارئا جديدا فعندئذ ينقلب الأمر و يكون الرجل هو المدّعي و المرأة هي المنكرة، فاليمين يمينها.

2- لو قلنا بإطلاق صحيح أبي حمزة يأتي التفصيل بين الثيّب و البكر، فالمرجع في الثانية هو الرجوع إلى القرائن لا اليمين.

المسألة الثامنة: إذا ثبت العجز فالخيار للمرأة:

إذا ثبت العجز بأحد الوجوه السابقة فالمرأة مخيرة بين أمرين:

1- الصبر و المقام معه لأنّ الخيار حقّ لها، فلها الأخذ بأحد طرفيه و إذا أعلنت بالصبر فمعناه إسقاط الخيار فلا يعود بعده و هو حقّ واحد يسقط تمامه، و الفرق بينه و بين الإيلاء واضح لأنّ حقّ المواقعة حقوق متجدّدة في كل أربعة أشهر فلها إسقاطه في فترة دون فترة، كما أنّ لها إسقاطه جميعا مرّة واحدة لوجود المقتضي أعني العقد، و يدلّ عليه مرسل الفقيه: «متى أقامت المرأة مع زوجها بعد ما علمت أنّه عنين و رضيت به لم يكن لها خيار بعد الرضا» «1».

و إذا أجّله الحاكم سنة فهل لها الإسقاط في أثنائها؟ الظاهر، نعم و ليس من قبيل إسقاط ما لم يجب أو لم يثبت لوجود المقتضي و هو العقد، و على ذلك مشى الفقهاء في باب الضمان و إسقاطه فلو كان المقتضي موجودا كفى في تضمينه أو إسقاطه، فإذا باع شيئا و احتمل كونه مستحقا للغير كفى في

أخذ الضامن وجود المقتضي و إن لم يثبت كونه كذلك.

2- أن ترفع أمرها إلى الحاكم فهو يؤجّلها سنة من حين المرافعة.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 158

أمّا التأجيل سنة فتدلّ عليه نصوص كثيرة، منها: رواية أبي حمزة «6» كما عرفت، و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «العنّين يتربصن به سنة ثمّ إن شاءت امرأته تزوّجت و إن شاءت أقامت» «1» و غيرهما 2.

و الظاهر أنّ ضرب الأجل للاستظهار فإذا تبيّن كونه عنّينا، فالقول بلزوم مضي سنة، يحتاج إلى دليل حاسم.

و على ذلك يحمل ما دل على التفريق من دون ذكر التأجيل مثل خبر غياث ابن إبراهيم «3» و أبي الصباح الكناني «4».

و هل الامتناع عن رفع المرافعة يقتضي سقوط الخيار؟ قيل: الظاهر ذلك لو قلنا بفورية الخيار و لكن لا دليل على الفورية.

نعم لو كان الامتناع ظاهرا في الرضا بالنكاح كان مسقطا و إلّا كما صرّح بأنّ الامتناع ليس عن رضى به فلا يسقط.

و على أي حال فإن واقعها أو واقع غيرها فلا خيار لعدم العنن، و الاكتفاء بوقاع غيرها لأجل أنّه دليل على أنّه ليس بعنين و إلّا لما كان هناك فرق بين المرأتين.

نعم لو استمرّ الحال إلى حدّ حرجي فلها أن ترفع الشكوى إلى الحاكم فيأمره بالطلاق رفعا للحرج.

و على كلّ تقدير، فلو فسخت فعليه نصف المهر بلا خلاف و تدلّ عليه صحيحة أبي حمزة و ما في قرب الإسناد «5» «من تمام المهر» لا يقاومها.

***

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث 5 و 9.

(3)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب،

الحديث 14.

(4)- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث 6.

(5)- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث 13.

(6)- الوسائل: 14 الباب 15 من أبواب العيوب، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 159

في التدليس و أحكامه

التدليس تفعيل من الدلس و هو تارة بمعنى الظلمة، و أخرى بمعنى الخدعة، و كأنّ البائع لمّا أتى بالمعيب أو الناقص، و قد كتم عليه عيبه أو نقصه كأنّه أتاه في الظلمة، و في ثوب الخدعة.

و التدليس يتحقق بأن يصف مورد العقد و يتبين الخلاف أو يسكت، و على الثاني، إمّا أن يكون العيب خفيّا، أو جليا فعلى الأوّل، يصدق الغش و التدليس سواء كان المفقود وصف كمال أو وصف السلامة، و على الثاني: فالسكوت عن العيب الخفيّ الذي لا يظهر بالاختبار المتعارف قبل المعاملة غش، و أمّا العيب الظاهر فليس ترك إظهاره غشّا اللّهمّ إلّا إذا أظهر سلامته على وجه يعتمد عليه كما إذا فتح قرآنا بين يدي الأعمى فأظهر أنّه بصير يقرأ فاعتمد المشتري عليه على ذلك و أهمل اختباره.

و أمّا وصف الكمال فليس السكوت عنه غشّا إلّا إذا أظهر كونه واجدا له كما إذا أعطى للعبد قلما و قرطاسا مشعرا بأنّه بصدد كتابة الرسالة، و تدلّ بالملازمة على كونه كاتبا، هذا حسب اللغة، و أمّا موارد الشكّ فيرجع فيه إلى الأصل الموجود في المسألة.

ثمّ إنّ التدليس في موارد العيوب المجوّزة للفسخ لا يكون مؤثّرا لأنّ الفسخ هناك دائر مدار العيب سواء كان هناك تدليس أو لا، و إنّما يؤثّر التدليس في الرجوع في المهر فيرجع إلى المدلّس وليّا كان أو غيره فيما إذا تعلّق بذمّته المهر، كما

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2،

ص: 160

إذا فسخ بعد ما دخل بها جاهلا بالعيب.

نعم، التدليس في مورد غير العيوب المنصوصة يؤثّر في جواز الفسخ و لولاه لم يكن له الفسخ سواء كان التدليس بإخفاء العيب كوصل الشعر أو باظهار وصف كمال فيه، لكن إذا اشترط في العقد عدم النقص أو وصف الكمال أو عقد بنحو التوصيف كما إذا قال: زوّجتك هذه الباكرة، أو غيره الثيبة، أو وصفها بصفة الكمال أو عدم النقص قبل العقد، عند الخطبة و المقاولة، ثمّ أوقع العقد مبنيّا على ما ذكره فإنّه بمنزلة الاشتراط، بل يمكن الاكتفاء بما إذا كان التزويج حسب العادة مبنيا على عدم ذاك النقص أو وجود وصف الكمال، فكان عدمه أو وجوده قيدا للمعقود عليه و إن لم يتلفّظ به.

و ذلك ككون المرأة ذات شعر أو باكرا في عرف بلادنا و إن لم يكن الثاني كذلك في المناطق الأوربية- على ما يحكى-.

ثمّ إنّ المحقق رتّب على هذا الأصل مسائل نقتصر بالموارد اللازمة.

المسألة الأولى: إذا تزوّج امرأة على أنّها بكر فبانت ثيبا إذا تزوّج امرأة و شرط كونها بكرا فوجدها ثيبا، فله صور:

إذا شرط الزوج البكارة في العقد أو ذكرها وصفا أو أخبر الوليّ بأنّها بكر فعقد بانيا عليه، أو أقدم عليه على الوجه المألوف بين البنات، و على التقادير الأربعة إمّا أن يثبت بإقرارها أو بالبيّنة كونها ثيبا قبل العقد، أو ثبت كونها كذلك بعده، أو يشتبه الحال، فتكون الصور اثني عشر.

ثمّ إنّه يقع الكلام تارة في جواز الفسخ، و أخرى في تنقيص المهر إذا لم يكن له الفسخ أو كان و اختار المقام معها.

أمّا الأوّل أي جواز الفسخ ففيه قولان:

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 161

الف- ما

يظهر من الشيخ و الحلبي و ابن البرّاج و العلّامة من أنّه ليس له الردّ.

1- قال في النهاية: إذا عقد على امرأة على أنّها بكر فوجدها ثيّبا لم يكن له ردّها غير أنّ له أن ينقص من مهرها شيئا «1».

2- قال الحلبي: و إن تزوّج بكرا فوجدها ثيّبا فأقرّت الزوجة بذلك حسب، أو قامت به البيّنة فليس بعيب يوجب الردّ إلّا نقصانا في المهر، و إن فقدت البيّنة و الإقرار فقذفها الزوج بذلك عزّر «2».

3- و قال ابن البراج: إذا تزوّج امرأة على أنّها بكر فوجدها ثيبا، جاز أن ينقص من مهرها شيئا و ليس ذلك بواجب «3».

4- قال العلّامة في التحرير: لو تزوّج و شرط البكارة فخرجت ثيّبا، لم يكن له الفسخ و كان له أن ينقص من مهرها شيئا و هو ما بين مهر البكر و الثيّب و يرجع فيه إلى العادة «4».

و استدل له بصحيحة محمد بن القاسم بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السّلام في الرّجل يتزوّج المرأة على أنّها بكر فيجدها ثيّبا أ يجوز له أن يقيم عليها؟ قال: فقال:

«قد تفتق البكر من المركب و من النزوة» «5».

و الظاهر من الحديث، هو دفع ظن ورد في خلد الزوج و هو أنّها كانت مزوّجة أو زانية، و هو أنّ للثيبوبة عللا أخرى و بذلك يصدّ سوء الظن، و أين هو من القول بعدم جواز الفسخ.

و بالجملة: أنّ السائل سأله أنّه هل يقيم عليها أو لا؟ لأجل احتمال كونها

______________________________

(1)- النهاية: 486.

(2)- الكافي: 296.

(3)- المهذّب: 2/ 213.

(4)- التحرير: كتاب النكاح: 30- 31.

(5)- الوسائل: 14 الباب 10 من أبواب العيوب، حديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 162

زانية فدفع الإمام

عليه السّلام سوء الظن، بأنّ الثيبوبة ليست دليلا على الزنا فقم عليها.

و أين هذا من أنّه لا يجوز له الفسخ إذا ثبت ثيبوبتها بالمقاربة؟

ب- ما يظهر من المحقق من التفصيل بين كونها ثيّبا قبل العقد، و بين طروئها بعده، أو احتمال طروئها كذلك فلا فسخ، قال: إذا تزوّج امرأة و شرط كونها بكرا فوجدها ثيّبا لم يكن له الفسخ لإمكان تجدّده بسبب خفي.

توضيح أحكام الأقسام 1- إذا لم يكن هناك اشتراط و لا توصيف و لا بناء و لا عادة جارية بيد أنّه تزوّج الرجل بزعم أنّها بكر فبان خلافه، فليس له الردّ و لا النقص لأنّ الثيبوبة ليست عيبا مجوزا للفسخ.

2- إذا كان هناك أحد الأمور الأربعة فظهر الخلاف و ثبت بإقرارها أو بالبيّنة تقدّمها على العقد، فالأقوى جواز الردّ لفوت الشرط المقتضي للتخيير أو فوات ما يقوم مقامه «1».

3- و لو ثبت تأخّرها عن العقد فلا خيار لعدم المقتضي بل حتى و لو لم يثبت تأخرها عن العقد بل احتمل، و ذلك لأنّ الخيار خلاف الأصل فهو يحتاج إلى الدليل، فأصالة اللزوم محكمة ما لم يثبت جوازه. نعم استصحاب عدم طروئها إلى زمان العقد، لا يثبت تأخّرها عنه فالمحكّم هو استصحاب اللزوم لا هذا. ثمّ إنّه متى فسخ فإن كان قبل الدخول فلا شي ء لها و إن كان بعده فيستقرّ عليه المهر و يرجع به على المدلّس، و إن كانت هي المدلّسة فلا شي ء لها.

نعم يجب عليه دفع شي ء إلى الزوجة مما يصلح أن يقع مهرا لبطلان خلو الانتفاع من البضع بلا شي ء.

هذا كلّه في الردّ.

______________________________

(1)- قال السيد الاصفهاني في الوسيلة: كتاب النكاح، القول في العيوب، المسألة 16.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء،

ج 2، ص: 163

أمّا الثاني أي تنقيص المهر فمورده، اثنان:

1- إذا جاز له الفسخ لأجل التدليس لكن أراد المقام معها.

2- إذا لم يكن له الفسخ كما إذا اعتقد أنّها بكر من دون وجود ما يدلّ على الالتزام.

أقول: الظاهر من عبارتي أبي الصلاح و ابن البرّاج، عدّة أقوال ذكرها العلّامة في المختلف:

1- ينقص من مهرها شيئا من دون تقدير، و هو مختار الشيخ في النهاية و هو أمر مبهم يجب تقديره.

2- إنّ الناقص هو السدس، نقل عن القطب الراوندي محتجّا بأنّ الشي ء في عرف الشرع هو السدس و لذا حمل عليه في باب الوصية.

3- قال ابن إدريس: ينتقص من المسمّى مقدار مثل ما بين مهر الثيّب و البكر.

و أورد عليه: أنّه ربّما يستلزم سقوط المهر بالكلّية و ذلك لو فرضنا أنّ مهرها بكرا خمسون، و ثيّبا أربعون و كان المسمّى عشرا فلو كان الساقط هو التفاوت الموجود بين المهرين يلزم أن لا يدفع لها شي ء.

4- إنّ الساقط نسبة ما بين مهرها بكرا و ثيّبا، ففي الصورة المزبورة يسقط خمس العشرة، لأنّ نسبة التفاوت بين الخمسين و الأربعين هو الخمس.

و وجهه: أنّ الرضا بالمهر المعيّن حصل على تقدير وجود الشرط و المفروض خلوّه عنه، فيلزم التفاوت كأرش ما بين المبيع صحيحا و معيبا.

5- الرجوع إلى الحاكم نقله صاحب المسالك عن المحقق، لعدم تقديره بشي ء من الروايات و ليس شي ء أنسب له من نظر الحاكم «1».

______________________________

(1)- المختلف: كتاب النكاح باب المهور 98.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 164

6- و هناك احتمال آخر و هو تقدير النقصان بالنصف استظهارا من النصوص الواردة في الأمة إذا حلّلها مالكها للغير و لكن دون الفرج لكن غلبته الشهوة فافتضها

فيغرّم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكرا، و إن لم تكن فنصف عشر قيمتها «1». فتدلّ الرواية على أنّ التفاوت بين البكارة و الثيبوبة التي لا فرق فيها بين الأمة و غيرها بالنصف فيأخذ نصف المسمّى.

و أقرب الأقوال هو الرابع و لعلّ القول الأوّل يرجع إليه و إلّا فالقول بنقصان شي ء من دون تعيين مرجع يعينه لا يليق بشأن الشريعة، و أمّا القول الثاني: فلأنّ تقدير شي ء بالسدس في باب الإقرار من باب التعبّد فلا دليل على كونه ضابطا كلّيا.

و القول الثالث: عرفت ضعفه، و أمّا الخامس، أي الرجوع إلى الحاكم: لا يتمّ إلّا أن يكون عنده معيار لمقدار النقص، و أمّا السادس: فلم يقل به أحد.

المسألة الثانية: إذا بانت كتابية:

إذا استمتع بامرأة بلا شرط فبانت كتابية، لم يكن له الفسخ، لعدم المقتضي له من شرط أو توصيف أو بناء على كونها مسلمة و لا إسقاط شي ء من المهر.

و كذا لو تزوّجها دائما بلا شرط إسلامها- فهو إمّا باطل لأجل عدم جواز نكاح الكتابيات- على خلاف التحقيق- أو صحيح لا يفارقها إلّا بالطلاق.

نعم، لو شرط إسلامها فبان الخلاف فقد عرفت أنّ التخلّف عن الشرط مقتض لجواز الفسخ.

و أمّا المهر، فإن فسخ قبل الدخول فلا شي ء و ليس الفسخ كالطلاق قبله و إن كان بعده فيرجع إلى المدلّس، و لو أقام عليها لم يكن له إسقاط شي ء من المهر لاختصاص النقص بالمسألة السابقة.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 35 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 165

و لو شرط كونها كتابية فبانت مسلمة، فيجري أحكام الفسخ و الرجوع و كون الإسلام كمالا، لا ينفى الخيار لإمكان تعلّق الغرض بغيره.

المسألة

الثالثة: فيما إذا أدخلت زوجة كل على الآخر:

إذا تزوّج رجلان بامرأتين فأدخلت زوجة كلّ واحد منهما على الآخر فوطأها، فلكلّ واحد منهما على واطئها مع جهلها مهر المثل، و تردّ كل واحدة منهما على زوجها و عليه مهرها المسمّى و ليس له وطؤها حتى تنقضي عدّتها من وطء الأوّل، و لو ماتتا في العدّة أو مات الزوجات ورث كلّ منهما زوجة نفسه و ورثته زوجته.

أقول: الأصل في المسألة، هو صحيح جميل بن صالح، أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام قال في أختين أهديتا لأخوين فأدخلت امرأة هذا على هذا، و امرأة هذا على هذا قال: «لكلّ واحدة منهما الصداق بالغشيان، و إن كان وليّهما تعمّد ذلك أغرم الصداق و لا يقرب واحد منهما امرأته حتّى تنقضي العدّة، فإذا انقضت العدّة صارت كلّ امرأة منهما إلى زوجها الأوّل بالنكاح الأوّل» قيل له: فإن ماتتا قبل انقضاء العدّة؟ قال: «يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما فيرثانهما الرجلان» قيل: فإن مات الزوجان و هما في العدّة؟ قال: «ترثانهما و لهما نصف المهر و عليهما العدّة بعد ما تفرغان من العدّة الأولى تعتدّان عدّة المتوفّى عنها زوجها» «1».

و يقع البحث فيها عن جهات:

الأولى: في سند الرواية:

رواه الصدوق بسند صحيح عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح بلا إرسال، و رواه الكليني و الشيخ، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و الرواية مرسلة على نقلهما، و حكم في المسالك بضعف الرواية نظرا إلى نقل الكليني و الشيخ، و حكم بالصحّة في الحدائق نظرا إلى

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 49 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

نظام النكاح في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 166

نقل الصدوق، و الحكم بالصحّة جزما يتوقّف على زيادة «بعض أصحابنا» في روايتي الكليني و الشيخ، أو سماعها عن الإمام عليه السّلام مرّتين و إلّا فمن المحتمل سقوط الواسطة عن قلم الصدوق.

و في المقام رواية صحيحة أخرى لا تشمل على كثير من هذه الأحكام، رواه الصدوق عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن رجلين نكحا امرأتين فأتى هذا امرأة هذا، و هذا امرأة هذا؟ قال: «تعتد هذه من هذا و هذه من هذا ثمّ ترجع كل واحدة إلى زوجها» «1».

الثانية: إنّ الرواية معمول بها.

قد عمل بها الشيخ في النهاية و ابن إدريس في السرائر. غير أنّ الشيخ لم يعمل بتنصيف المهر عند موت الزوج فحكم بالمسمّى كلّه و لم يعمل به في كلا الموردين صاحب السرائر فحكم بالمسمّى فيهما، و قال صاحب الجواهر: إنّ الحاجة إلى التأويل في مورد واحد و هو موت الزوجة فإنّ المشهور فيه هو المسمّى لا نصفه لا موت الزوج فانّ فيه روايات كثيرة دالّة على التنصيف «2».

الثالثة: تغريم الولي إذا كان عالما كما هو مورد الرواية موافقة للقاعدة، و أمّا إذا كان جاهلا فهو و الزوجة متساويان في السببية و لا أقوائية في البين فالأولى، التوزيع، و يحتمل أقوائية الزوجة في السببية و يحتمل عدم الضمان عند الجهل، و لعلّ التقييد بالعمد في النصّ لإفادة عدم الضمان في غيره هذا إذا كانت الزوجة جاهلة و إلّا فلا مهر لبغي.

الرابعة: فإذا انقضت العدّة تردّ كل منهما إلى زوجها الأوّل بالنكاح الأوّل، لأنّ الحرام- فكيف الوطء عن شبهة- لا يحرّم الحلال.

الخامسة: فإن ماتت الزوجتان قبل انقضاء العدة يرجع الزوجان بنصف

______________________________

(1)-

الوسائل: 14 الباب 49 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(2)- قد عنون صاحب الجواهر المسألة تبعا للمحقق في آخر كتاب الميراث لاحظ ج 39/ 320.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 167

الصداق على ورثتهما و المقصود الموت قبل دخول الزوج الشرعي فيرجع الزوج إلى نصف المسمّى و هو المراد من الصداق. و المشهور على خلافه، فإنّ المعروف أنّ الموت ليس بمنصّف.

السادسة: و يرثانهما الرجلان، يعني مضافا إلى الرجوع إلى نصف المسمّى، يرث زوج كلّ واحد منهما تركة زوجته لكونه زوجا للميت.

السابعة: و إن مات الزوجان و هما في العدّة يجري فيه ما ذكرناه في الصورة المتقدّمة، من أنّ الموت قبل العدّة كناية عن الموت قبل دخول الزوج الحقيقي، و ينصّف المهر، بموت الزوج، و ترث كل زوجة، زوجه.

الثامنة: عليها عدّتان: عدة الوطء عن شبهة، و عدة المتوفى عنها زوجها، ثمّ إنّ هنا فروعا ذكرها في الجواهر و نشير إليها.

1- إذا اشتبهت على كلّ منهما زوجته و لم يكن طريق إلى معرفتهما، فهل يقرع؟! لأنّ القرعة لكل أمر مشكل، أو يلزم كل واحد منهما بالطلاق، و لو امتنعا طلّق الحاكم أو فسخه، أو تتسلط المرأتان على الفسخ؟

فقد قوّى صاحب الجواهر الوجه الأوّل، و بما أنّ أمر النكاح مهم يحتمل الثاني و إلّا فالحاكم، على أنّ القرعة: إنّما هي فيما إذا لم يكن هناك طريق آخر و المفروض وجوده فتأمل.

2- و لو قاما بالطلاق و تزوّج أحدهما بإحداهما بعد ذلك و طلّقها مرّتين لم تحرم لعدم ثبوت كون هذه الزوجة مطلقة من جانب ذلك ثلاث مرّات.

3- نعم لو زوّجهما معا و طلّقهما مرّتين، حرمتا عليه لعلمه إجمالا بأنّ إحدى المرأتين مطلّقة من جانبه ثلاث

مرّات.

4- و لو طلّقا يلزم كلّ منهما بالنصف إذا كان قبل الدخول فان اتفقا النصفان قدرا و صفة أخذت كل منهما أحد النصفين، و إن اختلفا يقرع بينهما لعدم مالك لهما غيرهما و قد اشتبه المملوك.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 168

المسألة الرابعة: في بطلان العقد مع الوطء و مهر المثل:

من القواعد المقرّرة بينهم، أنّ كل موضع حكم فيه ببطلان العقد فللزوجة مع الوطء مهر المثل لا المسمّى.

و كل موضع حكم فيه بصحّة العقد فلها مع الوطء، المسمّى، و إن تعقّبه الفسخ.

وجه الأوّل: أنّ العقد الباطل كالعدم فيكون الوطء بشبهة، ففيها مهر المثل اتّفاقا، على أنّ المسألة من مصاديق: كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، فيأتي في المقام كلّ ما ذكر فيه.

و وجه الثاني: أنّ المسمّى يجب بالعقد و يستقرّ بالدخول، و الفسخ، فسخ من حينه لا من أصل العقد.

نعم فصّل الشيخ: بين العيب الطارئ قبل الوطء و بعده، ففي الأوّل يجب مهر المثل سواء كان حدوثه قبل العقد أو بعده- و قبل الوطء- بخلاف الحادث بعد الوطء، و قد تقدّم البحث عنه و قلنا: إنّ سبق العيب على الوطء، لا يسلتزم بطلان العقد، من أصل حتّى يكون من قبيل الوطء المجرّد عن العقد. و عرفت مفاد الأخبار.

المسألة الخامسة: لو بانت عقيمة مع شرط الاستيلاد:

لو شرط الاستيلاد فخرجت عقيما ربّما يقال ببطلان الشرط لأنّه راجع إلى أمر خارج عن قدرتها، و هذا نظير اشتراط صيرورة السنبل زرعا.

و يلاحظ عليه: أنّ المراد اشتمالها على القابلية و ربّما يقال بصحّة الشرط و لكنّه لا فسخ لإمكان تجدّد شرطه في الشيخوخة، أو لأنّ انتفاء الولادة لا يدلّ على العقم، و يردّ الأوّل: بأنّ المراد كونها

منتجة في أيّام شبابها لا في زمان شيخوختها، على أنّ استيلادها فيها من الغرائب، و يردّ الثاني- مضافا إلى إمكان معرفته بالقرائن-: أنّ المقصود قيامها بالاستيلاد، و هي بعد لم تقم بها سواء كان الوجه هو فقد المقتضي أو وجود المانع.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 169

الفصل الخامس عشر: في المهور

اشارة

1- في جعل الحق مهرا

2- في جعل مال الغير مهرا

3- في جعل الخمر مهرا

4- لا تقدير للمهر

5- في تعيين المهر

6- إذا تزوّج امرأتين فصاعدا في عقد واحد بمهر واحد

7- لو سمّى للمرأة مهرا و لأبيها شيئا

8- لو أصدقها ظرفا على أنّه خل فبان خمرا

9- إذا تزوّجها بمهر سرا و بآخر جهرا كان لها الأوّل

10- في ضمان المهر على الزوج

11- للزوجة الامتناع حتى تقبض الصداق

12- في حكم مفوضة البضع و مفوضة المهر

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 171

في المهور و أحكامها و يعبّر عنها بمفردها «المهر»، و بالصداق، و النحلة، و الأجر، و الفريضة، و العقر، و الصدقة، و العليقة، و الحباء، و الطول، و قد ورد بعضها في الذكر الحكيم.

و احتمل صاحب الجواهر، اختصاص اسم الأجر، بمهر المتعة و هو غير تام، لورودها في الدائم، مثل قوله سبحانه: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ «1». و قوله سبحانه: إِنّٰا أَحْلَلْنٰا لَكَ أَزْوٰاجَكَ اللّٰاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ «2».

و هو تارة يجب بالعقد، و أخرى بالوطء غير المحرم كالشبهة و بتفويت البضع على الزوج كإرضاع أمّ الزوجة ولد البنت ثالثا و تسميته بالمهر بعيد فانّما هو غرامة ما يصحّ جعله مهرا.

و المهر الصحيح في نكاح المسلمين كما قال المحقق: هو كلّما يصحّ أن

يملكه المسلم، عينا كان أو منفعة مملوك لحرّ كتعليم الصنعة و القرآن، و على إجارة الزوج نفسه مدّة معينة.

أقول: يقع الكلام تارة في مقدار المهر، و أخرى في كيفيته.

أمّا الأولى: فقد أجمع علماء الشيعة على أنّه لا حدّ له من حيث القلّة و الكثرة و يكفي فيه ما تراضى به الناس.

اختلفت كلمة فقهاء العامّة: قال في الخلاف: الصداق ما تراضيا عليه ممّا

______________________________

(1)- النساء: 25.

(2)- الأحزاب: 50.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 172

يصحّ أن يكون ثمنا لمبيع أو أجرة لمكتري قليلا أو كثيرا و به قال في الصحابة: عمر ابن الخطاب و ابن عباس، و في التابعين: سعيد بن المسيب و الحسن البصري، و في الفقهاء: ربيعة و الأوزاعي و الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق.

و قال مالك: مقدّر بأقلّ ما يجب فيه القطع و هو ثلاثة دراهم. و قال أبو حنيفة و أصحابه: مقدّر بعشرة دراهم، فإن عقد النكاح بأقلّ من عشرة صحّت التسمية و كملت عشرة فيكون كأنّه عقد بعشرة و هذه التسمية تمنع من وجوب مهر المثل و قال زفر: يسقط المسمى و يجب مهر المثل و هو القياس على قولهم، و قال ابن شبرمة: أقلّه خمسة دراهم، و قال النخعي: أقلّه أربعون درهما، و قال سعيد بن جبير: أقلّه خمسون درهما «1».

و في مقابل هذه الأقوال المتضاربة، تضافرت الروايات، عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام بأنّ المهر عبارة عما تراضى عليه الناس «2». و ما في بعض الروايات:

«المهر ما تراضى عليه الناس أو اثنتا عشرة أوقية و نش أو خمسمائة درهم» «3» فهو إشارة إلى مهر السنّة فانّ كل أوقية أربعون درهما فلو ضربناه في (12) يصير

أربعمائة و ثمانين درهما و إذا أضيف إليه عشرون درهما و هو نصف الأوقية يكون خمسمائة درهم.

كما أنّ في بعض الروايات، أنّ المهر لا يكون إلّا على درهم أو درهمين في جواب من تزوّج امرأة و شرط لها أن لا يتزوّج عليها و رضيت أنّ ذلك مهرها، قالت:

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «هذا شرط فاسد لا يكون النكاح إلّا على درهم أو درهمين» «4» إشارة إلى كونه أمرا متموّلا في مقابل ما جعله مهرا في الرواية لا

______________________________

(1)- الخلاف: 2 كتاب الصداق، المسألة 2.

(2)- الوسائل: 15 الباب 1 من أبواب المهور، الحديث 1 و 2 و 9.

(3)- المصدر نفسه: الحديث 4، 10 و أحاديث الباب 4. و النش: النصف من كل شي ء.

(4)- المصدر نفسه: الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 173

لخصوصية في الدرهم و الدرهمين.

و أمّا الثاني: فيكفي كونه عينا أو منفعة لعين أو كلّ عمل محلّل، روى الفريقان أنّه جاءت امرأة إلى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، فقالت: زوّجني، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم:

«من لهذه؟» فقام رجل فقال: أنا يا رسول اللّه، زوّجنيها، فقال: «ما تعطيها؟» فقال:

مالي شي ء، قال: «لا» فأعادت فأعاد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الكلام فلم يقم أحد غير الرجل ثمّ أعادت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في المرة الثالثة: «أ تحسن من القرآن شيئا؟» قال: نعم، قال: «قد زوّجتكها على ما تحسن من القرآن فعلّمها إيّاه».

و قال أبو حنيفة و أصحابه: لا يجوز أن يكون منافع الحرّ صداقا بحال، سواء كان فعلهم تعليما

أو غيره، فقال: بأنّ المهر يجب أن يكون مالا، أو ما يوجب تسليم المال، مثل سكنى دار، أو خدمة عبد سنة، فأمّا ما لا يكون مثل ذلك فلا يجوز «1».

إنّما الكلام إذا جعل المهر إجارة الزوج نفسه مدّة معينة، فمنع عنه الشيخ في كتبه الثلاثة: النهاية، و الخلاف، و المبسوط «2».

و تبعه ابن البرّاج، قال: و روى أصحابنا أنّ الإجارة مدّة لا يصحّ أن يكون صداقا لأنّ ذلك مخصوص بموسى عليه السّلام «3» و نقل العلّامة في المختلف عن ابن حمزة حيث قال: أو منفعة لحرّ من تعليم القرآن و الأدب و تعليم الصنائع المباحة- سوى الإجارة- يصحّ أن يكون مهرا «4».

و خالف ابن إدريس و جوّز كون العمل في ذمّة الزوج مهرا و قال: و يجوز أن يكون منافع الحرّ مهرا مثل تعليم قرآن، أو شعر مباح، أو بناء، أو خياطة ثوب و غير ذلك مما له أجرة، لأنّ كل ذلك له أجر معيّن، و قيمة مقدّرة.

______________________________

(1)- الخلاف: 2 كتاب الصداق المسألة 3. و استدل على مختاره برواية سهل بن سعد الساعدي. رواها في الوسائل: 15 الباب 2 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- نقل في الجواهر نصوص الشيخ في كتبه الثلاثة و سيوافيك نصّ النهاية منها.

(3)- المهذّب: 2/ 199.

(4)- المختلف: كتاب النكاح: 94.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 174

و استثنى بعض أصحابنا من جملة ذلك الإجارة إذا كانت معيّنة يعملها الزوج بنفسه، قال: لأنّ ذلك كان مخصوصا بموسى عليه السّلام قال: و الوجه في ذلك أنّ الإجارة إذا كانت معينة لا تكون مضمونة بل إذا مات المستأجر لا تؤخذ من تركته و يستأجر لتمام العمل- ثمّ ردّه- و حكم بالصحّة سواء

كانت الإجارة في الذمّة أو معينة لعموم الأخبار و أنّ دليل الاستثناء خبر واحد، فإذا تؤمّل حقّ التأمّل بان و وضح أنّ شعيبا عليه السّلام استأجر موسى ليرعى له لا يرعى لبنته و ذلك كان في شرعه و ملّته أنّ المهر للأب دون البنت و لكنّه لا يجوز في شرعنا، فأمّا إذا عقد على إجارة ليعمل لها فالعقد صحيح سواء كانت الإجارة معيّنة أو في الذمة «1».

و الخبر الذي أشار إليه ابن إدريس هو ما رواه الكليني عن أبي نصر البزنطي بسندين أحدهما صحيح، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام قول شعيب إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ أيّ الأجلين قضى؟ قال: «الوفاء منهما أبعدهما عشر سنين» قلت: فدخل بها قبل أن ينقضي الشرط أو بعد انقضائه؟ قال: «قبل أن ينقضي» قلت: فالرجل يتزوّج المرأة و يشترط لأبيها إجارة شهرين يجوز ذلك؟ فقال: «إنّ موسى عليه السّلام قد علم أنّه سيتمّ له شرطه فكيف لهذا بأن يعلم أن سيبقى حتّى يفي؟ و قد كان الرجل على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يتزوّج المرأة على السورة من القرآن و على الدرهم و على القبضة من الحنطة» «2».

أقول: يقع الكلام في صورتين:

الصورة الأولى: إذا كان المهر عملا في ذمّته غير مشروط عليه المباشرة بنفسه

______________________________

(1)- السرائر: 2/ 577- 578.

(2)- الوسائل: 15 الباب 22 من أبواب المهور، الحديث 1، و لا بدّ من حمل قوله «و قد كان الرجل ...» على العمل غير المشروط بالمباشرة. و الآية من سورة القصص: 27.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 175

فلا إشكال فيه،

و لا أظنّ أن يكون ذلك مورد الاستثناء لتصريح الشيخ و من تبعه بجواز ذلك.

قال في النهاية: يجوز العقد على تعليم آية من القرآن أو شي ء من الحكم و الآداب لأنّ ذلك له أجر معيّن و قيمة مقدّرة، و لا يجوز العقد على إجارة و هو أن يعقد الرجل على امرأة على أن يعمل لها أو لوليّها أيّاما معلومة أو سنين معيّنة «1».

الصورة الثانية: إذا جعل العمل المباشري مهرا في ذمّته و هذا هو الذي منعه الشيخ في ذيل كلامه في النهاية كما عرفت، و ما في الجواهر من أنّه ليس من شي ء من كلامه في كتبه الثلاثة الإشارة إلى الفرق بما عرفت غير ظاهر، إذ لو كان مورد كلامه هو أولى الصورتين يلزم التناقض بين صدر كلامه و ذيله إذ ليس جعل منفعة علم الحرّ مهرا، إلّا تعهده بنفس العمل مباشرة أو تسبيبا فمورد كلامه هو الصورة الثانية، أعني إذا كان المهر استئجار الزوج لأن يعلم أو يعمل بنفسه لها و لكن الأقوى الصحة لورود النصّ فيه بالخصوص أعني المعتبرة المستفيضة من جعل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم تعليم الزوج القرآن صداقا للمرأة التي روتها العامّة و الخاصّة «2».

فان قلت: لو فرض موت الزوج قبل إنجاز العمل، و قد كان المهر هو العمل المباشري، و قد امتنع القيام بدفع المهر.

قلت: يؤخذ من تركته و ينجز به العمل شأن كلّ شرط مباشري امتنع القيام به فما نقله ابن إدريس من أنّه «إذا كانت الإجارة معيّنة لا تكون مضمونة و لا يؤخذ من تركته لا دليل عليه و لو قبل بالانفساخ، فينتقل من المهر المسمّى إلى مهر المثل.

فإن قلت: فما تصنع بصحيحة البزنطي

حيث منع عنه و قد تقدّم أنّ القدر المتيقّن هو كون العمل في ذمّة الزوج مباشرة؟

______________________________

(1)- النهاية: 469.

(2)- الوسائل: 15 الباب 2 من أبواب المهور الحديث 1، و الخلاف: 2 كتاب الصداق، المسألة 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 176

قلت: لا مناص من حمله على الكراهة لأجل عدم علمه بالبقاء و هو كاف في الكراهة، و ذلك لتضافر الروايات على أنّ النبيّ جعل قيام الزوج بنفسه بتعليم القرآن لزوجته مهرا. و هو ممّا لا يمكن طرحه و لا تأويله.

أضف إليه أنّه من المحتمل أن يكون الممنوع هو العمل للأب، و يكون ذا مهرا للبنت فمن المحتمل أن يكون هذا ممنوعا في الشريعة الإسلامية و هو خيرة ابن ادريس في السرائر «1» و إن كان للنظر فيه مجال. إذ لا وجه لكونه مانعا بعد وروده في شريعة شعيب عليه السّلام و وروده في القرآن، و لو كان ممنوعا في شريعتنا كان الإشعار بالاختصاص بها، لازما. كما هو الحال في مسألة هبة المرأة نفسها بأنّها تختصّ بالنبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال سبحانه: وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهٰا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرٰادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهٰا خٰالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فقال الإمام لا تحل الهبة إلّا لرسول اللّه «2».

فتلخص أنّ الصحيحة تؤول بأحد وجهين: الأوّل الحمل على الكراهة، الثاني: الحمل على كونه أجيرا للأب و يقع ذلك مهرا و إن ضعّف الاحتمال الثاني.

و هناك احتمال ثالث، ذكره في الجواهر، و حاصله: جعل الصداق الإجارة نفسها على وجه يكون البضع أجرة، كما كانت الإجارة مهرا على معنى تزويج المرأة نفسها بإجارة نفسه لها شهرا، أو على عمل بحيث يكون الصداق عقد الإجارة

أو يذكر العمل فيه على إرادة عقد الإجارة و يجعل البضع نفسه أجرة لذلك، كقول شعيب لموسى عليهما السّلام عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ و لا ريب في عدم صحّة ذلك ضرورة عدم صلاحية البضع لأن يكون أجرة و لا ثمنا لمبيع و لا عوضا في جميع المعاوضات «3».

______________________________

(1)- السرائر: 2/ 578.

(2)- الوسائل: 15 الباب 19 من أبواب المهور، الحديث 1، و الآية من سورة الأحزاب/ 50.

(3)- الجواهر: 31/ 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 177

و الفرق بينه و بين القسمين أنّ الصداق فيهما نفس العمل، و في المقام الإجارة جمودا على ظاهر الآية.

و لكنه احتمال بعيد في الأذهان و تطبيق قوله سبحانه: عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ «1» على ذلك بعيد، لأنّ الإجارة ذكرت طريقا للمقصود، و هو التعهد على رعي الغنم مباشرة و ما ذكره غير واضح لا في ناحية جعل المهر نفس الإجارة، و لا في ناحية كون البضع ثمنا للإجارة بل الآية من قبيل القسم الثاني كما لا يخفى.

فحمل الرواية على الكراهة أولى من الطرح و هو أولى من الأخذ بظهوره لمخالفته القواعد.

و يبقى موثق السكوني «2» و هو لا يقاوم دلالة الذكر الحكيم و الروايات المستفيضة.

في جعل الحقّ مهرا

إلى هنا تبيّن أنّه يصحّ جعل المهر عروضا و عينا، و منفعة و عملا، إنّما الكلام في جعل الحقّ مهرا، و هو على أقسام:

و اعلم أنّ الحقوق من حيث صحّة الإسقاط و النقل بعوض أو بلا عوض، و الانتقال القهري بإرث و نحوه على أقسام و يمكن عدّ بعضها من الأحكام.

1- لا يصحّ إسقاطه و لا نقله، و ما لا ينتقل بالموت و من ذلك حقّ الأبوة و حقّ الولاية للحاكم

و حقّ الاستمتاع بالزوجة و حقّ الوصاية.

2- ما يجوز إسقاطه و لا يصحّ نقله و لا ينتقل بالموت أيضا كحق الغيبة و الشتم و الأذية بإهانة أو ضرب بناء على وجوب إرضاء صاحبه و عدم كفاية التوبة.

______________________________

(1)- القصص: 27.

(2)- الوسائل: 15 الباب 22 من أبواب المهور، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 178

3- ما يجوز إسقاطه و نقله لا بعوض كحق القسم، كما عن الشهيد في اللمعة من أنّه لا يصحّ الاعتياض في القسم.

4- ما يجوز إسقاطه و ينتقل بالموت و لا يصحّ نقله كحقّ الشفعة على وجه.

5- ما يصحّ نقله و إسقاطه و ينتقل بالموت أيضا، كحقّ الخيار و حقّ التقاص و الرهانة و حقّ التحجير و حقّ الشرط.

6- و منها ما هو محلّ الشكّ من جهة صحّة الإسقاط و النقل و الانتقال، و عدّ من ذلك حقّ الرجوع في العدّة الرجعية، و حقّ النفقة في الأقارب كالأبوين و الأولاد، و حق الفسخ بالعيوب في النكاح، و حقّ السبق في إمامة الجماعة، و حق المطالبة في القرض و الوديعة و العارية، و حقّ العزل في الوكالة، و حق الرجوع في الهبة و حقّ الفسخ في سائر العقود الجائزة كالشركة و المضاربة و نحوهما «1».

هذه هي أقسام الحقوق، إنّما الكلام في صحّة جعلها مهرا، لا شك في عدم صحّة جعل الأوّل، و الثاني، و الثالث، مهرا كما هو واضح إنّما الكلام في جعل الرابع منها مهرا.

يمكن أن يقال بالصحّة لعموم قوله عليه السّلام «ما تراضيا عليه» و كونه قابلا للمعاوضة بالمال، و الميزان كونه قابلا لبذل الثمن.

و ربّما يقال بعدمها لإطلاق الفتاوى من اعتبار كونه مملوكا على وجه ينتقل إلى الزوجة

و يقبل التنصيف لو احتيج إليه بطلاق قبل الدخول و نحوه و لو بتقويمه.

يلاحظ عليه: أنّ إطلاق كلامهم وارد مورد الغالب كيف و تعليم القرآن لا يعدّ مملوكا، و أمّا مسألة التنصيف فيكفي فيها كونه قابلا للتقويم كالتحجير.

______________________________

(1)- لاحظ تعليقة السيّد الطباطبائي على متاجر الشيخ: 56 و لا يخفى أن بعضها من باب الحكم الخارج عن موضوع البحث.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 179

و أمّا خبر حمادة «1» فلا ينافي ما ذكرناه لأنّ اشتراط عدم التزوّج بزوجة ثانية لا يبذل بإزائه الثمن، و البذل في ظرف نادر لا يكون ميزانا.

في جعل مال الغير مهرا

هل يجوز جعل مال الغير مهرا، أو لا؟ ربّما قيل بالثاني، و استدل بوجوه:

1- لا يصحّ ملكه فعلا بدون إذن مالكه و قد قيل في حدّه كما- في الشرائع- كلّما يصح أن يملك.

يلاحظ عليه: أنّ المقصود من القيد إخراج الكلب و الخنزير و الخمر ممّا لا يملك كما هو الظاهر لمن أمعن النظر في ذيل كلامه.

2- يحرم التصرّف في مال الغير.

يلاحظ عليه: أنّ إجراء العقد على مال الغير ليس تصرّفا فيه، نعم، لو سلّمه إلى الغير يكون حراما، غاية الأمر أنّه إن رضي عند التسليم و لو بالشراء منه و إلّا فينتقل إلى مهر المثل.

3- إنّ المهر كالأعراض التي لا يصحّ أن تكون لمالك و العوض لآخر.

يلاحظ عليه: أنّه ليس عوضا مائة بمائة، فلا يكون حكمه حكمها و الأولى أن يقال: إنّ جعل مال الغير مهرا إذا كان بلا إذن ينصرف عنه إطلاق دليل المهر.

نعم يصحّ جعله مهرا إذا وليّ ملك الغير سواء كان وليّا كما هو المنصوص فيما إذا زوّج ولده الصغير و لم يكن له مال فالمهر على الولد «2».

أم لم يكن بشرط أن يكون هناك مخالطة بين صاحب المال و الزوج.

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 15 الباب 28 من أبواب المهور، الحديث 1، 2 و 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 180

في جعل الخمر مهرا

لو عقد الذميان على خمر أو خنزير، صحّ العقد و المهر، إمّا لأنّهما يملكانهما في دينهما فيصحّ لهم عقدا و مهرا، أو من باب إجراء حكم الصحيح عليه إلزاما لهما بما ألزما به أنفسهما، كما عليه صاحب الجواهر، قائلا بأنّ إطلاق روايات الباب يقتضي عدم مالكية أحد للخمر و الخنزير مسلما كان أو كافرا و لا ثمرة عملية بين المبنيين.

إنّما الكلام، إذا أسلما أو أسلم أحدهما فله صورتان:

الأولى: إذا كان الإسلام بعد القبض، فلا شي ء على الزوج لخروجه عن العهدة سواء كان باقيا أم تالفا.

الثانية: إذا كان قبل القبض فلا يصحّ دفع العين اتفاقا، لحرمة الإقباض و القبض إذا أسلما و حرمة الأوّل إذا أسلم الزوج، و الثاني، إذا أسلمت الزوجة فيكون كالمثل المتعذّر.

و بعبارة أخرى، إذا أسلم لا يجوز تملّكه، فلو أسلم الزوج فلا يتملّك حتّى يملّك و لو أسلمت الزوجة فلا يتملّك فكيف يكون مهرا.

إنّما الكلام في المنتقل إليه فهل ينتقل إلى القيمة التي هي أقرب شي ء إليه سواء كان عينا أو مضمونا، أو إلى مهر المثل، الظاهر هو الأوّل، أخذا بالقاعدة المعروفة في المثل المتعذّر، مضافا إلى خبر عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: النصراني يتزوّج النصرانية على ثلاثين دنّا خمرا و ثلاثين خنزيرا ثمّ أسلما بعد ذلك و لم يكن دخل بها؟ قال: «ينظر كم قيمة الخمر و كم قيمة الخنازير و يرسل بها

إليها ثمّ يدخل عليها و هما على نكاحهما الأوّل «1».

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 3 من أبواب المهور، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 181

نعم في سنده القاسم بن محمّد الجوهري و لم يرد فيه توثيق لكنّه صريح في الانتقال إلى القيمة و عليه يحمل ما في خبر طلحة بن زيد «1» من أنّه يعطياهما صداقهما» و الصداق و إن كان ظاهرا في مهر المثل، لكن يصح تفسيره بالقيمة، لأجل خبر «عبيد» هذا من غير فرق بين كون المهر عينا أو مضمونا، لأنّ المفروض عدم إمكان إقباضه أو قبضه.

نعم، لو أسلم الزوج دون الزوجة، فقبضت الزوجة المهر بلا إذنها، فالظاهر الاكتفاء به، لسقوط الإقباض و صحّة القبض لكونها كافرة. فلاحظ.

*** إذا عقد الزوجان المسلمان على مهر فاسد مثل الخمر و الخنزير و الميتة و ما أشبهها فالبحث فيه من جهتين.

الأولى: هل العقد صحيح أو لا؟

الثانية: على فرض صحة العقد، هل يجب لها مهر المثل أو القيمة، أو يفصّل كما يأتي.

أمّا الجهة الأولى: فقد اختلفت فيه كلمة الشيخ، فذهب في النهاية: إلى البطلان قال: و لا يجوز في المهر ما لا يصح تملّكه من خمر أو نبيذ أو لحم خنزير و ما أشبه ذلك، فإن عقد على شي ء من ذلك كان العقد باطلا «2».

و حكم بالصحة في الخلاف. قال: إذا عقد على مهر فاسد .. فسد المهر و لم يفسد النكاح و وجب لها مهر المثل «3».

و قال في المبسوط: كان العقد، صحيحا و وجب لها مهر المثل، و قال قوم

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 3 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- النهاية: 489.

(3)- الخلاف: 2 كتاب الصداق، المسألة 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 2، ص: 182

لا يصحّ النكاح، و إليه ذهب قوم من أصحابنا «1».

و قال أبو الصلاح: و لا يصح العقد على عين محرّمة كالخمر و لحم الخنزير و عين الغصب «2».

و قال القاضي: فان كان المهر فاسدا وجب مهر المثل- و قال بعد عدّة أسطر- أمّا ما لا يصحّ للمسلمين تملّكه مثل الميتة و لحم الخنزير و الخمر و الشراب المسكر و ما أشبه ذلك فلا يجوز أن يجعل مهرا و لا أجرا في النكاح فان عقد على شي ء منه كان باطلا «3».

و الظاهر بقرينة ما ذكره قبلا، هو بطلان المهر، لا العقد، و إن نسب إليه بطلان العقد، في الحدائق «4».

و نقل الصحة عن ابن حمزة و ابن زهرة، و ابن إدريس، و هو ظاهر المحقّق في الشرائع، و المتأخرين.

احتج القائل بالبطلان بوجوه:

1- تعليق الرضا بالباطل المقتضي لارتفاعه بارتفاعه.

2- إذا كان المهر مذكورا في العقد يكون حكمه حكم المعاوضة فيبطل إذا بان أنّ العوض غير مملوك.

3- قد ورد في الروايات المستفيضة، بأنّ المهر ما تراضيا عليه، فينعكس بعكس النقيض إلى أنّ ما لا يتراضيان عليه لا يجوز جعله مهرا، فينافي ما دلّ على عدم إخلاء البضع مهرا فليس حينئذ إلّا البطلان.

يلاحظ على الأوّل: أنّ أعيان المهور من قبيل الدواعي، و ما يناط الرضا به، عبارة عن ماليته، و الرضا بالنكاح و إن كان معلّقا على كون الخمر مهرا، لكنّه ليس

______________________________

(1)- المبسوط: 4/ 272، كتاب الصداق.

(2)- الكافي: 293.

(3)- المهذب: 2/ 200.

(4)- الحدائق: 24/ 325.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 183

على وجه إذا ارتفعت عينه، و قامت مكانه قيمته، لارتفع الرضا أيضا إلّا إذا كان المهر من العتاتيق النادرة التي لا

يقوم شي ء مقامها عند الزوجة.

يلاحظ على الثاني: بأنّ كون المهر عوضا، يفارق كون الثمن في البيع و الإجارة عوضا فإنّ البيع علقة بين المالين كما أنّ الإجارة علقة بين الأجرة و تسليم العين، لغاية الانتفاع فلو بان غير مملوك بطل العقد لفقد الركن، و هذا بخلاف النكاح فانّه علقة بين الزوجين بحكم قوله سبحانه: وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَ الصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَ إِمٰائِكُمْ «1»، فلو بان غير مملوك لكان التخلّف من قبيل تخلّف توابع العقد «2» أركانه، فأشبه بالشرط الفاسد كما إذا اشترط كون الطلاق بيدها صحّ العقد و بطل الشرط معلّلا بأنّ شرط اللّه قبل شرطكم كما ورد في النص، و بعبارة يكون من قبيل تعدّد المطلوب.

يلاحظ على الثالث: بأنّ عكس النقيض لا ينتج إلّا عدم كون ما لا يملك، (المذكور في العقد) مهرا و هو لا يستلزم خلوّه عن المهر ثبوتا حتى يلزم البطلان.

و بذلك تظهر قوّة القول بالصحّة، نعم الاستدلال على الصحّة بتنظير المقام، بما إذا كان العقد خاليا عن المهر لا يخلو عن خفاء، لأنّهما قد تراضيا على عدم المهر في المقيس عليه فصحّ العقد لوجود الرضا و إن لم يكن له مهر، إلّا أنّ الشارع ألزم الزوج بدفع مهر المثل و هذا لا يضرّ برضاهما و هذا بخلاف المقام فإنّ التراضي لم يقع بالعقد خاليا عن العوض، و ما وقع عليه العقد أعني المسمّى صار باطلا، و أمّا المثل أو القيمة فلم يقع عليه التراضي.

______________________________

(1)- النور: 32.

(2)- و من ثمّ سمّاه سبحانه، نحلة و قال: وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً (النساء: 4)، و هي العطية، و أمّا التعبير بأنّه مستام أو يشتريها بأغلى الثمن فلأجل تقريب الحكم إلى الأذهان

حيث ورد في جواز النظر إلى محاسن النساء لا أنّه شراء حقيقة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 184

و العجب من صاحب الحدائق حيث رأى أنّ الأدلّة من الطرفين متدافعة فرجح البطلان، مع أنّه كان له الاستئناس بالصحّة من الروايات الدالّة على عدم إفساد الشرط الفاسد معلّلا، بأنّ شرط اللّه قبل شرطكم.

ما هو الواجب على الزوج؟ هنا احتمالات:

1- الواجب على الزوج دفع القيمة لأجل أنّها أقرب إلى الشي ء عند تعذّره، فانّ العقد على الشي ء باعتبار ماليّته، فإذا تعذّر الشخص تحفظ ماليته.

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يصار إليه إذا صحّ المسمّى و طرأ عليه التعذّر و المفروض أنّ المسمّى لم يقبل و لم يقع مورد الإمضاء لا بشخصه و لا بماليته.

فكيف ينتقل إلى ماليته؟

2- الواجب عليه، مهر المثل كما هو الحال فيما إذا كان خاليا لأنّه إذا كان المسمّى باطلا كان العقد بحكم الشرع كالخالي عنه و الحكم فيه هو مهر المثل.

و مع ذلك لا يجري فيه حكم المفوضة بضعها من التمتيع إذا طلّقها قبل الدخول، لقوله سبحانه: إِذٰا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمٰا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهٰا فَمَتِّعُوهُنَّ وَ سَرِّحُوهُنَّ سَرٰاحاً جَمِيلًا «1» لأنّه فيما إذا رضيت بالنكاح خاليا عن المهر و إن حكم الشارع بمهر المثل على الزوجة إذا لم يطلّق و التمتيع إذا طلّق، لا فيما إذا أقدمت عليه ملتزما بمهر فبطل المسمّى لأجل كونه غير مملوك، فالطلاق في مثله قبل الدخول أشبه بالطلاق قبل الدخول مع فرض المهر.

3- التفصيل بين ما يتقوّم كالخمر و الخنزير، و ما لا يتقوّم كالحرّ إذا جعله مهرا فالواجب في الأوّل هو دفع القيمة دون الثاني ففيه مهر المثل.

______________________________

(1)- الأحزاب: 49.

نظام

النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 185

4- التفصيل بين العلم بكون المهر خنزيرا، أو ميتة ففيه مهر المثل، و الجهل و تخيّل أنّ المائع خلّ أو الحيوان غنم، فبان خمرا أو خنزيرا ففيه القيمة، و الوجهان الأخيران ليسا بمعتمدين و الأمر يدور بين دفع قيمته أو مهر المثل، و يمكن تصحيح دفع القيمة بأنّ العاقدين إمّا أن يكونا جاهلين بعدم الجواز أو عالمين، فعلى الصورة الأولى فقد تقدّم من أنّ الأعيان غالبا من قبيل الدواعي و أنّ ما يناط به الرضا هو قيمتها، فلو رضيت بكون الخمر مهرا لها فإنّما رضيت لأجل أنّه يبذل بازائه الثمن. فدفع قيمته ليس شيئا مباينا و لو كانا عالمين فرضيا بكونه خمرا، لأجل ادّعاء المالية له في عرف الناس فقد ارتضيا بكونه مهرا لأجل هذا الادعاء فلو دفع، لم يكن مباينا و يمكن الاستئناس به ممّا مرّ في خبر عبيد بن زرارة، و الأولى التصالح أو دفع الأكثر بين القيمة و مهر المثل.

لا تقدير للمهر

لا تقدير للمهر لا في جانب القلّة بل يكفي ما تراضى عليه الزوجان و إن قلّ بشرط أن يكون له مالية فلا يصح النكاح على حبّة من حنطة أو ذرّة من سكر، و لا من جانب الكثرة، على المشهور لإطلاق الكتاب و السنّة، بل صراحتهما في الجواز و نقل الخلاف عن المرتضى و الصدوق و الإسكافي.

أما الأوّل: فقال في الانتصار: و ممّا انفردت به الإمامية أنّه لا يتجاوز بالمهر خمسمائة درهم جيادا قيمتها خمسون دينارا فما زاد على ذلك ردّ إلى هذه السنّة و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك- ثمّ استدل عليه- بأنّ ما ذكر مجمع عليه، و لا إجماع على أنّ ما زاد

يكون مهرا «1».

و أمّا الثاني: فالظاهر منه الاستحباب في المقنع قال: و إذا تزوّجت أن لا

______________________________

(1)- الانتصار: 124.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 186

يتجاوز مهرها مهر السنّة و هي خمسمائة درهم فعلى هذا تزوّج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم نساءه و عليه زوّج بناته و صار مهر السنّة خمسمائة درهم «1».

نعم، الظاهر من الهداية هو عدم الجواز، قال: و مهر السنّة خمسمائة درهم فمن زاد على السنّة ردّ الى السنّة .. «2». و نسب إليه في الفقيه و لم نجده فيه.

و أمّا ابن الجنيد: فوجه النسبة هو نقله رواية مفضّل بن عمر التي هي الدليل الوحيد لعدم جواز الزيادة.

و على كل تقدير، فهذا القول مخالف لظاهر الكتاب و السنّة، قال سبحانه:

وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلٰا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً «3» و فسر القنطار بوجوه مختلفة يجمعها زيادته على مهر السنّة كثيرا «4». و العجب أنّ القول بعدم جواز الزيادة كان قول الخليفة عمر بن الخطاب، فقال: أيّها الناس ما إكثاركم في صداق النساء، فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم؟ قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل اللّه في القرآن، قال: و أيّ ذلك؟ فقالت: أما سمعت اللّه يقول: وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً، فلمّا سمع ذلك فقال: كل الناس أفقه من عمر، ثمّ رخّص و قال: فمن طابت نفسه فليفعل «5».

و نقل ابن إدريس في آخر السرائر، أنّه قال: يا أيّها الناس لا تغالوا بصدقات النساء ... ثمّ نزل عن المنبر فما أقام إلّا يومين أو ثلاثة حتّى أرسل في صداق بنت عليّ بأربعين ألفا «6». هذا

كلّه حول المنع، و أمّا ما يدلّ على الجواز من السنّة فيكفي

______________________________

(1)- المقنع: 99.

(2)- الهداية: 68.

(3)- النساء: 20.

(4)- القاموس المحيط: 2/ 122، مادة «القنطرة».

(5)- و قد ذكر مصادره في الغدير: 6/ 95- 98.

(6)- السرائر: 2 و نقله العلّامة الأميني عن تاريخ ابن كثير: 7/ 81- 139 و الإصابة: 4/ 492 و الفتوحات الإسلامية: 2/ 472. الوسائل: 15 الباب 9 من أبواب المهور، الحديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 187

في ذلك صحيح الوشّاء و غيره «1» فلاحظه.

في تعيين المهر

اشارة

قال المحقّق في النافع: و لا بدّ من تعيينه بالوصف أو الإشارة و تكفي المشاهدة عن كيله و وزنه.

و قال العلامة في القواعد: يشترط في صحّته مع ذكر المهر التعيين، إمّا بالمشاهدة و إن جهل كيله أو وزنه كقطعة من ذهب و قبّة من طعام، أو بالوصف الرافع للجهالة مع ذكر قدره إن كان ذا قدر، فلو أبهم فسد المهر و صحّ العقد «2».

و قال السيّد الاصفهاني في الوسيلة: لا بدّ من تعيين المهر بما يخرج عن الإبهام، فلو أمهرها أحد هذين أو خياطة أحد ثوبين مثلا بطل المهر دون العقد و كان لها مع الدخول مهر المثل، نعم لا يعتبر فيه التعيين الذي يعتبر في البيع و نحوه من المعاوضات فيكفي مشاهدة عين حاضرة و إن جهل كيله أو وزنه أو عدّه أو ذرعه كصبرة من الطعام و قطعة من الذهب و طاقة مشاهدة من الثوب و صبرة حاضرة من الجوز و أمثال ذلك «3».

و فيما ذكروه حتّى ما ذكره السيّد الاصفهاني في الوسيلة- من القول بالبطلان في صورة التردّد- مجال تأمّل لأنّه إن كان حكم النكاح عند ذكر المهر، حكم المعاوضات، يجب

أن لا يكتفي في المشاهدة إلّا فيما يكتفي بها فيه كما في الثمرة على الشجرة و نظائرها، لأنّ المعدودة و المكيل و الموزون يجب فيها إعمال المقياس الرائج فيها.

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 9 من أبواب المهور، الحديث 1 و غيره.

(2)- إيضاح الفوائد في شرح القواعد: 3/ 194، قسم المتن.

(3)- وسيلة النجاة: فصل المهر، المسألة 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 188

و إن لم يكن حكمه حكمها، فلا وجه لاعتبار أحد الأمرين المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة كما في كلام المحقق و العلامة، بل لا يعتبر التعيين و يكفي التردّد بين الصورتين، و ذلك لصدق قوله عليه السّلام: «المهر ما تراضى به الناس» هذا كلّه في المهر المعيّن في الخارج فلا يشترط فيه سوى كونه متموّلا و مرضيا به.

و أمّا إذا زوّجها على مهر مجهول في الذمّة لا يمكن استعلامه فله صورتان:

الأولى: إذا كان مجهولا من جميع الجهات كما إذا أمهر شيئا متموّلا فيرجع فيه إلى مهر المثل لامتناع تقويم المجهول.

و يمكن الاكتفاء بكلّ ما يصدق عليه المال لأنّها لا تستحق إلّا ما صدق عليه ما هو مذكور في العقد و ذكر المهر على وجه الإجمال و إن كان في مقابله البضع لكنّه لا يدلّ على تعيينه بما هو مهر لأمثالها بل في حدود ما يصدق عليه ما هو مذكور في العقد.

الثانية: إذا كان مجهولا من بعض الجهات لا كلّها، كما إذا أمهر عبدا و دابّة و لكلّ، مراتب و درجات في المالية، فهل يرجع إلى مهر المثل لعدم إمكان استعلامه أو يرجع إلى الوسط كما عليه الروايات، و الظاهر من المحقق التوقف حيث نسبه إلى القيل.

روى الكليني بسند صحيح عن علي بن

أبي حمزة قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل زوّج ابنه ابنة أخيه و أمهرها بيتا و خادما ثمّ مات الرجل، قال:

«يؤخذ المهر من وسط المال» قال: قلت: فالبيت و الخادم؟ قال: «وسط من البيوت و الخادم وسط من الخدم». الحديث «1».

و روى أيضا عن أبي حمزة مثله 2.

و روى الشيخ مرسلا عن أبي الحسن عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة على دار قال:

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15 الباب 25 من أبواب المهور، الحديث 1 و 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 189

«لها دار وسط» «1».

و قد استشكل على العمل بالروايات من وجهين:

الأوّل: ضعف السند، لأنّ السند ينتهي في الأولى و الثانية إلى البطائني و هو رأس الواقفية، و الثالثة مرسلة.

الثاني: أنّ الوسط من الدور و البيوت مختلف اختلافا يسيرا بل هو في غاية البعد عن القسط.

هذا حاصل ما ذكره المحقق الثاني في جامع المقاصد.

و يمكن الذبّ عنه أمّا الأولى، فبوجهين:

1- أنّ فساد عقيدته لا يضرّ بكونه صدوقا في الحديث فلا يكون فساد العقيدة دليلا على فساد رواياته، و لذلك ضعّفه من ضعّفه لا لأجل كونه غير متعهد في النقل، و قد روى عن الصادق عليه السّلام و أبي إبراهيم عليه السّلام قرابة- 545- حديثا، و رفض هذه الأحاديث مع عناية الأصحاب بنقلها خصوصا مشايخ الثقات، مشكل، مع تضارب الروايات في حقّه، و قد ذكرنا في كتاب «كلّيات في علم الرجال» «2» أنّ ما نقل عن علي بن الحسن بن فضال من أنّ «علي بن أبي حمزة كذّاب ملعون» راجع إلى ابنه (الحسن بن علي بن أبي حمزة) لا إلى نفسه لأنّ ابن فضال لم يدرك الأب و إنّما أدرك الولد.

2-

الظاهر أنّ الرواة تحمّلوا منه هذه الأحاديث أو أكثرها حال استقامة عقيدته، و من المعلوم أنّ الانحراف المتأخّر لا يضرّ بما حدث حال الاستقامة.

و أمّا الثاني: فلأنّ الوسط من الدور و إن كان يختلف و بينهما مراتب، و لكلّ

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 25 من أبواب المهور، الحديث 3.

(2)- كليات في علم الرجال: 236.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 190

مرتبة، مصاديق متفاوتة لكن المرتبة تتعين بالنظر إلى حال الزوج في الغنى و الفقر، و السعة و الضيق، و عند ذاك يكون تعيين الفرد الوسط أمرا سهلا، لا مشكلا، فالعمل بالروايات أولى بل متعيّن و إن لم تتفقا على فرد وسط، فالمرجع هو التصالح.

غير أنّ مقتضى القاعدة في المقام هو الذي ذكرناه في المجهول من جميع الجهات إذ ليس على الزوج إلّا الخروج عمّا تعهّد في متن العقد و هو يصدق على كلّ فرد من الأعلى و الأدنى فإلزام الوسط على الزوج حكم تعبّدي و لا يحتاج إلى رضى الزوجة و عليه فيقتصر على مورد النص.

***

مسألة: إذا تزوّج امرأتين فصاعدا في عقد واحد بمهر واحد:

يقع الكلام في موضعين.

الاولى: هل يصح العقد أو لا؟

الثاني: على تقدير الصحّة كيف يقسط المهر عليهنّ.

أمّا الأوّل: قال الشيخ في الخلاف: إذا تزوّج بأربع نسوة بعقد واحد ممّن له الولاية عليهنّ بألف، فالنكاح صحيح و كذلك عند الشافعي، و قال المزني: العقد باطل، و المهر عندنا صحيح و عند الشافعي على قولين «1».

و قال ابن البرّاج إذا تزوّج أربع نسوة بعقد واحد بألف كان العقد و المهر صحيحين و كان لكل واحد منهنّ ربع الألف «2».

و قال في المختلف: لو تزوّج امرأتين بمهر واحد، قال الشيخ في المبسوط يكون بالسوية بينهما و تبعه ابن البرّاج عملا

بالأصل، و قيل: يقسط المهور على

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 407 كتاب الصداق المسألة 12.

(2)- المهذّب: 2/ 209.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 191

مهور الأمثال كما لو تزوّج و باع و هو الأقوى «1».

و نقل في الجواهر عدم الفرق بين اتّحاد الزوج و تعدّده كما لو قال زوّجت فاطمة زيدا و هندا بكرا فقال وكيلهما: «قد قبلت».

أمّا صحّة العقد فلدخوله تحت العمومات.

و إن شئت قلت: المقتضي للصحّة موجود، و الجمع بين المرأتين في عقد واحد لا يمنع، و كون تزويجهما بمهر واحد، غير مانع لحصول التراضي أوّلا، و إمكان تعيين مقدار كل واحد من المهر ثانيا، و على فرض بطلان المهر لا يبطل العقد كما تقدّم في ما جعل مال الغير مهرا.

و أمّا حكم المهر ففيه أقوال:

1- يصحّ المهر و يقسّط بالسوية و هو خيرة الشيخ كما نقله، في المختلف و ابن البرّاج كما عرفت و ليس له دليل ظاهر، و ما حكاه في المختلف من العمل بالأصل لم يعلم وجهه.

2- التقسيط على مهور أمثالهنّ و تعطى كلّ واحدة ما يقتضيه التقسيط كما لو باع عبد نفسه و عبد غيره بثمن واحد و أجاز الغير، و ذلك لأنّ العروض إذا قوبلت بعوض مالي كانت القيمة ملحوظة و قيمة البضع هي مهر المثل فيكون قسط كل واحدة من المسمّى بحسبه لا محالة و كيفية التقسيط في المقام و ما إذا باع مال نفسه و غيره واحد، و هو أنّه يقوّم كل مجموع ماله و مال غيره مرّة ثمّ يقوّم كل واحد مستقلا ثانيا، ثمّ ينسب قيمة كلّ مستقلا إلى مجموع القيمتين فيؤخذ بهذه النسبة عن المسمّى. و في المقام ينظر إلى مجموع مهور أمثال

هؤلاء المعقود عليهنّ ثمّ ينظر إلى مهر مثل كل واحدة مستقلا ثمّ ينسب الثاني إلى الأوّل فيؤخذ بتلك

______________________________

(1)- المختلف: الفصل الثالث في الصداق 102.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 192

النسبة عن المسمّى. و هذا هو الظاهر.

3- فساد المهر، و أنّ لكل واحدة مهر المثل كما لو أصدقها مجهولا يتعذّر قيمته.

يلاحظ عليه: أنّ الجهالة غير مانعة و لا يجري عليها أحكام المعاوضات.

***

مسألة: لو تزوّجها على كتاب اللّه و سنّة نبيّه و لم يسمّ مهرا:

فالمهر هو مهر السنّة أعني خمسمائة درهم، قال في الجواهر: بلا خلاف أجده، و في الروضة و غيرها، الإجماع، و إنّما خالف الشهيد في المسالك لوجوه يأتي ذكرها

صور المسألة و حكم القاعدة الأوّلية:

1- ما إذا أشار بكلامه إلى مهر السنّة سواء علما مقدار مهر السنّة أو لم يعلماه أو يعلمه أحدهما دون الآخر، و عندئذ يكون المراد من الكتاب و السنّة، الخصوصيات الواردة له فيها، و منها، مهر السنّة و جهلهما بالمقدار غير ضائر، لما عرفت من عدم اعتبار شي ء سوى التموّل و الرضا، حتّى يصحّ العقد على امرأة على مهر امرأة أخرى.

2- أراد بذلك، أنّهما يتزوّجان لكون النكاح ممّا دعا إليه القرآن و السنّة النبوية و أنّ عملهما نكاح لا سفاح، و من المعلوم أنّه يرجع إلى مهر المثل لكونه من مصاديق المفوضة بضعها.

3- إذا اشتبه المقصود بفوت الزوج أو نسيانه أو اختلاف الزوجين، فمقتضى القاعدة أقلّ الأمرين من مهر السنّة و مهر المثل، و يكون الأوّل في زماننا أقل من الثاني.

هذا حكم القاعدة أمّا الرواية الواردة في ذلك المجال فهو ما رواه أسامة بن

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 193

حفص، و كان قيما لأبي الحسن موسى عليه السّلام قال: قلت له: رجل

يتزوّج امرأة و لم يسمّ لها مهرا و كان في الكلام: أتزوّجك على كتاب اللّه و سنّة نبيّه، فمات عنها أو أراد أن يدخل بها فما لها من المهر؟ قال عليه السّلام: «مهر السنّة» قال: قلت: يقولون: لها مهور نسائها، فقال: «هو مهر السنّة» و كلّما قلت له شيئا قال: «مهر السنّة» «1».

ثمّ إنّه يمكن أن يكون ناظرا إلى الصورة الأولى بمعنى أنّ الزوجين جعلا المهر، مهر السنّة و توهما أنّ المهر باطل لأجل اعتقاد أنّ الجهل بالمقدار مبطل فيرجع إلى مهر المثل فأراد الإمام عليه السّلام ردّ التوهم و أنّه غير مضرّ فيرجع إلى مهر السنّة.

و يمكن أن يكون ناظرا إلى هذه الصورة بجعل موت الزوج قرينة على ذهاب الصورة الواقعية، فجعل الإمام عليه السّلام قول الرجل «على كتاب اللّه و سنّة نبيّه» أمارة على أنّ المهر مهر السنّة.

و يحتمل أن يكون حكم الإمام عليه السّلام بكون المهر، مهر السنّة لأجل الأخذ بالقاعدة لدوران الأمر بين الأقل و الأكثر، و كان مهر السنّة أقل في ذاك الزمان.

و لا يخفى أنّ الحكم بأنّ المهر مهر السنّة إنّما يصحّ إذا كان اللفظ المزبور ظاهرا فيها و لعلّه كان في عصره كذلك، و عندئذ لا يصح تعميمه في عصرنا هذا لعدم ظهوره فيه منه.

و على كلّ تقدير، فقد استشكل في المسالك على الأخذ بالرواية بوجوه، ثلاثة:

1- ليس في الكتاب ما يدلّ على كون المهر خمسمائة.

2- إنّ تزويجها على الكتاب و السنّة أعم من جعل المهر مهر السنّة إذ كل نكاح جائز، فهو على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلم «2».

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 13 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- المسالك: 8/

175.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 194

3- على تقدير إرادتهما بذلك كون المهر مهر السنّة، ففي الاكتفاء بذلك عن ذكر القدر في العقد نظر كما لو قال: تزوّجتك على المهر الذي تزوّج به فلان.

يلاحظ على الأوّل: أنّه من المحتمل أن يكون المراد أنّه تزوّج على مجموع ما ورد في الكتاب و السنّة لا ورود مهر السنّة في كلّ واحد.

و على الثاني: ما احتملناه من كون العبارة في ذلك العصر كانت ظاهرة في جعل المهر، مهر السنّة.

و على الثالث: من منع كون الجهالة مضرّا في مورد المهر كما مر.

مسألة: لو سمّى للمرأة مهرا و لأبيها شيئا:

قال في الخلاف: فالنكاح صحيح بلا خلاف و ما سمّاه لها يجب عليه الوفاء به و هو بالخيار فيما سمّاه لأبيها و نقل عن الشافعي قولين:

1- المهر فاسد و يرجع إلى مهر المثل.

2- كان الكل للزوجة و به قال مالك «1».

و قال في النهاية: و إذا عقد الرجل على امرأة و سمّى لها مهرا و لأبيها أيضا شيئا كان المهر لازما له و ما سمّاه لأبيها لم يكن عليه منه شي ء «2».

و قال ابن الجنيد- على ما في المختلف-: و لا يلزم الزوج غير المهر من جعالة جعلها لولي أو واسطة، و لو و في الزوج بذلك تطوّعا كان أحوط، فإن طلّقها لم يكن عليه إلّا نصف الصداق دون غيره، فإن كان قد دفع ذلك إليها رجع بنصف المهر و كل الجعالة على الواسطة، فإن كانت المرأة شرطت رجع عليها بنصف صداقها و بنصف ما أخذه من شرطت ذلك له، لأنّ ذلك كله بعض الصداق الذي لم يرض بنكاحها.

______________________________

(1)- الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 31.

(2)- النهاية: 473.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص:

195

و أورد عليه العلّامة بعد نقل كلامه: إن كان قد جعل للواسطة شيئا على فعل مباح و فعله لزمه و لم يسقط منه شي ء بالبطلان، لأنّها جعالة على عمل محلّل مطلوب في نظر العقلاء فكان واجبا بالفعل كغيره و إن لم يكن على جهة الجعالة، بل ذكره في العقد لم يكن عليه شي ء منه سواء أطلّق أو لا «1».

هذا، و للمسألة صور:

1- أن يقوم الزوج بأمرين، عقد الجعالة لكلّ من قام بتزويجه و يتعهد له بكذا، و عقد النكاح مع البت.

2- أن يدفع للأب أو للأم شيئا تبرّعا بما أنّهما قاما بتربية زوجته.

3- تشترط الزوجة على الزوج في ضمن عقد النكاح دفع شي ء إلى الأب من دون أن يكون مؤثرا في تقليل المهر.

4- تلك الصورة، و لكنّه يكون مؤثّرا في تقليل المهر.

5- تقسيط المهر بين الزوجة و الأب.

أمّا الأولى: فيجب عليه الوفاء بالجعل، لأنّ هنا عقدين و لا صلة لأحدهما بالآخر، و لو طلّق قبل الدخول، لا يرجع بشي ء ممّا دفع من الجعل، و ما ذكره ابن الجنيد من استحباب الوفاء أو استرجاعه إذا طلّق قبل الدخول ضعيف كما نبّه به العلّامة.

و أمّا الثانية: فحكمها واضح، و ما على المحسنين من سبيل.

و أمّا الثالثة: فهي محكومة بالصحّة حسب القواعد، و يكون الزوج هو المشروط عليه و الزوجة هي المشروطة لها و لكن المشروط للأب، و هذا لا ينافي مع قولهم من عدم صحّة الشرط لغير المتعاقدين، فإنّ المراد أن يكون غيرهما مشروطا

______________________________

(1)- المختلف: 101 كتاب الصداق.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 196

عليه أو مشروطا له، و أمّا إذا كان الأمر بينهما و اتفقا على دفع شي ء إلى الثالث فلا مانع،

كما إذا تبايعا و اشترط المشتري على البائع أن يدفع شيئا إلى المسجد أو إحدى المشاريع الخيرية.

و منه تظهر صحّة الصورة الرابعة كما إذا باع شيئا بأقلّ من ثمن المثل و اشترط على المشتري أن يعمّر المسجد. و إنّما الكلام في شمول المعتبرة لها و هي صحيحة الوشّاء عن الرضا عليه السّلام قال: سمعته يقول: لو أنّ رجلا تزوّج المرأة و جعل مهرها عشرين ألفا و جعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا و الذي جعله لأبيها فاسدا «1». و لعلّ الصحيحة ناظرة إلى الصورة الخامسة، و لا شكّ في حرمته و فساد ما جعله لأبيها، لأنّ المهر ثمن رقبتها و هي أحقّ بمهرها على ما ورد في معتبرة السكوني «2».

مسألة: لا بدّ من تعيين المهر بما يرفع الجهالة:

فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها، و لو أبهم فسد المهر و كان لها مع الدخول مهر المثل، و هل يجب تعيين الحرف (القراءة)؟ قيل: نعم و قيل: لا، لم يذكر له دليل سوى عدم وجود الخلاف.

و لكنّه محجوج بغير واحد من الروايات الدالة على كفاية الإبهام و أنّه لا يعامل مع المهر معاملة العوض.

1- مثل خبر سهل الساعدي في تزويج النبي إيّاه على ما يحسنه من القرآن الدال على اغتفار هذه الجهالة. و قد تقدم بنصّه و مصدره.

2- صحيحة محمّد بن مسلم المتضمّنة لتلك القصة حيث زوّج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بما مع الرجل من القرآن «3».

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 9 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 15 الباب 22 من أبواب المهور، الحديث 2.

(3)- الوسائل: 15 الباب 2 من أبواب المهور، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 197

3- ما دلّ من الأخبار على صحّة

التزويج على الدار و البيت و الخادم و أنّ لها وسطا من الأشياء «1».

4- ما دلّ على صحة العقد، بجعل المهر ما حكمت به الزوجة أو الزوج، فانّ العقد اشتمل على مهر مجهول «2».

5- ما دلّ على أنّه يجري على تمثال من سكر و التمثال يختلف صغرا أو كبرا «3».

6- رواية بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة على أن يعلّمها سورة من كتاب اللّه فقال: «ما أحبّ أن يدخل حتّى يعلّمها السورة و يعطيها شيئا ...» الحديث «4».

و ليس في السند إلّا الحارث بن محمّد و هو من أصحاب الأصول و يروي عنه الحسن بن محبوب.

فالحقّ ما ذكرناه، من عدم اشتراط شي ء سوى كونه متموّلا و موردا للرضا فلا يجب تعيين السورة فضلا عن تعيين القراءة.

لو أصدقها تعليم صنعة لا يحسنها أو تعليم سورة فله تأجير الغير لتعليمها، لأنّه ثابت في الذمّة، و إلّا فيقوم بتعليمها بعد تعلّمه. و لو تعذّر التوصل كما إذا اشترطت مباشرة الزوج و صار مريضا و عجز عن التعلّم كان عليه أجرة التعليم، لأنّه قيمة المهر حيث تعذّر عنه.

فان قلت: إذا تلفت العين المستأجرة، أو إذا تعذّر إنجاز العمل من الأجير المشروط عليه المباشرة بطلت الإجارة.

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 25 من أبواب المهور، الحديث 1 و 2 و 3.

(2)- الوسائل: 15 الباب 21 من أبواب المهور، الحديث 1.

(3)- الوسائل: 15 الباب 1 من أبواب المهور، الحديث 2.

(4)- الوسائل: 15 الباب 7 من أبواب المهور، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 198

قلت: الفرق هو أنّ العين المستأجرة أو نفس العمل من الأركان في الإجارة بخلاف المهر.

***

مسألة: لو أصدقها ظرفا على أنّه خلّ فبان خمرا

قال الشيخ: إذا

قال أصدقتها هذا الخلّ فبان خمرا كان لها قيمتها عند مستحلّيها، و قال الشافعي: و يبطل المسمّى و لها مهر المثل، دليلنا: أنّ العقد وقع على معين و نقله إلى مهر المثل يحتاج إلى دليل «1».

و قال المحقّق في الشرائع: و لو قيل كان لها مثل الخل كان حسنا، و به قال ابن الجنيد و ابن ادريس و العلّامة كما في المختلف.

و عن العلّامة في أكثر كتبه وجوب مهر المثل و اختاره في الجواهر.

وجه الأوّل: أنّهما عقدا على موجود شخصي باعتبار ماليّته، فمع بطلان المعاوضة عليه يصار إلى القيمة.

يلاحظ عليه: أنّهما عقدا على هذا بما أنّه خلّ لا بما أنّه خمر، فليس الخمر مقصودا أبدا حتى يصار إلى قيمتها، نعم هو محتمل و إن لم يكن متعيّنا إذا عقدا على الظرف بما أنّه خمر جاهلا بالحكم أو عالما به- و قد مرّ- فلاحظ.

و وجه الثاني: أنّهما عقدا على ما في الظرف زاعمين كونه خلّا، فإذا ظهر خمرا لزم مثله، إذ هو مثلي فائت فيلزم مثله الذي هو أقرب الأشياء إليه.

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره إنّما يتمّ إذا عقدا على الخلّ الكلّي و طبّقاه على الظرف الماثل بين أيديهما و يكون عندئذ من باب الخطاء في التطبيق بحيث لو كانا عالمين بأنّه خمر لما أشارا إليه، و أمّا إذا فرض أنّهما عقدا على ما في الظرف

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 406، المسألة 10، كتاب الصداق.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 199

المخصوص بحيث يكون المهر جزئيا من أوّل الأمر، فإذا بان كونه خمرا ارتفع كونه مهرا و الفرد الآخر لم يقع التراضي عليه.

و الأولى أن يقال: إنّ الرضا بالخلّ الموجود في الظرف لأجل الرضا بالكلي

أوّلا، و على ذلك فالمهر و إن كان أمرا جزئيا، لكن الرضا به لأجل الرضا بالخلّ الكلّي، و لو دفع إليه فرد آخر لا يعدّ وفاء بغير ما عليه، بل الالتزام بأنّ المهر هو ذاك الخلّ الخاص بما هو هو لا يصدر من العاقل إذا كان سائر الأفراد مثله، و لأجل ذلك قلنا في محلّه أنّ المعاملة على الثمن الشخصي كالنقود الرائجة شي ء لا يصحّ قصده من الإنسان العادي، بل الظاهر أنّ الثمن في النقود هو الكلّي في الذمة و أنّ الإشارة إلى الفرد لأجل كونه مصداقا له.

و أمّا القول الثالث: فاستقر به صاحب الجواهر بعدم الرضا بالكلّي إلّا في ضمن الشخص المعين المفروض بطلانه بخروجه عن المالية فيرجع الأمر إلى ذكر مهر لم يسلّم لها فينتقل إلى مهر المثل.

و يظهر ضعفه ممّا ذكرنا من أنّ الرضا بالجزئي في أغلب الموارد من باب الرضا بالكلّي فلا يعدّ دفع مثله دفع شي ء لم يتراضيا عليه.

مع أنّ إلزام مهر المثل عليه إلزام لم يرض به واحد من الطرفين و لم يتزوجا خاليا من المهر حتّى يكونا مقهورين عليه لعدم خلو البضع عن المهر و أقربه هو دفع المثل لأنّهما تراضيا بشي ء شرعي عرض عليه الخطأ في مقام التطبيق.

***

مسألة: إذا تزوّجها بمهر سرّا و بآخر جهرا كان لها الأوّل:

قال الشيخ: إذا عقدا في السرّ بمهر ذكراه، و عقدا في العلانية بخلافه فالمهر هو الأوّل، و للشافعي فيه قولان الأشهر الذي عليه أصحابه مثل ما قلناه و قال

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 200

المزني: مهر العلانية أولى، و ذكر أنّه نصّ الشافعي قال أصحابه ذلك إذا كان الأوّل مراوضة «1».

أقول: للمسألة صورتان:

الأولى: إذا وقع العقد بمهر معيّن سرّا ثمّ عقدا ثانيا بمهر آخر،

سواء كان الثاني أكثر أو أقلّ فالثاني لغو بلا كلام و لعلّ إليه تشير رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل أسرّ صداقا و أعلن أكثر منه فقال: «هو الذي أسرّ و كان عليه النكاح» «2».

الثاني: إذا عقدا على ألفين ظاهرا و كان الجد أنّ المهر هو ألف. و الظاهر، بطلان كون الألفين مهرا لعدم تعلّق الإرادة الجدّية لهما حسب الفرض، إنّما الكلام في وقوع ما أرادا جدّا مهرا.

و الظاهر تعيّنه لتعلّق الإرادة الجدّية و عدم تعلّقها بالألفين، فأشبه بما إذا تواطئا على المهر خارج العقد و لم يذكرا في متنه فالأقوى ثبوت المتواطؤ عليه.

و احتمال الانتقال إلى مهر المثل نظرا إلى أنّ الألف غير مذكور و الألفين غير مقصود، أو وقع ما تلفّظا به، ضعيف، لما عرفت من أنّ النظر إلى الألفاظ طريقي لا موضوعي فلا معنى لوقوع ما تلفّظا به و الرجوع إلى مهر المثل مع اتفاقهما على الألف مع كونه مهرا صحيحا شرعيا، و إنّما يرجع إذا كان المذكور فاسدا شرعا كالخمر.

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 406، كتاب الصداق، المسألة 11.

(2)- الوسائل: 15 الباب 15 من أبواب المهور الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 201

في ضمان المهر على الزوج

اشارة

لا إشكال في ضمان المهر على الزوج حتّى يسلّمه إلى الزوجة عينا كان أو دينا أو منفعة أو عملا بلا خلاف.

إنّما الإشكال في كيفيته.

قال الشيخ: إذا أصدقها شيئا بعينه كالثوب و العبد و البهيمة فتلف قبل القبض سقط حقّها من عين الصداق و النكاح بحاله بلا خلاف، و يجب لها مثله إن كان له مثل، فإن لم يكن له مثل فقيمته. و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه قاله في القديم و

هو اختيار الاسفرايني و به قال أبو حامد و اختار المزني قوله في الجديد أنّ لها مهر مثلها، و عليه أكثر أصحابه- دليلنا- أنّ كل عين يجب تسليمها إلى مالكها فإذا تلف و لم يسقط سبب الاستحقاق لملكها وجب الرجوع إلى بدلها كالغصب و القرض و العارية عند من ضمنها، و لأنّ إيجاب مهر المثل يحتاج إلى دليل و لا دليل عليه «1».

و قال المحقّق: لو تلف قبل تسليمه (بفعل الزوج أو غيره) كان ضامنا له (بمثله إن كان مثليا) و بقيمته وقت تلفه «2».

فنقول: الضمان على قسمين:

1- ضمان المعاوضة، و المراد منه ما إذا كانت جهة الضمان و سببه هو المعاوضة و المعاقدة كالمبيع في يد البائع، و الثمن في يد المشتري قبل التسليم و عندئذ ينفسخ البيع و يجب فيه مثل المبيع أو قيمته.

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 406، كتاب الصداق، المسألة 8.

(2)- الجواهر: 31/ 39.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 202

2- ضمان اليد كالمستعار المضمون و المقبوض بالسوم، و في مثله يتعيّن عليه المثل أو القيمة أيضا، و المقام من قبيل الثاني لعدم كون المهر عوضا واقعيا للتعبير عنه بالنحلة في بعض الآيات مثل قوله سبحانه: وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً:

و جواز إخلاء النكاح عن المهر.

فان قلت: لو كان ضمان المهر، ضمان اليد فلما ذا قيل بوجوب مهر المثل فيما إذا عقد على الخمر أو الخنزير.

قلت: إنّ البحث فيما إذا كان المهر صحيحا شرعا، لا ما إذا كان باطلا إذ عندئذ يكون من العقد الخالي عن المهر فيرجع فيه إلى مثل المسمّى أو قيمته، مضافا إلى ما عرفت من احتمال كون المهر هو قيمة الخمر ذميين كانا أو مسلمين، فلاحظ.

المضمون قيمة يوم التلف

إذا

كان ضمانه من قبيل ضمان اليد فهل المضمون قيمة يوم العقد لأنّه قيمة يوم الضمان، أو يوم التلف، أو أعلى القيم منه، إليه، لا وجه للأوّل و الثالث بعد كون المضمون قبل التلف هو نفس العين، فلا وجه لاعتبار ضمان القيمة ما لم يتلف و إنّما ينتقل إلى القيمة عند التلف. و أولى منه القول بضمان قيمة يوم الأداء لأنّه مسئول عن العين قبل التلف و بعده إلى يوم الأداء فيطالب بها إلى حين الأداء. فإن أدّى، و إلّا فيحكم عندئذ بأداء القيمة.

نعم لو كان نقصان القيمة لنقصان في العين كما إذا كان سمينا فصار هزيلا لا لتفاوت القيمة السوقية، فالقول بضمانه قوي كما احتمله في الجواهر «1».

مسألتان:

1- لو عاب المهر المعيّن قبل العقد.

2- لو عاب المهر المعيّن بعد العقد.

______________________________

(1)- الجواهر: 31/ 40.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 203

لو عقد على مهر مشخص فوجده معيبا سابقا على العقد، فلا شكّ أنّ منصرفه إلى السالم الصحيح كما هو الحال في سائر الموارد. فللزوجة عندئذ أحد الأمرين:

1- قيمة المسمّى.

2- عينه مع الأرش.

و أورد على الأوّل، باقتضاء ردّه فسخ العقد بالنسبة إليه و هو- مضافا إلى أنّه يحتاج إلى الدليل- يستلزم الرجوع إلى مهر المثل، ضرورة أنّه بعد ردّه يكون العقد خاليا عن المهر، و الرجوع إلى القيمة إنّما هو في الواجب بالعقد، التالف في يد الزوج «1».

يلاحظ عليه: أنّه يكفي في جواز الردّ أنّ إلزامها بقبول المعيب ضرر مرفوع شرعا. و أمّا لزوم دفع قيمة المسمّى أو مثله فلأجل عدم تعلّق الردّ بالمسمّى بجميع مراتبه من المثل أو القيمة حتّى ينتج فسخ العقد بالنسبة، أو يشبه العقد الخالي عن المهر، و إنّما تعلّق ببعض

مراتبه و هو العين لأجل نقصانها و أمّا تقييد الرجوع إلى القيمة فيما إذا تلف بيد الزوج دون ما إذا كان معيبا سابقا ليس له وجه واضح.

نعم، تجويز الرجوع إلى القيمة إنّما يصحّ إذا خرجت العين من ملك الزوجة و هي بعد باقية في ملكها،.

و أورد على الثاني: بأنّه يحتاج إلى الدليل و قد ثبت في المبيع بدليل خاص مضافا إلى أنّه جزء من الثمن مقابل الجزء الفائت من المبيع.

يلاحظ عليه: أنّه يكفي في ذلك لزوم الخروج عن الوصف الفائت و أخذ الأرش، أحد طرقها، و لا يختص بالفائت من المبيع، و ليس الأرش في المبيع أمرا

______________________________

(1)- الجواهر: 31/ 40.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 204

تعبديا بل أمرا عقلائيا أمضاه الشارع.

قال في القاموس: الأرش ما يدفع بين السلامة و العيب في السلعة، و هو أعم من كونه ثمنا أو صداقا.

و بالجملة فمع إمكان تصحيح كون المسمّى مهرا أولى من تجويز رجوعه إلى مهر المثل، نعم استوجه صاحب الجواهر لزوم دفع مهر المثل و هو كما ترى.

لو عاب بعد العقد في يد الزوج، فالوجهان السابقان و لكن الأولى هو الثاني، أي أخذ العين مع الأرش لأنّه لم يخرج عن ملكها بالعيب و العين باقية و الفائت وصف من أوصافها فيجب الخروج عن ذلك الفائت و هو الوصف دون العين.

نعم لو قلنا بكون الضمان في المقام ضمان المعاوضة فينفسخ العقد بالنسبة إلى المهر و يرجع إلى مهر المثل لا القيمة و قد عرفت أنّ الضمان، ضمان اليد فالرجوع إلى القيمة خال عن الدليل على كلا المبنيين و قد مرّ الإفتاء به عن بعض العامة.

مسألة: للزوجة الامتناع حتّى تقبض الصداق

قال الشيخ: إذا سمّى الصداق و دخل بها قبل

أن يعطيها شيئا لم يكن لها بعد ذلك، الامتناع من تسليم نفسها حتّى تستوفي بل لها المطالبة بالمهر و يجب عليها تسليم نفسها. و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: لها أن تمتنع حتى تقبض لأنّ المهر في مقابلة كل وطء في النكاح- دليلنا- أنّ البضع حقّ استحقّه و المهر حقّ عليه و ليس إذا كان عليه حقّ جاز أن تمنع حقّه لأنّ جواز ذلك يحتاج إلى دليل «1». و ما ذكره يدلّ على التفصيل بين قبل الدخول و بعده، و قال في النهاية:

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 416. كتاب الصداق، المسألة 39.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 205

و للمرأة أن تمتنع من زوجها حتّى تقبض منه المهر «1». و هو يدلّ على المنع مطلقا.

و قال في الوسيلة: و للمرأة الامتناع من الدخول بها و إن أفضى إليها كرها حتى تستوفي المهر، و إن مكّنت من الدخول لم يكن لها بعد ذلك، الامتناع فإن امتنعت نشزت و سقطت نفقتها «2».

أقول: إنّ للمسألة صورا:

الصورة الأولى: إذا كان المهر حالّا و الزوج موسرا و لم يدخل بها فهل يجوز لها الامتناع؟ و المسألة غير منصوصة و فيها قولان:

الأوّل: ما عرفت من القول بالمنع، لأنّ ذلك مقتضى المعاوضة، و إيتاء أجورهن في غير واحد من الآيات و قال: إِذٰا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ «3» و قال تعالى: يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّٰا أَحْلَلْنٰا لَكَ أَزْوٰاجَكَ اللّٰاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ «4» و قال تعالى: وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذٰا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ «5»، و تسليم الزوجة نفسها مقيد لبّا و لفظا على أخذ الصداق و إطلاقه يقتضي كونه نقدا.

و بذلك يظهر أنّ حقّ الاستمتاع في مقابل الصداق،

فإذا أبى أحد الطرفين فللطرف الآخر الإباء أخذا بحكم التقابل، نعم لا يجبر واحد منهما على التسليم.

الثاني: إنّ تسليم الزوجة نفسها حقّ عليها و تسليم المهر إليها حقّ عليه، فيجب على كلّ منهما إيصال الحقّ إلى مستحقّه فإذا أخلّ أحدهما بالواجب عصى و لا يسقط بعصيانه حقّ الآخر.

و قد استجوده صاحب الحدائق، و قال: إنّ قضيته العقد أوجبت استحقاق

______________________________

(1)- النهاية: 475.

(2)- الوسيلة: 299.

(3)- المائدة: 5.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 205

(4)- الأحزاب: 50.

(5)- الممتحنة: 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 206

الزوج البضع و استحقاق المرأة المهر، فليس لأحدهما الإخلال بما وجب عليه في مقابلة امتناع الآخر و إخلاله بما وجب عليه «1».

يلاحظ عليه: أنّ القائل لاحظ الحقّين، أمرين مستقلّين ليس أحدهما في مقابل الآخر فأشبه بالحقوق غير المتقابلة مثلا أنّ لكلّ مسلم على مسلم أن لا يغتابه فليس له الوقيعة من أخيه إذا اغتاب الآخر، و لكن المقام من قبيل الحقوق، متقابلة حيث تقول في العقد على الزوجين «على الصداق المعلوم».

نعم ذكر صاحب الحدائق في المسألة قولين آخرين.

1- يجبر الزوج على تسليم الصداق أوّلا فإذا أسلم سلمت نفسها، و الفرق بينهما أنّ فائت المال يستدرك و فائت البضع لا يستدرك.

2- لا يجبر واحد منهما لكن إذا بادر أحدهما إلى التسليم أجبر الآخر على تسليم ما عنده.

و لا يخفى أنّ القولين ليسا في طول القول الآخر فللقائل بالامتناع أن يقول بأحد هذين الوجهين.

و الظاهر، جواز إجبار الزوج إذا رفعت المرأة كلّ حاجز يمنع من الاستمتاع و صارت مستعدة لكنّه لا تسلم نفسها إلّا

إذا أسلم، و ذلك لأنّ موقف الزوجة موقف البائع فكما أنّه إذا دفع المانع عن تسلّط المشتري عليه، يجوز طلب الثمن من المشتري، فهكذا المقام يكفي كونها دافعة للمانع سوى تسليمها للزوج و المفروض وجودها.

و أمّا تسمية المهر نحلة في قوله تعالى: وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً «2» أو عدم بطلانه مع كون العقد عاريا من المهر، و عدم فساده إلى غير ذلك من الأحكام

______________________________

(1)- الحدائق: 24/ 461.

(2)- النساء: 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 207

التي لا تجتمع مع الغرض الحقيقي، فلا ينافي ما ذكرناه لما عرفت من أنّ النكاح برزخ بين المعاوضة و العبادة.

الصورة الثانية: إذا كان المهر حالّا و الزوج معسرا.

و الظاهر، أنّ الحكم فيهما واحد و التفاوت بالإثم في الأوّل دون الثاني و جواز الجبر فيه دون الآخر، و أمّا استحقاق النفقة فالظاهر أنّها تستحق لعدم امتناعه من التمكّن إذا دفع إليه حقّها، بخلاف الناشزة، فإنّها تمنع مع عدم استحقاقها شيئا و عدم تمكّن الزوج من الدفع إنّما يسقط جواز الجبر لا الحكم الوضعي، أعني:

النفقة التي يقدر عليها.

الصورة الثالثة: إذا كان المهر مؤجّلا سواء كان الزوج موسرا أو معسرا و الظاهر بل المقطوع أنّه ليس لها الامتناع لأنّ حقّه بلا معارض، بخلاف حقّها فإنّه مؤجّل فلا حجّة لها على الامتناع.

نعم، لو مضت مدّة و لم يدخل بها لمانع من مرض أو سفر أو غيرهما و صار المهر حالّا فهل يجوز لها الامتناع تمسّكا بتقابل الحقّين المتقابلين، أو لا يجوز تمسّكا باستقرار وجوب التسليم عليها قبل الحلول فيستصحب، و لأنّهما عقدا و تراضيا على أن لا يقف تسليم أحد العوضين على تسليم الآخر، فبناء المعاوضة حينئذ على سقوط حقّ

الامتناع بالنسبة إليها؟ رجّح صاحب الجواهر الثاني، و الظاهر، هو الأوّل لأنّه إذا صار الثمن حالا يندرج تحت الكبرى الكلّية من أنّه يجوز الامتناع لصاحب الحقّ المتقابل عن التسليم إذا امتنع الآخر عنه، و معه لا يبقى مجال للاستصحاب، و تراضيهما على أن لا يقف تسليم أحد العوضين على تسليم الآخر كان محدودا مؤقّتا لا عند ما حلّ الأجل ففي مثل هذا يتمسّك بالقاعدة الكلية.

الصورة الرابعة: إذا كان المهر حالا و دخل بها، فهل له الامتناع فيما بعد

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 208

حتى تتسلم؟ ففيه خلاف، نقل عن المفيد جواز الامتناع.

قال في المقنعة: فإن دخل بها قبل أن يقدم شيئا أخطأ السنّة، و كان المهر في ذمته دينا عليه، يلزم تسليمه إلى المرأة أيّ وقت طالبته به «1» و أنت ترى أنّ العبارة ساكتة عن جواز الامتناع و إنّما صريحة في لزوم التسليم.

و اضطرب كلام الشيخ في كتابيه، فقال في الخلاف بعدم جواز الامتناع: إذا سمّى الصداق و دخل بها قبل أن يعطيها شيئا لم يكن لها بعد ذلك، الامتناع من تسليم نفسها حتّى تستوفى بل لها المطالبة بالمهر، و يجب عليها تسليم نفسها. و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: لها أن تمتنع حتى تقبض، لأنّ المهر في مقابلة كل وطء في النكاح، ثمّ استدل الشيخ بأنّ البضع حقّ استحقه و المهر حقّ عليه و ليس إذا كان عليه حقّ، جاز أن تمنع حقّه لأنّ جواز ذلك يحتاج إلى دليل «2».

و قال في المبسوط: بجواز الامتناع و قد عرفت كلام ابن حمزة.

و ذهب المحقّق إلى ما ذهب إليه الشيخ في الخلاف و هو عدم جواز الامتناع قائلا: بأنّه

أشبه بأصول المذهب و قواعده لأنّ الاستمتاع حقّ لزم بالعقد، خرج منه الاستمتاع قبل القبض بالإجماع فيبقى الباقي على أصله، و أيّده في الجواهر بقوله: و سقوط حقّها برضاها (و لو مرّة واحدة) و لا دليل عليه.

و الظاهر جواز الامتناع فليس هنا حقّان منفصلان بل حقان متقابلان فلها الامتناع في مقابل امتناعه، و أمّا حديث سقوط حقّها بالرضا فعجيب جدّا، لأنّه رضى بتأخّر حقّها عن زمان الاستمتاع و هو لا ينافي فعلية حقها بعده.

***

______________________________

(1)- المقنعة: 509.

(2)- الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 39.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 209

في مفوضة البضع

اشارة

التفويض ينقسم إلى: تفويض البضع، و تفويض المهر، و الفرق بينهما، هو أنّ الأوّل عبارة عن إهمال المهر في العقد و عدم ذكره بالمرّة. و الثاني، عبارة عن ردّ أمر المهر إلى أحد الزوجين أو ثالث، و الكلام في الأوّل في أمور:

الأمر الأوّل: يجوز إخلاء العقد من المهر لتصريح الكتاب و الأخبار الكثيرة، أمّا الكتاب، فقوله سبحانه: لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتٰاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ «1».

وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ «2».

و أمّا السنّة فيكفي ما ورد في حكم صداق المرأة التي نكحت بلا مهر حيث

______________________________

(1)- البقرة: 236.

(2)- إنّ الآية بصدد بيان حكم الطلاق قبل المس، و هو على قسمين: تارة يقع الطلاق قبل المس و قبل الفرض، و أخرى قبل المس و لكن بعد الفرض و تضمّنت الآية الأولى حكم الأوّل، و الثانية حكم الثاني.

و

بذلك يظهر معنى الآية الأولى و أنّه لما ذا أتى ب «أو» دون «الواو» و قال: لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً و ذلك: لأنّ الشق الأوّل مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ راجع إلى الطلاق قبل المس و بعد الفرض، و كأنّه قال: ما لم تمسّوهنّ (و قد فرضتم لهنّ فريضة). و قد ذكر حكمه في الآية الثانية.

و الشق الثاني يرجع إلى الطلاق قبل المس و قبل الفريضة و قال: أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً أي ما لم تمسّوهنّ و لم تفرضوا لهنّ فريضة و بيّن سبحانه حكمه في الآية الأولى. و على كل تقدير، تدلّ على جواز إخلاء العقد من ذكر المهر، و الظاهر من الجناح المنفي هو نفيه عن ترك المهر في العقد و يدلّ على ذلك ذكر التمتيع إذا طلّقن قبل الدخول و الحال هذه، فيكون التمتيع قائما مقام المهر.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 210

سلّم صحة العقد و يبحث عن شئون مهرها كما في رواية الحلبي و موثق منصور ابن حازم و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه «1».

و يؤيّده، ما مرّ من أنّ المهر ليس من أركان العقد، فإنّه رابطة بين الزوجين بخلاف العوضين في البيع.

الأمر الثاني: يتحقّق تفويض البضع بالسكوت عن المهر تارة، و عدمه في حال العقد أخرى، و عدمه مطلقا في الحال و المآل ثالثا، إنّما الكلام في صحّة العقد في الأخير، و لا شكّ أنّ الشرط فاسد، و إنّما الكلام في فساد المشروط، فهل يفسد لأجل كونه على خلاف مقتضى عقد النكاح لدلالة الأخبار على وجوب المهر بالعقد أو بالوطء، أو بالفرض، أو لا؟ الظاهر لا، إذ لو

كان الالتزام بالمهر و لو بالمال من مقتضيات العقد لزم كونه كذلك عند جميع الأمم، كما أنّ الثمن في البيع و الأجرة في الإجارة كذلك و لأجل ذلك التزموا على بطلان البيع بلا ثمن و الإجارة بلا أجرة.

و أقصى ما يمكن أن يقال: إنّه على خلاف الكتاب و السنّة، و من المعلوم أنّ مثله يكون فاسدا و لا يكون مفسدا كما هو الحال في كل شرط فاسد لأجل كونه على خلاف الكتاب و السنّة.

و ما دلّ من الروايات من أنّه: لا تحلّ الهبة إلّا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و أمّا غيره فلا يصلح نكاح إلّا بمهر «2»، و نظائره فليس صريحا في فساد العقد بل الظاهر منها أنّه لا يتمّ النكاح إلّا بمهر، فعليهما أن يعيّنا مهرا في المآل.

الأمر الثالث: فإن طلّقها قبل الدخول و قبل الفرض فعليه التمتيع وجوبا لظاهر الكتاب في قوله سبحانه: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ «3» و المراد من المحسن هو

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 12 من أبواب المهور، الحديث 1، 2 و 3.

(2)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2.

(3)- البقرة: 236.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 211

المحسن بالطاعة. مضافا إلى النصوص الواردة في المقام «1».

الظاهر اختصاص الحكم بالطلاق و أمّا المفارقة بالموت قبل المس و الفرض فلا دليل عليه، قال الشيخ: إذا مات أحدهما قبل الفرض و قبل الدخول فلا مهر لها، و به قال في الصحابة عليّ عليه السّلام و ابن عباس و زيد و الزهري، و به قال ربيعة و مالك و الأوزاعي و أهل الشام و هو أحد قولي الشافعي و القول الآخر: لها مهر مثلها،

و به قال ابن مسعود و أهل الكوفة و ابن شبرمة و ابن أبي ليلى و الثوري و أبو حنيفة و أصحابه و أحمد و إسحاق- دليلنا- أنّ الأصل براءة الذمّة و شغلها بذلك يحتاج إلى دليل «2».

و بذلك يظهر حكم الفراق بلا طلاق، نظير الفراق عن لعان أو الفسخ بغيب و من فرض له مهر فاسد إلى غير ذلك من الصور، سواء كان الفراق من جانب الزوج أو من جانب المرأة.

الأمر الرابع: هل التمتيع يختص بالمطلّقة التي لم يفرض لها مهر و لم يدخل بها، أو يعمّ ما إذا لم تفرض لها فرض و لكن دخل بها- فإنّ الواجب فيه مهر المثل- مع التمتيع أيضا؟.

الظاهر هو الأوّل، و التمتيع، يقع موضع المهر، كما هو ظاهر الآية و النصوص و الفتاوى، و ربّما يقال بالثاني أخذا بما ورد في بعض الروايات ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «متعة النساء واجبة دخل بها أو لم يدخل بها، و يمتّع قبل أن يطلّق» «3».

يظهر من بعضها الآخر أنّ المتعة مطلوبة حتّى مطلقا و إن فرض لها المهر

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 48 من أبواب المهور.

(2)- الخلاف: 2 كتاب الصداق، المسألة 18.

(3)- الوسائل: 15، الباب 50 من أبواب المهور، الحديث 1، و لاحظ روايات الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 212

لقوله في صحيح البزنطي: «إنّ متعة المطلّقة فريضة» «1» و قوله في صحيح حفص ابن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يطلّق امرأته أ يمتّعها؟ قال: «نعم أما يحبّ أن يكون من المحسنين، أما يحبّ أن يكون من المتّقين» «2».

و الكلّ محمول على الاستحباب كما هو لسان صحيح البختري ففي

رواية جابر عن أبي جعفر عليه السّلام في تفسير قوله تعالى:

فَمَتِّعُوهُنَّ وَ سَرِّحُوهُنَّ سَرٰاحاً جَمِيلًا قال: «متّعوهنّ: جمّلوهنّ بما قدرتم عليه فإنهنّ يرجعن بكآبة و حياء و همّ عظيم و شماتة من أعدائهنّ، فإنّ اللّه كريم يستحيي و يحبّ أهل الحياء إنّ أكرمكم عند اللّه أشدّكم إكراما لحلائلهم» «3».

الأمر الخامس: المعتبر في المتعة حال الزوج في الوسع و الإقتار.

و هل المعتبر في المتعة، هو حال الزوج، فيقوم بما يناسب حاله كما هو ظاهر الآية، و كثير من النصوص «4» أو الميزان اعتبار حالها، و هو المروي عن الشافعي، قال في الخلاف: «فالاعتبار بالإعسار و اليسار، بالرجل، دونها، و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه و الآخر الاعتبار بإعسارها و يسارها و جمالها لأنّه بدل عن مهر مثلها و ذلك معتبر بها «5».

و يؤيّد القول الثاني: بعض الروايات مثل ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يطلّق امرأته قبل أن يدخل بها؟ قال: «عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا، و إن لم يكن فرض لها شيئا فليمتّعها على نحو ما يمتّع به مثلها من

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 48 من أبواب المهور، الحديث 9 و روي مرسلا أيضا في الباب 49، الحديث 9 و من 48، الحديث 6 و 2 من أبواب المهور.

(2)- الوسائل: 15 الباب 48 من أبواب المهور، الحديث 5.

(3)- الوسائل: 15 الباب 49 من أبواب المهور، الحديث 6، و الآية 49 من سورة الأحزاب.

(4)- الوسائل: 15 الباب 49 من أبواب المهور.

(5)- الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 16.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 213

النساء» «1».

و حملها في الوسائل، على التقية، و يمكن أن يقال:

إنّ الميزان هو حال الزوج فلو كان معسرا لا يطلب منه ما يطلب من الموسر و إن كانت الزوجة جميلة مثرية إذ التكليف فرع القدرة، و إن كان الزوج موسرا فيجب عليه مراعاة حالها، فلو كان قادرا على نوعين من العمل أحدهما لا يناسب شأنها و الآخر يناسب حالها فليختر ما يناسب شأنها فهو قادر على ذلك، و هذا لا ينافي كون الميزان هو حال الزوج، فلاحظ.

ثمّ إنّ الظاهر من الآية اعتبار حالين للزوج: السعة و الإقتار، لكن الظاهر من الشرائع، تقسيمه إلى ثلاث:

حيث قال: فالغني، يمتع بالدابة، أو الثوب المرتفع، أو عشرة دنانير، و المتوسط، بخمسة دنانير، أو الثوب المتوسط، و الفقير، بالدينار أو الخاتم و ما شاكله «2».

و هو مطابق لما رواه الصدوق في الفقيه «3» و هو معنى ما ورد في فقه الرضا عليه السّلام «4».

و الظاهر، إمكان الجمع بين اللحاظين فإنّه إذا كان المراد من اليسار و الإقتار هو النسبيّ منهما فالمتوسط بينهما داخل في كلا القسمين باعتبارين و ليس شيئا ثالثا، و لأجل ذلك اكتفى الذكر الحكيم بذكر حالين.

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 48 من أبواب المهور الحديث 7 و مثلها رواية أبي الصباح الكناني، الحديث 8 من نفس الباب.

(2)- الجواهر: 31/ 55.

(3)- الوسائل: 15، الباب 49 من أبواب المهور، الحديث 3.

(4)- المستدرك: 15، الباب 34 من أبواب المهور، الحديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 214

الأمر السادس: المفوضة لا تستحق المهر بنفس العقد و لكن لها حق المطالبة بفرض المهر و أنّ لها حبس نفسها عليه. و وجهه، أنّ رضاها بالتفويض إنّما هو بالنسبة إلى خلوّ العقد عن المهر لا عدمه مطلقا، و ذلك لما عرفت من

أنّ النكاح لا يخلو عن المعاوضة فلها المطالبة بتعيين العوض، نعم إذا تراضيا بشي ء من العوض جاز، لأنّ الحقّ لهما سواء كان بقدر مهر المثل أو أزيد أو أقلّ.

إذا كان مفروض الزوج أقلّ من مهر السنّة، لم يقع بغير رضاها بلا إشكال لأنّها تستحق في الواقع مهر المثل لكن الشارع حدّدها بمهر السنّة فالتقليل من مهر السنّة يحتاج إلى الدليل.

لو ترافعا إلى الحاكم، يفرض لها مهر المثل بشرط أن لا يتجاوز مهر السنّة بناء على عدم جواز التجاوز عنه و قد عرفت حاله.

الأمر السابع: التفويض في المولّى عليها

يتحقق التفويض من البالغة الرشيدة و إن كانت بكرا بناء على ما عرفت من أنّ أمرها إليها.

و أمّا الصغيرة و المجنونة و الكبيرة السفيهة، فليس لهنّ التزويج بالمهر فضلا عن التفويض.

و إنّما الكلام في جواز ذلك للولي فهل له التزويج بأقلّ من مهر المثل أو بدون ذكر المهر لتكون مفوّضة البضع؟ قولان:

1- يصحّ العقد، دون التفويض أو النقص مع المصلحة في النكاح أو عدم المفسدة فيه و يثبت لها مهر المثل و يستقرّ مع الدخول و إلّا النصف إذا طلّق قبله.

2- يصحّ العقد و التفويض و العقد على المهر الأنقص من مهر المثل، و على ذلك فلو طلّق قبل الدخول تكون المتعة إذا لم يذكر المهر و نصف المسمّى الأنقص. مبنى الوجه الأوّل: أنّ النكاح من قبيل المعاوضات فيكون تصرّف الولي

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 215

منوطا بمهر المثل و ثمن المثل و التفويض أقلّ من مهر المثل على القول بتحديده بمهر السنّة.

يلاحظ عليه: أنّ قياس النكاح على سائر المعاوضات، مورد تأمّل، لأنّه و إن كان يشترط في تصرّف الولي من الأب و

الجدّ وجود المصلحة، أخذا بقوله سبحانه:

وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* «1» إذ المراد من الاقتراب، ما يعدّ تصرّفا كالاقتراض و البيع و الإجارة، و ما أشبه ذلك إلّا أنّ الآية مختصة بباب المعاوضات المحضة لا مثل النكاح الذي تكون فيه المعاوضة ضمنية و لأجل ذلك، لو اقتضت المصلحة النكاح بصورة التفويض أو الأنقص من مهر المثل جاز و إن كان مهر السنّة الذي هو المتعيّن في صورة التفويض، و لأجل ذلك يجوز له العفو عن أصل المهر إذا اقتضت المصلحة طلاقها.

***

الكلام في بعض الصور الباقية

إلى هنا تمّ الكلام فيما إذا كانت مفوضة البضع إن لم يذكر مهر لها في العقد، و طلّقها الزوج قبل الدخول و لنذكر أحكام سائر الصور:

1- إذا طلّقها بعد الدخول و قبل الفرض، فلها مهر أمثالها بلا خلاف، مضافا إلى النصوص المتضافرة، ففي مضمرة الحلبي قال: سألته عن الرجل يتزوّج امرأة فدخل بها و لم يفرض لها مهرا ثمّ طلّقها؟ فقال: «لها مهر مثل مهور نسائها و يمتّعها» «2».

______________________________

(1)- الأنعام: 152.

(2)- الوسائل: 15 الباب 12، من أبواب المهور، الحديث 1، و لاحظ أحاديث الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 216

2- لو مات أحدهما قبل الدخول و قبل الفرض فلا مهر كما هو الأصل و لا متعة لاختصاصها في الكتاب بالطلاق، و ثبوته في غيره يحتاج إلى الدليل، بل الدليل على خلافه لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في المتوفّى عنها زوجها إذا لم يدخل بها: «إن كان فرض لها مهرا فلها مهرها الذي فرض لها ...

و إن لم يكن فرض لها مهرا فلا» «1». و لقد نقل الخلاف عن المخالفين و هو

ليس بحجّة.

3- لو دخل بها و الحال هذه يجب مهر المثل و قد اختلفت كلمتهم حول مهر المثل في موارد مع أنّ الوارد في النصّ هو قوله: «لها صداق نسائها» و «مهر نسائها» و «مهر مثل مهور نسائها» في الروايات الثلاثة الماضية، أعني: رواية الحلبي، و منصور بن حازم و عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و إليك موضع الاختلاف.

هل الميزان في مهر المثل هو لحاظ المرأة كل الشئون من الشرف و الجمال و البكارة و العقل و اليسار و العفّة و تدبير المنزل و العلم و القدرة على الخياطة و نحوها، فيكون المراد مهر من ماثلتها في هذه الشئون، أو الميزان لحاظها بصفاتها الظاهرية بين أهلها؟

فإذا كان المراد من المثلية هو الثاني، فهل الميزان الأقارب مطلقا من غير فرق بين من يرجع منهم إلى الأب أو الأمّ، أو هو خصوص أقارب الأب كما عليه المهذّب.

و على فرض اعتبار الأقارب فهل يعتبر أن يكونوا من أهل بلدها لاختلاف المهور باختلاف البلدان اختلافا عظيما، أو لا؟ وجهان و إلى الأوّل ذهب صاحب المدارك.

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 58 من أبواب المهور الحديث 22.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 217

في تفويض المهر

قد عرفت أحكام تفويض البضع و هو العقد من دون ذكر المهر، فحان حين البحث عن حكم تفويض المهر و هو أن يتزوّج و يفوّض تقديره إلى أحد الزوجين.

و يظهر من الشيخ: صحّة التفويض إلى تقديرهما معا و هو اتّفاقهما على مقدار معين قال في الخلاف: مفوضة المهر هو أن يذكر مهرا و لا يذكر مبلغه فيقول: تزوّجتك على أن يكون المهر ما شئنا أو ما شاء أحدنا. فإذا تزوّجها على ذلك فإن قال: على

أن يكون المهر ما شئت أنا، فإنّه مهما يحكم به وجب عليها الرضا به قليلا كان أو كثيرا، و إن قال: على أن يكون المهر ما شئت أنت، فإنّه يلزمه أنّ يعطيها ما تحكم به ما لم يتجاوز خمسمائة درهم، و قال الفقهاء كلّهم؛ أبو حنيفة و الشافعي: إنّه يلزمه مهر المثل «1».

و الظاهر، من فقهاء سائر المذاهب إبطال هذا القسم من التفويض و جعله من المهر الفاسد، و إجراء حكمه عليه.

أقول: يقع الكلام في موارد:

الأوّل: هل يختص التفويض بأحد الزوجين، أو يعمّهما، بل يعمّ الأجنبي؟.

و الظاهر من المحقّق، هو الأوّل، و من الشيخ هو الثاني، و الظاهر من البعض المحكي عنه في المسالك، هو الثالث.

أقول: النصوص الواردة في المقام وارد مورد الغالب و هو تفويض المهر إلى أحدهما، و أمّا التفويض إليهما فيكفي في ذلك عموم «الصداق ما تراضيا عليه» «2»

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 410، كتاب الصداق، المسألة 21.

(2)- الوسائل: 15 الباب 1 من أبواب المهور، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 218

ثمّ لو لم يتّفقا فعن الشيخ، أنّه يتوقف حتّى يصطلحا و احتمل الرجوع إلى الحاكم، و أمّا تفويضه إلى الأجنبي فهو نوع وكالة منهما من حيث المورد و قد رجعنا إلى مظانّه فلم نجد دليلا صالحا للعمومية، اللّهمّ إلّا أنّ يقال: يكفي في إحراز الصلاحية كونه قابلا للوكالة عند العرف فيعمّه أدلّة لزوم الوفاء بالشروط.

الثاني: الظاهر من الروايات أنّه متى فوّض أمر المهر إلى الزوج كان له الحكم بما شاء من قليل أو كثير، و لو فوّض إلى الزوجة فليس لها الحكم بأزيد من مهر السنّة. و يدلّ عليه رواية الحسن بن زرارة عن أبيه، قال: سألت أبا جعفر

عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة على حكمها، قال: «لا يجاوز حكمها مهور آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم اثنتي عشرة أوقية و نشّا و هو وزن خمسمائة درهم من الفضّة» قلت: أ رأيت إن تزوّجها على حكمه و رضيت بذلك؟ قال: فقال: «ما حكم من شي ء فهو جائز عليها قليلا كان أو كثيرا» قال: فقلت له: فكيف لم تجز حكمها عليه و أجزت حكمه عليها؟

قال: فقال: «لأنّه حكّمها فلم يكن لها أن تجوز ما سنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و تزوّج عليه نساءه فرددتها إلى السنّة و لأنّها هي حكّمته و جعلت الأمر إليه في المهر و رضيت بحكمه في ذلك فعليها أن تقبل حكمه قليلا كان أو كثيرا» «1».

و صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها؟ قال: «لها المتعة و الميراث و لا مهر لها» قلت: فإن طلّقها و قد تزوّجها على حكمها؟ قال: «إذا طلّقها و قد تزوّجها على حكمها لم تجاوز حكمها عليه أكثر من وزن خمسمائة درهم فضّة مهور نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم» 2.

و الحسن بن زرارة و إن كان مهملا في الرجال و لم يذكر فيه مدح و لا ذمّ،

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15 الباب 21 من أبواب المهور، الحديث 1 و 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 219

لكن الظاهر من رواية الكشي «1» كونه ممدوحا من حيث دعاء الإمام الصادق عليه السّلام في حقّه عند ما أدّى رسالة أبيه إلى الصادق عليه السّلام

و لذا عدّه المجلسي من الممدوحين، و تعبير الرواية في بيان التفريق و إن كان غير واف بالمراد و أشبه بالمصادرة بالمطلوب و لكن يمكن أن يقال: إنّ المراد أنّه إذا كان الزوج هو المفوّض فبما أنّه الباذل ماله فله الحكم بما شاء لتسلّط الناس على أموالهم، و هذا بخلاف ما إذا كانت المرأة هي المفوضة فبما أنّها تبذل من كيس الغير فليس لها أن تتجاوز من مهر السنّة أخذا بالورع.

الثالث: إنّك قد عرفت في تفويض البضع أنّه لو طلّقها قبل الدخول ففيها المتعة و هذا بخلاف المقام، و الفرق عدم ذكر المهر هناك بخلافه في المقام، فإنّه قد ذكر إجمالا، و على هذا لو طلّق قبل الدخول و بعد الحكم لزمه النصف، و إن كان طلّق قبل الدخول و قبل الحكم يلزم بالحكم و كان لها النصف و يدلّ عليه ذيل رواية محمّد بن مسلم «2» و الرواية و إن كانت واردة في مورد كون الحاكم هو المرأة، لكنّه لا فرق لعمومية أدلّة النصف في الطلاق.

و الفرق بين الطلاق قبل الدخول في تفويض البضع و ما نحن فيه واضح حيث إنّ الأوّل فيه المتعة دون المقام ففيه نصف ما يحكم به و ذلك لأنّه أقدم على النكاح بصورة المجان فالشارع أجبره بالتمتيع بخلاف المقام لأنّه لم يقدم إلّا بالمهر غاية الأمر جعل التقدير بيد الغير فإذا طلق فلا وجه للعدول عن النصف مثل ما اذا كان معيّنا من أوّل الأمر.

الرابع: لو مات الحاكم قبل الحكم و بعد الدخول فلها مهر المثل مطلقا أو ما لم يزد عن مهر السنة خصوصا إذا كان الحكم إليها و قد مات قبل حكمها.

______________________________

(1)- رجال الكشي، طبعة الأعلمي.

(2)- الوسائل:

ج 15 الباب 21 من ابواب المهور، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 220

الخامس: لو مات الحاكم قبل الحكم و قبل الدخول فالمشهور سقوط المهر و ثبوت المتعة قال الشيخ:

«فان مات الرجل أو ماتت المرأة قبل ان يحكما لم يكن لها مهر و كان لها المتعة حسب ما قدمناه» «1» و قوله: «قبل أن يحكما» قرينة على أنّ الميت هو الحاكم.

و الدليل الوحيد هو صدر صحيحه ابن مسلم حيث قال: في رجل تزوج امرأة على حكمها او على حكمه فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها، قال: «لها المتعة و الميراث و لا مهر لها».

و الاستدلال مبني على كون الميت هو الحاكم لا المحكوم عليه سواء كان الحاكم زوجا أو زوجة و ربما يدعى أنّ المتبادر هو كون الميت هو الحاكم لأنّه الأقرب و المحدّث عنه كما في الحدائق «2».

يلاحظ عليه: أنّ المحدّث عنه، في قوله: «مات» هو الرجل، و هو في الحديث هو المحكوم عليه، لقوله: «رجل تزوج امرأة، على حكمها» كما ان المحدّث عنه في قوله «ماتت» هو المرأة المحكومة عليها فلو لم تكن الرواية ظاهرة في غير هذه الصورة فليست ظاهرة فيها.

نعم ذيل الحديث يمكن أن يكون قرينة على أنّ الميت هو الحاكم، لأنّ المفروض فيه هو الطلاق قبل الدخول مع حياة الزوجين، فقد ذكر أنّ الحكم لا يسقط بالطلاق مع بقاء الحاكم، و إذا لم يسقط بالطلاق لم يسقط بالموت، بطريق أولى، لبقاء الزوجية في الثاني دون الأوّل، فيستكشف من عدم الرجوع إلى الحاكم، كون الميت هو، و إلّا كان الحق، الإرجاع إليه لعدم سقوط الحق بالموت.

______________________________

(1)- الطوسي: النهاية: 472.

(2)- البحراني: الحدائق الناضرة: 24/ 493.

نظام النكاح في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 221

و هناك قولان آخران:

الأوّل: ما حكى عن الشيخ في المبسوط «1» و العلّامة في القواعد «2» انّ لها مهر المثل مع موت الحاكم، و علّله بوجهين:

1- انّه قيمة البضع حيث لم يتعين غيره

2- انّ المهر مذكور غاية الأمر انه مجهول، فإذا تعذر وجب الرجوع إلى مهر المثل.

و الأوّل انّما يتم اذا دخل بها و المفروض غيره، و الثاني غير ثابت لأنّه غير مذكور إلّا إجمالا و ليس لها واقع ثابت حتى يكون المثل طريقا إليه.

الثاني: عدم ثبوت شي ء مع موت الحاكم. و لو لا النص يكون هذا أظهر، لأنّ مهر المثل يكون بالدخول، و المتعة بالطلاق و هو غير المفروض و لكنه يرده كأنّه اجتهاد في مقابل النص، كما لا يخفى.

تم الكلام في تفويض البضع و تفويض المهر و يليه الكلام في احكام المهر بإذنه سبحانه

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 296.

(2)- العلامة: القواعد: 2/ 41.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 223

الفصل السادس عشر: في أحكام المهر

اشارة

1- ليس الدخول هادما للصداق

2- ما هو السبب لاستقرار المهر على الزوج

3- إذا لم يسمّ المهر و قد قدّم شيئا و دخل

4- الطلاق قبل الدخول منصّف للمهر

5- إذا أبرأته من الصداق ثمّ طلّقت

6- إذا خلعها بالمهر قبل الدخول

7- إذا اشترط عدم التزوج و التسري

8- إذا اشترطت أنّ لا يقتضّها

9- إذا اشترطت عدم اخراجها من بلدها

10- الصداق يملك بالعقد

11- إذا صار المهر المؤجّل حالّا

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 225

في أحكام المهر و فيه مسائل:

المسألة الأولى: ليس الدخول هادما للصداق من أحكام المهر

اشارة

عدم سقوطه بالدخول كلا أو بعضا، عاجلا أو آجلا، طالت المدّة أم قصرت أخذا بالقاعدة المسلّمة بين العقلاء و المنسوبة إلى الإمام علي عليه السّلام من أنّ الحقّ القديم لا يبطله شي ء. و عموم قوله سبحانه: وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً (النساء/ 40) و الروايات الخاصة المتضافرة كصحيح البزنطي قلت لأبي الحسن عليه السّلام: الرجل يتزوّج المرأة على الصداق المعلوم فيدخل بها قبل أن يعطيها فقال: يقدّم إليها ما قلّ أو كثر إلّا أن يكون له وفاء من عرض، إن حدث به حدث أدّى عنه فلا بأس. «1»

و قال صاحب الحدائق و يؤيّد الحكم ما دلّ على أنّ من تزوّج امرأة و لم ينو أن يوفيها صداقها فهو عند اللّه زان ثمّ ذكر الروايات «2» لكن الاستدلال بها كما ترى، إذ لا صلة بين المسألتين، فإن نيّة غصب مهر المرأة شي ء، و كون الدخول بمجرّده، هادما للمهر و مسقطا له، شي ء آخر و الكلام في المسألة الثانية دون الأولى.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 1، و لاحظ أيضا، الحديث 2، 3، 9، 10، 12 من هذا الباب.

(2)- الحدائق: 24/

497.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 226

و المسألة موضع اتّفاق بين الأصحاب قال الشيخ: إذا سمّى الصداق، و دخل بها قبل أن يعطيها شيئا لم يكن لها بعد ذلك الامتناع من تسليم نفسها حتّى تستوفى، بل لها المطالبة بالمهر، و يجب عليها تسليم نفسها و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: لها أن تمتنع حتّى تقبض، لأنّ المهر في مقابلة كلّ وطء في النكاح. دليلنا:

أنّ البضع حقّ استحقّه و المهر حقّ عليه و ليس إذا كان عليه حقّ، جاز أن تمنع حقّه، لأنّ جواز ذلك يحتاج إلى دليل. «1»

و عنوان البحث يدلّ على أنّ بقاء المهر في ذمّة الزوج أمر مسلّم بين الفقهاء قاطبة إنّما الكلام في محلّ آخر، و هو هل للمرأة الامتناع في مقابل حقّها أو لا؟ غير أنّه نقل من الصدوق و الحلبي أنّها إن أخذت منه شيئا قبل الدخول سقط الباقي إلّا أن توافقه على بقاء الباقي عليه دينا «2» و نقل المحدّث البحراني عن الشيخ في التهذيب أنّه قال: عن بعض أصحابنا أنّه إذا دخل بها هدم الصداق «3» و إليك ما وقفنا من كلامهما:

1- قال الصدوق: و إذا تزوّج الرجل امرأة بألف درهم، فأعطاها عبدا له آبقا و بردا حبرة بالألف التي أصدقها فلا بأس بذلك إذا هي قبضت الثوب و رضيت بالعبد. «4»

2- قال الحلبي: و إذا سلمت نفسها، و قد قبضت شيئا لم يكن لها غيره إلّا أن توافقه على الباقي و تشهد عليه به فإن ادّعت باقيا و لم تكن لها بيّنة فعليه اليمين

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 2، المسألة 39.

(2)- الجواهر: 31/ 72.

(3)- الحدائق: 24/ 498.

(4)- الصدوق، المقنع: 109 و العبارة ليست

صريحة فيما نسب إليه، و لعلّه أفتى بذلك في كتاب غير المقنع و الهداية و لقد راجعناهما فلم نجد شيئا صالحا للمقام سوى هذه العبارة في المقنع.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 227

و إن ثبت بالبيّنة و الإقرار فلها مطالبته به. «1»

و على كلّ تقدير فسواء أ كان للقول- بأنّ الدخول هادم للصداق- قائل كالصدوق و الحلبي أم لا، فقد وردت روايات في المقام لكنّها على أصناف:

الصنف الأوّل: ما هو قاصر الدلالة على الحكم

هناك لفيف من الروايات ليست صريحة في المقصود نظير:

1- خبر الحسن بن زياد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا دخل الرجل بامرأته ثمّ ادّعت المهر و قال: قد أعطيتك، فعليها البيّنة و عليه اليمين». «2»

إذ لو كان الدخول هادما للمهر، فلا معنى لإقامة الدعوى، و طلب البيّنة من المرأة و توجّه اليمين على الزوج، و الحديث يعرب عن كون النزاع ليس ثبوتيا، بل عدم السقوط مسلّم، و إنّما النزاع في عالم الإثبات فكأنّ الدخول أمارة إلى أخذ الدين فصار ادّعاء المرأة على خلاف الظاهر فطولبت بالبيّنة و إلّا فعلى الزوج اليمين.

2- صحيح الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة فدخل بها فأولدها ثمّ مات عنها فادّعت شيئا من صداقها على ورثة زوجها، فجاءت تطلبه منهم، و تطلب الميراث قال: فقال: «أمّا الميراث فلها أن تطلبه، و أمّا الصداق فانّ الذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل عليها فهو الذي حلّ للزوج به فرجها قليلا كان أو كثيرا إذا هي قبضته منه و قبلته و دخلت عليه فلا شي ء لها بعد ذلك». 3

و لعلّ مورد الحديث في مفوضة البضع أي من تزوّج و لم يذكر لها مهرا

______________________________

(1)- الكافي: 294.

(2) و

3- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 7 و 13.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 228

و مقتضى القاعدة في مثله و إن كان مهر المثل، لكنّه فيما إذا لم يسق إليها شيئا قبل الدخول، الظاهر في تراضيهما على أنّه المهر، و لأجل ذلك ليس لها المهر و إن كان لها الميراث، فقوله: «فادّعت شيئا من صداقها» ظاهر في أخذ شي ء قبل الدخول بعنوان المهر، و ما ساقه و إن كان غير ظاهر في كونه جزء المهر أو كلّه، لكن يحمل على الثاني صيانة لها عن مخالفة القواعد.

الصنف الثاني: ما يدلّ على سقوط العاجل لدلالة الدخول عليه

3- و هناك روايات تدلّ على سقوط العاجل دون الآجل و كان الأوّل ما كان الدخول مشروطا به، دون الثاني «1» فيكون الدخول أمارة إلى إعطائه و أخذها، أو إلى إسقاطها، و أين هو من هدم الدخول الصداق و سيوافيك من المحقّق في المسألة الثانية أنّه إذا لم يسمّ لها مهرا و قدّم لها قبل الدخول شيئا ثمّ دخل بها كان ذلك مهرها و لم يكن لها مطالبته بالدخول إلّا أن تشارطه قبل الدخول على أنّ المهر غيره، و سيوافيك كلام ابن إدريس في تلك المسألة و أنّه إجماعيّ.

و بذلك عالجنا قسما من الروايات المخالفة، و أمّا غير ما ذكرنا الآبية عن الحمل على هذين الوجهين بل الظاهر منه أنّ الدخول يهدم الصداق، عاجله و آجله سمّى المهر أم لم يسمّ، قدّم شيئا قبل الدخول أو لا، فهو إمّا مؤوّلة أو مردود علمها إليهم عليهم السّلام. نظير ما رواه الشيخ عن الحسن بن علي بن كيسان، قال: كتبت إلى الصادق عليه السّلام أسأله عن رجل يطلّق امرأته و طلبت منه المهر، و روى

أصحابنا إذا دخل بها لم يكن لها مهر، فكتب عليه السّلام: لا مهر لها. «2»

أضف إلى ذلك أنّ جعل الدخول هادما للصداق إطاحة بحقوق المرأة و مخالف لحكم الفطرة.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 3، 4، 5 و 6.

(2)- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 15 و لاحظ الحديث 8 و 14.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 229

ما هو الموجب لاستقرار المهر كلّه على الزوج

المشهور هو أنّ الموجب للمهر هو الوطء قبلا أو دبرا على وجه يجب عليه الغسل و إن لم ينزل و يدلّ عليه قوله سبحانه: وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ (البقرة/ 237) و المسّ كناية عن الدخول، لعدم وجوب الصداق بالمعنى اللغوي إجماعا، و تضافر الروايات بتعابير مختلفة على أنّ التقاء الختانين يوجب المهر، ففي صحيح الحلبي:

إذا التقى الختانان وجب المهر و العدّة. «1» و في خبر حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إذا التقى الختانان وجب المهر و العدّة و الغسل. 2 هذا ممّا لا خلاف فيه.

إنّما الكلام في قيام الخلوة- مقامه- و عدمه.

قال الشيخ في الخلاف: إذا طلّقها- بعد أن خلا بها و قبل أن يمسّها- اختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب:

فذهبت طائفة: إلى أنّ وجود هذه الخلوة و عدمها سواء، فيرجع إليه نصف الصداق و لا عدّة عليها. و هو الظاهر من روايات أصحابنا، و به قال في الصحابة ابن عباس، و ابن مسعود، و في التابعين الشعبي و ابن سيرين و في الفقهاء الشافعي، و أبو ثور.

و ذهبت طائفة: إلى أنّ الخلوة كالدخول، يستقرّ بها المسمّى، و يجب عليها العدّة. و به قال

قوم من أصحابنا، و روي ذلك في أخبار من طريق أصحابنا، و روي ذلك عن علي عليه السّلام و به قال: عمر بن الخطاب، و ابن عمر، و في التابعين:

الزهري، و في الفقهاء: الأوزاعي، و أبو حنيفة و أصحابه. و هو نصّ قول الشافعي في القديم.

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15، الباب 54 من أبواب المهور، الحديث 3 و 4 و لاحظ الحديث 1، 5، 6، 7 و 8 (و هو متحد مع الحديث 4 و 9 من هذا الباب).

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 230

و ذهبت طائفة إلى أنّها: إن كانت خلوة تامة، فالقول قول من يدّعي الإصابة.

و به قال مالك بن أنس، قال: و الخلوة التامة أن يزفّها الزوج إلى بيته و يخلو بها، و إن لم تكن تامّة مثل أن خلا بها في بيت والدها ما لم تزل حشمة، فإن طالت مدّته عندهم و ارتفعت الحشمة صارت خلوة تامة. «1»

و الأقوال الثلاثة راجعة إلى مقام الثبوت، فالقول الأوّل ينفي سببية الخلوة- عند عدم المس- و الثاني يعترف بها و إن لم يمس، و الثالث يفصل بين الخلوة التامة و الناقصة.

و أمّا أصحابنا فلهم أقوال أربعة و لا يمكن عدّ الجميع أقوالا متعارضة كما يتّضح و إليك الأقوال:

1- لا يجب بالخلوة و إن كانت تامة و هو المشهور.

2- يجب بالخلوة بما أنّها سبب تام، حكاه الشيخ في الخلاف عن بعض أصحابنا و هو بعد غير محقق عندنا.

3- يجب على ظاهر الحال، بمعنى أنّ الخلوة أمارة الدخول و أنّ اتّفاقهما على عدمه، للفرار من العدّة من جانبها و المهر من جانبه.

4- إنّ مقدّمات الوطء مطلقا، كالتقبيل و سائر الاستمتاعات تقوم مقام الدخول

نسب إلى ابن الجنيد.

يظهر من عبارة الشيخ في النهاية، القول الثالث قال: «و متى خلا الرجل بامرأته فأرخى الستر ثمّ طلّقها وجب عليه المهر على ظاهر الحال و كان على الحاكم أن يحكم بذلك و إن لم يكن قد دخل بها إلّا أنّه لا يحلّ للمرأة أن تأخذ أكثر

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 42.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 231

من نصف المهر ما لم يدخل بها. «1»

و أمّا القول الرابع: فقد نقله العلّامة في المختلف عن ابن الجنيد «2» و ليس له أيّ دليل لا واضح و لا غير واضح إلّا القياس بحرمة مملوكة الولد على الوالد أو بالعكس إذا كانت ملموسة أو منظورة حيث وقع النظر و اللمس هناك مكان الوطء فليكن هنا أيضا كذلك. و هو كما ترى.

و أمّا الروايات فمنها ما يدلّ على القول الأوّل كموثق يونس بن يعقوب قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة فأغلق بابا و أرخى سترا و لمس و قبّل ثمّ طلّقها أ يوجب عليه الصداق؟ قال: «لا يوجب الصداق إلّا الوقاع». «3»

و منها ما يدلّ على أنّ الخلوة تقوم مقام الوطء في السببية، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «إذا تزوّج الرجل ثمّ خلا بها فأغلق عليها بابا أو أرخى سترا ثمّ طلّقها فقد وجب الصداق و خلاؤه بها دخول». «4»

ثمّ إنّ الكليني نقل عن ابن أبي عمير، أنّه حمل الروايات على أنّه يحكم الوالي بظاهر الحال، إذ قلّما يتّفق أن ينفك الإخلاء عن الوقاع فيكون أمارة إلى الدخول و استحسنه الشيخ فقال: إنّما أوجبنا نصف المهر مع العلم بعدم الدخول و مع التمكّن

من معرفة ذلك، و أمّا مع ارتفاع العلم فالقول ما قاله ابن أبي عمير. «5»

______________________________

(1)- الطوسي: النهاية، كتاب النكاح، باب المهور، ص 471 و مثله عبارة ابن البرّاج في المهذّب:

2/ 204 و عبارة إصباح الشيعة بمصباح الشريعة لقطب الدين الكيدري: 424، ط. مؤسسة الإمام الصادق عليه السّلام.

(2)- العلّامة: مختلف الشيعة، الفصل الثالث في الصداق: 95.

(3)- الوسائل: 15، الباب 55 من أبواب المهور، الحديث 1، و لاحظ روايته الأخرى 5.

(4)- المصدر نفسه: الحديث 3 و لاحظ الحديث 4.

(5)- الوسائل: 15، الباب 55 من أبواب المهور، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 232

و لكن الانصاف أنّ الحمل بعيد عن ظاهر النصّين، نعم يؤيّده ما رواه أبو بصير قال: تزوّج أبو جعفر عليه السّلام امرأة فأغلق الباب فقال: افتحوا و لكم ما سألتم فلمّا فتحوا صالحهم. «1» إذ لو كانت الخلوة سببا مستقلا، لما كان معنى للمصالحة.

و مع ذلك يحتمل الحمل على التقية و قد نقله الشيخ عن الأوزاعي و أبو حنيفة و أصحابه و هو نصّ قول الشافعي في القديم.

فلم يبق إلّا ما يرجع إلى عمل أبي جعفر و هو مضطرب فمنه ما يظهر منه استقلال الخلوة في السببية. «2» و منه ما يدلّ على الخلاف و أنّ أباه قال: لا يجب إلّا النصف «3» و منه ما يظهر وجود النزاع بين مولاة المرأة و أبي جعفر عليه السّلام في الدخول و عدمه و أنّ أبا جعفر عليه السّلام صالحهم «4» و مثل هذا لا تصلح للاحتجاج، فالقول المشهور هو المتعيّن.

المسألة الثانية: إذا لم يسمّ و قدّم شيئا و دخل

إذا لم يسمّ لها مهرا في العقد و لا بعده، و قدّم لها قبل الدخول شيئا، ثمّ دخل بها، فهل يكون ذلك

مهرها و لا تكون لها مطالبته بعده، أو لا؟

ذهب الشيخان و ابن إدريس و ابن سعيد و غيرهم إلى الأوّل و نسبه المحقّق إلى المشهور و إليك كلماتهم:

1- قال المفيد: و إن لم يسمّ مهرا ... و دخل بها و أعطاها قبل الدخول شيئا قلّ أم كثر فذلك مهرها، لا شي ء لها عليه بعده، لأنّها لو لم ترض به مهرا ما أمكنته

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 55 من أبواب المهور، الحديث 8.

(2)- كرواية الحلبي و محمد بن مسلم برقم 2 و 6.

(3)- كرواية زرارة برقم 7.

(4)- كرواية أبي بصير برقم 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 233

من نفسها حتى تستوفي تمامه أو توافقه على ذلك و تجعله دينا عليه في ذمّته. «1»

2- قال الشيخ: و إن لم يكن قد سمّى لها مهرا، و أعطاها شيئا ثمّ دخل بها لم يكن لها شي ء سوى ما أخذته. «2»

3- قال ابن إدريس: و إن لم يكن سمّي لها مهرا و أعطاها شيئا قبل دخوله بها ثمّ دخل بها بعد ذلك لم تستحقّ عليه شيئا سوى ما أخذته منه قبل الدخول سواء كان ذلك قليلا أو كثيرا على ما رواه أصحابنا و أجمعوا عليه، فإنّ دليل هذه المسألة هو الإجماع المنعقد منهم بغير خلاف، و فيه الحجّة لا وجه لذلك إلّا الإجماع. «3»

4- و قال ابن سعيد: و إذا لم يسمّ لها و أعطاها شيئا و دخل بها فهو مهرها لا غير إلّا أن توافقه على أنّ الباقي في ذمّته، فإن أعطاها شيئا فادّعت الهديّة و ادّعى أنّه مهر و لا بيّنة فالقول قوله مع يمينه. «4»

إنّ مقتضى القاعدة غير ما نسب إلى المشهور فانّ مقتضاها

أنّها إن رضيت بما أخذت مهرا، لم يكن لها غيره و إلّا فلها مع الدخول مهر المثل و يحتسب ما وصل إليها منه، إذا لم يكن على وجه التبرّع كالهدية و لكن الأصحاب عدلوا عن مقتضى القاعدة و القدر المتيقّن من فتوى الأصحاب ما إذا قدم لها شيئا بنيّة المهر، و إلّا فلو لم ينو شيئا أو نوى الهدية، فالمهر- مهر المثل- على ذمّته كما صرّح بذلك ابن سعيد في ذيل عبارته.

و استدل على الحكم بأمور:

______________________________

(1)- المفيد: المقنعة: 509- 510.

(2)- الطوسي: النهاية: 470.

(3)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 581.

(4)- ابن سعيد الحلي: الجامع: 441.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 234

ألف: حمل ما سبق من الروايات الظاهرة في أنّ الدخول، يهدم الصداق على ما إذا لم يسمّ مهرا و قدّم شيئا قبل الدخول و أظهرها صحيح الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة فدخل بها فأولدها، ثمّ مات عنها، فادّعت شيئا من صداقها على ورثة زوجها، فجاءت تطلبه منهم، و تطلب الميراث قال فقال: «أمّا الميراث فلها أن تطلبه، و أمّا الصداق فانّ الذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل عليها فهو الذي حلّ للزوج به فرجها قليلا كان أو كثيرا إذا هي قبضته منه و قبلته و دخلت عليه فلا شي ء لها بعد ذلك». «1» و لكن الحديث ليس ظاهرا فيما لم يسمّ لها و مثله غيره ممّا مرّ في المسألة السابقة، و لذلك وصف المحقق مستند الفتوى بأنّه:

«تعويل على تأويل رواية» و على كلّ تقدير فكون الروايات محمولة على هذه الصورة، غير كونها ظاهرة فيها:

ب: الإجماع الوارد في كلام ابن إدريس و زعم أنّه لا دليل للحكم سواه و

وصفه المحقق بالشهرة، و الظاهر أنّ مستند الشيخين و غيرهما، هو الروايات فيكون الإجماع مدركيا.

ج: ما ذكره العلّامة في المختلف من أنّه كانت العادة في الزمن الأوّل على تقديم المهر على الدخول و الآن بخلافه و لعلّ المنشأ في الحكم العادة فإن كانت العادة في بعض الأزمان و الأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ذلك و إلّا فلا «2».

يلاحظ عليه: أنّ الظاهر أنّهم بصدد بيان الحكم الشرعي و أنّه يتعين ما قدّم في المهر، من دون نظر إلى العادة.

د: ما مرّ في كلام المفيد من أنّها لو لم ترض به مهرا، ما أمكنته من نفسها حتى تستوفي تمامه ....

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 8، من أبواب المهور، الحديث 13.

(2)- العلّامة: المختلف: الفصل الثالث في الصداق: 95.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 235

يلاحظ عليه: أنّه خلاف المفروض، إذ الفرض هو تقديمه لها شيئا من دون أن يصفه بشي ء من المهر و الهدية و إلّا فلو وصفه بأنّه مهرها و مع ذلك أمكنته من نفسها، يكون ما قدّم هو المهر، أورد عليه في المسالك بأنّه لا يلزم من عدم رضاها، عدم تمكينها، لجواز اعتمادها في ذلك على ما يلزم شرعا بالدخول و هو مهر المثل. «1»

و الأقوى أنّه إن دلّت القرائن على أنّه أعطاها بعنوان المهر، و أنّها قبلتها كذلك عن وعي و شعور، كان الحكم ذلك، و إلّا فمهر المثل على ذمّته. و اللّه العالم.

***

المسألة الثالثة: الطلاق قبل الدخول منصّف

اتّفق الفقهاء على أنّ الطلاق قبل المسّ منصّف تبعا للكتاب و السنّة قال سبحانه: وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ (البقرة/

237) و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها قال:

«عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا، و إن لم يكن فرض لها فليمتّعها على نحو ما يمتّع به مثلها من النساء». «2» و على ذلك:

1- فإن كان دينا على الزوج برئت ذمّته من النصف.

2- فإن كانت عينا صارت مشتركة بينهما.

3- و لو كان دفعه إليها و كان باقيا استعاد لنصفه.

______________________________

(1)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 230.

(2)- الوسائل: 15، الباب 51 من أبواب المهور، الحديث 2 و لاحظ سائر أحاديث الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 236

4- و لو حصل نماء كان لها خاصة، لأنّه حصل في ملكها، و لا يستحق الزوج من النماء شيئا.

5- و لو كان دفعه إليها و كان تالفا استعاد نصف مثله إن كان مثليا و نصف قيمته إن كان قيميا.

و لم أعثر على خلاف في ضمانها بالمثل أو القيمة عند التلف، و لا كلام في الإتلاف سواء كان من جانبها أو من جانب الغير إنّما الكلام في التلف من غير تقصير و تفريط فإنّ الحكم بضمانها، مع كون العامل سماويا خارجا عن الاختيار، عاملا لا يتفاوت الحال معه بين كون العين في يدي الزوج أو الزوجة، كانهدام البيت بالزلازل أو السيول، و الأمطار الهائلة، أو بالصواريخ و القنابل المدمّرة من جانب العدو المشترك فإنّ الحكم في هذه الموارد، خلاف منصرف الأدلّة حتّى قوله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»، نعم لو تلفت العين بالسرقة و الأعذار الخاصة فهي ضامنة للنصف بالمثل أو القيمة، و قد ذكرنا أنّ حكم العقلاء في الأعذار العامة غير حكمهم في الأعذار الخاصة.

6-

لو اختلف قيمته في وقت العقد و وقت القبض فهناك أقوال:

ألف: لزمها أقلّ الأمرين.

ب: ضمانها قيمة النصف يوم التلف.

ج: ضمانها قيمته يوم الطلاق الذي هو يوم تملّك النصف من العين.

د: ضمانها قيمته يوم الخروج عن الضمان.

وجه الأوّل خفي جدّا و إن نقل في الجواهر له وجها. «1»

وجه الثاني هو أنّ يوم التلف هو اليوم الذي تعلّق حقّ الاستعادة بالعين

______________________________

(1)- الجواهر: 31/ 80.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 237

ما دامت موجودة فمع التلف تضمن النصف بقيمة ذلك اليوم الذي، هو أوّل زمان تعلّق الحقّ المزبور بها.

و أمّا الوجه الثالث فقد أشير إلى دليله عند ذكره فلاحظ و الأقوى هو الوجه الرابع، و هو ضمان قيمة يوم الدفع، و هو المطابق لحكم العقلاء في ضمان القيميات و يدعمه الدليل الفقهي الواضح و ذلك: لأنّ الزوجة و إن ملكت العين كلّها بنفس العقد، لكنّها تملكتها بلون خاص و هو أنّه إذا طلّقها الزوج، يتملّك النصف من جديد أو يعود النصف إلى ملكه السابق.

و بعبارة أخرى: تتملّك العين بالعقد و يستقرّ بالدخول. «1» و على ضوء هذا فقد أخذت العين مسئولة عن النصف و استولى عليها ضامنة له على الوجه المزبور، فإذا تحقّق الشرط و طلّق الزوج قبل الدخول و رجع النصف إلى ملكه، و هي مستولية على كلا النصفين، فتكون مسئولة عن ردّ مال الغير إليه و تخاطب بقوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدي» فتكون النتيجة بقاء نصف العين على عهدتها إلى زمان الخروج عنها، فما لم تخرج تكون ذمّتها مشغولة به. فإذا امتنع الخروج بردّ العين، ينتقل إلى بدلها عملا بالقسم الممكن من الخروج عن

العهدة، لأنّه إذا امتنع الخروج عن العهدة بدفع نفس العين، يرجع إلى ما تحفظ به ماليتها و هو ليس إلّا قيمة يوم الخروج، لا القيم السابقة و ذلك بوجهين:

الأوّل: إنّ المضمون له قبل يوم الدفع هو نفس العين، لا قيمتها فالرجوع إلى القيم السابقة، عود إلى ما ليس بمضمون.

الثاني: إنّ الغاية من الحكم بدفع القيمة ملأ الفراغ الذي حصل بتلف العين حتى يستطيع المضمون له من شراء ما يعادلها، و لا يحصل الملأ، إلّا بدفع قيمة يوم الدفع إذ لو كانت أزيد من القيم السالفة، تتعين تلك القيمة للبدلية و لو

______________________________

(1)- العلّامة الحلّي: المختلف، الفصل الثالث فيما يتعلّق بالصداق 99.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 238

كانت أقلّ منها، يكون دفع الزائد خارجا عن تحقّق الغاية المطلوبة، و الغاية المذكورة و إن كانت يمكن أن تكون حكمة للحكم، لكنّها ربّما تصدّ الفقيه عن العدول إلى حكم يكون أوسع منها أو أضيق إذ تكون قرينة لصرف إطلاقات أدلّة الضمانات إلى ما يتحقّق فيه الفرض المذكور، و يستطيع المضمون له من جبر الضرر.

و بالجملة: المتبادر من النبوي، كون الذمّة مشغولة بالعين، لا بالمثل و لا بالقيمة، و المراد من الاشتغال ليس كون العين الشخصية، في الذمة، حتى يقال إنّ الذمم، ظرف الكليّات، لا الشخصيات، فانّ ظرفها هو الخارج بل المراد، كون الشخص مسئولا عن الخروج عن عهدة العين الشخصية، بمقدار ما يمكن، فإذا كانت الذمة مشغولة بنفس العين، فلا يعدل إلى القيمة إلّا إذا حاول المسئول الخروج عن العهدة، و عندئذ يقوم بدلها مقامها و ليس بدلها، إلّا قيمة ذلك اليوم لأنّها تعدّ بدلا و عدلا للعين لا القيم السابقة.

هذا إجمال ما أوضحناه في

محلّه. و ليس في الأدلّة ما يخالفه سوى خبر «1» علي ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه أنّ عليّا عليه السّلام قال في الرجل يتزوّج المرأة على وصيف «2» فيكبر عندها و يريد أن يطلّقها قبل أن يدخل بها، قال: عليها نصف قيمته يوم دفعه إليها لا ينظر في زيادة و لا نقصان. «3»

يلاحظ عليه: مضافا إلى ضعف السند، أنّه لا يرتبط بالمقام، أعني: زيادة القيمة السوقية، بل هو ناظر إلى زيادة العين و نقصانها خارجا، و بما أنّ الزيادة حصلت في ملك الزوجة و عندها تكون لها لا لزوجها و لو بالمناصفة هذا كلّه فيما إذا تلفت العين.

______________________________

(1)- وصفناه بالخبر لورود محمد بن أحمد العلوي في سنده و هو لم يوثق.

(2)- الغلام دون المراهق.

(3)- الوسائل: 15، الباب 34 من أبواب المهور، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 239

7- إذا زال ملكها على المهر بوجه لازم كالبيع و الهبة فالحكم كما سبق، لكونه كالتالف عرفا في عدم إمكان ردّ العين.

8- لو عاد إلى ملكها بالإقالة أو الشراء من المشتري من جديد فإمّا أن يعود بعد دفع المثل أو القيمة و الخروج عن العهدة بدفع البدل شرعا و عرفا أو قبله، فعلى الأوّل لا وجه للرجوع بعد فراغ الذمّة على وجه القطع و على الثاني يرجع إلى العين، لما عرفت أنّ الذمة مشغولة في جميع الحالات قبل البيع و بعده، قبل الرجوع إلى ملكها أو بعده، بردّ العين، فإذا أمكن الردّ فلا وجه لقيام البدل مكانها، إذ القدر المتيقّن من قيامه إذا لم يتمكّن من المبدل.

9- و لو تعلّق به حقّ لازم من غير انتقال كالرهن و الإجارة فله

الخيار بين أخذ البدل، لعدم إمكان ردّ العين حاليا، و الصبر إلى التمكّن منه. و بالجملة فرق بين بيع العين و إجارتها فانّ البيع مانع عن رجوع الزوج إلى ملكه، لأنّ المشتري تملّك العين على وجه الإطلاق و مالكيته للعين على وجه يمنع عن عود العين إلى ملك الزوج و هذا بخلاف إيجار العين مع بقائها على ملك الزوجة فانّها لا تمنع عن عود مالكية الزوج لما عرفت من أنّها ملكت العين على وجه خاص لا على وجه الإطلاق.

و الحاصل أنّ المقتضي موجود، و المانع مفقود، فله الصبر إلى انقضاء مدّة الاجارة و لو انتقل عنها لا على وجه اللزوم كما لو باعت بخيار، فليس للزوج إلزامها على الرجوع، بل تخيّرت بين الرجوع و دفع نصف العين، و عدمه و دفع نصف القيمة.

10- و لو نقصت عينه أو صفته مثل عور الدابة، كان له نصف العين مع الأرش، لما عرفت من كون الذمة مشغولة بدفع العين و المفروض إمكانه، و طروء النقص و العيب عليها، لا يلحقها بالتلف، غاية الأمر، طروء التعيب في ملكها

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 240

يوجب الضمان عليها و تخرج عنه بالأرش.

11- و لو زادت العين سمنا، فانّ له عليها نصف قيمته من دون الزيادة، لأنّها ملك للمرأة شأن كلّ نماء متّصل و منفصل فإنّه يتبع العين، فالعين كانت ملكا للزوجة فالنماء لها أيضا و إلى ذلك ينظر خبر علي بن جعفر الماضي. «1»

فلاحظ.

المسألة الرابعة: إذا أبرأته من الصداق، ثمّ طلّقت

اشارة

إذا أبرأت الزوجة زوجها من الصداق، ثمّ طلّقها الزوج قبل الدخول فهل يرجع الزوج إلى نصفه؟ و نظيره إذا بذلته له ليخلعها عليه فخلعها به، فهل يستحقّ عليها مقدار نصفه؟ فالمسألة عند العامة

ذات أقوال ثلاثة ذكرها الشيخ في خلافه.

قال: إذا أصدقها صداقا، ثمّ وهبته له، ثمّ طلّقها قبل الدخول فله أن يرجع عليها بنصفه و للشافعي فيه قولان قال في القديم: لا يرجع و هو اختيار المزني، و قال الشافعي: و هذا حسن. و قال في الجديد: يرجع، و هو أصحّ القولين عندهم سواء وهبت له بعد أن قبضته أو قبل القبض، الباب واحد.

و قال أبو حنيفة: إن كان ذلك بعد القبض رجع عليها بالنصف، و إن كان قبل القبض لم يرجع عليها بشي ء. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم. «2»

فالمسألة كما عرفت ذات أقوال ثلاثة: 1- لا يرجع مطلقا. 2- يرجع مطلقا.

3- يفصل بين كونه بعد القبض فيرجع، و قبل القبض فلا يرجع و المشهور عند الأصحاب هو الرجوع.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 34 من أبواب المهور، الحديث 2.

(2)- الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 35.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 241

و قال في المبسوط: «إذا أصدقها صداقا ثمّ وهبته ثمّ طلّقها قبل الدخول، فانّه يرجع عليها بنصفه ثمّ لا يخلو من أحد أمرين إمّا أن يكون عينا أو دينا، فإن كان عينا كالعبد و الثوب فوهبته له ثمّ طلّقها قبل القبض فهل يرجع عليها بنصف الصداق أم لا؟ قيل: فيه قولان: أحدهما لا يرجع بشي ء، و الثاني يرجع عليها بالنصف، و هو الصحيح عندنا سواء وهبت له قبل القبض أو بعد أن أقبضه. «1»

قال القاضي: فإن وهبت الزوجة لزوجها الصداق قبل طلاقه كان له إذا طلّقها الرجوع عليها بنصف ذلك. «2»

و قال السيد الأصفهاني: لو أبرأته من الصداق الذي كان عليه، ثمّ طلّقها قبل الدخول رجع بنصفه إليها، و كذا لو كان الصداق عينا

فوهبته إيّاها رجع بنصف مثلها إليها أو قيمة نصفها. «3»

و المشهور هو الرجوع و المسألة منصوصة، ففي مضمرة سماعة قال: سألته عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها ثمّ جعلته من صداقها في حلّ، أ يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال: «نعم إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه، و إن خلّاها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة على الزوج نصف الصداق». «4»

و روى محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة فأمهرها ألف درهم و دفعها إليها فوهبت له خمسمائة درهم و ردّتها عليه، ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، قال: «تردّ عليها «5» الخمسمائة الدرهم الباقية، لأنّها إنّما كانت

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 308 و الصحيح أقبضها و ما ذكر من احتمال عدم الرجوع فلعلّه ناظر إلى أحد قولي الشافعي كما في الخلاف.

(2)- ابن البرّاج: المهذّب: 2/ 204.

(3)- السيد الأصفهاني: الوسيلة، فصل في المهر، ص 348، الطبعة الثانية.

(4)- الوسائل: 15، الباب 41 من أبواب المهور، الحديث 2 و لاحظ الحديث 1 من هذا الباب.

(5)- هكذا في الوسائل: الصحيح عليه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 242

لها خمسمائة درهم فوهبتها له، فهبتها إيّاها له و لغيره سواء». «1» و الحكم في لسان الحديث معلّل حيث قال في مضمرة سماعة إنّ جعله في حلّ بمنزلة قبضها، و قال في خبر ابن مسلم: و إنّ هبتها منه، و من غيره سواء، و معه لا وجه للوسوسة لبعض الوجوه التي نقلها الشهيد في المسالك عن بعض العامّة نظير كيف يرجع الزوج إلى الزوجة مع:

1- أنّها لم تأخذ منه مالا.

يلاحظ عليه: أنّه لا يشترط في اشتغال الذمّة

أخذ المال بل تكفي صحّة تصرّفها في الصداق و لو بالهبة منه أو من غيره.

2- و لا نقل إليها الصداق.

يلاحظ عليه: أنّه لو لا النقل لزم بطلان الهبة و المفروض صحّتها، خصوصا إذا كان الصداق عينا.

3- و لا أتلفتها عليه.

يلاحظ عليه: أنّ الضمان في المقام ليس لأجل الإتلاف بل لأجل التصرف، الكافي في الضمان و إن لم يكن تلفا.

4- لو رجع الشاهدان بدين في ذمّة زيد لعمرو، بعد حكم الحاكم عليه، و إبراء المشهود عليه لم يرجع المشهود عليه عليهما لعدم تغريمهما له بشي ء، و لو كان الإبراء إتلافا على من في ذمّته، غرما له. «2»

يلاحظ عليه: أنّ الإبراء إنّما يكون إتلافا- أو شبه إتلاف أو استيفاء- على من في ذمّته إذا كانت ذمّته مشغولة بالدين واقعا كما في إبراء الزوجة الزوج من

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 35 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- زين الدين العاملي: المسالك: 1/ 596.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 243

الصداق، و أمّا المقام فبما أنّ الشاهدين قد رجعا عن شهادتهما، فلم يثبت أصل الاشتغال، حتّى يكون الإبراء لما في ذمّة المشهود عليه، إتلافا عليه أو استيفاء و إلى ما ذكر يرجع قول الشهيد الثاني «و الفرق بين مسألة رجوع الشاهدين، و المتنازع فيها، أنّ حقّ المهر ثابت حال الإبراء في ذمّة الزوج ظاهرا و باطنا، فإسقاط الحقّ بعد ثبوته متحقّق بخلاف مسألة الرجوع لأنّه لا ثبوت فيها فالبراءة مستمرة و لا أثر للإبراء».

إذا خلعها بالمهر قبل الدخول

هذا كلّه الفرع الأوّل و أمّا الفرع الثاني أعني: ما إذا خلعها به أجمع، فيرجع الزوج إلى نصف القيمة و خالف الشهيد الثاني و زعم أنّ الحقّ عدم الرجوع قائلا بالفرق بين الفرعين و

إليك نصّه. قال: «للفرق بين الهبة و الإبراء له قبل الطلاق، و بين الخلع لانتقال الملك فيهما قبله (الطلاق) فلم يصادف الطلاق الموجب لعود النصف إليه ملكا، فانتقل إلى العوض (في الذمّة) و أمّا الخلع فانتقال ملك المهر إلى الزوج لا يحصل بمجرّد البذل من المرأة بل به و بالخلع لأنّها جعلته عوضا عن البينونة فلا يملك إلّا بتمام السبب و هو الطلاق و يحصل استحقاقه للنصف فيتمّ السببان في حالة واحدة و إن تقدّم جزء السبب في ملك عوض الخلع، فلا يتمّ ما قالوه من سبق ملكه له، على استحقاقه النصف بالطلاق فضلا عن سبقه على الطلاق كالهبة. «1»

يلاحظ عليه: بأنّ ما ذكره إنّما يتمّ إذا كان قبول البذل و الطلاق مقترنين، كما إذا انشأت الزوجة بذل الفدية ليخلعها بها، فيقول الزوج بعد بذلها لأجل الخلع:

خلعتك على كذا، أو أنت مختلعة هكذا، و أمّا إذا سبق قبول البذل على إنشاء

______________________________

(1)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 241.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 244

الطلاق كأن يقول- بعد إنشاء الزوجة: بذلتك لتخلعني- قبلت ذلك. فأنت على ما بذلت مختلعة فيكون المقام مثل الإبراء و الطلاق، و تصوّر أنّ الطلاق جزء المملّك غير صحيح بل هو شرط فعل، غاية الأمر لو لم يف بالشرط، يكون الباذل بالخيار.

المسألة الخامسة: في اشتراط عدم التزوّج و التسري

اشارة

لا شكّ أنّه إذا شرط ما يخالف مقتضى العقد، كما إذا قال: بعتك بلا ثمن أو آجرتك بلا أجرة، أو أنكحتك بشرط أن لا تتمتّع أبدا، فالشرط و المشروط باطلان، لاستلزامه إنشاء أمرين متناقضين فانّ البيع لا ينفك عن الثمن، و لا الإجارة عن الأجرة، و لا النكاح عن التمتّع. إنّما الكلام إذا شرط ما يخالف الشرع

كأن تخرج من البيت متى شاءت، أو يكون الطلاق بيدها أو لا يقسم ضرّتها، و لا يبذل نفقتها، بطل الشرط «1»، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من اشترط شرطا سوى كتاب اللّه فلا يجوز ذلك له، و لا عليه «2»، إنّما الكلام في بطلان النكاح و المهر و للأصحاب في المسألة قولان:

1- صحّة العقد و المهر دون الشرط و هو خيرة الشيخ في المبسوط «3» و ابن البرّاج في المهذّب «4» و ابن إدريس في السرائر «5» و المحقق في الشرائع «6» و غيره.

______________________________

(1)- و قد مثّل المحقّق تبعا لمن قبله، باشتراط ترك التسرّي و التزوّج، و قد عدلنا عنهما إلى ما في المتن لما سيوافيك من صحّة اشتراطهما و ما نذكر في المقام من النقض و الإبرام فإنّما هو مع قطع النظر عن المناقشة في بعض الأمثلة أعني ترك التسرّي و التزوّج.

(2)- الوسائل: 15، الباب 38 من أبواب المهور، الحديث 2.

(3)- الطوسي: المبسوط: 4/ 303.

(4)- ابن البرّاج: المهذّب: 2/ 206 على احتمال.

(5)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 589.

(6)- الجواهر: 31/ 95، قسم المتن.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 245

2- صحّة العقد دون المهر و الشرط يظهر من الشهيد الثاني في المسالك و ليس بقول بعيد، لو لا بعض الإطلاقات.

و هنا احتمال، بطلان العقد، و بطلان المهر و الشرط على وجه أولى و احتمال رابع، صحّة العقد و المهر و الشرط و سيوافيك بيانها.

و إليك دراسة القولين، و وجه الاحتمالين.

صحّة العقد و المهر دون الشرط

فقد عرفت أنّه القول المشهور بين الأصحاب:

قال الشيخ: إن شرط شرطا لا يسوغ في الشرع، فالشرط باطل. فإذا ثبت أنّه باطل لم يخل من أحد أمرين، إمّا أن يكون على

صفة يفسد المهر أو العقد «1» فإن كان ممّا يعود فساده إلى المهر، مثل أن شرط أن لا يسافر بها، و لا يقسم لها و لا يتسرى عليها و لا يتزوّج عليها فهذا شرط باطل و لا يفسد المهر عندنا و عند بعضهم يفسده و يجب مهر المثل. «2»

و قال في الخلاف: إذا أصدقها ألفا و شرط أن لا يسافر بها أو لا يتزوّج عليها أو لا يتسرى عليها، كان النكاح و الصداق صحيحين و الشرط باطلا و قال الشافعي: المهر فاسد و يجب مهر المثل فأمّا النكاح فصحيح. «3»

و قال ابن البرّاج: و إذا عقد الرجل نكاحا و شرط للزوجة في الحال شرطا يخالف الكتاب و السنّة مثل أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرى و لا يتزوّج بعد موتها أو ما

______________________________

(1)- هذا هو القسم الثاني الذي يرجع إليه الشيخ في ذيل كلامه، في غير هذا الفرع بل في فرع آخر نظير اشتراط عدم الوطء فتدبر.

(2)- الطوسي: المبسوط: 4/ 303.

(3)- الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 32.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 246

أشبه ذلك، كان الشرط باطلا و النكاح ماضيا و له أن يتزوّج و يتسرى. «1»

يقع الكلام في مقامين:

الأوّل: صحّة العقد.

الثاني: صحّة المهر.

أمّا الأوّل: فيقال إنّ البحث مركّز على القول بأنّ الشرط الفاسد مفسد، و إلّا فلا كلام في الصّحة، و على ذلك فالشرط الفاسد في خصوص المقام ليس بمفسد و ذلك لأنّ للشرط دخلا في قلّة المهر و كثرته، و فساده يوجب جهالة المهر، و جهالته تفسده، لكن فساد المهر، لا يوجب فساد النكاح، إذ ليس النكاح من قبيل المعاوضات و قد عرفت صحّة عقد مفوضة المهر أو

البضع، و إلى ذلك يشير الشهيد الثاني بقوله: إنّ الشرط في النكاح يكون جزءا من العوض الذي هو المهر فيما يعود إلى المرأة كالمذكور هنا من عدم التزويج و التسري و حقّ فساد الشرط أن يفسد المهر لا العقد لما عرفت من عدم التلازم بينهما. «2»

و بعبارة أخرى أنّ النكاح رابطة بين الزوجين و هما من الأركان و المفروض عدم الجهالة فيهما، و ليس المهر من أركان النكاح و إن كان يجب أن لا يخلو منه.

و أمّا الثاني: فإثبات صحّته حسب القواعد مشكل مع فرض مدخلية الشرط في قلّة المهر و زيادته، نعم ذكر الشهيد الثاني: أنّ المهر لا يفسد بناء على وجود المقتضي لصحّته و المانع ليس إلّا الشرط و هو شي ء آخر و فساد أحد الشيئين لا

______________________________

(1)- المهذّب: 2/ 306 و ليس في العبارة تصريح بصحّة المهر و لكن لو كان المهر باطلا كان عليه عطفه على الشرط في البطلان.

(2)- زين العابدين العاملي: المسالك: 2/ 245.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 247

يقتضي فساد الآخر، لما علم من التوسّع في حاله «1» و هو كما ترى لأنّ للشرط دخلا في قلّة المهر و زيادته، بحيث لولاه لما رضيت بالمهر المفروض، فإذا بطل الشرط يكون المهر مجهولا يرجع إلى مهر المثل و على ضوء القواعد، العقد صحيح دون المهر، و قد نبّه بذلك أيضا الشهيد في كلامه أيضا و قال: إنّ الشرط كالعوض المضاف إلى الصداق حيث يكون من المرأة و ببطلانه يفوت بعض العوض فلا يعلم قدر الصداق فيثبت مهر المثل. هذا كلامه و نقلناه ملخصا و ما ذكره صحيح لو لا أنّ التعبد دلّ على صحّة المهر، كالعقد و

إليك بعض ما ورد:

1- محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة و شرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سريّة فهي طالق، فقضى في ذلك أنّ شرط اللّه قبل شرطكم فإن شاء وفى لها بما اشترط، و إن شاء أمسكها و اتّخذ عليها و نكح عليها. 2

2- و مثله خبر عبد اللّه بن سنان. 3

3- روى زرارة أنّ ضريسا كانت تحته بنت حمران فجعل لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى أبدا في حياتها و لا بعد موتها، على أن جعلت له هي أن لا تتزوّج بعده أبدا، و جعلا عليهما من الهدي و الحجّ و البدن، و كلّ مال لهما في المساكين إن لم يف كلّ واحد منهما لصاحبه، ثمّ إنّه أتى أبا عبد اللّه عليه السّلام فذكر ذلك له فقال: ...

اذهب فتزوّج و تسرّ فإنّ ذلك ليس بشي ء و ليس عليك و لا عليها. «4»

4- و مثله مرسلة العيّاشي عن أبي جعفر عليه السّلام. «5»

______________________________

(1) و 2 و 3- الوسائل: 15، الباب 38 من أبواب المهور، الحديث 1- 2.

(4)- الوسائل: 15، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 2.

(5)- المصدر نفسه، الحديث 6 من هذا الباب: مرسلة العياشي.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 248

و ضعف الأسناد يجبر بالتضافر و عمل الأصحاب، و مقتضي الإطلاق صحّة العقد و المهر أيضا. و منه يعلم حال فرع آخر و هو أنّه لو شرط تسليم المهر في أجل فإن لم يسلّمه كان العقد باطلا، فقال المحقق تبعا للمشهور لزم العقد و المهر و بطل الشرط خاصّة، مستدلا بروايات منها صحيح محمّد بن قيس: عن

أبي جعفر عليه السّلام في الرجل يتزوّج المرأة إلى أجل مسمّى فإن جاء بصداقها إلى أجل مسمّى فهي امرأته، و إن لم يأت بصداقها إلى الأجل فليس له عليها سبيل و ذلك شرطهم بينهم حين أنكحوه، فقضى للرجل أنّ بيده بضع امرأته و أحبط شرطهم. «1»

و الظاهر أنّ المراد من التزويج إلى أجل مسمى، كونه أجلا للمهر لا للتزويج بشهادة رواية زيد. 2

إلى هنا خرجنا بالنتيجة التالية:

إنّ العقد و المهر صحيحان، و الشرط باطل.

و لكن باب المناقشة في مثل اشتراط ترك التزوّج و التسري مفتوح و الأولى التمثيل بما ذكرناه في صدر البحث، من اشتراط كون الطلاق و الوطء بيد المرأة أو اشتراط عدم الانفاق للضرّة و نظائرها، و أمّا اشتراط ترك التسري و التزوّج من الشروط العقلائية التي ربّما تكون مؤثرة في توطيد أواصر الزوجية، فهي ليست مخالفة للشرع أوّلا، و الروايات الدالة على بطلانهما، ناظرة إلى جهة أخرى، غير جهة نفس الاشتراط ثانيا، فإليك بيان الأمرين:

1- ليس ترك التزوّج و التسري من الشرط المخالف

المقياس في تميّز الشرط المخالف عن غيره هو أن يكون الشرط مخالفا للحكم الشرعي بالدلالة المطابقية، أي تكون المخالفة مائة بالمائة و ذلك فيما إذا كان

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15، الباب 10 من أبواب المهور، الحديث 2 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 249

الحكم الشرعي وحداني التعلّق أي له وجه واحد، و تعلّق فارد و لا يجوز العدول عمّا ورد إلى غيره كما في الأمثلة التالية:

1- الطلاق بيد من أخذ بالساق.

2- الوطء بيد الزوج متى شاء وجبت عليها الطاعة.

3- يجب للزوج القيام بحقّ المضاجعة و المواقعة و النفقة لعامة زوجاته.

4- يحرم قطع الرحم أو تجب الصلة بين الأرحام.

5- لا يجوز للزوجة أن

تخرج من البيت إلّا بإذن الزوج.

إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية القطعية التي لا يجوز العدول عنهما إلى غيره الذي عبّرنا عنها بوحدانيّ التعلّق.

فإذا تعلّق غرض الزوجة أو أوليائها، اشتراط خلاف ما ذكر كاشتراط كون الطلاق أو الوطء بيد الزوجة، أو اشترط عدم القيام بالوظائف اللازمة في حقّ الضرّة، أو قطع الرحم بين الأرحام أو الوالدين، أو كونها مختارة في الخروج عن البيت بلا حاجة لإذن الزوج فإنّ الشرط في جميع هذه الموارد على خلاف الكتاب و السنّة و فيها يصدق شرط اللّه قبل شرطكم و أمّا أنّ فساد الشرط يفسد العقد أو المهر، فقد مرّ الكلام فيه، و قلنا بعدم الفساد.

و أمّا إذا كان للتشريع وجهان، و بعبارة أخرى يكون ثنائيّ التعلّق كما في الأمثلة التالية:

1- للزوج أن يتزوّج زوجة ثانية و أن لا يتزوّج.

2- للزوج أن يتسرّى بامته و أن لا يتسرّى.

3- للزوج أن يقيم في بلد أهل الزوجة و أن لا يقيم.

4- للزوج أن يفتض و أن لا يفتض ما لم يؤدّ إلى ضياع حقّ الزوجة. إلى غير

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 250

ذلك من التشريعات ذوات الأعدال.

ففي هذه الموارد يكون مآل الاشتراط إلى أحد أمرين:

1- سلب الاختيار عن الزوج، و أن لا يكون له هذا الشأن، من التزوّج، و التسري، و الإقامة في أيّ بلد شاء و الافتضاض أيّ وقت شاء، و لا شكّ أنّ الاشتراط بهذا المعنى، يخالف التشريع الإلهي و لكن هذا النوع من المخالفة بعيد عن الأذهان العامة فانّ الذي يهمّهم غير ذلك و هو الذي نذكر في التالي:

2- إنّ الشارط مع تسليمه كون زمام الأمر بيد الزوج يشترط عليه أن يأخذ من الطرفين،

ذات الطرف المعيّن في فترة خاصة أي لا يتزوّج و لا يتسرّى، و يقيم في بلد أهل الزوجة، و لا يفتض، فانّ مثل ذلك لا يعد معارضا للتشريع، و إنّما هو أخذ التزام من الزوج، على تطبيق عمله على واحد في الطرفين، لغاية من الغايات، و يكون نظير سائر الشروط، الذي أشرنا إليه كعدم الخيار للبائع، أو عدم استفادة البائع من المبيع، أو المشتري من الثمن، مدّة محدودة فإنّ مآل جميع مدّة الشروط إلى تقييد الإطلاق، و إخراج ما لولاه لدخل.

و على ضوء هذا، لا يعدّ اشتراط عدم التزوّج و التسري في الأمة، مخالفا للحكم الإلهي، إذ ليس الشارط بصدد نفي الخيار الشرعي، و إحلال حكمه محلّه، بل هو يسلم أنّ للزوج، أن يتزوّج و لا يتزوّج و يتسرى و لا يتسرى لكنّه يشرط عليه أن يختار طرفا خاصا من هذا الخيار، فمثل هذا، فمثل هذا، استثناء من الإطلاق، بحيث لولاه لدخل، هذا كلّه حول الأمر الأوّل، فتبيّن أنّ الشرط المخالف للكتاب و السنّة، غير اشتراط ترك التسري و التزوّج المتعارف. بقي الكلام في الأمر الثاني و هو:

2- بيان حال الروايات الدالّة على بطلان هذا النوع من الشرط.

إنّ الروايات الواردة على أقسام ثلاثة:

أ: ما يدلّ على صحّة الاشتراط و هذا هو المؤيّد لنظرنا.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 251

ب: ما يدلّ على عدم صحّته لأجل بطلان ما يترتّب عليه.

ج: ما يوهم عدم صحّته لنفسه.

أمّا القسم الأوّل فتدلّ عليه:

1- رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قال لغلامه: أعتقك على أن أزوّجك جاريتي هذه، فإن نكحت عليها أو تسرّيت فعليك مائة دينار، فأعتقه على ذلك فنكح أو تسرّى أ عليه مائة دينار و

يجوز شرطه؟

قال: يجوز عليه شرطه. «1»

2- رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في الرجل يقول لعبده: أعتقك على أن أزوّجك ابنتي فإن تزوّجت عليها أو تسرّيت فعليك مائة دينار، فأعتقه على ذلك و زوّجه فتسرّى أو تزوّج قال: عليه شرطه. 2

و أمّا القسم الثاني، أعني: ما يدلّ على أنّ بطلان الاشتراط لأجل ما يترتّب عليه و هو وقوع الطلاق بنفس عدم الوفاء بالشرط من دون حاجة إلى إجراء صيغة أو حضور العدلين و كونها في غير طهر المواقعة و غيرها من الشروط فهو عبارة عن ما يلي:

3- رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل قال لامرأته: إن نكحت عليك أو تسرّيت فهي طالق؟ قال: ليس ذلك بشي ء إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: من اشترط شرطا سوى كتاب اللّه فلا يجوز ذلك له و لا عليه. «3»

4- محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة و شرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو اتّخذ عليها سريّة فهي طالق، فقضى في ذلك: إنّ شرط اللّه قبل شرطكم فإن شاء وفى لها بما اشترط و إن شاء أمسكها و اتّخذ عليها

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 16، الباب 12، من أبواب كتاب العتق، الحديث 1 و 4.

(3)- الوسائل: 15، الباب 38، من أبواب المهور، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 252

و نكح عليها. «1»

و المراد من قوله: «شرط اللّه قبل شرطكم» عدم وقوعه إلّا الطلاق بصيغة خاصّة في حضور العدلين و كونها في طهر غير المواقعة، و غيرهما من الشرائط.

نعم ظاهر قوله: «فإن شاء

وفى لها بما اشترط ...» أنّ الشرط ممّا يمكن الوفاء به و بما أنّ الشرط أعني: شرط النتيجة، لا يمكن الوفاء به، لا محيص من العدول عن هذا الظاهر، بالتفريق بين الجملتين بحمل قوله: «شرط اللّه ...» على توقّف الطلاق على الشروط، و حمل قوله: «فإن شاء وفى بما اشترط» على ترك التزوّج و التسرّي، أي لا يتزوّج و لا يتسرّى حفظا للوئام.

و هذا النوع من الطلاق، هو المعروف بالطلاق المعلّق أو الحلف عليه.

قال السبكي الشافعي: إنّ الطلاق المعلّق، منه ما يعلّق على وجه اليمين، و منه ما يعلّق على غير وجه اليمين، فالطلاق المعلّق على غير وجه اليمين كقوله:

إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، و الذي على وجه اليمين كقوله: إن كلّمت فلانا فأنت طالق، أو إن دخلت الدار فأنت طالق، و هو الذي يقصد به الحث أو المنع أو التصديق، فإذا علّق الطلاق على هذا الوجه ثمّ وجد المعلّق عليه، وقع الطلاق «2». أي على قاعدتهم.

و على هذا فالروايات وردت لردّ فتوى العامة القائلة بالجواز و قد تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت على أنّ الحلف على العتاق و الطلاق و صدقة الأموال باطل. «3»

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 38، من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- السبكي: الدرة المضيئة في الردّ على ابن تيميّة.

(3)- الوسائل: 16، الباب 14 من أبواب كتاب الأيمان، لاحظ روايات الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 253

5- و يقرب من هذا القسم: رواية حمادة أخت أبي عبيدة الحذّاء قالت:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة و شرط لها أن لا يتزوّج عليها و رضيت أنّ ذلك مهرها قالت: فقال

أبو عبد اللّه عليه السّلام: هذا شرط فاسد، لا يكون النكاح إلّا على درهم أو درهمين. «1»

دلّت الرواية على أنّ فساد الشرط إنّما لأجل أنّه جعل نفس ترك التزوّج عليها مهرا و أنّه لا يصلح له و لو كان نفس الشرط، فاسدا، لكان نسبة الفساد إليه أولى، لأنّ التعليل بالذاتي أولى من التعليل بالعرضي.

و على ضوء هذه الروايات الثلاث ظهر أنّ اشتراطهما صحيح بشرط أن لا يترتّب عليه أمر فاسد، كتحقّق الطلاق بلا شروطه أو صحّة النكاح بلا مهر أبدا.

6- و مثله رواية زرارة: أنّ ضريسا كانت تحته بنت حمران، فجعل لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى أبدا في حياتها و لا بعد موتها، على أن جعلت له هي أن لا تتزوّج بعده أبدا و جعلا عليهما من الهدي و الحجّ و البدن و كلّ مال لهما في المساكين إن لم يف كلّ واحد منهما لصاحبه، ثمّ إنّه أتى أبا عبد اللّه عليه السّلام فذكر ذلك له، فقال: إنّ لابنة حمران لحقّا و لن يحملنا ذلك على أن لا نقول لك الحقّ، اذهب فتزوّج و تسرّ فإنّ ذلك ليس بشي ء و ليس عليك و لا عليها، و ليس الّذي صنعتما بشي ء فجاء فتسرّى و ولد له بعد ذلك أولاد. «2»

و الظاهر أنّ عدم النفوذ لأجل أنّه لا تكون الأموال صدقة بنفس الشرط «3» فانّها مثل الطلاق- مضافا إلى أنّها تحتاج إلى قصد القربة- تتوقف على صيغة خاصة، هذا كلّه حول القسمين الأوّلين.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 15، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 2.

(3)- المصدر نفسه: 16 من كتاب الأيمان، الباب 14، لاحظ الروايات.

نظام النكاح في الشريعة

الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 254

و أمّا القسم الثالث: أي ما يبدو منه كون نفس الشرط فاسدا مخالفا للكتاب، لا باعتبار ما يترتّب عليه من الطلاق فهو رواية ابن مسلم التي رواها العياشي مرسلا عن أبي جعفر فصدرها ظاهر في أنّ بطلان الشرط لأجل بطلان ما يترتّب عليه حيث قال: «إن تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو أتى عليها سرية فانّها طالق فقال: شرط اللّه قبل شرطكم ...» «1»، فهو مثل رواية محمد بن قيس.

و لكن الذيل يوهم أو يدلّ على أنّ بطلان الشرط لأجل كونه مخالفا للكتاب، حيث أخذ الإمام عليه السّلام يستدلّ على بطلان الشروط الثلاثة، بالآيات الواردة فيها.

و لكن الرواية مرسلة أوّلا، و مضطربة ثانيا، و مشتملة على لحن «2» في نقل الآية ثالثا ففيها: «و أحلّ لكم ما ملكت أيمانكم» مع أنّ الوارد في الكتاب: أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ (النساء/ 3) و: إِلّٰا مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ (النساء/ 22)، و لا يمكن تصديق مضمونه رابعا إذ من المعلوم أنّه ليس هنا أيّة دالّة على انّ الالتزام أو الملتزم في المقام تخالفانه.

ثمّ إنّ المشايخ، لأجل عدم تنقيح مناط المخالفة للكتاب و السنّة، وقعوا في إشكال. فمن جانب أفتوا بكون ترك التسري و التزوّج من الشروط المخالفة لهما و من جانب آخر، أفتوا بجواز شرط عدم الافتضاض، أو عدم الإخراج عن بلدها مع أنّ الجميع من باب واحد، و ربّما كان وجه الفصل، هو ورود النصّ في الأوّلين دون الأخيرين، مع أنّ لسان النص، ليس التعبّد بل لأجل كون اشتراطهما على خلاف الكتاب و السنّة، و لو أنّهم أعطوا حق النظر- كما هو عادتهم أنار اللّه برهانهم- لوقفوا أنّ وجه المخالفة، ليس في نفس

الاشتراط بل لما يترتّب عليهما من تحقّق الطلاق بلا شروط.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 6.

(2)- و يكون دليلا على عدم كون الراوي ضابطا في نقل الرواية.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 255

و على ذلك نحن في غنى عن البحث في اشتراط عدم الافتضاض و الخروج، و لكن لأجل الإيضاح نذكرهما بوجه موجز.

المسألة السادسة: إذا شرطت أن لا يقتضّها

لو شرطت أن لا يقتضّها، ففي المسألة أقوال ثلاثة:

1- يصحّ الشرط مطلقا، و عليه الشيخ في النهاية و المحقق في الشرائع.

2- لا يصحّ الشرط مطلقا و عليه ابن البرّاج في المهذّب و ابن إدريس في السرائر.

3- التفصيل بين الدائم فلا يصحّ، و المنقطع فيصحّ و عليه الشيخ في المبسوط.

و إليك كلماتهم:

قال الشيخ: فإن شرطت عليه في حال العقد أن لا يقتضّها، لم يكن له اقتضاضها، قال: فإن أذنت له بعد ذلك في الاقتضاض جاز له ذلك. «1»

قال في المبسوط: و أمّا إن كان شرطا يعود إلى فساد العقد مثل أن تشترط الزوجة عليه ألّا يطأها فالنكاح باطل لأنّه شرط يمنع المقصود بالعقد، فقد روى أصحابنا أنّ العقد صحيح و الشرط صحيح و لا يكون له وطؤها فإن أذنت فيما بعد، كان له ذلك و عندي أنّ هذا يختصّ عقد المتعة دون الدوام. «2»

و قال ابن البرّاج بالمنع مطلقا قال: فإن شرط لها أن يكون الوطء بيدها لم يصح ذلك و ذكر (أي الشيخ في النهاية) أنّها إن شرطت عليه أن لا يقتضّها لم يكن

______________________________

(1)- الطوسي: النهاية: 474.

(2)- الطوسي: المبسوط: 4/ 304.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 256

له ذلك إلّا بأمرها و الأولى ما ذكرناه. «1»

قال المحقّق: و لو شرط أن لا يقتضّها

لزم الشرط و لو أذنت بعد ذلك جاز عملا بإطلاق الرواية، و قيل يختصّ لزوم هذا الشرط بالنكاح المنقطع و هو تحكّم.

و لا يخفى ضعف التفصيل لأنّ عدم الاقتضاض إن كان مخالفا لمقتضي العقد، يكون العقد باطلا من غير فرق بين الدائم و المنقطع و إلّا، فيكون صحيحا مطلقا، و إن كان شرطا مخالفا للكتاب و السنّة، يكون الدائم و المنقطع في الحكم بالافساد و عدمه سواسية.

و يدلّ على الصحّة مطلقا- مضافا إلى ما ربّما يتمسّك به في المقام من النبوي: المؤمنون عند شروطهم. «2»- بعض الروايات المتضافرة كرواية سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: رجل جاء إلى امرأة فسألها، أن تزوّجه نفسها فقالت: أزوّجك نفسي على أن تلتمس منّي ما شئت من نظر و التماس، و تنال منّي ما ينال الرجل من أهله إلّا أنّك لا تدخل فرجك في فرجي و تلذّذ بما شئت فإنّي أخاف الفضيحة، قال: ليس له منها إلّا ما اشترط. «3»

و استدلّ على المنع، بما ذكره ابن إدريس في السرائر فانّه بعد ما نقل فتوى الشيخ في النهاية، و رجوعه عنها في المبسوط قال: و الذي يقتضيه المذهب أنّ الشرط باطل لأنّه مخالف لموضوع الكتاب و السنّة. «4»

و قد عرفت عدم المخالفة، و ذلك للفرق بين الحكم الوحداني، و الحكم

______________________________

(1)- ابن البرّاج: المهذّب: 2/ 207 و قد سوّى ابن البراج بين الشرطين: كون الوطء بيدها، و عدم الاقتضاض.

(2)- و الظاهر عدم الصحّة لأنّه مخصص بما لم يكن مخالفا للكتاب و السنّة و التمسّك في المقام، تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، لاحتمال كون الاشتراط على خلافهما.

(3)- الوسائل: 15، الباب 36، من أبواب المهور، الحديث

1، و لاحظ الحديث 2.

(4)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 589.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 257

الثنائي فللزوج الخيار بين الاقتضاض و عدمه، فتشترط الزوجة أن يختار جانب الترك، نعم لو اشترط كون الوطء بيدها فهو يصادم نفس الحكم الشرعي، و ربما كانت النتيجة واحدة و لكن يحرّم الكلام و يحلّل الكلام.

المسألة السابعة: في اشتراط عدم إخراجها من بلدها

إذا شرطت أن لا يخرجها من بلدها، يصحّ و يجب الوفاء، لعموم وجوب الوفاء بالشرط و عدم كونه مخالفا للكتاب و السنّة، و ورود النصّ به. «1»

نعم ذهب الشيخ في الخلاف «2» و المبسوط «3» إلى عدم الجواز و تبعه ابن إدريس و قال مجيبا عن النصّ الدال على الجواز: و هذه رواية شاذة لأنّها مخالفة لما تقتضيه أصول المذهب، لأنّها يجب عليها مطاوعة زوجها و الخروج معه إلى حيث شاء و إن لم تجبه إلى ذلك كانت عاصية للّه تعالى و سقطت عنه نفقتها. «4»

يلاحظ عليه: أنّه تجب عليها المطاوعة لو لا الاشتراط. و معه لا يصدق العصيان.

المسألة الثامنة: في اشتراط الخيار في النكاح

اشارة

المشهور أنّه لا يصحّ جعل الخيار في النكاح و يصحّ في الصداق.

قال الشيخ: فإذا شرطا في النكاح خيار الثلاث، نظرت، فإن كان في أصل العقد، فالنكاح باطل، لأنّه عقد يلزم بنفسه فلا يصحّ خيار الشرط فيه، و إن كان

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 40 من أبواب المهور، الحديث 1 و 2.

(2)- الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 32.

(3)- الطوسي: المبسوط: 4/ 303.

(4)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 59.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 258

الشرط في المهر ففيه قولان: أحدهما: النكاح باطل، و الثاني: النكاح صحيح. «1»

و هل عدم الصحّة، لأجل أنّ فيه شائبة العبادة التي لا تقبل الخيار، أو لكونه منافيا لمقتضى العقد أو لكونه منافيا للكتاب و السنّة أو شي ء آخر، و هو: أنّ العقلاء ينظرون إلى النكاح، بنظر قدسي، فيرون علقة الزوجية أعلى و أنبل من قبول الخيار و الاقالة و لأجل ذلك لم ير منهم، و الأدلّة الإمضائية للنكاح، لا تشمل غير المعتبر عند العقلاء إذا كان هناك دالّ على التوسع

و هو غير موجود.

و من الأصحاب من يقول بصحّة العقد و بطلان الشرط قائلا بوجود المقتضي لصحّة العقد، و هو اجتماع شرائط الصحّة فيه لأنّه الفرض، و انتفاء المانع إذ ليس إلّا اشتراط الخيار و إذا كان العقد غير قابل للخيار لنفي شرطه، و عمل بمقتضى العقد لأصالة الصحّة. «2»

و قال المحقق: «لو شرط الخيار في النكاح بطل و فيه تردّد منشؤه الالتفات إلى تحقق الزوجية لوجود المقتضي، و ارتفاعه عن تطرق الخيار أو الالتفات إلى عدم الرضا بالعقد لترتّبه على الشرط «3» و ما ذكر من مقتضى الصحّة، فهو ما أشار إليه ابن إدريس في كلامه الماضي و أمّا ما أفاد في وجه الفساد فهو وجهان:

1- النكاح أرفع من تطرّق الخيار.

2- إنّ الرضا ترتّب على صحّة الشرط و المفروض انتفاؤها.

و الوجه الأوّل هو المتعيّن و أمّا الوجه الثاني، فلو صحّ لزم بطلان العقد في كلّ مورد بطل الشرط مع أنّهم لا يقولون بفساد العقد، مع فساد شرطه اللّهمّ إلّا أن

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 304.

(2)- الحدائق: 24/ 545 نقلا عن السرائر.

(3)- الجواهر: 31/ 106، قسم المتن.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 259

يقال بوجود تعدّد المطلوب في غير النكاح و وحدته فيه.

و خلاصة الكلام أنّه إذا كان الخيار، أمرا غير رائج بين العقلاء فالأدلّة الإمضائية، لا تشمل ما هو الخارج عنه.

الخيار في المهر

نعم لو اشترط الخيار في المهر صحّت الثلاثة: العقد و المهر و الشرط، إذ ليس المهر المشروط بأقلّ ممّا لم يذكر فيه المهر فيندرج تحت قوله: «المؤمنون عند شروطهم» «1» ثمّ إنّه لو استمرّت الزوجية و لم يفسخ ذو الخيار، تعيّن المذكور في العقد و إلّا يرجع إلى مهر المثل.

المسألة التاسعة: في أنّ الصداق يملك بالعقد

المشهور بين الأصحاب أنّ المهر يملك بالعقد كلّه، لكن ملكية متزلزلة بالنسبة إلى الكلّ، و إنّما يستقرّ الكلّ بالدخول خلافا لابن الجنيد حيث استظهر من كلامه أنّها لا تملك إلّا النصف، و إنّما يملك النصف الآخر بالدخول فقال:

الذي يوجبه العقد من المهر المسمّى، النصف، و الذي يوجب النصف الثاني من المهر، بعد الذي وجب بالعقد منه، هو الوقاع أو ما قام مقامه من تسليم المرأة نفسها لذلك «2».

لكن عبارته ليست آبية عن الحمل على الاستقرار بالدخول.

قال الشيخ في الخلاف: إذا أصدقها صداقا ملكته بالعقد، و كان من ضمانه إن تلف قبل القبض، و من ضمانها إن تلف بعد القبض. فإن دخل بها استقرّ، و إن

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.

(2)- المختلف: كتاب الصداق.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 260

طلّقها قبل الدخول بها رجع بنصف المهر المعيّن دون نمائه. و به قال أبو حنيفة، و أصحابه، و الشافعي.

و قال مالك: إنّما ملكت بالعقد نصفه، فيكون الصداق بينهما نصفين، فإذا قبضته كان لها نصفه بالملك، و الآخر أمانة في يدها لزوجها. فإن هلك من غير تفريط هلك منهما. فإن طلّقها قبل الدخول كان له أخذ النصف، لأنّه ملكه لم يزل عنه.

دليلنا: قوله تعالى: وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً (النساء/ 4) و فيه دلالة من وجهين:

أحدهما: أنّه أضاف الصدقات إليهن،

و الظاهر أنّه لهنّ، و لم يفرق بين قبل الدخول و بعده.

و الثاني: أنّه لمّا أمر بايتائهنّ ذلك كلّه، ثبت أنّ الكل لهنّ.

و أيضا إجماع الفرقة، فإنّهم رووا بلا خلاف بينهم: أنّه إذا أصدقها غنما، ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «إن كان أصدقها و هي حامل عنده فله نصفها و نصف ما ولدت، و إن أصدقها حائلا ثمّ حملت عندها لم يكن له من أولادها شي ء» و هذا يدلّ على أنّها قد ملكته بالعقد دون الدخول. «1»

و قال ابن إدريس: و متى مات أحد الزوجين قبل الدخول، استقرّ جميع المهر كاملا، لأنّ الموت عند محصلي أصحابنا يجري مجرى الدخول في استقرار المهر جميعه، و هو اختيار شيخنا المفيد في أحكام النساء، و هو الصحيح، لأنّا قد بيّنا، بغير خلاف بيننا، أنّ بالعقد تستحقّ المرأة جميع المهر المسمّى، و يسقط الطلاق قبل الدخول نصفه، فالطلاق غير حاصل إذا مات، فبقينا على ما كنّا عليه من

______________________________

(1)- الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 261

استحقاقه، فمن ادّعى سقوط شي ء منه، يحتاج إلى دليل، و لا دليل على ذلك من إجماع، لأنّ أصحابنا مختلفون في ذلك، و لا من كتاب اللّه تعالى، و لا تواتر أخبار، و لا دليل عقل، بل الكتاب قاض بما قلناه، و العقل حاكم بما اخترناه.

و يدلّ على القول المشهور أمور:

1- قوله سبحانه: وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (النساء/ 4) فإنّ الإضافة إليها دليل على كونه بأجمعه لها مطلقا قبل الدخول و بعده.

2- ما دلّ على أنّ نماء

الصداق المتخلل بين العقد و الطلاق لها و إن طلّقها الزوج قبل الدخول. «1»

3- ما دلّ على أنّ لها الصداق كاملا إذا مات الزوج قبل الدخول و ترثه و تعتدّ أربعة أشهر و عشرا كعدّة المتوفى عنها زوجها «2».

نعم يبقى الكلام في المعارض و هو:

صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة على بستان له معروف و له غلّة كثيرة، ثمّ مكث سنين لم يدخل بها ثمّ طلّقها؟ قال: ينظر إلى ما صار إليه في غلّة البستان من يوم تزوّجها فيعطيها نصفه و يعطيها نصف البستان إلّا أن تعفو فتقبل منه و يصطلحا على شي ء ترضى به منه فإنّه أقرب للتقوى. «3»

فانّ مقتضى كون الصداق كلّه ملكا للزوجة هو عود جميع النماء المتخلّل

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 34 من أبواب المهور، الحديث 1- 2 موثق عبيد بن زرارة.

(2)- الوسائل: 15، الباب 58 من أبواب المهور، الحديث 20- 24.

(3)- الوسائل: 15، الباب 30 من أبواب المهور، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 262

بين العقد و الطلاق إليها، لا نصف النماء.

و يمكن أن يقال بأنّ الصداق هو الأرض، و أمّا الغلة، فهو للرجل الزارع و ليست من نماء الأصل و ذلك لقاعدة أنّ الزرع لمالك الحبّة و أمّا دفع النصف فلأجل التصرّف في أرض الغير، فتستحقّ أجرة المثل و لعلّها كانت هي نصف غلّة البستان، و بما أنّ صدر الحديث يعرب عن وجود الشقاق بينهما حيث مكث الزوج سنين و لم يدخل بها ثمّ طلّقها فيحتمل أن يكون التصرّف كان بلا إذن منها، فيتعيّن أجرة المثل و لأجل ذلك أمر بالصلح و أنّه أقرب للتقوى.

نعم هناك

روايات ربّما يستظهر منها نظر ابن الجنيد، نظير قوله:

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 262

1- إذا أولجه وجب الغسل و الجلد و الرجم و وجب المهر.

2- لا يوجب المهر إلّا الوقاع في الفرج.

3- متى يجب المهر؟ قال: إذا دخل بها.

4- إذا التقى الختانان وجب المهر و العدّة. «1»

و هذا الصنف غير آب عن الحمل على الاستقرار و يؤيّد ذلك ما سبق من أنّه إذا وهبته أو أبرأته عن المهر، ثمّ طلّقها الزوج قبل الدخول، وجب عليه النصف على ما مرّ.

و تظهر الثمرة في مقامين:

الأوّل: النماء المتخلّل بين العقد و الطلاق كلّه لها على القول المشهور، و ينصّف على القول الشاذ.

الثاني: يجوز لها التصرف بالبيع شأن كلّ ملكية متزلزلة، غاية الأمر يرجع الزوج بعد الطلاق إلى المثل أو القيمة.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 54 من أبواب المهور، الحديث 5- 9.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 263

بخلاف ما لو قلنا بأنّها لا تملك إلّا النصف:

و يدلّ عليه أمور:

1- الناس مسلّطون على أموالهم. «1»

2- جواز هبتها كلّ المهر لزوجها. «2»

3- جواز دفع العبد الآبق و الحبرة مكان الصداق كلّه. «3»

نعم خالف الشيخ و قال بعدم جواز التصرّف قبل القبض و تمسّك بقول النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم و لا تبع ما لم يقبض و إليك نصّه:

ليس للمرأة التصرّف في الصداق قبل القبض و به قال جميع الفقهاء و قال بعضهم: لها ذلك. دليلنا أنّ جواز تصرّفها فيه بعد القبض مجمع عليه و لا دليل على جواز تصرّفها فيه قبل القبض و روي عن النبيّ

صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّه نهى عن بيع ما لم يقبض و قد روى ذلك أصحابنا و لم يفصل. «4»

و لعلّ النهي للكراهة و التنزيه و على فرض كونه محظورا فما دلّ من الروايات على الجواز أخصّ منه فتقدّم عليه.

المسألة العاشرة

قد عرفت أنّ المشهور هو أنّ المرأة تملك المهر بمجرّد العقد إلّا أنّه متى طلّقها قبل الدخول عاد نصفه إلى الزوج، لكنّه إن عفت الزوجة أو من بيده عقدة النكاح، يصير المجموع له و الأصل في ذلك قوله سبحانه: وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ

______________________________

(1)- المجلسي: البحار: 2/ 272.

(2)- الوسائل: 15، الباب 41 من أبواب المهور، الحديث 1.

(3)- الوسائل: 15، الباب 24 من أبواب المهور، الحديث 1.

(4)- الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 264

قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوىٰ وَ لٰا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّٰهَ بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة/ 237).

هذا ممّا لا كلام فيه إلّا أنّه وقع الاختلاف في تفسير من بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ فهل هو الأب أو الجدّ للمرأة، أو الزوج، المشهور عند أصحابنا هو الأوّل و دلّت عليه روايات، قال الشيخ في الخلاف: «الذي بيده عقدة النكاح عندنا هو الوليّ، الذي هو الأب، أو الجدّ. و به قال ابن عباس، و الحسن البصري، و ربيعة، و مالك، و أحمد بن حنبل. و هو قول الشافعي في القديم.

إلّا أنّ عندنا له أن يعفو عن بعضه «1»، و ليس له أن يعفو عن جميعه.

و قال في الجديد: هو الزوج، و رووا ذلك عن علي عليه

السّلام و جبير بن مطعم، و سعيد بن جبير، و سعيد بن المسيب، و شريح، و مجاهد، و الشعبي، و النخعي، و الأوزاعي، و أهل الكوفة، سفيان الثوري، و ابن أبي ليلى، و أبي حنيفة و أصحابه.

دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا قوله تعالى: وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ- إلى قوله:- أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ (البقرة/ 237) و فيها أدلّة:

أوّلها: أنّه افتتح الآية، فخاطب الزوج بخطاب المواجهة، ثمّ عدل عنه إلى الكناية، فقال: فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ (البقرة/ 237) و الخطاب متى عدل به عن المواجهة إلى الكناية، فالظاهر أنّه كنّى عن غير من واجهه بالخطاب أوّلا، و لو كان المراد به الزوج لما عدل به عن المواجهة.

______________________________

(1)- يأتي الكلام فيه فانتظر.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 265

الثاني: أنّه قال: إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ يعني الزوجة عن نصفها، ثمّ عطف على هذا فقال: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ فكان حمله على الولي أولى، لأنّه عطف عفو نصف الصداق من الولي على عفو نصفه من الزوجة، فكان عطف عفو على عفو تقدّم، أولى من عطف عفو لا على عفو تقدّم.

الثالث: قوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ فإذا حملناه على الولي حملنا الكلام على ظاهره من غير إضمار، فإنّ للولي أن يعقد، و بيده أن يعفو بعد الطلاق و قبل الدخول. و الزوج لا يملكها بعد الطلاق، و إنّما كان يملكها، فافتقر إلى إضمار. (أي من يملك عقد النكاح قبل الطلاق بخلاف الوليّ فانّه يملكها مطلقا و لأجل ذلك يزوّجها فيما بعد بغير المطلّق، أو له أيضا).

و الرابع: أنّ

اللّه تعالى ذكر العفو في الآية في ثلاثة مواضع فقال: إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوىٰ (البقرة/ 237) فمن قال: الذي بيده عقدة النكاح الولي حمل كلّ عفو على فائدة.

و إذا قلنا: هو الزوج. حملنا عفوين على فائدة واحدة على ما مضى فكان حمل كلّ عفو على فائدة أولى من حمل عفوين على فائدة. «1»

و هنا وجه خامس لترجيح قول الأصحاب و هو أنّه إذا قلنا بأنّ المراد ممّن بيده عقدة النكاح هو الولي من الأب أو الجدّ يكون المفروض في كلا العفوين أمرا واحدا و هو أنّ المهر كان في ذمّة الزوج أو تحت سلطته و لم يقع في سلطة الزوجة أو وليها، فالعفو عن كلا الموردين يتحقق بعفو نصف المهر عندئذ، و أمّا إذا قلنا إنّ المراد منه هو الزوج يكون المفروض في العفو الثاني غيره في الأوّل و هو أن لا يطلب الزوج النصف الباقي و لا يصدق إلّا بدفع الجميع.

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 34.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 266

و أمّا الروايات فقد عقد صاحب الوسائل بابا «1» في أبواب المهور، تدل أو يستظهر منها أنّ المراد منه هو الوليّ، ثمّ بذل صاحب الحدائق بعده الجهد في المقام فأورد أربعة عشر حديثا «2» كلّها يؤيّد القول المشهور.

نعم ربما ورد في بعض الروايات «الأخ» و الإجماع منعقد على عدم ولايته، فيحمل على ما إذا كان وصيّا فيما لم يرد في متنها لفظ الوصي. «3» أو على ما إذا كان متوليا لأمور الزوجة بإذنها منها و ذلك فيما إذا ذكر معه في متنها الوصي 4 و في حديث إسحاق

بن عمّار إيماء إلى ما ذكرنا 5.

و هل يشترط في عفو الولي وجود المصلحة عطفا على ما دلّ على اعتبار المصلحة في التصرّف في مال المولّى عليه في قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتٰامىٰ قُلْ إِصْلٰاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ (البقرة/ 220) و قوله تعالى: وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (الأنعام/ 152).

أو لا يعتبر وجودها بل يكفي عدم المفسدة أخذا بإطلاق الروايات الكثيرة وجهان، و يؤيّد الأوّل أنّه ليس للولي في المقام العفو عن كلّ الصداق «6» لافتقاده المصلحة و مع ذلك يحتمل أن يكون لاشتماله على المفسدة فيه، و لأجل عدم دليل واضح في المقام على أيّ واحد من القولين فالأحوط الاكتفاء بما إذا كانت فيه المصلحة و يكون المقام كسائر تصرّفات الأولياء و إلى ما ذكرنا صرّح المحقّق و قال: «يجوز للأب و الجدّ للأب، أن يعفو عن البعض و ليس لهما العفو عن الكلّ و لا يجوز لولي الزوج أن يعفو عن حقّ الزوج إن حصل الطلاق» كما إذا صار مولّى

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 52 من أبواب المهور.

(2)- البحراني: الحدائق: 24/ 560- 563.

(3) و 4 و 5- الوسائل: 15، الباب 52 من أبواب المهور، الحديث 5 و 1.

(6)- الوسائل: 13، الباب 7 من أبواب الوكالة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 267

عليه بجنون أو بلغ فاسد العقل و قلنا بصحّة طلاق الولي عنه.

المسألة الحادية عشرة: فيما إذا صار المهر المؤجّل حالا

إذا كان المهر مؤجّلا، لم تكن للمرأة الامتناع من الدخول، لأنّها رضيت على كونه مؤجّلا، لكنّها لو امتنعت إلى أن صار المهر حالا، كان لها الامتناع، كما إذا كان المهر حالا من أوّل الأمر، و عصيانها فيما كان مؤجّلا لا يؤثّر فيما إذا

صار حالا، لأنّ المقام من قبيل تبدّل الموضوع.

المسألة الثانية عشرة: لو أصدقها قطعة من فضّة فصاغتها قرطين، ثمّ طلّقها قبل الدخول

إذا امتنع إعادة النصف لطروء صفة عليها موجبة لارتفاع قيمتها، نظير ما إذا خاط اللباس أو صبغه ينتقل إلى المثل و القيمة شأن كلّ تصرف موجب لارتفاع القيمة، المستلزم لامتناع ردّ العين على ما هو عليه نعم لو رضي الزوج مع بذل قيمة الوصف جاز، لكن بدلا عن القيمة، لا ردّا لنفس الصداق.

المسألة الثالثة عشرة:

يجوز أن يجمع بين نكاح و بيع في عقد واحد و يقسّط العوض على الثمن و مهر المثل، بشرط أن يكون المبيع عروضا، فلو كان مهر المثل مائة دينار، و ثمن المبيع خمسين دينارا و كان العوض في مقابلها مائة دينار، يقسّم العوض أثلاثا، ثلثان للمهر، و ثلث لثمن المبيع.

نعم لو كان المبيع نقدا، يلزم الربا كما إذا قالت: زوّجتك نفسي و بعتك هذا الدينار، بدينار، لأنّه باع الدينار بدينار مع زيادة، و هو الاستيلاء على البضع.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 268

المسألة الرابعة عشرة:

لا بدّ من تعيين المهر بما يخرج عن الإبهام فلو أمهرها أحد هذين مشيرا إلى نوعين كالدرهم و الدينار أو خياطة أحد ثوبين مختلفي الخياطة كالقميص و العباءة مثلا بطل المهر دون العقد، و كان لها مع الدخول مهر المثل «نعم لا يعتبر فيه التعيين الذي يعتبر في البيع و نحوه من المعاوضات، فيكفي مشاهدة عين حاضرة، و إن جهل كيله أو وزنه أو عدّه أو ذرعه كصبرة من الطعام و قطعة من الذهب و طاقة مشاهدة من الثوب و صبرة حاضرة من الجوز و أمثال ذلك». «1»

و ذلك لأنّ النكاح ليس من المعاوضات الحقيقية، فيكفي الخروج من الإبهام، فلو قال: أتزوّجك بما في يدي، مردّدا بين الدينار و الدرهم و النحاس فلا يصحّ كما عرفت، نعم لو قال: جعل الصداق أحد الثوبين المتساويين من جميع الجهات قيل: لا يصحّ لاشتراط التعيين لرفع الغرر.

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يصحّ لو كانت الألبسة قيمية، تختلف أفرادها قيمة و رغبة، و أمّا الآن فقد غيّر الجهاز الصناعي الوضع و صيّرها مثلية لا يتفاوت أفرادها و إن كانت آلافا منها و هذا أحد

الموارد التي يكون لعنصر الزمان و المكان تأثير في الافتاء لأجل تغيير الصغرى و بالتبع تتغيّر الكبرى، و للبحث صلة ليس المقام مناسبا لذكرها.

و بما ذكرنا يعلم صحّة ما أفاده المحقق حيث قال:

1- «لو تزوّجها على مال مشار إليه غير معلوم الوزن أو غيره ممّا يعتبر فيه العدّ، و الكيل، و الذرع فتلف قبل قبضه فأبرأته منه صحّ، و ذلك لعدم اشتراط العلم بالمقدار في صحّة الإبراء إذ الإبراء مبني على الغرر و الضرر.

______________________________

(1)- السيد الأصفهاني: الوسيلة: 3/ 207، المسألة 3، فصل في المهر.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 269

2- و كذا لو تزوّجها بمهر فاسد و استقرّ لها مهر المثل فأبرأته أو من بعضه صحّ و لو لم تعلم كميته لأنّه إسقاط للحق فلم تقدح فيه الجهالة.

هذا كلّه ممّا لا غبار عليه نعم ذكر في آخر كلامه.

3- لو أبرأته من مهر المثل قبل الدخول لم يصحّ لعدم الاستحقاق فهو من قبيل إبراء ما لا يجب. «1»

و هذا يخالف ما ذكره سابقا من أنّ المهر يملك بالعقد و يستقرّ بالدخول على أنّ الحقّ، صحّة ضمان أو إسقاط ما ثبت فيه المقتضي و إن لم يصل إلى حدّ الوجوب، كضمان الدرك و غيره.

المسألة الخامسة عشرة: في تزويج الصغيرة و حكم المهر

اشارة

اتّفق الأصحاب على أنّ الوالد إذا زوّج ولده الصغير فإن كان له مال فالمهر على الولد و إن كان فقيرا فالمهر في عهدة الوالد، فلو مات الوالد أخرج المهر من أصل تركته لأنّه من ديونه سواء بلغ الولد و أيسر ثمّ مات الوالد، أو مات قبل ذلك أو بقي على ما كان عليه من الفقر.

و المسألة مورد اتّفاق و لأجل التقريب نذكر كلمة الشيخين:

قال المفيد: «و إذا عقد الرجل على

ابنه و هو صغير و سمّى مهرا، ثمّ مات الأب كان المهر من أصل تركته قبل القسمة إلّا أن يكون للصبي مال في حال العقد فيكون المهر من مال الابن دون الأب». «2»

و قال الشيخ: و إذا عقد الرجل على ابنه و هو صغير إلى آخر عبارة شيخه

______________________________

(1)- الجواهر: 31/ 124- 125.

(2)- المفيد: المقنعة، باب عقد المرأة على نفسها للنكاح: 511.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 270

المفيد. «1»

و أمّا الروايات فقد نقل الشيخ الحرّ في الباب 28 من أبواب المهور، خمس روايات و أحال الباقي إلى أبواب أخر مثل عادته في جميع الأبواب و يا ليته لم يجر على هذه العادة فقد أتعب المراجع لو لا أن المعلّق- رحمه اللّه- استدرك ما فاته و قد استقصاها الشيخ البحراني في كتابه. «2»

و لنذكر بعضها:

1- موثقة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزوّج ابنه و هو صغير؟ قال: إن كان لابنه مال فعليه المهر، و إن لم يكن للابن مال فالأب ضامن المهر ضمن أو لم يضمن. «3»

2- خبر الفضل بن عبد الملك «4» قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزوّج ابنه و هو صغير؟ قال: لا بأس، قلت: يجوز طلاق الأب؟ قال: لا، قلت: على من الصداق؟ قال: على الأب إن كان ضمنه لهم، و إن لم يكن ضمنه فهو على الغلام إلّا أن لا يكون للغلام مال فهو ضامن له و إن لم يكن ضمن. «5»

و حصيلة الرواية، أنّه إن ضمن الوالد المهر، فالصداق عليه كان الولد فقيرا أو غنيا و إلّا، فيضمن إذا كان الولد فقيرا لا غنيّا.

______________________________

(1)- الطوسي: النهاية، باب

من يتولّى العقد على النساء: 467.

(2)- البحراني، الحدائق: 24/ 571.

(3)- الوسائل: 15، الباب 28 من أبواب المهور، الحديث 1 و لاحظ الحديث 4 و 5 من نفس الباب.

(4)- المعروف بالبقباق، وصف بكونه خبرا لكون عبد اللّه بن محمد في طريقه و هو المعروف بالبنان أخو أحمد بن عيسى القمي و هو لم يوثّق، نقله الحر العاملي عن الكافي، و فيه: «إلّا أن يكون للغلام» مكان «إلّا أن لا يكون للغلام» و الثاني هو الصحيح و عليه نسخة المسالك، فلاحظ 1/ 605.

(5)- المصدر نفسه: الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 271

و هل يجوز للأب على تقدير فقر الولد، التصريح بعدم الضمان؟ قيل: نعم، كما عن العلامة في التذكرة، و قيل: لا، لأنّ قوله: «ضمن أو لم يضمن» يعمّ تلك الصورة أي اشتراط عدم الضمان.

يلاحظ عليه: أنّه ناظر إلى صورة عدم الضمان، لا التصريح بعدم الضمان و بعبارة أخرى ناظر إلى حالة السكوت لا التصريح بعدمه، و الظاهر صحّة نفي الضمان إذا كان في النكاح مصلحة تفوت بترك التزويج، و أدلّة الشروط متقدّمة على أحكام العناوين الأوّلية خصوصا إذا رضيت الزوجة به.

ثمّ إنّ إطلاق لفظ المال في جانب الولد يشمل لما يؤخذ في الدين و ما لا يؤخذ كدابّة الركوب و دار السكنى من مستثنيات الدين، ففي ذلك المورد، المهر على الابن، فإذا بلغ و طلبت الزوجة مهرها فهل يجب عليه بيعهما لأداء دينه، أو يتحوّل الصداق عندئذ إلى الذمة و لا يجب صرف هذه الأشياء في أداء دين المهر لو طلبته الزوجة، اختار الثاني المحدّث البحراني «1» و زعم أنّه نتيجة الجمع بين الدليلين.

يلاحظ عليه: أنّ مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي كون

المال في ذلك الظرف كالرهن في مقابل الصداق و ربّما ترغب الزوجة لأجل وجود رصيد مالي في مقابل المهر، و لازم ذلك أنّه لو طلبت يجب عليه صرف مالا يؤخذ في الدين في أداء الصداق و إلّا فلو لم يجب صرفه في أداء الصداق فأيّ فرق بين وجوده و عدمه في تعلّق الصداق بذمة الزوج، و بالجملة: إن تعلّق الصداق بذمة الزوج يكشف عن وجود استطاعة مالية له، يتمكّن معها، من الخروج عن عهدة الصداق و هذا فرع كونه قابلا للصرف في الدين.

و لو افترضنا وجود مال يفي ببعض الصداق لا كلّه، فهل يكون الكلّ على

______________________________

(1)- البحراني، الحدائق: 24/ 575.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 272

الأب، أو على الابن؟ أقول: إنّ لسان الروايات عدم وجود مال له أصلا فعند ذلك يضمن الأب، دون ما إذا كان له مال يفي الكلّ أو البعض فهو خارج عن لسان الروايات «1»، و لكن المناسبة تقتضي لزومه عليه بنسبة ما يملكه و إن كان ظاهر الإطلاق كونه على الأب و الأولى التصالح.

فروع

1- لو زوّج الصغير المعسر و صار المهر في ذمّته، فدفع الوليّ المهر إلى الزوجة فبلغ الصبي فطلّق قبل الدخول، فهل يستعيد الولد النصف أو يرجع إلى الوالد.

2- نفس الصورة و لكن الوالد لم يدفع إليها حتّى طلّقها الولد بعد البلوغ و قبل الدخول، فهل يستعيد الابن النصف من الوالد أو لا.

3- لو تزوّج ولده الكبير، و تبرّع الوالد المهر عنه و دفعه إليها، ثمّ طلّق قبل الدخول فما هو حكم النصف.

4- لو كان المهر عينا للأب فأصدقها و طلّق الولد قبل الإقباض، فما هو حكم النصف؟

5- تلك الصورة و لكنّه طلّقها بعد

الإقباض.

فقد جزم المحقّق في صدر كلامه في الصورة الأولى و الثالثة بأنّه يستعيد الولد النصف، لكنّه قال في نهاية كلامه: و في المسألتين تردّد.

و لنأخذ بالاستدلال على قول المحقق و هو صحّة الاستعادة بوجهين:

الأوّل: إنّ الطلاق مملّك جديد للنصف لا فاسخ لسبب الملك.

______________________________

(1)- مثل قوله: «و إن لم يكن له مال»، أو «دون ما لم يكن له شي ء» و في البعض «إلّا أن لا يكون للغلام مال» و هو منصرف إلى المال الوافي، فلاحظ الوسائل: 15، الباب 28 من أبواب المهور، الحديث 1، 4، 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 273

يلاحظ عليه: أنّ القدر المتيقن من النصوص، هو أنّه سبب جديد لتملّك الزوج، نصف المهر فيما إذا كان هو الدافع و أن يكون المهر خارجا عن ملكه، لا عن ملك غيره كما في المقام و لو تعبّدنا بظهور الآية فظاهرها كون النصف للفارض و هو في المقام نفس الوالد، قال سبحانه: وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ (البقرة/ 237) و أمّا الروايات الواردة في أنّ الطلاق منصّف «1» فموردها ما إذا كان الباذل هو الزوج فلا يمكن الاستئناس منها للمقام.

الثاني: أنّه يجري مجرى الهبة، فالواهب هو الأب و المتّهب هو الزوجة، وهبة الرحم لازم لا رجوع فيه، فيرجع النصف لا محالة إلى الابن.

يلاحظ عليه: بأنّ ظاهر الروايات هو تعلّق المهر بذمة الوالد عند إعسار الولد، فهو يدفع المهر، و يوفي دينه لا أنّه يهبه للمرأة و كان على المحقّق ترك ذكر هذا الوجه.

و يمكن الاستدلال على الوجه الثاني أي عوده إلى الوالد بأنّ لسان الروايات هو ضمان الوالد لما وجب تحقيقا أو تقديرا، ففي موثقة عبيد: «فالأب ضامن

المهر، ضمن أو لم يضمن» «2» و في رواية الفضل، قلت: على من الصداق؟ قال: «على الأب إن كان ضمنه لهم، و إن لم يكن ضمنه فهو على الغلام إلّا أن لا يكون للغلام مال فهو ضامن له و إن لم يكن ضمن» 3 فإذا كان الطلاق موجبا لاستحقاق المرأة نصف الصداق لا غير، كان ذلك كاشفا عن مقدار ما ضمن به في الواقع فيرجع الباقي إلى الضامن نظير الفسخ بالعيب في البيع الذي ضمن ثمنه شخص آخر، فإذا فسخ المشتري بالعيب يرجع الثمن إلى الباذل، لا المشتري.

و الذي يوضح هذا القول، هو الفرع الثاني فلو كان الصداق على ذمّة الأب،

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 51 من أبواب المهور.

(2) و 3- الوسائل: 15، الباب 28 من أبواب المهور، الحديث 1 و 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 274

لإعسار الولد و لم يدفعه حتّى بلغ الولد فطلّقها قبل الدخول، أ فهل ترى أنّ الولد يرجع إلى الأب في النصف الآخر نظيره ما إذا ضمن الشخص و لكن أبرأه المضمون له فلا يرجع المضمون عنه إلى الضامن، بحجّة أنّ الإبراء كالإعطاء.

و ربّما يتبادر في بادئ النظر الفرق بين ما إذا كان المهر في الذمّة و ما إذا كان المهر عينا خارجيّة، أقبضها لها أم لم يقبضها فانّ رجوع النصف إلى الولد، في الصورة الثانية أوضح من غيرها.

و لكن الظاهر عدم الفرق فإذا كان الطلاق قبل الدخول منصّفا للصداق و مملّكا النصف للزوج فلا فرق بين كونه في الذمّة أو في الخارج، أقبضه أم لم يقبضه.

و يمكن دعم القول الثاني بملاحظة أمرين:

الأوّل: إنّ الطلاق قبل الدخول قاطع لاستمرار مالكية المرأة بالنسبة إلى النصف فلا بدّ من

رجوع النصف إلى المورد الذي خرج منه فلو كان الدافع هو الزوج فيرجع إليه و إلّا فلا بدّ في تعيين مورده من التماس دليل آخر.

الثاني: إنّ الإمعان في الروايات يعطي، أنّ إلزام الأب بأداء الصداق عند إعسار الابن أشبه بغرامة يدفعها الأب مقابل إشغال ذمّة الصبيّ بالصداق مع إعساره فإذا تبيّن بالطلاق قبل الدخول، أنّ اشغال ذمّته لم يتجاوز عن النصف فتتحدد الغرامة به و يعود النصف إلى من دفعه بعنوان الغرامة، و بعبارة أخرى إذا كان الصداق في مقابل البضع فطبع الحال يقتضي كونه على الولد تحقيقا أو تقديرا، فيكون ما يدفعه الأب، غرامة أو عوضا عمّا هو الصداق الذي وجب عليه واقعا.

هذه هي الوجوه المذكورة في كلمات القوم أو ما يمكن أن يقال: لكن الظاهر رجوعه إلى الولد في الصورة الثالثة بلا كلام، و لعلّها خارجة عن

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 275

محلّ البحث و هي ما إذا تزوّج الولد الكبير، و تبرّع الوالد بصداقه، ثمّ طلّق الولد، قبل الدخول، فإن تبرّع الوالد، تمليك المال للولد، ليدفع صداقا لزوجته فإذا طلّق، يرجع إلى ما خرج عنه و هو ملك الولد.

و أمّا في غير هذه الصور، فالوجهان متساويان، و لعلّ مقتضى الإطلاقات، هو رجوعه إلى الولد، و الذوق الفقهي و حكم الفطرة و الأشباه و النظائر تقتضي الثاني، فالأولى التصالح و اللّه العالم.

تمّ الكلام في أحكام المهر الذي هو الطرف الثالث في كلام المحقق و لنبدأ بالطرف الرابع و هو بيان أحكام التنازع التي قلّما يتّفق باب أن يخلو عنه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 277

الفصل السابع عشر: في أحكام التنازع

اشارة

1- إذا اختلفا في أصل المهر

2- إذا ادّعت المواقعة و

أنكرها الزوج

3- إذا اختلفا في قدر المهر

4- إذا اختلفا في وصفه بعد الاتفاق على نوعه

5- لو اتفقا على التسمية و انّها أكثر من مهر المثل و ادّعى

التخلص من الزائد بالابراء أو الوفاء

6- إذا أصدقها التعليم

7- إذا اختلفا في كون العقد تأسيسا أو تأكيدا

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 279

في أحكام التنازع و فيه مسائل

الأولى: إذا اختلفا في أصل المهر

اشارة

إذا اختلفا في أصل المهر فإمّا أن يكون التنازع قبل الدخول أو بعده، فعلى الأوّل قال المحقق: القول قول الزوج مستدلا باحتمال تجرّد العقد عن المهر، و عليه فلو طلّق و الحال هذه فليس له إلّا المتعة عملا بقوله سبحانه: لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ (البقرة/ 236).

و أمّا على الثاني فقال المحقق: القول قوله أيضا نظرا إلى البراءة الأصلية و لنأخذ بدراسة الصورة الأولى ثمّ الثانية.

أمّا الصورة الأولى: أي التنازع قبل الدخول فتوضيح جريان البراءة من المهر هو: أنّ العقد، ليس دليلا على الاشتغال بالمهر، لاحتمال أن يكون العقد من موارد مفوّضة البضع التي لا يذكر فيها المهر أبدا أو من موارد مفوضة المهر، التي يذكر فيها المهر إجمالا لا تفصيلا، كما إذا تزوّج بحكمها في المهر، أو بحكمه فيه، فلا يكون العقد بما هو هو دليلا على الاشتغال.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 280

يلاحظ عليه: بأنّ المسألة مطروحة في مجتمعنا، و ليس من هذين القسمين أثر فيه فالاعتماد على هذا الاحتمال مع كون الغالب هو اقتران العقد بالمهر مشكل، و على ذلك يلزم على القاضي، تبيين الحال بوجه آخر و هو أنّ ما يذكر فيه

المسمّى، و ما لا يذكر كالمفوضة بضعا أو مهرا و إن كانا من قبيل المتباينات عند العقل، لكنّها عند العرف من قبيل الأقلّ و الأكثر، فمن ادّعى التسمية كالزوجة في المقام فقد ادّعت شيئا زائدا فعليها البيّنة، و إلّا فاليمين على الآخر، فإذا حلف الزوج عند فقد البيّنة للزوجة يتعين مهر المثل، إذا كانت مفوّضة البضع، أو المهر على طبق حكم الحاكم منها، إذا كانت مفوّضة المهر، فيكون المحكّم، حكم الحاكم و هو إمّا الزوج أو الزوجة كما مرّ.

أمّا الصورة الثانية: فالمعروف هو البراءة و لكن مقتضى القاعدة في المقام هو الاشتغال و ذلك لأنّ طبع الدخول و الاستمتاع يقتضي العوض، فالاستمتاع بالمرأة و ادّعاء عدم الاستحقاق لا يجتمعان في نظر العرف و لذلك يقول الإمام: «إذا التقى الختانان وجب المهر و العدّة» «1» فالعدول عنه يتوقّف على دليل قاطع و ليس سوى احتمالات منفية في المقام و إليك بيانها:

1- جواز كون المسمّى دينا في ذمّة الزوجة أو عينا في يدها فلا يكون العقد المشتمل على التسمية بمجرّده مقتضيا لاشتغال ذمّة الزوج بشي ء من المهر. «2»

يلاحظ عليه: أنّ كون المهر دينا له في ذمّتها أو عينا في يدها لا ينافي دعواها الاستحقاق بالعقد و الدخول، غاية الأمر يكون ذلك على فرض الصحّة أداء منه لما استحقت عليه و عندئذ يلزم عليه إثباته.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 54 من أبواب المهور، الحديث 8 و غيره.

(2)- السيّد علي الطباطبائي: الرياض: 2/ 124، الطبعة الحجرية.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 281

2- جواز كون الزوج صغيرا زوّجه أبوه و المهر عليه كما مرّ.

يلاحظ عليه: أنّ لازم ذلك عدم إيقاف المحاكمة و استمرارها بطرح السؤال فإن اعتذر بذلك

و ثبت كونه كذلك و إلّا فلا وجه للتمسّك بالبراءة مع كون نفس العمل- العقد مع الدخول- غير منفكّ عن المهر.

3- ما في كلام المحقّق و توضيحه: أنّ كون العقد و الدخول سببا لتعلّق المهر صحيح لكن يصحّ أن يكون مقدار المهر أرزة واحدة و هي ربع حبّة، و الحبّة ثلاثة قراريط و هو جزء من عشرين جزء من عشرين جزء من دينار، و هذا الاحتمال قائم و الزيادة غير معلومة و الحاصل أنّ ثبوت استحقاق المهر، يقتضي أقلّ ما يتموّل الصالح لأن يكون مهرا، و أين هو من مهر المسمّى أو المثل.

يلاحظ عليه: أنّ طبع العمل يقتضي ضمانه بقيمة مثله لا بأقلّ صالح للمهر، و هو ليس إلّا مهر المثل.

و الحاصل أنّ هذه الأمور لا تصلح لدفع القاعدة فيحكم عليه بمهر المثل إلّا أن تدّعي المرأة المسمّى و كان أقلّ منه فتؤخذ بإقرارها.

و أمّا ما ذكره العلّامة في التحرير من أنّه إذا وقع الاختلاف في أصل المهر بعد الدخول يستفسر، هل سمّي أو لا، فإن ذكر تسميته كان القول قوله مع اليمين، و إن ذكر عدمها لزم مهر المثل، و إن لم يجب بشي ء حبس حتّى يبين. «1»

يلاحظ عليه: أنّ الشقّ الأوّل خارج عن الفرض و هو ادعاء التسمية فذكره كأنّه استدراك و الظاهر أنّه محكوم بدفع مهر المثل سواء أجاب أم لم يجب، أخذا بالقاعدة.

______________________________

(1)- تحرير الأحكام: ج 2، كتاب النكاح: 39، الطبعة الحجريّة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 282

فروع

1- إذا اختلفا في القدر، بأن ادّعت الزوجة قدرا زائدا على ما أقرّ به الزوج فلا إشكال و لا خلاف في أنّ مقتضى القاعدة هو تقديم قول الزوج مضافا إلى

ورود النصّ فيه. «1»

قال الشيخ بعد عنوان المسألة: إنّ القول قول الزوج بيمينه إذا لم تكن هناك بيّنة معها، و وافقنا جماعة على ذلك، و قال قوم يتحالفان، و بمن يبدأ؟ فيه أقوال ثلاثة:

أحدها يبدأ بيمين الزوج، و الثاني بيمين الزوجة، و الثالث يبدأ الحاكم بأيّهما شاء- إلى أن قال:- و متى تحالفا بطل المهر و وجب لها مهر المثل. «2»

و ما ذكروه من التحالف إنّما يصحّ إذا دار الأمر بين المتباينين، كأن يقول:

تزوّجتك بألف درهم و قالت الزوجة: بل تزوجت بألف دينار دون ما إذا دار الأمر بين الأقل و الأكثر كألف و الألفين درهم. على أنّه يمكن القول به بأنّ المثال الأوّل أيضا من قبيل الزيادة و النقيصة إذا كان المحور في تشخيص المدّعي، نتيجة الدعوى لا مصبّها الظاهري فانّ قيمة ألف دينار، يزيد على ألف درهم، فمدّعي الزيادة يحكم بإقامة البيّنة و إلّا يحلف الآخر.

2- و لو اختلفا في وصفه بعد الاتّفاق على نوعه على وجه ترتفع الجهالة فالقول قول الرجل، لأصالة البراءة من الزائد و من الوصف الذي هو بمنزلة الزائد.

3- لو اتّفقا على التسمية، و اعترف بأنّها أكثر من مهر المثل و يدعي

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 18 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- الطوسي: المبسوط: 4/ 300.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 283

التخلّص من الزائد بإبراء أو وفاء و نحوهما، فالقول قول المرأة مع يمينها لأصالة عدم التسليم.

قال الشيخ: إذا اختلف الزوجان في قبض المهر فقال: قد أقبضتك المهر و قالت: ما قبضته، فالقول قولها، سواء كان قبل الزفاف أو بعده قبل الدخول بها أو بعده و فيه خلاف، و روي في بعض أخبارنا أنّ القول قوله

بعد الدخول. «1»

و يشير بما في آخر كلامه إلى ما روي من أنّ الدخول يهدم العاجل و قد مرّ الكلام فيه.

4- و لو اختلفا في التعجيل و التأجيل أو زيادة الأجل، فالقول قولها، و ذلك لأنّ مقتضى طبع العقد هو النقد، و التأجيل على خلاف الأصل، كما هو المفروض في باب المعاوضات و توهم أنّ التأجيل نقص في المهر و عدمه زيادة فيه و الأصل عدمها، مدفوع بتقدّم الأصل السببي على المسبّبي، و ذلك لأنّ الشكّ في الزيادة و عدمها مسبّب عن ذكر الأجل في العقد، و الأصل عدمه (فتأمّل) على أنّك قد عرفت أنّ طبع العقد يقتضي النقد، و النسيئة على خلافه و لا تثبت إلّا بالدليل.

5- لو دفع قدر مهرها من دون أن يصرّح بأنّه وفاء عن المهر ثمّ اختلفا بعد ذلك فقالت المرأة: دفعته هبة، و قال الزوج: دفعته صداقا، فالقول قوله لأنّه أبصر بنيّته و في الوفاء تعتبر نيّة الدافع لا القابض.

أضف إلى ذلك أنّ طبع المال يقتضي الضمان، و خلافه يحتاج إلى الدليل.

قال الشيخ: و إن اختلفا فقالت: قلت لي: خذي هذه هدية أو قالت هبة، و قال: بل قلت خذيها مهرا، فالقول قول الزوج بكلّ حال «2» و على كلّ تقدير فإنّما

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 301.

(2)- الطوسي: المبسوط: 4/ 302.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 284

يقدّم قول الزوج لو لم تكن هناك قرينة دالّة على كونه هدية، كالمقنعة و الجورب بل الخاتم أحيانا فانّ الظاهر المفيد للاطمئنان في هذه الموارد موجب لتقدّم قولها على ادّعاء الزوج.

المسألة الثانية: إذا ادّعت المواقعة و أنكرها الرجل

إذا خلا الزوج بالزوجة خلوة خالية من موانع الوقاع فادّعت المواقعة و أنكرها الزوج فللمسألة صور:

1- أن تكون المرأة

قبل الإخلاء بكرا و ادّعت المواقعة قبلا و أمكن للزوج إقامة البيّنة على كونها بكرا فعلا.

2- تلك الصورة و لكن لا يتمكّن الزوج من إقامتها على كونها بكرا.

3- إذا اختلفا و كانت الزوجة ثيّبا.

ففي الصورة الأولى يقدّم قوله لأجل شهادة البيّنة على كونها بكرا، نعم إذا شهدت على أنّها ثيّبا، لا يقدّم قولها، لإمكان إزالة البكارة عن غير طريق الوقاع و لأجل ذلك قلنا في عنوان المسألة: «أمكن للزوج إقامة البيّنة على كونها بكرا».

و في الثانية و الثالثة يكون المقام من قبيل تعارض الظاهر مع الأصل فإنّ وجود القدرة و الداعي و انتفاء الصارف يحتّم الفعل غالبا، لكن الأصل عدمه.

فالمرجع هو الأصل، و قد مرّ الكلام في الروايات الدالة على استقرار المهر بالخلوة فلا نعيد.

المسألة الثالثة: إذا أصدقها التعليم و ...

لو أصدقها تعليم سورة أو صناعة فقالت: علّمني غيره، قال المحقق:

فالقول قولها، و أضاف صاحب الجواهر قوله: «بلا خلاف و لا إشكال، و استدل

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 285

عليه بأنّها منكرة لما يدّعيه، نحو إنكارها وصول المهر لو ادّعى عليها تسليمه و حينئذ فيلزم في الفرض بأجرة التعليم». «1»

و فيما ذكره نظر، لأنّها على فرض صدق قولها هي الّتي فوّتت على الزوج إمكان الوفاء بالصداق بتعليمه إيّاها و مع ذلك كيف تستحقّ أجرة التعليم و قياس المقام بتعذّر الصداق فينتقل إلى المثل و القيمة قياس مع الفارق لأنّ التعهّد في كلّ مورد بشي ء، يلازم التعهّد على دفع عوضه لو تعذّر بعذر مقبول فينتقل إلى العوض شأن كلّ تالف و أمّا المقام فالذي تعهّد به الزوج، عبارة عن القيام بالتعليم بما هو هو، غاية الأمر أنّه لو تعذّر بالعذر المقبول يتعيّن بدله، و لكنّه لم يتعهّد

بدفع البدل حتّى و لو كانت هي المفوّتة فيلزم بالمثل أو القيمة نعم لا يجوز خلوّ النكاح من المهر، فلا محيص عن جعل تعلّمها من غيره، بمنزلة إبراء الزوج من الصداق المقرّر و اللّه العالم.

قال الشيخ: فإن أصدقها تعليم سورة من القرآن ثمّ اختلفا ... و قالت: إنّي حفظتها من غيره فعلى وجهين، أحدهما: القول قولها، لأنّ الأصل أنّه ما لقّنها و هو الأقوى، و الثاني: القول قوله، لأنّها ما كانت تحفظها و هي الآن تحفظها فالظاهر أنّها منه حفظت. «2»

المسألة الرابعة: إذا اختلفا في كون عقد تأسيسا أو تأكيدا

إذا اتّفق الزوجان على وقوع عقد نكاح بينهما في وقتين و اختلفا في كون الثاني تأسيسا أو تأكيدا فقال الزوج: كان تكرارا على وجه الاحتياط في تصحيحه أو لقصد اشتهاره، و ادّعت المرأة أنّ كلا منهما عقد شرعي مستقلّ لا تكرار. و مفهوم

______________________________

(1)- الجواهر: 31/ 143.

(2)- الطوسي: المبسوط: 4/ 274 و لا يخفى عليك الضعف في ادّعاء الظهور في أنّها حفظت منه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 286

كلامها حصول فرقة بينهما بسبب من الأسباب، ثمّ عقد عليها.

قال الشيخ: لو اختلفا فقالت: هما نكاحان فلي المهران، و قال الزوج: نكاح واحد و إنّما تكرّر عقده فلك مهر واحد قال: فالقول قول الزوجة مستدلا بأنّ الظاهر معها لأنّ الظاهر من العقد إذا وقع، أنّه وقع صحيحا و حمله على خلافه خلاف الظّاهر و يترتّب عليه أنّه يلزمه المهران معا و قال بعضهم: يلزمه مهر و نصف. «1»

و علّله المحقّق بنفس ما في المبسوط و قال: القول قولها لأنّ الظاهر معها، و أوضحه في الجواهر بأنّ ظاهر الإتيان بالصيغ، إرادة ترتّب آثارها عليها الذي هو مقتضى أصالة الصحّة فيها.

و علّله في المسالك بأنّ

العقد حقيقة شرعية في السبب المبيح للبضع و استعماله في نفس الإيجاب و القبول المجرّدين عن الأثر مجاز. «2»

و عن كشف اللثام أنّ الأصل و الظاهر التأسيس و الحقيقة في لفظ العقد و صيغته، و لا عقد في المكرّر حقيقة و لا في الصيغة المكرّرة.

يلاحظ على ما في المسالك و ما في ذيل كلام كشف اللثام بأنّهما لم يتّفقا على عنوان العقدين بما له من المفهوم حتى يقال إنّه حقيقة في السبب المبيح و العقد الحقيقي، لا مجرّد الإيجاب و القبول أو المجاز بل اتّفقا على مصداقهما، أي صدور أنكحت و زوّجت في وقتين، فادّعى أحدهما أنّه كان تكرارا للاحتياط و ادّعت الزوجة أنّه كان للتأسيس، فكون لفظ العقد حقيقة في المبيح كما في كلام المسالك

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 291، ثمّ علّل كون الواجب مهرا و نصفا بوجه لا ينطبق مع مفروض العبارة

(2)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 304.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 287

أو كونه ظاهرا في التأسيس و الحقيقة دون المجاز كما في الكشف، لا صلة له بالدعوى. نعم ما ذكره المحقق و جاء في صدر عبارة كشف اللثام هو المهم أعني:

حمل الفعل الصادر على الصحيح و هو المؤثّر، و هو لا يجتمع مع التأكيد.

أقول: إنّ القضاء في مثل هذه المسألة يتوقّف على رعاية القرائن المزيلة للشكّ، قبل الأخذ بقول أحدهما و هي:

أوّلا: جرى الرسم سابقا و لاحقا على التزويج بمهر سرّا، و بآخر جهرا، و قد عنونه المحقّق فيما سبق «1» فلو كان هذا رائجا في موضع النزاع ربّما يصدّنا عن الحكم بقولها، لأنّه تكون قرينة مفيدة للاطمئنان.

ثانيا: إنّ الإشهاد و إن كان مستحبا في النكاح، لكنّه قلّما

يتّفق نكاح بلا شهود عدول، فإن شهدوا على أحد الأمرين فلا تصل النوبة إلى قول واحد منهما.

ثالثا: لو ادّعى الزوج مفارقتها عن زوجها بالطلاق قبل الدخول، و ادّعت أنّها زوجته فعلا، بلا دخول فلا معنى، لاستحقاقها المهرين أو مهر و نصف، بل يكفي نصفان من مهرين.

هذا و نظائره يجرّنا إلى عدم الغفلة عمّا يحيط بالنزاع من القرائن المفيدة للاطمئنان، فلو خلت الواقعة عن كلّ قرينة، فالإقرار بإجراء عقدين في وقتين، إقرار بنكاحين مؤثّرين يستتبعان مهرين مختلفين فمقتضى الحمل على الصحّة هو التأسيس، لا التأكيد إذ يدور أمره بين الصحيح و غيره.

______________________________

(1)- الجواهر: 31/ 37.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 289

الفصل الثامن عشر في القسم و النشوز و الشقاق

اشارة

1- القسم لغة و اصطلاحا

2- القسم من حقوق الزوجة و ثمرته الاستئناس

3- أقوال الفقهاء في وجوبه و عدمه أو التفصيل بين الواحدة و غيرها

4- في جعل القسمة أزيد من ليلة واحدة

5- النشوز لغة و اصطلاحا و الآية الواردة فيه

6- معالجة نشوز المرأة بوجوه خمسة واردة في الآية

7- في نشوز الزوج و الضابطة فيه نفس الضابطة في الزوجة

8- القول في الشقاق و تفسير الآية الواردة فيه

9- هل بعث الحكمين في الشقاق على سبيل التحكيم أو التوكيل

10- إذا حكما في غياب الزوجين أو أحدهما فهل يكون نافذا

11- يجب أن يكون شرط الحكمين جائزا لا حراما

12- إذا منعها الزوج من حقوقها و انجرّ الأمر إلى الطلاق الخلعي

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 291

في القسم و النشوز و الشقاق

القول في القسم

[القسم لغة و اصطلاحا]

القسم- بالفتح- مصدر قسّمت الشي ء، أقسمه فمصدر الثلاثي و المزيد فيه واحد، و بالكسر الحظّ و النصيب و التقدير، و عرفا هو قسمة الليالي بين الزوجات و يمكن اعتباره من كلّ منهما.

و اعلم انّ للزوجة على الزوج حقوقا من الكسوة و المأكل و المشرب و الإسكان مقابل حقوقه عليها و من تلك الحقوق، هو القسم و هو حقّ لها عليه في الجملة، و إن كانت ثمرته مشتركة و هو الاستئناس، و فيه أقوال ثلاثة:

1- من كانت له زوجة واحدة، لها على زوجها حقّ المبيت عندها و المضاجعة معها في كلّ أربع ليال، ليلة و له ثلاث ليال، و إذا كانت له زوجتان فلهما ليلتان من كلّ أربع ليال، و ليلتان له، و إذا كانت له ثلاث، كانت لهن ثلاث، و الفاضل له، و إذا كانت

عنده أربع كانت لكلّ منهنّ ليلة و يكون جميع لياليه لهنّ، و قد نسب هذا القول إلى المشهور و اختاره ابن البرّاج و قال: «و إذا لم يكن للرجل إلّا زوجة واحدة كان عليه المبيت عندها ليلة واحدة من أربع ليال و له أن يفعل من الثلاث الأخر ما يشاء فيما كان مباحا له. «1»

2- لا يجب عليه شي ء منه بل القدر اللازم أن لا يهجرها و لا يذرها كالمعلّقة، لا هي ذات بعل و لا مطلّقة.

______________________________

(1)- ابن البرّاج: المهذّب: 2/ 227.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 292

نعم لها عليه حقّ المواقعة في كلّ أربعة أشهر مرّة، و إن كانت عنده أكثر من واحدة، فإذا بات عند إحداهنّ يجب عليه أن يبيت عند غيرها أيضا فإذا كنّ أربع و بات عند إحداهنّ، طاف عليهن في أربع ليال، لكلّ منهنّ ليلة، و لا يفضل بعضهن على بعض، و إذا كانت عنده ثلاث فإذا بات عند إحداهنّ يجب عليه أن يبيت عند الأخريين ليلتين لكلّ منهما ليلة و إذا كانت عنده زوجتان و بات عند إحداهما بات في ليلة أخرى عند الأخرى، و بعد ذلك إن شاء ترك المبيت عند الجميع و إن شاء شرع فيه على النحو المتقدّم، و على أيّ تقدير فلا تجب في الواحدة، و تجب في المتعددة إذا ابتدأ صيانة للعدل بينهنّ.

و هذا خيرة الشيخ الطوسي حيث قال: إذا كان للرجل زوجات فلا يجب عليه القسم ابتداء، لكن الذي يجب عليه النفقة و الكسوة و المهر و السكنى، فمتى تكفّل بهذه فلا يلزمه القسم، لأنّه حقّ له، فإذا أسقطه لا يجبر عليه، و يجوز له تركه و أن يبيت في

المساجد و عند أصدقائه، فأمّا إن أراد أن يبتدئ بواحدة منهنّ فيجب عليه القسم، لأنّه ليس واحدة منهنّ أولى بالتقديم من الأخرى، فعليه أن يقسّم بينهنّ بالقرعة. «1»

3- يجب القسم عند التعدد و لا يجب في الواحدة اختاره ابن حمزة قال:

و القسم إذا كانت له زوجتان أو أكثر «2» و نسب هذا إلى المقنعة و النهاية و الجامع للشرائع لكن عبارتها لا تؤدّي ذلك فلاحظ. «3»

هذه هي الأقوال فلنأخذ بدراسة القول الأوّل.

استدلّ للقول الأوّل بوجوه غير تامّة:

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 325- 326.

(2)- ابن حمزة: الوسيلة: 312.

(3)- المقنعة: 516، النهاية: 483، و الجامع: 456.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 293

1- قوله سبحانه: وَ عٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (النساء/ 19).

يلاحظ عليه: أنّه لا يدلّ على أزيد من المعاشرة على النحو المعروف و هو غير وجوب البيتوتة في كلّ أربعة ليال، ليلة، بل يجب عليه أن لا يهجرها و لا يجعلها كالمعلّقة غير مطلّقة و لا مزوّجة و بهذا يعلم عدم دلالة غيره من قوله سبحانه: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (البقرة/ 228) أو قوله: قَدْ عَلِمْنٰا مٰا فَرَضْنٰا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوٰاجِهِمْ (الأحزاب/ 50) و نرجع إلى الآية في مطاف البحث.

2- التأسّي بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فإنّه كان يقسم بين نسائه في مرضه فيطاف به بينهنّ. «1»

يلاحظ عليه: أنّه أخصّ من المدّعى بل ينطبق على القول الثاني لأنّ نساء النبيّ كانت متعدّدة و كان يبتدئ بالقسم.

3- خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يكون عنده المرأة فيتزوّج أخرى كم يجعل للتي يدخل بها؟ قال: ثلاثة أيّام ثمّ يقسم. «2»

يلاحظ عليه: أنّ مورده التعدد، فخصّت

ثلاثة أيّام للزوجة الجديدة تكريما، و لمّا كان الإمام عارفا بأنّه يدخل على الجديدة و لا يتركها أمره بالقسم.

الروايات الدالّة على أنّ للحرة ليلتين و للأمة ليلة. «3»

يلاحظ عليه: بمثل ما مرّ فإنّ مواردها نكاح الحرّة على الأمة و بما أنّ الإمام عليه السّلام كان عارفا بأنّه لا يترك الحرّة أمره بالقسم.

4- ما دلّ على أنّه يجوز لهنّ بيع حقّهنّ إذا طابت نفسهنّ فيدل على كونه

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 5 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 2 (مرسلة الطبرسي).

(2)- الوسائل: 15، الباب 2 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 4.

(3)- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب القسم و النشوز، روايات الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 294

حقّا. «1»

5- ما دلّ على أنّه يجوز أن يفضّل نساءه بعضهنّ على بعض ما لم يكن أربعا. «2»

يلاحظ على الدليلين: بأنّهما أخصّ من المدّعى و موردهما ما إذا كانت متعددة و مع الابتداء بواحدة منها فالكلّ على القول الثاني أطبق.

و بكلمة قصيرة «أنّ جميع هذه النصوص جارية مجرى الغالب في حال الزوج حيث إنّه يبيت عند زوجته فمع فرض تعدّدها كان عليه ملاحظة العدل في القسمة و التفصيل على الوجه المذكور في النصوص، و ليس المراد وجوبها ابتداء و لا وجوب مبيت ليلة من الأربع ليال لو كانت واحدة». «3»

استدل للقول الثاني بأمرين:

1- الروايات المستفيضة في حصر حقوق الزوجة في أمور من الملبس و المطعم و المسكن و لم يذكر فيها القسم. «4»

يلاحظ عليه: أنّ الحصر فيها نسبي ناظر إلى الحقوق المالية بشهادة أنّه لم يذكر فيها حقّ المواقعة في كلّ أربعة أشهر، مرّة.

2- التأسي بالنبيّ الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم حسب

ما عرفت من الروايات.

يلاحظ عليه: أنّ القسم لم يكن واجبا عليه بشهادة أنّه سبحانه أذن له بإيواء

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 6 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 2.

(2)- الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 1.

(3)- الجواهر: 31/ 154.

(4)- الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 5 و 8 و غيرهما و الباب الثاني من تلك الأبواب، الحديث 1 و الباب 48 من أبواب النفقات، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 295

من شاء منهنّ و اعتزال من شاء قال سبحانه: تُرْجِي مَنْ تَشٰاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشٰاءُ وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكَ (الأحزاب/ 51) على أنّ جهة الفعل مجهولة و أنّه هل كان واجبا أو مستحبّا.

استدل للقول الثالث بالدليل الأخير أيضا و قد علمت أنّ جهة الفعل مجهولة و لعلّ الوجوب- على فرض تسليمه- كان مشروطا بالابتداء.

و بهذا تبيّن أنّ جميع الأقوال خالية عن الدليل غير القول الثاني و ذلك لغاية حفظ العدل بين النساء.

و مع ذلك كلّه فهنا كلام ربما يرجّح معه القول الأوّل و هو أنّ قوله سبحانه: وَ عٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ضابطة كلّية يختلف انطباقها على مواردها حسب اختلاف الأزمنة و الأمكنة، و لو صحّ أنّ لعنصر الزمان و المكان، تأثيرا في الموضوع، ثمّ في الحكم فهذا المورد من مواضعه، و من المعلوم أنّ الاكتفاء بما جاء في القول الثاني، و أيّده الفقيه الاصفهاني بقوله من أنّه يكفي «أن لا يهجرها و لا يذرها كالمعلّقة لا هي ذات بعل و لا مطلّقة» لا يعدّ اليوم معاشرة بالمعروف.

و ليس إطفاء نار الشهوة، الحاجة الوحيدة للزوجة، بل لها حاجات روحية ليست

في الأهمية بأقلّ منها كالاستئناس بالزوج يقول سبحانه: وَ مِنْ آيٰاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهٰا وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم/ 21).

قال الطبرسي: أي لتطمئنّوا إليها و تأنسوا بها و يستأنس بعضكم ببعض، و قال سبحانه: وَ جَعَلَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا لِيَسْكُنَ إِلَيْهٰا (الأعراف/ 189) كلّ ذلك يعرب عن أنّه يجب أن تكون أواصر الحبّ و المودّة بين الزوجين آكد و أشدّ، ممّا جاء في القول الثاني، و من مظاهره البيتوتة و المضاجعة إلّا إذا كان الزوج معذورا لمرض أو لمهنة أو لعوارض عائقة، و بما أنّ الإجماع و الروايات الماضية دالّة على عدم

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 296

وجوب، أزيد من ليلة واحدة، يكتفي في تجسيد الآية و تحقيقها بالحياة، بالقسم بليلة واحدة في أربع ليال، فالأحوط ما هو المشهور لو لم يكن الأقوى.

في جعل القسمة أزيد من ليلة واحدة

هل يجوز أن يجعل القسمة أزيد من ليلة لكلّ واحدة، فيه قولان:

1- يجوز مطلقا و هو خيرة الشيخ قال: «المستحب أن يقسم ليلة ليلة، لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم كذا فعل و إن قسّم ليلتين ليلتين أو ثلاثا ثلاثا جاز فهو متحكم في ملكه و ما زاد على ذلك فإن كان برضاهنّ جاز أيضا و إن لم يكن برضاهنّ لم يجز». «1»

2- اشتراطه مطلقا برضاهنّ و هو خيرة المحقق في الشرائع.

استدل للقول الأوّل بإطلاق الأمر بالقسمة ففي خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يكون عنده المرأة فيتزوّج أخرى كم يجعل للتي يدخل بها؟ قال: ثلاثة أيّام ثمّ يقسم. «2»

يلاحظ عليه: أنّه لو صحّ

الاستدلال به، لما كان الزائد على الثلاث، متوقّفا على رضاهنّ.

و استدلّ للقول الثاني، بما ورد في خبر سماعة حيث جاء فيه، يفضل المحدثة حدثان عرسها ثلاثة أيّام إن كانت بكرا ثمّ يسوّي بينهما بطيبة نفس إحداهما للأخرى و معناه أنّه إذا جعل لكلّ واحدة منهنّ ليلتين متواليتين و لم تطب نفس إحداهما إلّا بليلة لا يجوز ذلك إلّا بطيب النفس منهما.

و ربّما يستدل بالتأسي للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم و بما تضافرت أنّ كلّ زوجة تستحق ليلة من

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 328.

(2)- الوسائل: 15، الباب 2 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 4 و لاحظ 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 297

أربع لا أكثر.

و الثاني موهون بعدم وجوب القسم عليه فضلا عن الكيفية و الثالث و إن كان متضافرا، لكنّه بصدد بيان الكميّة لا الكيفية فلم يبق سوى خبر سماعة، و كونه ناظرا إلى الكيفية مشكل فالإطلاق محكم، فالواجب المباشرة بالمعروف و عدم العول و الجور، و هو متحقق في كلتا الصورتين.

ثمّ إنّ البكر تختص أوّل عرسها بسبع ليال و الثيّب بثلاث تفضلان بذلك على غيرهما «1» و لا يقضى لنسائه شي ء من ذلك لظهور النصّ و يدخل في القسمة المضاجعة بأن ينام قريبا منها على النحو المعتاد معطيا لها وجهه و لا يدخل فيها المواقعة بلا خلاف و يختصّ بالليل دون النهار، لاقتصار النصوص على الليلة «2» و السيرة المستمرة و لأجل ذلك يدخل الصبيحة ليلتها.

ثمّ إنّ المحقّق ذكر مسائل في المقام أكمل به البحث عن القسم، و هي مسائل واضحة فلنرجع إلى القول بالنشوز.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 2 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 1، و

ما في رواية الحديث الثاني يحمل على التفضيل لكون زينب بنت جحش كانت بنت عمة النبيّ.

(2)- الوسائل: 15، الباب 5 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 298

القول في النشوز

[النشوز لغة و اصطلاحا]

النشوز في اللغة: الارتفاع و منه قوله سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجٰالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللّٰهُ لَكُمْ وَ إِذٰا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجٰاتٍ وَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (المجادلة/ 11) أي إذا قيل لكم: انهضوا إلى أمر اللّه، فانهضوا، يرفع اللّه ... و سمّى خروج أحد الزوجين عن طاعة الآخر، نشوزا، لأنّه بمعصيته قد ارتفع و تعالى عمّا أوجب اللّه عليه و لو كان الخلاف من جانب فهو النشوز و إن كان من الجانبين فهو الشقاق، و لعلّ نشوز المرأة يلازم خروجها عن طاعة اللّه و لأجل ذلك عدّت طاعتها، مقابلا لنشوزها في سورة النساء كما سيوافيك و ليس كذلك نشوز الرجل، لأنّه ربّما يتحقق بأمر تكرهه المرأة كما إذا أراد طلاقها لكونها مسنّة أو دميمة، أو غير ذلك ممّا يجبئ في بحث نشوز الرجل و على كلّ تقدير يقع الكلام في مقامين:

الأوّل: في نشوز الزوجة.

الأصل فيه قوله سبحانه: وَ اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضٰاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلٰا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيًّا كَبِيراً (النساء/ 34).

و توضيح الآية يتوقف على إيضاح أمرين:

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 299

1- هل الخوف بمعنى العلم، كما عن الفراء حيث قال: معناه تعلمون نشوزهنّ و قد يكون الخوف بمعنى العلم، لأنّ خوف النشوز هو العلم بموقعه. «1»

و الظاهر أنّه بمعناه الحقيقي و هو يتحقّق بظهور أماراته و أسبابه مثل أن تتقطب في وجهه أو تبرم في حوائجه المتعلّقة بالاستمتاع و إنّما ذكر الخوف دون النشوز لمراعاة العلاجات الثلاثة المذكورة في الآية، فانّ العظة كما يناسب مع نفس

النشوز، يناسب مع ظهور أماراته و آثاره. «2»

2- هل الزوج في أعمال العلاج مخيّر بين هذه الثلاثة أو يصحّ له الجمع بينها، أو يتدرج من الأخف إلى الأثقل حسب تدرّج النشوز. و لا يصحّ القضاء الصحيح بين هذه الأقوال إلّا بذكر المحتملات.

أقول: قد ذكر في الآية وجوه خمسة:

ألف: ما اختاره المحقّق في الشرائع و قال: متى ظهر من الزوجة أمارات النشوز، جاز له هجرها في المضجع بعد عظتها و لا يجوز له ضربها و الحال هذه، أمّا لو وقع النشوز و هو الامتناع عن طاعته فيما يجب له، جاز ضربها و لو بأوّل مرّة.

و حاصله: أنّ الزوج يعالج عند خوف النشوز بالأوّلين على وجه الترتيب و عند وجود النشوز بالضرب سواء أعمل الأوّلين قبل تحقّق النشوز أو لا، لكنّه إذا تحقّق النشوز فله الاكتفاء بالأخير كما أنّ له إعمال الجميع من دون رعاية ترتيب، فالترتيب بين الأوّلين مختصّ بصورة خوف النشوز، و هذا المعنى يستفاد من المبسوط بعد الإحاطة بكلامه. «3»

______________________________

(1)- الطبرسي: مجمع البيان: 2/ 45.

(2)- الميزان: 4/ 367.

(3)- الطوسي: المبسوط: 4/ 337.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 300

يلاحظ عليه: أنّ المضاجعة من حقوقها، و تركها عقوبة عليها، و لا تجوز إلّا بفعل المحرّم، و ليس الخوف عن النشوز مبرّرا لذلك و لذلك اختار بعضهم المعنى الثاني.

ب: انّ الأمور الثلاثة مترتبة على مراتب ثلاث من حالها فمع ظهور أمارات النشوز يقتصر على الوعظ و مع تحقّقه قبل الإصرار ينتقل إلى الهجرة فإن لم ينجع و أصرّت انتقل إلى الضرب. و هذا لا غبار عليه لو لا أنّه تصرّف في ظاهر الآية بلا قرينة حيث جعل العظة من آثار الخوف و الأخيرين من

آثار نفس النشوز إلّا أن يقال بأنّ الصارف عن الأخذ بالظاهر هو أنّ العقوبة كترك المضاجعة لا تحلّ إلّا بفعل المحرّم و هو لا يتحقّق إلّا بالنشوز فلأجل ذلك جعل الموضوع في الثاني هو ذاته لا خوفه.

ج: ما اختاره المحقق في النافع، من التحفظ على ظاهر الآية و هو ترتّب العلاجات الثلاثة على أمارات النشوز من غير فرق بين الضرب و غيره إلّا أنّها مترتبة حسب ترتّب النهي عن المنكر قال في النافع: و قد حفظ القائل ظهور الآية في ترتّب الثلاثة على الخوف، و لكنّه تصرّف في حمل الواو على الترتيب الذي مخالف لمعناها من الجمع أو التخيير، و الداعي إليه، كونه من قبيل النهي عن المنكر «1».

د: ما هو المحكي عن ابن الجنيد، من جعل الأمور الثلاثة مترتبة على نفس النشوز و يجوز الجمع بين الثلاثة ابتداء، و ذلك لأنّه حمل الخوف على العلم لقوله سبحانه: فَمَنْ خٰافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ (البقرة/ 182) و عليه يجوز أن يختار واحدا من الثلاثة أو يجمع بينها على اختلاف في معنى الواو في المقام.

______________________________

(1)- المحقق: النافع: 191.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 301

يلاحظ عليه: أنّ المقام لا يتجاوز عن النهي عن المنكر فقد يراعى فيه الترتيب فليكن المقام مثله.

ه: كون الثلاثة مترتبة على النشوز بالفعل- مثل المحكي عن ابن الجنيد- غير أنّ الثلاثة مترتّبة فيدرج في الأدنى إلى الأعلى. «1» و حاصل الوجوه الخمسة عبارة عن الوجوه التالية:

1- إنّ الأوّلين مترتّبان على الخوف، و الثالث على نفس النشوز.

2- إنّ الأوّل مترتّب على الخوف، و الثاني و الثالث على النشوز و يعمل على الترتيب.

3- إنّ الثلاثة مترتبة

على الخوف، إلّا أنّها مترتبة حسب ترتّب النهي عن المنكر.

4- إنّ الثلاثة مترتبة على النشوز، مخيرا في إعمالها بلا ترتيب.

5- مترتّبة على نفس النشوز لكنّه على ترتيب النهي عن المنكر.

و لعلّ الأظهر هو القول الثالث، من كفاية الخوف في اعمال التأديب، مع الحفظ على الترتيب كموارد النهي عن المنكر، و أمّا إشكال العقوبة عليها عند الخوف و إن لم يصدر منها محرّم فهو محجوج بظاهر الآية و لعلّ الرغبة في حفظ أواصر الزوجية، و التسريع في الإصلاح يبرّر هذا المقدار من العقوبة التي ترجع إلى ترك المضاجعة، أو الضرب على وجه لا يدمى و لا يبرح و أمّا حكم النشوز فيعلم من حكم الخوف بطريق أولى.

هذا ظاهر الآية و أمّا النصوص الواردة في نشوز الرجل فالروايات الواردة فيه تفسر الآية بنفس النشوز لا بالخوف مع وروده في كلا الموردين فعن أبي عبد اللّه

______________________________

(1)- العلّامة: الارشاد: 2/ 33.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 302

عليه السّلام في تفسير قول اللّه عزّ و جلّ: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً فقال: هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها: إنّي أريد أن أطلّقك، فتقول له: لا تفعل إنّي أكره أن تشمت بي. «1»

و هل هذا قرينة على عطف الآيتين على أمر واحد؟! و هو أنّ المراد من الخوف، هو العلم بالنشوز، و يلازم الترتيب في التأديب كسائر الموارد فينطبق على قول العلّامة في الارشاد و اللّه العالم.

نعم اختار السيد الاصفهاني، القول الأوّل فجعل العظة و ترك الاضطجاع مترتّبين على الخوف، و الضرب مترتّبا على النشوز نفسه. «2»

ثمّ إنّ المراد من أمارات النشوز كلّ عمل يحكي عن كونها بصدد الترفع و الاستعلاء

مثل أن تقطّب في وجهه أو تبرم بحوائجه أو تغيّر عادتها، فانّ كلّ ذلك من أمارات النشوز فيجوز للزوج التمسّك بالتأديبين الأوّلين هذا إذا كان يوما أو يومين و أمّا إذا استمرّت هذه الحالة بحيث أثّر وضعها في استمتاعه و تلذّذه بها و عادت الحياة منغصة و إن كانت غير عاصية، فلا يبعد حالتها من نفس النشوز فيجوز معه التأديب الثالث.

ثمّ إنّه يجب أن يكون الضرب لأجل الإصلاح لا التشفي و الانتقام، و أن لا يكون مدميا و لا شديدا مبرحا و بما أنّ الضرب لصالحه يكون الزوج ضامنا إذا كان هناك تلف، بخلاف ضرب الصبيّ فانّه لصالحه فلا يكون الولي ضامنا.

المقام الثاني: في نشوز الزوج

إنّ الضابطة في كلا النشوزين أمر واحد و هو الخروج عن الطاعة الواجبة

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 11 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 1 و غيره.

(2)- السيد الأصفهاني، في الوسيلة، فصل القول في النشوز: 352.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 303

فلو منع حقوقها من قسم و نفقة و كسوة فهو نشوز و اللائق بمقام المرأة هو العظة و التذكرة و الهجر إذا لم يقم بوظيفته، و أمّا الضرب فليس من شأنها غالبا، و لأجل ذلك لم يذكر التأديبات الثلاث في الآية فللزوجة رفع الأمر إلى الحاكم حتّى يلزمه بالقيام بالواجب.

نعم النشوز من جانب الرجل يتحقّق تارة بالخروج عن الوظيفة و أخرى بالعزم على عمل حلال تكرهه كما إذا أراد طلاقها لكونها مسنّة أو دميمة فيجوز عليهما الصلح و لو بإغماض الزوجة عن بعض حقوقها، صيانة لشرفها و كيانها، قال سبحانه: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يُصْلِحٰا بَيْنَهُمٰا صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ

(النساء/ 128) لكن ما يأخذه الزوج إنّما يكون حلالا إذا كان في مقابل فعل أو ترك حلال، لا في مقابل المحرّم فعلا أو تركا و لعلّ المراد من الإعراض في الآية هو الطلاق و قد تضافرت الروايات في المقام على جواز هذا النوع من الصلح. «1»

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 11 من أبواب القسم و النشوز.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 304

القول في الشقاق

[الشقاق لغة و اصطلاحا]

الشقاق على وزن فعال من الشقّ، و هو لغة: الصدع و التفرقة، يقال: شقّ عصا القوم غير أنّ لازم الشقّ، كون كلّ نصف في ناحية يطلق عليه الشق، و المقصود في المقام وقوع النشوز من الزوجين و المنافرة بين الطرفين و الأصل في ذلك قوله سبحانه: وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقٰاقَ بَيْنِهِمٰا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا إِنْ يُرِيدٰا إِصْلٰاحاً يُوَفِّقِ اللّٰهُ بَيْنَهُمٰا إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً خَبِيراً (النساء/ 35) و هل المراد من خوف الشقاق هو ظهور أماراته منهما، لا نفسه أو هو بمعنى العلم به، و الخوف من استمراره؟ و الظاهر هو الأوّل و الكلام في أمور:

الأوّل: من هو المخاطب لقوله: وَ إِنْ خِفْتُمْ و فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ فهل المراد هو الحكّام بعد ما انجرّ الأمر إليهم أو الزوجان و قد حكي الأخير عن الصدوقين فإن امتنعا فالحاكم و هو صريح الفقه الرضوي: «يختار الرجل و تختار المرأة رجلا». «1»

وجهان: و يؤيّد الأوّل ظاهر الآية و أوضحه الشيخ و قال: «إنّ الخطاب إذا ورد مطلقا فيما طريقه الأحكام كان منصرفا إلى الأئمّة و القضاة كقوله تعالى:

وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا (المائدة/ 39)، و الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ (النور/ 2) و

أيضا فانّ الخطاب لا يتوجّه إلى الزوجين لأنّه لو توجّه إليهما لقال فابعثا. «2»

______________________________

(1)- النوري: المستدرك: 15، الباب 8 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 1.

(2)- الطوسي: الخلاف: 2/ 426، المسألة 9، كتاب القسم بين الزوجات.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 305

و مع ذلك فيمكن استظهار المعنى الثاني من بعض الروايات ففي موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا أ رأيت ان استأذن الحكمان فقالا للرجل و المرأة: أ ليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح و التفريق؟ فقال الرجل و المرأة: نعم .... «1» و لكنّها ليست صريحة في أنّ البعث كان من الزوجين بل من المحتمل أنّ البعث كان من الحاكم، و التقى الحكمان المبعوثان بالزوجين و جرى بينهما ما جرى و يؤيّد أنّ البعث من الحاكم خبر عبيدة. «2»

أضف أنّ ما يحكم به الحكمان أمر يجري عليهما أرادا أم لم يريدا و مثل هذا الأمر يطلب لنفسه قوة مجرية قاهرة تجري الحكم في حقّهما و ليس هو إلّا القضاة و الأئمّة المسئولون.

و ظاهر الخطاب في قوله فَابْعَثُوا هو وجوب البعث لحفظ الوئام و يؤكّد الوجوب فيما إذا اطلع القاضي على وقوع الزوجين أو أحدهما في عمل محرّم، كما أنّ ظاهرها كون الحكم من أهله و أهلها، فلا يعدل عنه إلى غيره، إلّا إذا تعذّر الأهل أو كانت الغاية، غير متأتية به، فيحكّم غيره صيانة للغرض يقول السيد الأصفهاني:

الأولى بل الأحوط أن يكون الحكمان من أهل الطرفين بأن يكون حكما من أهله، و حكما من أهلها فإن لم يكن لهما أهل أو لم يكن

أهلهما أهلا لهذا الأمر تعيّن من غيرهم. «3»

نعم لا يعتبر أن يكون من جانب كل منهما، حكم واحد بل لو اقتضت المصلحة بعث اثنين أو أزيد، و ذلك لأنّ ذكر الحكم الواحد، من باب الاقتصار

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 13 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 15، الباب 13 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 6.

(3)- السيد الاصفهاني: الوسيلة: القول في النشوز: 352.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 306

على الأقل.

و بما ذكرنا يعلم أنّ المبعوثين حكمان لا وكيلان للزوجين إذ المفروض أنّ الخطاب للحكّام، و الحكمان يبعثان من جانبهم، فلا موضوع للوكالة و لا منافاة أو يكونا حكمين و لكن يكون الطلاق مشروطا، بإذن الزوج كما سيوافيك.

قال الشيخ: بعث الحكمين في الشقاق على سبيل التحكيم، لا على سبيل التوكيل و به قال علي عليه السّلام و ابن عباس و عمرو بن العاص و هو أحد قولي الشافعي.

و القول الآخر أنّهما على سبيل التوكيل و به قال أبو حنيفة. دليلنا قوله تعالى:

فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا و هذا ظاهر في التحكيم لأنّه لم يقل فابعثوا وكيلا- إلى أن قال:- و أيضا قال: إِنْ يُرِيدٰا إِصْلٰاحاً يُوَفِّقِ اللّٰهُ بَيْنَهُمٰا فأضاف الارادة إلى الحكمين فلو كان توكيلا لم يضف إليهما. و أيضا: روى أصحابنا أنّهما ينفّذان ما اتّفق رأيهما عليه إلّا الفرقة بينهما فانّهما يستأذنانهما فدلّ ذلك على أنّه على سبيل التحكيم، لأنّ التوكيل لا يجوز فيه إنفاذ شي ء إلّا بإذن الموكّل. «1»

و على كلّ تقدير فإن اتّفقا على الإصلاح فعلاه من غير مراجعة لهما، لأنّه مقتضى تحكيمهما أو توكيلهما و إن اتّفقا على التفريق فمقتضى التحكيم هو النفوذ، لو

لا ما ورد من أنّه ليس للمصلحين أن يفرّقا حتّى يستأمرا «2» و في رواية يشترط عليهما إن شاءا جمعا و إن شاءا فرّقا فإن جمعا فجائز و إن فرّقا فجائز. 3 نعم روى أهل السنّة عن علي عليه السّلام قال: رجل أتى عليّا عليه السّلام و معه امرأته مع كلّ واحد فئام من الناس فقال علي عليه السّلام: «ما شأن هذا؟ قالوا: وقع بينهما شقاق، قال:

فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا إِنْ يُرِيدٰا إِصْلٰاحاً يُوَفِّقِ اللّٰهُ بَيْنَهُمٰا، فبعثوهما

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 2، كتاب القسم، المسألة 9، ص 426.

(2) و 3- الوسائل: 15 الباب 13 من أبواب القسم، الحديث 2 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 307

فقال علي للحكمين: هل تدريان ما عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما و إن رأيتما تفرّقا فرّقتما، فقالت المرأة: رضيت بما في كتاب اللّه لي و علي، فقال الرجل: أمّا فرقة فلا، فقال: و اللّه لا تذهب حتّى تقرّ بمثل ما أقرّت». «1»

و في سنن البيهقي: «كذبت و اللّه حتّى تقرّ بمثل الذي أقرّت» و ظاهر الرواية أنّه لا محيص له من إعطاء الرضاء بكلا الأمرين، فيكون مخالفا لما مرّ من أنّه ليس لهما التفريق إلّا بإذن الزوج.

و على كلّ تقدير، فلو رضيا بكلّ ما حكما من بدء الأمر أو استأمر الرجل، فأمضى التفريق فهو، إنّما الكلام إذا لم يرض به لا في أوّل الأمر و لا بعده فالأحوط عدم التفريق أخذا بما تقدّم من الروايات أمّا ما روي عن علي عليه السّلام فلعلّه كان حكما حكوميّا، نافذا في ظرفه الخاصّ.

و في الختام نقول: يدلّ قوله سبحانه: إِنْ يُرِيدٰا إِصْلٰاحاً يُوَفِّقِ اللّٰهُ بَيْنَهُمٰا

على أنّه يجب على الحكمين أن لا يدّخرا وسعا في الإصلاح و المعنى أنّه إن أخلصا في القضاء يوفق اللّه بينهما. و هل الضمير يرجع إلى الحكمين، أو إلى الزوجين؟

وجهان، قال الزمخشري: إن قصدا إصلاح ذات البين و كانت نيّتهما صحيحة و قلوبهما ناصحة لوجه اللّه، بورك في وساطتهما و أوقع اللّه بطيب نفسهما و حسن سعيهما بين الزوجين الوفاق و الألفة و ألقى في نفوسهما المودّة و الرحمة، و قيل الضميران للحكمين أي إن قصدا إصلاح ذات البين و النصيحة للزوجين يوفق اللّه بينهما فيتفقان على الكلمة الواحدة و يتساندان في طلب الوفاق حتى يحصل الغرض و يتمّ المراد، و قيل الضميران للزوجين أي إن يريدا إصلاح ما بينهما و طلبا الخير و أن يزول عنهما الشقاق يطرح اللّه بينهما الألفة و أبدلهما بالشقاق وفاقا

______________________________

(1)- ابن قدامة: المغني: 8/ 169؛ الوسائل: 15، الباب 13 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 6؛ سنن البيهقي: 7/ 305 و اللفظ في المصدرين مختلف و إن كان المضمون واحدا.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 308

و بالبغضاء مودّة إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً خَبِيراً يعلم كيف يوفق بين المختلفين و يجمع بين المفترقين. «1»

إكمال:

لو حكم الحكمان لكن غاب الزوجان أو أحدهما، فهل يكون حكمهما نافذا؟ لا شكّ في النفوذ على القول بالوكالة لعدم اشتراط حضور الموكّل في تصرّف الوكيل فيما وكّل به إنّما الكلام على القول بالتحكيم فقال الشيخ بعدم النفوذ، و إليك نصّه: «و إذا غاب أحد الزوجين بعد التوكيل و لم يفسخ الوكالة، كان لوكيله أن يمضي ما وكّله فيه، لأنّ الغيبة لا تفسخ الوكالة و إذا قيل على سبيل الحكم، لم يكن لهما

أن يفصلا شيئا لأنّا و إن أجزنا القضاء على الغائب فإنّما نقضي عليه فأمّا أن يقضى له فلا، و هاهنا لكل واحد منهما حقّ له و عليه، لم يجز. «2»

و ذهب المحقق إلى النفوذ مجيبا عن دليل الشيخ بأنّ حكمهما مقصور على الإصلاح أمّا التفرقة فموقوفة على الإذن «3» و لكن الجواب لا ينطبق على دليل الشيخ لأنّه يقول بأنّ الحكم لصالح الغائب غير جائز و إنّما الجائز هو الحكم عليه.

و الأولى أن يقال بالنفوذ، لإطلاق الأدلّة و صيانة جعل الحكم عن اللغويّة، و سدّا لباب الفرار عنه للمتجاوز.

ثمّ إنّ هناك فرعين:

الأوّل: يجب على الحكمين أن يشترطا عليهما أمرا جائزا

و ألّا يكون باطلا

______________________________

(1)- الزمخشري: الكشاف: 1/ 396.

(2)- الطوسي: المبسوط: 4/ 341.

(3)- الشرائع: 2/ 339.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 309

من رأس و هذا ممّا لا إشكال فيه إنّما الكلام في تشخيص الموافق للكتاب و السنّة و مخالفهما، فنقول: و الضابط، كلّ أمر جائز شرعا بالذات و ليس بمحرّم كما إذا شرطا على الزوج أن يسكّن الزوجة في مسكن مخصوص، أو لا تسكن معها أمّ الزوج و أخته أو ضرّتها في دار واحدة، أو شرطا على الزوجة أن تؤجّله بالمهر الحال إلى أجل أو تردّ عليه ما قبضته قرضا أو تنظف الدار في كلّ يوم، و تغسل ثيابه و تمهّد البيت للعيش الرغيد. نعم ليس لهما، أن يشترطا العمل المحرّم، كما لو شرطا عليه، أن لا ينفق على ضرّتها أو يبخس بحقوقها، أو يجوز لها الخروج من البيت بلا إذن، أو يشترطا عليها أن لا ينفق، و لا يقسم عليها، و أمّا اشتراط عدم التزوّج و التسرّي، فقد مضى الكلام فيه و أنّه على فرض لا يعدّ مخالفا للحكم الشرعي و على

فرض يعدّ، قال الشيخ:

و إذا شرط الحكمان شرطا نظر فيه فإن كان ممّا يصلح لزومه في الشرع لزم و إن كان ممّا لا يلزم مثل أن شرطا عليها ترك بعض النفقة أو القسم أو شرط عليه أن لا يسافر بها فكلّ هذا لا يلزم الوفاء به. «1»

نعم لو رضى الزوج أو الزوجة بترك بعض الحقوق فهو أمر آخر، إنّما الكلام نفوذ حكم الحكمين في ذلك المجال، سواء رضي الزوجان أو لا.

الثاني ربّما يمنعها الزوج من حقوقها المستحبّة أو الواجبة

و ينجرّ الأمر إلى الخلع، فما هو حكمه؟! أقول: إنّ للمسألة صورا:

1- يترك بعض حقوقها المستحبّة و ينجر الأمر إلى بذل الفدية من جانبها.

2- يأتي ببعض الأعمال المباحة فيثير غيرتها، كما إذا يتزوّج أو يتسرّى و هي لا

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 341.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 310

تتحمل و ينجرّ الأمر إلى بذل الفدية بالصداق أو شي ء آخر.

3- يترك بعض حقوقها الواجبة لا بنيّة دفعها إلى طلب الطلاق بل ربّما يريد المقام معها و إنّما يتركه لضعف دينه و حرصه إلى المال أو غضبه عليها و لكنّه يدفعها عمله إلى بذل الفدية و طلب الطلاق.

4- يترك بعض الحقوق لتلك الغاية و لكن لا يظهر نيّته عليها.

5- تلك الصورة مع الإظهار.

لا كلام في جواز الفعل في الصورتين الأوليين، تكليفا و حليّة الفدية وضعا، لأنّه لم يرتكب عملا محرّما، بل مباحا و اندفاعها إلى بذل الفدية متأثرة عن عمل الزوج لا صلة له به.

كما لا شكّ في حرمة العمل في الصور الأخيرة الثلاثة تكليفا، إنّما الكلام في حليّة البذل وضعا، و الظاهر صدق الإكراه في الصورتين الأخيرتين إنّما الكلام في الصورة الثالثة و الظاهر حرمته إذا علم أنّ عمله المحرّم يدفعها إلى

بذل الفدية للخلع، فإنّ إرادة الملزوم لا ينفكّ عن إرادة اللازم مع العلم بالملازمة لا معها.

تمّ الكلام في القسم و النشوز و الشقاق و بتمامه تمّ ما هو المهم من أبواب النكاح بقي الكلام في فصلين آخرين:

1- أحكام الأولاد.

2- النفقات.

و إليك الكلام فيهما في الفصلين التاليين.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 311

الفصل التاسع عشر في أحكام الأولاد

اشارة

1- الولد يلحق بالزوج بشروط ثلاثة:

أ- الدخول الموجب للحوق الولد. ب- مضيّ أقل الحمل. ج- عدم التجاوز عن أقصاه

2- إذا جاءت بولد لأقلّ من ستة أشهر

3- إذا زنت على فراش زوجها، فما هو حكم الولد؟

4- إذا اختلفا الزوجان في الدخول، أو الولادة، أو في المدّة

5- في أحكام ولد الشبهة

6- من حقوق الولد الرضاع

7- يجوز للأم أخذ الأجرة للرضاع

8- الأجرة على الأب، إذا لم يكن معسرا و إلّا على الولد إذا كان ذا مال

9- الأم أحق بالرضاع من غيرها

10- الحضانة من حقوق الأم

11- سقوط الحق عند تزوج الأم

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 313

في أحكام الأولاد

[شروط لحوق الولد بالزوج]

إنّ ولد الزوجة الدائمة «1» يلحق بالزوج بشروط ثلاثة:

1- الدخول الموجب للحوق الولد.

2- مضيّ أقلّ مدّة الحمل.

3- أن لا يتجاوز أقصى مدّة الحمل.

و إليك دراسة الشروط الثلاثة:

أمّا الشرط الأوّل، فهو مقوّم اللحوق عقلا و شرعا إنّما الكلام في كفاية بعض الأقسام كما إذا دخل و عزل عن الزوجة، أو دخل و لم ينزل أصلا، أو مسّها بالوطء في الدبر. و اللحوق في الصورة الأولى منصوص، روى أبو البختري عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن أبيه عن علي عليه السّلام قال: جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال: كنت أعزل عن جارية لي فجاءت بولد فقال صلى اللّه عليه و آله و سلم: «إنّ الوكاء قد ينفلت» فألحق به الولد. «2»

و الوكاء رباط القربة التي هي وعاء الماء للسّقاء. و العبارة كناية عن انفلات المني و إن لم يشعر به الفاعل. إنّما الكلام في القسمين الأخيرين و قد وجه

______________________________

(1)- يشترك ولد المتعة

مع ولد الدائمة فيما نتلوه من الأحكام غير انّه ينفى بلا لعان بخلاف ولد الدائمة فانّه لا ينفى إلّا باللعان، و إلّا فالولدان مشاركان في تمام الأحكام. لاحظ الحدائق: 25/ 21.

(2)- الوسائل: 15، الباب 15 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1. و لاحظ أيضا الباب 19 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1، التوقيع الرفيع.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 314

صاحب الجواهر اللحوق في الشقّ الثاني بإمكان التولد من الرجل بالدخول. إن لم ينزل و لعله لتحرك نطفة الامرأة و اكتسابها العلوق من نطفة الرجل في محلّها. «1»

و هو كما ترى، و أشكل منه الصورة الثالثة فانّ احتمال التولد من الرجل بعيد ملحق بالمحال العادي.

و لو أخذنا بإطلاق «الولد للفراش» في الصورة الثانية، فلا شكّ في عدم صحّة الأخذ به في الثالثة.

قال ابن إدريس: و متى وطأ امرأته أو جاريته، و كان يعزل عنهما، و كان الوطء في القبل، و جاءت المرأة بولد، وجب عليه الإقرار به و لا يجوز نفيه لمكان العزل. «2»

و أمّا الشرط الثاني أعني: مضيّ أقلّ مدّة الحمل و هي ستة أشهر من حين الوطء، فتدل عليه- مضافا إلى اتّفاق علماء الإسلام عليه. «3» و إلى قوله سبحانه: وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلٰاثُونَ شَهْراً (الأحقاف/ 15) إذا ضمّ إلى قوله سبحانه: وَ فِصٰالُهُ فِي عٰامَيْنِ (لقمان/ 14)- الروايات المستفيضة التي منها قول الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا تلد المرأة لأقلّ من ستة أشهر». «4»

و أمّا الشرط الثالث، و هو أن لا يتجاوز أقصى مدّة الحمل و هو ممّا لا خلاف فيه إنّما الخلاف في تقدير المدّة المذكورة هل هي تسعة أشهر، أو عشرة أشهر، أو سنة مع الاتّفاق

منّا على أنّها لا تزيد على السنة؟

______________________________

(1)- الجواهر: 31/ 223.

(2)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 658.

(3)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 373.

(4)- الوسائل: 15، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 315

الأوّل هو المشهور بين الأصحاب، و الثاني هو خيرة الشيخ في المبسوط «1» و الثالث مع أنّ المحقّق جعله متروكا، هو خيرة جمع من الأصحاب، كالمرتضى في الانتصار و الحلبي في الكافي و الشهيد الثاني في المسالك.

قال المرتضى: و ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ أكثر مدّة الحمل سنة واحدة و خالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال الشافعي: أكثر الحمل أربع سنين، و قال الزهري و الليث و ربيعة: أكثره سبع سنين و قال أبو حنيفة: أكثره سنتان، و قال الثوري و البستي: أكثره سنتان، و عن مالك فيه ثلاث روايات إحداهنّ مثل قول الشافعي أربع سنين و الثاني خمس سنين و الثالث سبع سنين. «2» و سيوافيك نقل أقوالهم عن الخلاف أيضا.

و قال الحلبي: «فإن كان لمدّة طلاقها أو الوفاة عنها سنة فما دونها فهو لاحق بالأوّل و إن كان لأكثر من ذلك لم يلحق به، و كذلك الحكم فيها إذا لم تتزوّج بعد الطلاق أو الوفاة، و جاءت بولد سنة فما دونها، في لحوقه بالمطلّق أو المتوفّي و لا يلحق به بعد السنة». «3»

و قال الشهيد الثاني: القول بالسنة للمرتضى مدّعيا عليه الإجماع، و وافقه عليه أبو الصلاح و مال إليه في المختلف- إلى أن قال:- و هذا القول أقرب إلى الصواب و إن وصفه المصنّف بالترك و قد وقع في زماننا. «4»

أقول: أمّا القول بالعشرة فقد اعترف غير واحد كالشهيد في المسالك،

______________________________

(1)- و

في المسالك: 1/ 625، قال به في موضع من المبسوط و لكن الموجود فيه في كتاب الطلاق، باب العدد هو اختيار القول المشهور. لاحظ ج 5/ 232، قال: لأنّ الولد لا يبقى أكثر من تسعة أشهر.

(2)- المرتضى: الانتصار، المسألة الأخيرة من كتاب العدّة 154.

(3)- الحلبي: الكافي: 314- 315.

(4)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 376.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 316

و البحراني في الحدائق «1» بعدم العثور على رواية تدل عليها و إن كان يظهر من ابن حمزة أنّ بها رواية حيث قال: أكثر مدّة الحمل فيه روايات ثلاث: تسعة أشهر، و عشرة، و سنة. «2» و اللازم هو دراسة ما يدل على القولين من الروايات و لننقل آراء العامة في المسألة فلعلّ فيها ما يعين على حلّ التعارض بين القسمين في الروايات.

و قد وقفت عليها عند نقل رأي المرتضى عن الانتصار.

قال الشيخ في الخلاف: «أقلّ الحمل ستة أشهر بلا خلاف، و أكثره عندنا تسعة أشهر، و قد روي في بعض الأخبار سنة، و قال الشافعي: أكثره أربع سنين، و ذهب الزهري و الليث بن سعد إلى أنّ أكثره سبع سنين، و عن مالك روايات، المشهور منها ثلاث: إحداها مثل قول الشافعي أربع سنين، و الأخرى خمس سنين، و الثالثة سبع سنين، و ذهب الثوري و أبو حنيفة و أصحابه إلى أنّ أكثر مدّة الحمل سنتان، و هو اختيار المزني- دليلنا- إجماع الفرقة و العادة، و ما رأينا و لا سمعنا في زماننا هذا، و لا قبله من ولد لأربع سنين، أو سبع سنين؛ و ما يدعونه من الروايات الشاذة لا يلتفت إليه. لأنّها غير مقطوع بها، و ما ذكرناه مقطوع به بلا

خلاف. «3»

أقول: إنّ ما يدلّ على أنّ أقصى الحمل سنة بين صريح، و غير صريح قابل للحمل على ما دلّ على رأي المشهور.

أمّا الأوّل فنذكر منه ما يلي:

1- ما رواه غياث عن جعفر عن أبيه عليه السّلام قال: أدنى ما تحمل المرأة لستة

______________________________

(1)- الحدائق: 25/ 10.

(2)- ابن حمزة: الوسيلة: 318.

(3)- الطوسي: الخلاف: 3، كتاب العدّة، المسألة 52.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 317

أشهر و أكثر ما تحمل لسنتين على ما في الوسائل. «1» و «سنة» على ما في الوافي. «2»

و مع هذا الاضطراب في المتن و اشتمال سند الحديث على أناس لم يوثّقوا كسلمة بن الخطاب، و إسماعيل بن إسحاق، و إسماعيل بن أبان، كيف يمكن الاحتجاج به؟

2- ما رواه حريز عمن ذكره عن أحدهما عليهما السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: اللّٰهُ يَعْلَمُ مٰا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثىٰ وَ مٰا تَغِيضُ الْأَرْحٰامُ وَ مٰا تَزْدٰادُ (الرعد/ 8). قال «الغيض»: كل حمل دون تسعة أشهر، و مٰا تَزْدٰادُ كلّ شي ء يزداد على تسعة أشهر، و كلّما رأت المرأة الدم الخالص في حملها فانّها تزداد بعدد الأيّام الّتي زاد فيها في حملها من الدم. «3»

الرواية مرسلة أوّلا، غير دالّة على المطلوب (السنة) ثانيا، و قد فسّر الغيض و الزيادة الواردين في الآية بوجه آخر، ثالثا. «4»

3- المرسل المنقول من نوادر المعجزات للراوندي عن سيّدة النساء فاطمة عليها السّلام، أنّها ولدت الحسين عليه السّلام عند تمام سنة من حملها به، و هو معارض بغيره. «5»

و أمّا الثاني أي غير الصريح القابل للحمل و هو صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت أبا إبراهيم عليه السّلام يقول: إذا طلق الرجل امرأته فادّعت حبلا انتظر

بها تسعة أشهر، فإن ولدت و إلّا اعتدت بثلاثة أشهر ثمّ قد بانت منه. «6»

______________________________

(1)- الوسائل: الجزء 15، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 15.

(2)- الفيض: الوافي: الجزء 23، باب ما إذا تعدّد صاحب الفراش و أدنى حد الحمل و أقصاه، الحديث 8.

(3)- نور الثقلين: 2/ 485.

(4)- الوسائل: 15، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 6.

(5)- النوري: المستدرك: 15، الباب 12 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 3.

(6)- الوسائل: 15، الباب 25 من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 318

وجه الاستدلال انّه عليه السّلام لم يرخص لها في التزويج إلّا بعد مضيّ التسعة و الثلاثة الأشهر، التي بعدها، الذي مجموعه سنة فهو يدلّ على أنّ أقصى مدّة الحمل سنة إذ لو كان ذلك تسعة أشهر لجوّز لها النكاح بعدد التسعة.

و بذلك تظهر كيفية الاستدلال بروايات أربع لمحمّد بن حكيم الممدوح «1» و لكن الدقة في الصحيح و في ما رواه ابن حكيم، انّ مضي التسعة الأشهر و إن كشف عن براءة الرحم و كذب ادّعائها، و مع ذلك كلّه أوجب عليها الاعتداد، ثلاثة أشهر تعبّدا لحكمة، غير معلومة لنا، لا انّها جزء من مدّة الحمل. و في نفس الروايات التي رواها ابن حكيم، دلالة على ما ذكرنا قال: قلت له رجل طلق امرأته فلما مضت ثلاثة أشهر ادّعت حبلا قال: ينتظر بها تسعة أشهر، قال قلت: فانّها ادّعت بعد ذلك حبلا؟ قال: هيهات هيهات إنّما يرتفع الطمث في ضربين ... فلو كان أقصى الحمل هو السنة، لما كان مكان لقوله: هيهات هيهات. و لا مانع من إلزامها بالعدة بعد انقضاء أقصى الحمل، تأديبا لها، حيث ادّعت الحبل، مع

كون الادّعاء على خلاف الواقع.

و أمّا ما دلّ على كون الأقصى هو تسعة أشهر، و إن كان ضعيف السند «2» لكنّه منجبر بعمل المشهور، و كونه هو الغالب، و النادر كالمعدوم، أضف إلى ما ذكرنا ما استظهرناه من صحيح عبد الرحمن بن الحجاج و ما رواه محمد بن حكيم من الروايات الأربع حيث عرفت انّها ناظرة إلى انّ أقصى الحمل هو التسعة أشهر، و الثلاثة الأخيرة، عدّة تعبدا لحكمة لا يحيط بها إلّا اللّه.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 25 من أبواب العدد، الحديث 2، 3، 4، 5.

(2)- الوسائل: 15، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 2 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 319

فروع

الأوّل: لو دخل بزوجته و جاءت بولد لأقلّ من ستة أشهر و هو حيّ كامل فالشيخان على أنّه بالخيار إن شاء أقرّ به و إن شاء نفاه عنه.

و إليك نصّهما: قال المفيد: و إن ولدته حيّا تامّا لأقل من ستة أشهر من يوم لامسها فليس يولد له في حكم العادة و هو بالخيار إن أقرّ به و إن شاء نفاه عنه، غير انّه إن نفاه فخاصمته المرأة و ادّعت انّه منه و اختلفا في زمان الحمل كان عليه ملاعنتها. «1» و قال الشيخ: فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر حيّا سليما جاز له نفيه من نفسه، و كذلك إن جاءت بالولد لأكثر من تسعة أشهر، كان له نفيه إلّا أنّه متى نفاه، و رافعته المرأة إلى الحاكم كان عليه ملاعنتها. «2»

و ذهب الباقون من الأصحاب إلى لزوم النفي، لأنّ سكوته عن نفيه يوجب لحاقه به و اعترافه بنسبه و هو حرام و يدلّ عليه مضافا إلى ما

عرفت: خبر أبان بن تغلب سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة فلم تلبث بعد ما اهديت إليه، إلّا أربعة أشهر حتى ولدت جارية فأنكر ولدها و زعمت هي انّها حبلت منه، فقال: لا يقبل ذلك منها و إن ترافعا إلى السلطان تلاعنا و فرّق بينهما و لم تحل له أبدا». «3»

______________________________

(1)- المفيد: المقنعة، باب لحوق الأولاد: 538.

(2)- الطوسي: النهاية: 505.

(3)- الوسائل: 15، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 10 و في السند أبو جميلة و هو المفضل بن صالح الأسدي النخاس الضعيف.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 320

و منه يعلم حكم ما إذا ولدت الزوجة بعد أقصى زمان الحمل من حين الوطء فإنّ على الزوج نفيه على ما مرّ و يدلّ عليه خبر إسماعيل بن مرار عن يونس. «1»

الثاني: لو زنت المرأة على فراش زوجها كان الولد ملحقا بالزوج لا ينتفى منه إلّا باللعان للخبر المستفيض عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «الولد للفراش و للعاهر الحجر»، و قد استدل به الإمام على ما في موثق سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد. لمن يكون الولد؟ قال: «للذي عنده لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: الولد للفراش و للعاهر الحجر». «2»

فإذا كان هذا حال الفجور، فأولى منه اتهامها به.

نعم لو لامسها غير الزوج أيضا عن شبهة على وجه يمكن تولده منهما فانّه يقرع بينهما، و يلحق بمن تقع القرعة عليه لانّها حينئذ فراش لهما، نعم لو أمكن لأحدهما دون الآخر تعيّن له.

الثالث: إذا تنازع الزوجان فله صور:

1- إذا اختلفا في

الدخول و عدمه فادّعته المرأة ليلحق به الولد، و أنكره الزوج.

2- إذا اتّفقا على الدخول، و لكن أنكر الزوج الولادة و ادّعى أنّها أتت به من خارج.

3- و لو اتّفقا على الدخول و الولادة و اختلفا في المدّة فادّعى الزوج ولادته لدون ستة أشهر و ادّعت الزوجة ولادتها بعد ستة أشهر.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 10 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1 و هو موقوف.

(2)- الوسائل: 14، الباب 58 من أبواب نكاح العبيد، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 321

4- تلك الصورة لكن ادّعى الزوج ولادته لأزيد من أقصى الحمل و ادّعت الزوجة ولادته قبل مضيّ أقصاه.

و أمّا أحكام الصور فهناك وجهان:

أ: انّ الميزان في تمييز المدّعي عن المنكر، هو الموافقة مع الأصل العملي الموجود في المقام و المخالفة معه. و عليه، فالقول قوله في الثلاثة الأول حيث إنّ الزوجة تدّعي الدخول أو الولادة منها، أو تقدّم الدخول، و هو ينكرها و الأصل عدمها كما أنّ القول قولها في الرابعة، حيث إنّ الزوج يدّعي تقدم الدخول حتى تكون الولادة بعد مضيّ أكثر المدة، و هي تنكره.

ب: انّ المرجع في التمييز إنّما هو قاعدة الولد للفراش و للعاهر الحجر، ففي الصور الثلاث الأخيرة، القول قولها للقاعدة و يكون الرجل مدّعيا. و أمّا الصورة الأولى، فبما انّهما لم يتفقا على الوطء لم يثبت الفراش فتكون هي المدّعية دون الرجل.

نعم لا يحسم النزاع على القولين إلّا باليمين، و توهّم انّ تقديم قولها في الوجه الثاني ليس لإنكارها حتى تتوجه عليها اليمين بل لتغليب جانب الفراش المستدل عليه بالعموم المتقدّم و ليس فيه اعتبار اليمين غير تام، لأنّ القاعدة صارت رصيدا لتمييز المنكر عن المدعي، و

معه كيف لا تجب عليها اليمين بمجرّد انّ تقديم قولها لأجل تغلّب جانب الفراش.

الرابع: لو طلّقها فاعتدّت- و لم تتزوج- و لكن جاءت بولد ما بين الوطء الذي لحقه الفراق إلى أقصى مدّة الحمل، يلحق بالزوج لإمكان اللحوق، فتكون القاعدة محكمة إلّا إذا علم الانتفاء، كما لو كان بأقل من ستة أشهر، أو بأزيد من الأقصى من زمان الاتّفاق على الوطء.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 322

الخامس: لو طلّقها فاعتدّت و تزوجت ثمّ أتت بولد لم يمكن لحوقه بالثاني و أمكن لحوقه بالأوّل كما إذا أتت بولد سويّ لدون ستة أشهر، من وطء الثاني و دون أقصى الحمل من وطء الأوّل فيلحق بالأوّل و إن لم يمكن لحوقه بالأوّل و أمكن لحوقه بالثاني كما إذا أتت بولد فوق أقصى مدّة الحمل من وطء الأوّل و لستة أشهر، أو أكثر قبل انقضاء أقصى الحمل من وطء الثاني فيلحق بالثاني و إن أمكن لحوقه بكليهما كما إذا أتت بولد سويّ قبل مضي الأقصى من وطء الأوّل و لستة أشهر، من وطء الثاني فهل تقدم قاعدة الفراش، من غير فرق بين العقد عليها أو وطأها شبهة، أو يقرع؟ و الأوّل هو المتعيّن لروايات متضافرة. «1»

السادس: لو زنى بامرأة فاحبلها ثمّ تزوج بها و كذا لو زنى بأمة فحملت ثمّ ابتاعها. فلا يلحق بالزاني لأنّ تجدد الفراش لا يقتضي إلحاق المحكوم بانتفائه مضافا إلى خبر علي بن مهزيار. «2»

السابع: قد عقد المحقق تبعا لسائر الفقهاء فصلا لبيان أحكام ولد الموطوءة بالملك، و بسط الكلام فيها الفقيهان الجليلان: البحراني، و النجفي في موسوعتيهما: الحدائق و الجواهر، فقد أغنانا الكلام فيها عدم الابتلاء بها في هذه الأيّام، فلنعطف

عنان الكلام إلى البحث عن أحكام ولد الموطوءة بالشبهة.

***

في أحكام ولد الشبهة

قد أشبعنا الكلام في مفهوم الوطء بالشبهة عند البحث عن نشر الحرمة

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 58 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

(2)- الوسائل: 15، الباب 101 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 323

بالمصاهرة من أسباب التحريم و نركّز البحث في المقام على لحوق ولد الشبهة بالواطئ كما في النكاح الصحيح قال الشهيد الثاني: لا خلاف في أنّ وطأ الشبهة كالصحيح في لحوق النسب «1» و على ذلك لو اشتبهت عليه أجنبيّة فظنها زوجته فوطأها يلحق به إجماعا. و لجملة من الأخبار المبثوثة في أبواب مختلفة منها موثق زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: فإن تزوج امرأة، ثمّ تزوج أمّها و هو لا يعلم أنّها أمّها قال: «قد وضع اللّه عنه جهالته بذلك» ثمّ قال: إن علم أنّها أمّها فلا يقربها، و لا يقرب الابنة حتى تنقضي عدّة الأمّ، فإذا انقضت عدّة الأمّ حلّ له نكاح الابنة.

قلت: فإن جاءت الأمّ بولد؟ قال: «هو ولده و يكون ابنه و أخا امرأته» «2» و بالجملة ينزل فراش المشتبه منزلة الفراش الصحيح هذا كلّه إذا كان الاشتباه بالنسبة إلى الرجل، و أمّا إذا كان الاشتباه بالنسبة إلى الامرأة فظاهر الحال و إطلاق قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم:

الولد للفراش و للعاهر الحجر، انّها تختص بالولد.

و يترتب على ذلك انّه لو تزوج امرأة بظنّ أنّها لا زوج لها بموت أو طلاق، فظهر أنّه لم يمت أو لم يطلّق فإنّها تردّ على الأوّل بعد الاعتداد من الثاني، و ما أتت من الأولاد بعد تزويج الثاني، يلحق به لا بالمرأة

لعلمها بالخلاف.

لا كلام في أنّه يلحق بالثاني، إذا كان التزويج بحكم الحاكم، أو شهادة الشاهدين فانّه يكون مسوغا للوطء و موجبا للحوق الأولاد إنّما الكلام إذا تزوج اعتمادا على قول من لا يثبت به الموضوع كإخبار مخبر فإن ظن جواز التعويل عليه شرعا جهلا منهما بالحكم الشرعي على نحو يكون محقّقا للشبهة و إلّا كان زنا فلا مهر و لا يلحق الولد بالواطئ.

______________________________

(1)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 392.

(2)- الوسائل: 14، الباب 26 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1 و لاحظ الجزء 14، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، و الباب 7 من أبواب العيوب و التدليس، و الباب 7 من أبواب عقد النكاح.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 324

من حقوق الولد الرضاع، و الحضانة

[الرضاع]

اشارة

قد استوفينا الكلام في الرضاع و شروطه و حدوده عند البحث فيما يحرم بالمصاهرة، و إنّما نخصّ المقام بالبحث عمّا يرجع إلى الولد من حيث كونه حقّا و نقدّم البحث عن الرضاع على الحضانة و نستوفي الكلام في ضمن فروع:

الأوّل: لا يجب على الأمّ الإرضاع

المشهور عند الأصحاب انّه ليس للرجل إجبار زوجته على الرضاع. قال الشيخ: ليس للرجل أن يجبر زوجته على الرضاع لولدها منه شريفة كانت أو مشروفة، مؤسرة كانت أو معسرة، دنية كانت أو نبيلة و به قال أبو حنيفة و الشافعي، و قال مالك: له إجبارها إذا كانت معسرة دنية، و ليس له ذلك إذا كانت شريفة موسرة. و قال أبو ثور: له إجبارها بكلّ حال لقوله تعالى: وَ الْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلٰادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ و هذا خبر معناه الأمر، فإذا ثبت وجوبه عليها ثبت انّه يملك إجبارها عليه، لأنّه إجبار على الواجب. دليلنا انّ الأصل براءة الذمة، و الإجبار يحتاج إلى دليل، و الآية محمولة على الاستحباب، و عليه إجماع الفرقة، و أخبارهم تشهد بذلك.

يلاحظ على الاستدلال بالآية على الوجوب، انّها بصدد بيان مدّة الرضاع و انّها حولان كاملان و ليست بصدد بيان وجوب الرضاع فيها و إلّا لخالف الصدر مع قوله: لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضٰاعَةَ الظاهر انّه يجوز لها إتمام الحولين و عدمه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 325

اتّفقوا على عدم وجوب الرضاع على الأمّ مستدلين بقوله سبحانه: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَ لٰا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَ إِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ أْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَ إِنْ تَعٰاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرىٰ (الطلاق/ 6)

وجه الاستدلال انّه لو كان الرضاع

عليها واجبا لما حسن أن يقال: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ.

يلاحظ عليه: أنّ مورد الآية هو المطلقات و إسراء الحكم منها إلى غيرها، قياس مع الفارق، و تصوّر انّ المراد منها الرجعيات، و الرجعية بحكم الزوجة فيثبت الحكم في غير المطلّقات، كما ترى لانّه أيضا لا يعدو من اسراء الحكم عن الرجعية التي لا تزال في حال الانحلال من الزوجية، إلى الزوجة و هو قياس مع الفارق.

و استدل في الجواهر بقوله سبحانه: لٰا تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا وَ لٰا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ (البقرة/ 233) لشمولها لإضرارها بالإجبار على إرضاعه.

يلاحظ عليه: أنّ الآية فسّرت بوجوه مختلفة مذكورة في التفاسير «1» يشكل الإذعان بشمولها للمورد.

و الأولى الاستدلال بالسنة، روى سليمان بن داود المنقري قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرضاع فقال: «لا تجبر الحرّة على رضاع الولد و تجبر أمّ الولد». «2»

نعم لا يجب عليها الإرضاع بما هي أمّ و ذلك لا ينافي وجوبه عليها بعنوان ثانوي، كما إذا لم يكن له أب أو كان و لم يكن له مال، و عدم وجود متبرع للاجرة، أو عدم مال للولد، و عندئذ يجب ذلك عليها كما يجب عليها الانفاق عليه إذا كان

______________________________

(1)- الطبرسي: 1/ 335، ط صيدا.

(2)- الوسائل: 15، الباب 68 من أحكام الأولاد، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 326

الأب معسرا أو مفقودا.

و أمّا اللبأ، و هو أوّل ما يحلب مطلقا أو إلى ثلاثة أيّام فإن قلنا بالقول الضعيف بأنّ الولد، لا يعيش بدونه فيجب عليها، و لكن الوجوب لا ينافي أخذ الأجرة فإنّ مالك الطعام يلزمه الانفاق للمضطر، و لا ينافي لزوم دفع العوض، و قد أوضحنا حال ذلك في مبحث أخذ

الأجرة على الواجبات فلاحظ. «1»

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 326

الثاني: في جواز استئجار الأمّ للرضاع

قد عرفت عدم وجوب الرضاع على الأمّ، إنّما الكلام في أنّه هل يجوز استئجار الأمّ على الرضاع مطلقا، كانت في حباله أو لا، فلأنّ منافعها مملوكة لها و لا تعلّق للأب بها، أمّا الأوّل فقد منعه الشيخ قائلا بأنّ زوجها قد ملك الاستمتاع بها في كلّ ذلك إلّا ما استثنى من أوقات الصلاة و الصيام، فما عقدت عليه من المنافع لا يقدر على إيفائه فيكون العقد باطلا كما لو آجر نفسه شهرا ثمّ آجرها ذلك الشهر بغير المستأجر. «2»

يلاحظ عليه: أنّ حقّ الاستمتاع قابل للإسقاط، و العقد على الرضاع، قرينة على أنّه أسقط حقّه في الفترة الخاصة بالرضاع.

إذا استأجرها فهل هي تقوم بالرضاع بنفسها أو يجوز لها استئجار مرضعة له. و الجواب متوقف على كيفية الاستئجار فإن تعلقت على تحصيل الرضاع كيف اتّفق، بها أو بغيرها فيجوز لها استئجار غيرها و إلّا فلا و لو كانت مطلقة فهي منصرفة إلى القيام به بنفسها.

______________________________

(1)- لاحظ: المواهب في تحرير أحكام المكاسب: 711- 720.

(2)- المبسوط: 6/ 37.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 327

الثالث: الرضاع بلا استئجار

و هل تستحق الأجرة إذا أرضعته بنفسها أو بغيرها و إن لم يقع عقد بينها و بين الأب، مقتضى القاعدة الاستحقاق إذا قامت بالرضاع بنيّة أخذ الأجرة، لا مع قصد التبرع و على ذلك يحمل صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل مات و ترك امرأة و معها منه ولد، فألقته على خادمة لها فأرضعته ثمّ جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصي فقال: لها أجر مثلها و ليس للوصي أن يخرجه من حجرها حتى يدرك و يدفع إليه ماله. «1» و الأخذ بإطلاق الرواية مع نيّة

التبرع أمر مشكل هذا حسب الثبوت و أمّا الإثبات فتجب الأجرة إلّا إذا ثبت التبرع بالإقرار أو بالبيّنة.

الرابع: الأجرة على الأب و الولد

إذا كان الولد ذا مال، فالنفقة على نفسه، كان الأب حيّا أو ميّتا، نعم لو كان فقيرا و كان الأب موسرا فعليه الأجرة و إلّا فعلى الأم إرضاعه و ما دلّ «2» على أنّ الأجرة على الولد إذا كان ذا مال و إن كان موردها فيما إذا مات الأب لكن الحكم يعمّ حياة الأب أيضا لأنّ لزوم الانفاق فرع الفقر و الحاجة، و إذا كان غنيا ذا مال فلا يجب على الأب بل يتعيّن الإنفاق من ماله، نعم نقل في الجواهر عن بعضهم «3» وجوب ذلك على الأب و إن كان الولد ذا مال مستندا بإطلاق قوله سبحانه:

وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ (البقرة/ 233) و لكن الآية منزّلة على الغالب من عدم مال للولد.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 71 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1.

(2)- المصدر نفسه، لاحظ جميع روايات الباب.

(3)- الجواهر: 31/ 274.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 328

الخامس: نهاية الرضاع حولان

الرضاع حولين كاملين من حقوق الولد قال سبحانه: وَ الْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلٰادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضٰاعَةَ (البقرة/ 233) و إنّما يتصوّر ذلك إذا كان الوضع لأقلّ الحمل كما في قوله سبحانه: وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلٰاثُونَ شَهْراً (الأحقاف/ 15) فإذا كان الفصال ثلاثين شهرا يبقى للحمل أقلّ مدّته و هي ستة أشهر و يكون الفرض الرضاع حولين و أمّا إذا كان الوضع لتسعة أشهر التي هي الغالب يكون الفرض أحد و عشرون شهرا روى سماعة: «الرضاع واحد و عشرون شهرا فما نقص فهو جور على الصبيّ» «1» و في خبر عبد الوهاب بن الصباح: و الفرض في الرضاع أحد و عشرون شهرا فما نقص عن أحد و عشرين شهرا فقد

نقص المرضع و إن أراد أن يتمّ الرضاعة فحولين كاملين. 2

فقد خرجنا بهذه النتيجة انّ الفرض يختلف حسب اختلاف وضع الحمل في أقلّ مدّته و أكثره و مع ذلك، يجوز الرضاع إلى حولين كاملين مطلقا غير انّ الثلاثة جزء من الفرض في الأوّل دون الثاني و قد نقل عن ابن عبّاس انّ من ولد لستة أشهر ففصاله في عامين و من ولد لسبعة فمدّة رضاعه ثلاثة و عشرون شهرا و من ولد لتسعة فمدّة رضاعه هو أحد و عشرون. «3»

نعم استثنى المحقّق و غيره شهرا أو شهرين، باعتبار صعوبة فصال الطفل دفعة واحدة على وجه يخشى عليه التلف لشدّة تعلّقه به. «4» و يؤيّده صحيح سعد ابن سعد الأشعري «5» لكن لا يجب عليه بذل الأجرة لإمكان أن تتخذ الأم أسلوبا

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15، الباب 70 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 5، 2.

(3)- البحراني: الحدائق: 25/ 80.

(4)- الجواهر: 31/ 278.

(5)- الوسائل: 15، الباب 70 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 329

في الفطام حتى لا يصعب عليه الفصل على رأس الحولين فلو لم تتخذ و احتاج إليه الولد لشدّة التعلّق، أو احتاج إليه لمرض و نحوه بحيث لا يمكن تغذيته بغير اللبن وجب على الأمّ الرضاع فهل تستحق النفقة أو لا؟ أو التفصيل بين تقصير الأمّ في اتخاذ الأسلوب السهل و مرض الولد غير المترقب وجوه.

و في غير واحد من الروايات على أنّه لا يجوز لها أخذ الأجرة على أكثر من حولين و هي بين صحيح و حسن فلاحظ. «1»

السادس: الأمّ أحقّ بالرضاع من غيرها

اتّفقت كلمتهم على أنّ الأمّ أحقّ بإرضاعه من غيرها و به فسّر قوله سبحانه: لٰا تُضَارَّ

وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا فإن لم ترض بالرضاع إلّا بالأجرة فإن لم يجد الأب من هي أرخص أجرا منها، فهي أحقّ بها، و إلّا فيدفع إلى من هو أرخص أجرا. ففي خبر البقباق قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل أحقّ بولده أم المرأة؟ قال:

لا بل الرجل فإن قالت المرأة لزوجها الذي طلّقها: أنا أرضع ابني بمثل ما تجد من يرضعه فهي أحقّ به. «2»

فلو تبرعت أجنبية بإرضاعه فرضيت الأمّ بالتبرع فهي أحقّ به، و إن لم ترض فللأب تسليمه إلى المتبرعة و يمكن أن يستدل عليه بقوله: ... وَ لٰا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ (البقرة/ 233)، و قوله: وَ إِنْ تَعٰاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرىٰ (الطلاق/ 6).

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 70 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 3، 4، 7.

(2)- الوسائل: 15، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 330

الحضانة

اشارة

الحضانة مأخوذة من «حضن الطائر بيضه»: إذا ضمّه تحت طائره، و كأنّ الأب أو الأمّ يضمّ الولد إلى نفسه ليحفظه و يصونه، و عرّفها في المسالك بقوله: «ولاية على الطفل و المجنون لفائدة تربيته، و ما يتعلّق بها من مصلحته من حفظه، و جعله في سريره و كحله، و دهنه، و تنظيفه و غسل خرقه و ثيابه و نحو ذلك و هي بالأنثى أليق منها بالرجل لمزيد شفقتها و خلقها أسعد لذلك بالأصل». «1»

و الظاهر انّ الحضانة من مقولة الحقّ للأمّ أو الأب لأنّها و إن كانت تبعث الأمّ ثمّ الأب إلى القيام بأعمال و تكاليف شاقة لكنّها مقترنة بالفرح و السرور بحضور الولد عنده و بذلك اعتبر حقا لهما و لو أغمضا عن ذلك، فذو الحقّ هو الولد، و

كلّ من الأمّ و الأب من عليه الحقّ نعم هو حقّ قابل للاسقاط، إذا قام الآخر بالحضانة و لا يجوز لهما الاسقاط معا و لأجل ذلك قال الشهيد في قواعده: «لو امتنعت الأمّ من الحضانة صار الأب أولى، و لو امتنعا فالظاهر إجبار الأب ... «2»

و يتمّ بيان المسائل في ضمن فروع:

الأوّل: الأمّ أحقّ بالحضانة مدّة الرضاع

المشهور أنّ الأمّ أحقّ بالولد ذكرا كان أو أنثى مدّة الرضاع و هما حولان.

______________________________

(1)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 421.

(2)- الشهيد: القواعد و الفوائد: 1/ 396، تحقيق الدكتور عبد الهادي الحكيم.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 331

قال الشيخ: إذا بانت المرأة من الرجل و لها ولد منه، فإن كان طفلا لا يميّز فهي أحقّ به بلا خلاف. «1» و به فسر قوله سبحانه: لٰا تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا (البقرة/ 233) و يدل عليه النصوص «2» بالخصوص، نعم خالف ابن فهد و ادعى الإجماع أيضا على اشتراك الحضانة بين الأبوين مدّة الحولين حيث قال: وقع الإجماع على اشتراك الحضانة بين الأبوين، مدّة الحولين و على سقوطها بعد البلوغ «3» و تدلّ عليه رواية داود بن الحصين «4» لكنّها لا تقاوم النصوص الدالة على أحقّية الأمّ، مدّة الرضاع إذا تبرعت أو رضيت بما رضى به غيرها.

هذا بالنسبة إلى الحولين و أمّا بعد هما فهناك أقوال:

1- ما اختاره الشيخ في النهاية «5»، و ابن البراج في المهذّب «6» و ابن إدريس في السرائر «7» و المحقّق في الشرائع «8» و إليك نصّ الأخير: «فإذا فصل فالوالد أحقّ بالذكر، و الأمّ أحقّ بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين ...».

2- ما ذهب إليه المفيد في المقنعة، و نسب إلى تلميذه سلار في المراسم من أنّ الأمّ أحقّ

بالذكر مدّة الحولين و بالأنثى إلى تسع سنين و إليك نصّهما: قال المفيد: «و إذا فصل الصبي من الرضاع كان الأب أحقّ بكفالته من الأمّ، و الأمّ

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 3/ 82.

(2)- الوسائل: 15، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 2، 3، 5 و سيوافيك متون بعضها.

(3)- ابن فهد: المهذّب: الباب 3.

(4)- الوسائل: 15، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1.

(5)- الطوسي: النهاية: 503- 504.

(6)- ابن البراج: المهذّب: 2/ 262.

(7)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 651.

(8)- نجم الدين: الشرائع: 4/ 567.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 332

أحقّ بكفالة البنت حتّى تبلغ تسع سنين، إلّا أن تتزوج، فإن تزوجت كان الأب أحقّ بكفالة البنت حينئذ». «1»

3- ما اختاره الصدوق في المقنع و قال: إنّ الأمّ أحقّ بالولد ما لم تتزوج. «2»

4- ما نسب إلى ابن الجنيد «3» و اختاره في الخلاف من أنّ الأمّ أحقّ بالبنت ما لم تتزوج و بالصبي إلى سبع سنين و إليك نصّ الخلاف: «إذا بانت المرأة من الرجل و لها ولد منه، فإن كان طفلا لا يميّز فهي أحقّ به بلا خلاف، و إن كان طفلا يميّز و هو إذا بلغ سبع سنين أو ثمان سنين فما فوقها إلى حدّ البلوغ فإن كان ذكرا فالأب أحقّ، و إن كان أنثى فالأمّ أحقّ بها ما لم تتزوج، فإن تزوجت فالأب أحقّ بها و وافقنا أبو حنيفة و أصحابه في الجارية، و قال في الغلام: الأمّ أحقّ به حتى يبلغ حدّا يأكل و يشرب و يلبس بنفسه فيكون أبوه أحقّ به و قال الشافعي: يخيّر بين أبويه، فإذا اختار أحدهما سلّم إليه و به قال علي عليه السّلام و

عمر و أبو هريرة، و قال مالك: إن كانت جارية فالأمّ أحقّ بها حتى تبلغ و تزوج، و يدخل بها الزوج، و إن كان غلاما فأمّه أحقّ به حتى يبلغ. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم «4» إذا وقفت على آراء الفريقين في المسألة، فلندرس دليلها:

دليل القول الأوّل هذا القول هو المشهور أو الأشهر بين الأصحاب و لم يرد نصّ صريح فيه، و إنّما هو نتيجة الجمع بين ما دلّ على أنّ الأمّ أحقّ بالولد مدّة الحولين فانّ مفهومها

______________________________

(1)- المفيد: المقنعة: 531 و لم نعثر على ما نسب إلى تلميذه في المراسم.

(2)- الصدوق: المقنع: 360، تحقيق مؤسسة الإمام الهادي عليه السّلام.

(3)- العلّامة: المختلف: 7/ 306، تحقيق مركز الأبحاث و الدراسات الإسلامية.

(4)- الطوسي: الخلاف: 3، كتاب النفقات، المسألة 36، لاحظ ما علقه ابن إدريس في السرائر على هذا الموضع من كلام الشيخ: 2/ 653.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 333

بل صريح بعضها انّه بعد الحولين تصير الحضانة للأب، و ما دلّ على أنّ المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين، بحمله على الأنثى أو تخصيص المفهوم به، توضيحه:

انّ رواية الكناني «1» و داود بن الحصين 2 دلّا على انّ الولد إذا فطم فالأب أحقّ به من الأمّ. و هو يعم الذكر و الأنثى، غير انّ خبري أيوب بن نوح دلّا على أنّ الأمّ أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين، قال: كتب إليه بعض أصحابه: كانت لي امرأة ولي منها ولد و خلّيت سبيلها. فكتب عليه السّلام: المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلّا أن تشاء المرأة 3 فحملا على الأنثى جمعا بينهما، مضافا إلى انّه يؤيّد الاعتبار إذ الوالد

أنسب بتربية الذكر و تأديبه، كما انّ الوالدة أنسب بتربية الأنثى و تأديبها.

هذا و لكن الاعتبار يقتضي بقاء الحضانة للأمّ في الذكر و الأنثى لأنّ الولد في السنين الأولى، أحوج إلى الأمّ من الأب و العمدة هو النصّ لو تمّ الجمع.

و أمّا القول الثاني: فالحكم في الذكر ظاهر و أمّا الأنثى و انّها تبقى في حضانة الأمّ إلى تسع سنين فلم نقف فيه على نصّ و من البعيد أن يعتمد المفيد على الاعتبار الّذي ذكره صاحب الجواهر من انّها لما كانت مستورة و لا بدّ للأب من التبرج كثيرا لم يكن بد من ولي يربيها إلى البلوغ و حدّه تسع سنين.

و أمّا القول الثالث: فتدلّ عليه مرسلة المنقري عمّن ذكره قال: سئل أبو عبد اللّه عن الرجل يطلق امرأته و بينهما ولد أيّهما أحقّ بالولد؟ قال: المرأة أحقّ بالولد، ما لم تتزوج «4» و حمله الشيخ على انّ المراد بالولد هو الأنثى.

______________________________

(1)- 3- الوسائل: 15، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1، 2، 6 و لاحظ الحديث 7.

(4)- الوسائل: 15، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 4، و رواه المنقري أيضا عن حفص ابن غياث لاحظ كلام صاحب الوسائل في ذيل الحديث و ليس حديثا ثانيا.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 334

و أمّا القول الرابع: أمّا في جانب الأنثى فتدل عليه رواية المنقري كما عرفت، إنّما الكلام في الذكر حيث ذهب القائل إلى الحضانة للأمّ إلى سبع أو ثمان سنين، فقد ادّعى الشيخ عليه الإجماع و ورود الروايات و أنكره ابن إدريس في السرائر و قال: ما ذكره شيخنا في مسائل خلافه، بعضه قول بعض المخالفين و ما اخترناه هو

الصحيح لانّه لا خلاف في أنّ الأب أحقّ بالولد في جميع الأحوال و هو الوالي عليه و القيّم بأموره فأخرجنا بالإجماع الحولين في الذكر و في الأنثى السبع، فمن ادعى أكثر من ذلك، يحتاج فيه إلى دليل قاطع و هو مذهب شيخنا في نهايته. «1»

إلى هنا تمّت دراسة الأقوال، و هناك قول خامس لصاحب الحدائق فانّه بعد ان ذكر أدلّة الأقوال، اختار قولا آخر و حاصله: أنّه إن وقع التشاجر و النزاع بين الأبوين في الحضانة فالظاهر انّ الأب أحقّ به إلّا في مدّة الحولين إذا رضيت بما ترضى به غيرها أو تبرعت فانّها تصير حينئذ أحقّ، و إن لم يكن هناك تنازع بينهما فالأمّ أحقّ به إلى السبع ما لم تتزوج و على ذلك يحمل ما دلّ على سبع على عمومه «2» و أيّد رأيه بما دلّ على أنّ الصبي يربّى سبعا أو يلعب سبعا ثمّ قال: «إنّ السبع التي هي مدّة التربية و اللعب إنّما يكون عند الأمّ لأنّها المربية» «3» و ما ذكره و إن كان موافقا للاعتبار، لكنّه لا يلائم ما ورد من كون الأب أحقّ بالولد بعد الفطام من غير فرق بين وجود النزاع و عدمه. «4»

الثاني: في أنّه تسقط الحضانة عند تزوج الأمّ

ذكر الأصحاب بأنّه ثبتت الحضانة للأمّ بشروط و هي: أن تكون مسلمة،

______________________________

(1)- ابن إدريس: 2/ 653 و لكلامه ذيل تركنا نقله صيانة لمقام الشيخ الطوسي.

(2)- يريد روايتي أيوب بن نوح المذكورة في الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد برقم 6 و 7.

(3)- البحراني: الحدائق: 25/ 90.

(4)- الوسائل: 15، الباب 81، الحديث 1، 2، 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 335

عاقلة، و فارغة من حقوق الزوج فلو تزوجت سقط حقّها في

الحضانة.

و الشرط الثالث منصوص- كما عرفت و أمّا الثاني فلا حضانة للمجنون لانّه يحتاج إلى الحضانة و أمّا الأوّل فلو قلنا بأنّها ولاية فلا ولاية للكافر أو كان هناك خوف من التفتين عن دينه فهو، و إلّا فالإطلاق محكم و لا وجه للانصراف و مصلحة حياة الولد، أولى بالرعاية.

إذا طلّقها زوجها، هل يعود حقّها من الحضانة؟ قال الشيخ في الخلاف بالعود و حكاه عن أبي حنيفة و الشافعي، و قال مالك لا يعود لأنّ النكاح أبطلها.

استدل الشيخ بأنّ النبيّ علق بطلان حقّها بالتزويج فإذا زال التزويج فالحقّ باق على ما كان «1» ثمّ صرّح في مسألة أخرى بأنّه إنّما يعود إذا كان الطلاق باينا لا رجعيّا، لأنّ الرجعيّة بمنزلة الزوجة «2» و اختار في الجواهر عدم عودها قائلا بظهور الدليل في سقوط أحقّيتها بأصل وقوع النكاح منها و هو متحقّق منها و إن طلقت، فتأمل و اللّه العالم. «3» و الحكم مبنيّ على أنّ المرجع هل هو استصحاب حكم المخصص، أو حكم العام. و قد أوضحنا حاله في بحوثنا الأصولية. «4»

الثالث: إذا مات الأب
اشارة

لو مات الأب و قد صارت الحضانة له بأن كان الولد أكبر من سنتين، و البنت أكبر من سبع قال المحقّق: كانت الأمّ أحقّ بهما من الوصيّ المنصوب من قبل الأب و غيره، وجهه أنّ ظاهر الآية «5» و النصوص «6» في كون الحقّ لهما دون

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 3/ 83، المسألة 39 من مسائل النفقات.

(2)- المصدر نفسه، المسألة 40.

(3)- الجواهر: 31/ 295.

(4)- المحصول: 4/ 211.

(5)- البقرة/ 233: لٰا تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا وَ لٰا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ.

(6)- الوسائل: الباب 71 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1، و الباب 81.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء،

ج 2، ص: 336

غيرهما، غير أنّه مع وجودهما كان الحكم على التفصيل الذي سمعت و أمّا مع موت أحدهما، يبقى الآخر بلا معارض، مضافا إلى قوله سبحانه: وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ (الأنفال/ 75) و إلى الاعتبار، إذ ليس في مرتبة الأبوين من يصلح لتربية الولد، و المسألة موضع اتّفاق و لم يتردد فيها إلّا البحراني. «1»

و أولى من هذه الصورة ما إذا انتقلت الحضانة إلى الأب لأجل فقدان الشرط في الأمّ كما إذا تزوجت فإذا مات الأب و الحال هذه، فالأمّ أولى بها من غيرها و النصّ الدال على مانعية التزويج مختص بما إذا اجتمعت الأمّ مع الأب، و يؤيّد ذلك ما دلّ على أولوية الأمّ- مع التزويج- إذا كان الأب رقا. «2»

و لو فقد الأبوان

إنّ المسألة غير منصوصة و قد تضاربت أقوالهم في المسألة و ذكرها الشهيد في المسالك على وجه التفصيل و تبعه صاحب الجواهر و إليك بيان بعض الأقوال:

1- لو فقد الأبوان فالحضانة لأب الأب لثبوت الولاية له من قبل الأب لأنّ له ولاية المال و النكاح فيكون له ولاية التربية بطريق أولى، و إنّما كانت الأمّ أولى منه بالنصّ، فمع عدمها، و عدم من هو أولى منه ثبتت له الولاية. و يؤيّده تولي عبد المطلب لحضانة النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بعد فقد الأبوين.

و لو عدم أب الأب فالحضانة للأقارب و ترتبوا ترتيب الإرث. مستدلا بقوله سبحانه: وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ (الأنفال/ 75)

______________________________

(1)- البحراني: الحدائق: 25/ 94.

(2)- الوسائل: 15، الباب 73 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 337

فانّ الأولوية تشمل الارث و

الحضانة و غيرهما، و لأنّ الولد مضطرّ إلى التربية و الحضانة فلا بدّ في الحكمة من نصب قيّم لها، و القريب أولى بها من البعيد، و على هذا فمع فقد الأبوين و الجدّ، ينظر في الموجود من الأقارب و يقدر لو كان وارثا و يحكم له بحقّ الحضانة، ثمّ إن اتّحد اختص و إن تعدد أقرع بينهم لما في اشتراكها من الاضرار بالولد و هذا القول هو المعتمد. «1»

غير أنّ المحقق سلّم كون الحضانة لأب الأب عند فقد الأبوين، و تردد في كون الحضانة للأقارب عند فقد أب الأب. و التفريق غير وجيه و ما ذكر من الوجه في الجدّ، مشترك مع سائر الأقارب.

2- إنّ الحضانة عند فقد الأبوين لأب الأب، و لو فقد الجميع يرجع الأمر إلى الحاكم فإن كان للولد مال استأجر الحاكم من يربّيه من ماله، فإن لم يكن له مال، كان حكم تربيته حكم الإنفاق عليه. و استجوده صاحب الحدائق. «2»

3- إذا فقد الأبوان و الجدّ، فالخالة تقوم مقام الأمّ لما روي عن الرضا عن آبائه عن علي عليهم السّلام انّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قضى بابنة حمزة لخالتها و قال: «الخالة والدة». «3»

إلى غير ذلك من الأقوال التي ذكر لها وجه، و الذي يقوى في النظر، هو ما استقواه في الجواهر و هو: انّ الحضانة بعد الأبوين للجدّ من قبل الأب، و لو فقد فهي للوصي للأب، أو الجدّ، ثمّ للأرحام، ثمّ للحاكم. و في صحيح ابن سنان «4» تصريح على تقديم الأمّ- عند فقدان الأب- على الوصي و لعلّ فيه إيعاز إلى كونه المتعين عند فقد الأبوين و الجدّ فلاحظ.

تمّ الكلام في أحكام الأولاد و

يليه البحث عن أحكام النفقات:

______________________________

(1)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 430.

(2)- البحراني: الحدائق: 25/ 97.

(3)- الوسائل: 15، الباب 73 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 4.

(4)- الوسائل: 15، الباب 71 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 339

الفصل العشرون في أحكام النفقات

اشارة

1- الأسباب الموجبة للانفاق ثلاثة: 1- الزوجية 2- القرابة 3- الملك

2- وجوب الانفاق على الزوجة مشروط بشرطين: الدائمية، و التمكين

3- عدم سقوط النفقة إذا كانت مريضة

4- نفقة المطلقة الرجعيّة على الزوج

5- سقوط نفقة البائن و سكناها

6- نفقة البائن الحامل

7- في نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها

8- هل هناك تقدير لنفقة الزوجة

9- حكم الحاجات المستجدّة

10- الكلام في اللواحق و فيها مسائل

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 341

في أحكام النفقات

اشارة

و المقصود في المقام ما يجب الإنفاق بالسبب و إن لم يتوقف عليه حفظ حياة المنفق عليه فخرج ما يجب الإنفاق لحفظ النفس المحترمة و إن لم يكن هناك أي سبب، و الأسباب الموجبة للإنفاق ثلاثة:

1- الزوجية.

2- القرابة.

3- الملك.

[الزوجية]

اشارة

و إليك البحث في الأوّل على وجه الإيجاز:

لا شك في أنّ نفقة الزوجة على الزوج بلا خلاف، و يدلّ عليه الكتاب و السنّة قال سبحانه: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّٰا آتٰاهُ اللّٰهُ لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا مٰا آتٰاهٰا سَيَجْعَلُ اللّٰهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (الطلاق/ 7).

روى أبو بصير في الصحيح قال: سمعت أبا جعفر يقول: «من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها، و يطعمها ما يقيم صلبها، كان حقّا على الإمام أن يفرق بينهما». «1» إنّما الكلام في الأمرين التاليين:

1- شرط وجوبها.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 2 و لاحظ أحاديث الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 342

2- مقدارها.

أمّا الشرط فهو عبارة عن أمرين:

1- كون العقد دائما.

2- التمكين الكامل.

و إليك البحث عنهما واحدا تلو الآخر.

أمّا الأوّل فقد فرغنا عند البحث عن العقد المنقطع. و في رواية هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه في حديث في المتعة قال: و لا نفقة ... «1» و في الحكم بأنّهنّ مستأجرات «2» دلالة على عدم وجوب النفقة، إذ لا نفقة للأجير على الموجر.

و أمّا الثاني: فالمشهور على أنّ التمكين شرط، و عرفه المحقّق بقوله: «و هو التخلية بينها و بينه بحيث لا تخص موضعا و لا وقتا، فلو بذلت نفسها في زمان دون زمان، أو مكان دون مكان آخر ممّا يسوغ فيه الاستمتاع لم

يحصل التمكين.

و إلى هذا القول ذهب ابن إدريس و قال: أمّا النفقة فإنّما تجب يوما بيوم في مقابلة التمكين من الاستمتاع. «3»

ربما يقال بأنّه تجب النفقة بمجرّد العقد إذا كان دائما و تسقط بالنشوز فليس التمكين شرطا بل النشوز مانع.

قيل: إنّ الثمرة بين القولين (شرطية التمكن أو مانعية النشوز) تظهر في الموارد التالية:

1- إذا تنازعا في النشوز و عدمه، فلو قلنا بأنّ النشوز مانع فالقول قولها، لأنّ

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 45 من أبواب المتعة، الحديث 2.

(2)- الوسائل: 14، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 2 و 4.

(3)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 654.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 343

الأصل عدمه، فعليه البيّنة على وجود النشوز، بخلاف ما لو قلنا بأنّ التمكين شرط، فالقول قوله، و عليها البيّنة على وجود الشرط.

يلاحظ عليه: لا يكون القول قولها و لو قلنا بأنّ العقد علّة تامّة لوجوب النفقة، و أنّ النشوز مانع لأنّ أصالة عدم النشوز معارضة بأصالة عدم وصول حقّ الزوج إليه أو عدم طاعته، و ليس أحد الأصلين مسببا عن الآخر، حتى يقدّم أحدهما على الآخر.

كما لا يكون القول قوله لو قلنا بأنّ التمكين شرط، إذ ليس إحراز مجرّد عدم التمكين كافيا في نفي وجوب النفقة، لأنّه ليس مساويا لعدم وجوب النفقة كما إذا كان معذورا عقلا أو شرعا في عدم التمكن، أضف إلى ذلك أنّ الأصل إنّما ينفع للطرف المقابل إذا تمكنت الزوجة من إقامة البيّنة طول الليل و النهار، و أنّى لها هذه.

2- لو لم يطالبها الزوج بالزفاف، و لم تمنعه هي منه و لا عرضت نفسها عليه و مضت لذلك مدّة فعلى القول بأنّ النشوز مانع، تجب النفقة لعدم النشوز، بخلاف

ما إذا كان التمكين شرطا، لعدم حصول تمكين قولي و لا فعلي.

يلاحظ عليه: أنّه إن أراد من التمكين القولي أو الفعلي أن تخرج من بيتها و تمضي إليه و تصرح بالتسليم فهو بيّن البطلان، يخالف روح العفة السائدة على الأبكار، و إن أراد إجابتها متى طلب، و تسليم نفسها متى أراد من غير تعلّل و لا توقف على زمان و لا مكان فهو حاصل، غير أنّ القصور من جانب الزوج حيث لم يطالبها الزفاف بل تركها في بيت أبيها تنتظر دعوة الزوج إلى الزفاف.

3- إذا كان الزوج كبيرا و الزوجة صغيرة، تجب النفقة على القول بكفاية العقد، لا على القول بشرطية التمكين.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 344

يلاحظ عليه: أنّ الصغيرة إمّا مميّزة أو غير مميّزة، و القول بشرطية التمكين منصرف عن الثانية و أمّا الأولى فيكفي في التمكين بذل نفسها نحو الكبيرة و حرمة وطئها لا مدخلية لها في صدق التمكين فلا ثمرة بين القولين.

4- لو كانت الزوجة كبيرة و الزوج صغيرا، فعلى شرطية التمكين، لا تجب النفقة، لعدم الموضوع بخلاف ما إذا قلنا بكفاية العقد.

يلاحظ عليه: أنّ التمكين متحقّق من جانبها و لو كان قصور فإنّما في جانب المتسلّم و على ضوء ذلك لا ثمرة بين القولين.

و الحقّ أن يقال: إنّه لا إجمال فيما دلّ على وجوب الإنفاق على الزوجة من الكتاب و السنّة على ما عرفت، كما لا إجمال فيما يدلّ على أنّه تجب عليها طاعته و أنّه لا نفقة لها مع انتفاء الطاعة. «1» و الطاعة عبارة أخرى عن عدم النشوز و أمّا وراء ذلك، فليس عليه دليل، فلو أريد من التمكين، هو عدم النشوز و إلّا فلا

دليل على عرضها نفسها على زوجها قولا و فعلا. و قد عرفت عدم صحّة الثمرات المترتبة على القولين.

هذا كلّه يعيّن موضوع وجوب النفقة، و قد علمت أنّ الموضوع هو الزوجية و أنّ النشوز مانع.

و أمّا حكم الفرعين الأخيرين أعني: ما إذا كان الزوج كبيرا و الزوجة صغيرة، أو بالعكس حسب الأدلة مع قطع النظر عن كون التمكين شرطا أو النشوز مانعا فقد ذهب فيها الشيخ إلى أنّه لا نفقة لها، و قال المحقّق: و الأشبه وجوب الإنفاق في الثانية، و إليك نصّ الشيخ في كلتا المسألتين.

قال: إذا كان الزوج كبيرا و الزوجة صغيرة لا يجامع مثلها لا نفقة لها و به قال

______________________________

(1)- الوسائل: 14، لاحظ الباب 79، و 91 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 345

أبو حنيفة و أصحابه و هو أحد قولي الشافعي، الصحيح عندهم و اختاره المزنيّ.

و قال أيضا: إذا كانت الزوجة كبيرة و الزوج صغيرا لا نفقة لها و إن بذلت التمكين و للشافعي فيه قولان أصحّهما أنّ لها النفقة و به قال أبو حنيفة، و الآخر أنّه لا نفقة لها.

ثمّ ذهب الشيخ إلى عدمها في كلا المقامين مستدلا بأصالة البراءة مثل ما إذا كانا صغيرين «1» و قد فرع المحقّق وجوب النفقة على تحقّق التمكين فيما إذا كانت الزوجة كبيرة و قد عرفت عدم ابتناء المسألة على شرطية التمكين.

و قال ابن إدريس بعد نقل كلام الشيخ: «و الأولى عندي أنّ على الكبير النفقة لزوجته الصغيرة لعموم وجوب النفقة على الزوجة و دخوله مع العلم بحالها و هذه ليست ناشزة، و الإجماع منعقد على وجوب نفقة الزوجات فليتأمل». «2»

و الأولى أن يقال بانصراف

أدلّة النفقة عن هاتين الصورتين أضف إليه أنّ النفقة تكليف، و الزوج الصغير غير مكلّف، و صرفها إلى الولي يحتاج إلى الدليل.

عدم سقوط النفقة إذا كانت مريضة

قال المحقّق: «و لو كانت مريضة أو قرناء أو رتقاء «3» لم تسقط النفقة لإمكان الاستمتاع بما دون الوطء قبلا و ظهور العذر فيه». «4»

أقول: التعليل في كلامه لأجل بيان الفرق بين الزوجة الصغيرة حيث حكم

______________________________

(1)- الخلاف: ج 3، كتاب النفقات، المسألة 4، 5، 6.

(2)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 655.

(3)- القرناء هي التي في فرجها عظم مانع عن الوطء، و الرتقاء هي التي في فرجها لحم زائد مانع منه.

(4)- نجم الدين: الشرائع: 2/ 569، في النفقة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 346

المحقّق فيها بعدم وجوب النفقة لها، و بين المريضة و ما عطف عليها. بإمكان الاستمتاع في الأخيرة دون الأولى و هو كما ترى لاشتراك بعض أفراد الصغيرة في التعليل و الأولى أن يقال: بانصراف أدلّة النفقة عن الصغيرة دون هؤلاء و اللّه سبحانه أمر بالمعاشرة بالمعروف و قال: عٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (النساء/ 19) و قال أيضا: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ (الطلاق/ 2). و إسقاط النفقة، يخالفها خصوصا إذا طالت مدّة العذر أو دامت، فالحكم بعدم النفقة كما ترى ضرر عظيم، و ليست النفقة في مقابل إمكان التمتع و إلّا يلزم سقوطها إذا كانت عجوزة لا تمتع بمثلها، و إنّما الاستمتاع من الحكم و الدواعي، و الغرض من التزويج تشكيل العائلة و حصول السكينة إلى نحو ذلك من المصالح الداعية.

و منه يظهر حال بعض الفروع التالية:

1- لو اتّفق الزوج عظيم الآلة و هي ضعيفة، فيمنع عن وطئها و لكن لم تسقط نفقتها. لشمول الإطلاقات جميعها، و وجود المانع عن الوطء لا يسقط،

كما هو الحال في أيّام الحيض و النفاس.

2- لو سافرت الزوجة بإذن الزوج لم تسقط نفقتها سواء كان في واجب أو مندوب أو مباح، لعدم صدق النشوز أوّلا، و لو قيل باشتراط التمكين فالإذن من الزوج آية إسقاطه لحقّه.

3- و كذا لو سافرت في واجب مضيّق بغير إذنه كالحجّ، لأنّ شرط اللّه قبل شرط الزوج و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق «1» فلا مخرج عن إطلاق أدلّة الإنفاق و للشافعي في المقام فتوى يقضي العجب قال الشيخ: إذا أحرمت بغير إذنه فإن كان في حجّة الإسلام لم تسقط نفقتها، و إن كانت تطوعا سقطت نفقتها،

______________________________

(1)- الوسائل: 8، الباب 59 من أبواب وجوب الحجّ، الحديث 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 347

و قال الشافعي: تسقط نفقتها قولا واحدا لأنّ طاعة الزوج مقدّمة لأنّها على الفور و الحجّ على التراخي- دليلنا- إجماع الفرقة و أخبارهم على أنّه لا طاعة للزوج في حجّة الإسلام عليها فلذلك لم تسقط نفقتها، و لأنّ نفقتها واجبة و إسقاطها يحتاج إلى دليل، و أمّا الحجّ فعندنا انّه على الفور دون التراخي. «1»

4- لو سافرت بغير إذنه في مندوب أو مباح سقطت نفقتها للنشوز أوّلا و النص ثانيا.

5- لو كان الواجب موسعا، فلا يعارض حقّ الزوج المضيق. و من ذلك تعلم الحال لو صلت و صامت أو عكفت بإذنه لعدم صدق النشوز، و الإذن آية الإسقاط لحقّه.

6- لو بادرت إلى شي ء من المندوب بلا إذنه بل مع نهيه و لم يكن منافيا لما يريده من الاستمتاع صحّ العمل و لم تسقط النفقة، من غير فرق بين الصيام و الصلاة لأنّ مخالفتها بترك الأكل و الشرب لا يعدّ نشوزا، إلّا

إذا كان على خلاف العادة كأن تصوم طول السنة، على احتمال، نعم لو طلب الاستمتاع و هي صائمة فعليها التمكين و إن بطل صيامها و إلّا تكون ناشزة تسقط نفقتها. قال الشيخ:

فإذا صامت تطوعا فإن طالبها بالإفطار فامتنعت كانت ناشزة و تسقط نفقتها، و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، و الثاني لا تسقط لأنّها ما خرجت عن قبضته- دليلنا- أنّ طاعة الزوج فريضة و الصوم نفل فمتى تركت ما وجب عليها من طاعته كانت ناشزة كما لو تركتها بغير صوم، و إجماع الفرقة على أنّه لا يجوز للمرأة أن تصوم تطوعا إلّا بإذن زوجها. 2

و الحاصل أنّ الصيام بلا إذنه مع نيّة الإطاعة لو طلب، بل مع نيّة عدمها إذا طلب، لا يوجب البطلان ما لم يطلب و لم تخالف، و إنّما يوجب إذا صدق على فعله

______________________________

(1) و 2- الطوسي: الخلاف 3، كتاب النفقات، المسألة 7 و 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 348

النشوز و هو فرع طلبه و عدم إطاعتها و إلّا فمجرّد نيّة الإطاعة، أو نيّة النشوز، لا يستلزم البطلان.

و كون الصيام استيطان النفس على ترك المفطرات لا ينافي العزم على الافطار إذا وجب، و يشهد على ذلك أنّ كلّ صائم ندبا تستوطن نفسه على ترك المفطرات و لكن يجوز له الإفطار كلّما أراد.

و الحاصل انّ الصيام بنيّة الافطار إذا طلب الزوج الاستمتاع المفطر بل مع نيّة عدمه لا يبطل إلّا إذا تحقّق النشوز بأن يطلب الاستمتاع المفطر و لا تمكّن نفسها منه.

نفقة المطلّقة الرجعية

اتّفقت كلمتهم على أنّه تثبت النفقة للمطلّقة الرجعية كما تثبت للزوجة و قد تضافرت الروايات عليه.

منها: ما رواه المشايخ الثلاثة بأسانيد متعددة عن زرارة

عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «المطلّقة ثلاثا ليس لها نفقة على زوجها إنّما ذلك للّتي لزوجها عليها رجعة». «1» و المسألة مورد اتّفاق و ربما تستثنى آلة التنظيف لأنّ الزوج لا ينتفع بها و لكن إطلاق الأدلة على خلافه، بل تدل الروايات على أنّها تكتحل و تختضب و تلبس ما شاءت من الثياب لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْراً (الطلاق/ 1) لعلّها أن تقع في نفسه أن يراجعها. «2»

و لا تسقط نفقة المعتدة إلّا بما تسقط به نفقة الزوجة و يستمر إلى انقضاء العدّة، و لو ظهر أمارات الحمل بعد الطلاق فعلى الزوج الإنفاق عليها إلى أن

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب النفقات، الحديث 2 و لاحظ روايات الباب.

(2)- الوسائل: 15، الباب 21 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2 و لاحظ روايات الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 349

تضع. لأنّها لا تخرج عن العدّة إلّا بالحمل قال سبحانه: وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. (الطلاق/ 4)

و لو وطئت في العدة شبهة منها و من الواطئ أو منها فقط فالأقوى وجوب الإنفاق عليها، و عدم إمكان الرجوع في الحال، لا يمنع وجوب النفقة بعد عدم نشوزها و كونها ممكّنة للاستمتاع إذا أراد الزوج، و لكن الوطء شبهة كالمانع الموقت من المرض و الصيام، و بما أنّها تعتد من الشبهة أوّلا ثمّ عن زوجها، فيرتفع المانع في العدّة الثانية.

نعم لو اختصت الشبهة بالواطئ دونها يمكن إلحاقها بالناشزة بل هي أقوى منها. و مع ذلك فالأخذ بإطلاق وجوب النفقة على الرجعية أقوى و أحوط.

سقوط نفقة البائن و سكناها

اتّفقت كلمة الأصحاب على سقوط نفقة البائن للنصوص المتضافرة، نعم

اختلفت كلمة الآخرين قال الشيخ في الخلاف: لا نفقة للبائن، و به قال ابن عباس و مالك و الأوزاعي و ابن أبي ليلى و الشافعي، و قال قوم: انّ لها النفقة، ذهب إليه في الصحابة عمر بن الخطاب و ابن مسعود و به قال الثوري و أبو حنيفة و أصحابه- دليلنا- ما قلناه في المسألة الأولى سواء، و أيضا قوله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَ لٰا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَ إِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (الطلاق/ 6) لما ذكر: النفقة شرطه الحمل، و أيضا دليله يدل على أنّ من ليس بحامل لا نفقة لها.

و روى الشافعي عن مالك عن عبد اللّه بن يزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس انّ زوجها طلّقها ثلاثا و هو غائب بالشام فأرسل إليها كيل شعير فسخطته فقال: و اللّه مالك علينا من شي ء فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 350

فذكرت له ذلك فقال: «ليست لك نفقة» و أمرها أن تعتد في بيت أمّ شريك ثمّ قال: «تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدّي عند ابن أمّ مكتوم فانّه ضرير تضعين ثيابك حيث شئت». «1»

و من النصوص موثق ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المطلّقة ثلاثا على السنة هل لها سكنى أو نفقة؟ قال: لا. «2» و قد علّق الحكم فيه، و الروايات الواردة في الباب 8 من أبواب النفقات على المطلّقة ثلاثا، و لكن الحكم عام لمطلق البائن، روى سعد بن أبي خلف، قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن شي ء

من الطلاق فقال: «إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلّقها و ملكت نفسها و لا سبيل له عليها و تعتد حيث شاءت و لا نفقة لها». «3»

نعم دلّ موثق ابن سنان «4» على النفقة في المطلّقة ثلاثا فيحمل على الاستحباب، و ما دلّ على وجوب النفقة في مطلق المطلّقة، يحمل على الرجعيّة. 5

البائن الحامل لها النفقة

إذا كانت المطلّقة بائنا، حاملا لزمه الانفاق حتّى تضع و كذا السكنى، كتابا و سنّة. أمّا الكتاب فقوله سبحانه: وَ إِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (الطلاق/ 6) و أمّا السنّة ففي موثق سماعة قال: قلت له:

المطلّقة ثلاثا، لها سكنى أو نفقة؟ فقال: «حبلى هي؟» قلت: لا، قال: «ليس لها

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 3، كتاب النفقات، المسألة 17.

(2)- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب النفقات، الحديث 5.

(3)- الوسائل: 15، الباب 20 من أبواب العدد، الحديث 1.

(4) و 5- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب النفقات، الحديث 8 و 11.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 351

سكنى و لا نفقة». «1» و مورد الآية و النصوص هي البائنة بالطلاق و هل تشمل، البائنة الحبلى بالفسخ؟ و ذلك لأنّ المتلقى من الآية أنّ الموضوع هو المرأة الحبلى التي لا تتمكن من التزويج لأجل الحمل من الزوج الذي فارقته. و ذكر الطلاق لأجل كونه السبب الغالب، فيشمل ما إذا كان الفسخ سببا أيضا.

نعم المتّجه على ما ذكرنا في مفاد الآية عدمها للفراق باللعان و كان اللعان لنفي الولد خصوصا على القول بأنّها للحمل، لأنّ المتبادر من بذل النفقة للحبلى، ما إذا كان الزوج سببا للحمل و موجبا لإطالة العدّة، و المفروض أنّ الزوج

نفاه باللعان.

قال الشيخ: «إذا قذف زوجته و هي حامل فعليها الحدّ إلّا أن ينفيه باللعان، فإذا لاعنها و نفى النسب سقط الحدّ و انتفى النسب، و زالت الزوجية، و حرمت على التأبيد، و هذه أحكام اللعان، و عليها العدّة، و تنقضي عدّتها بالوضع، و لا سكنى لها، و عندهم لها ذلك و لا نفقة لها عندنا و عند بعضهم، سواء قيل إنّ الحمل له النفقة أو لها بسببه لأنّ الحمل قد انتفى». «2»

نعم اختلفوا في أنّ النفقة هنا للحامل لأجل الحمل أو انّها للحمل. قال البحراني قولان الأكثر على الثاني و هو قول الشيخ في المبسوط و تبعه عليه أكثر الجماعة. «3»

قال الشيخ في المبسوط: «و لمن تجب النفقة قيل فيه قولان: أحدهما: النفقة لها لأجل الحمل و هو أصحّهما عند المخالف».

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب النفقات، الحديث 3 و لاحظ الحديث 6 و 7.

(2)- الطوسي: المبسوط: 6/ 25.

(3)- البحراني: الحدائق: 25/ 111.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 352

و الثاني: النفقة للحمل و هو أقواهما عندي، بدليل أنها لو كانت حائلا لا نفقة لها، و إذا كانت حاملا وجبت النفقة، فلما وجبت بوجوده و سقطت بعدمه- إلى أن قال:- و لأنّه لما كانت النفقة له، إذا كان منفصلا فكذلك إذا كان متصلا و لأنّ أصحابنا رووا أنّه ينفق عليها من مال الحمل، فدلّ على أنّه لا يجب لها.

و من خالف قال: لو كانت النفقة لأجل الحمل لوجب نفقته دون نفقتها «1» و لما كان نفقتها مقدّرة بحال الزوج فيجب عليه بقدره، و نفقة الأقارب غير مقدّرة، دلّ على أنّه لها، لأنّ نفقة الأقارب على الكفاية.

و أيضا لو كان لأجل الحمل

لوجبت على الجد كما لو كان منفصلا، فلما ثبت أنّها لا تجب عليه، ثبت ما قلناه. و أيضا فلو كانت نفقة الولد لوجب أن يسقط بيسار الولد، و هو إذا ورث أو أوصى له بشي ء فقبله أبوه، فلما لم تسقط بيساره، ثبت أنّها ليست نفقة الولد.

و عندنا تسقط بيساره و يقتضي المذهب أنّها يجب على الجد فيخالف في جميع ما قالوه ثمّ ذكر- قدّس سرّه- ثمرات الخلاف. «2»

و قال ابن حمزة انّ النفقة للأمّ بما هي حامل قال: و البائن: حامل و غير حامل فالحامل يلزم لها النفقة و السكنى لمكان الحامل، و غير الحامل لا يجب. «3»

و قد استدل غيره لهذا القول بما عرفت في كلام الشيخ.

ثمّ إنّ الشيخ في المبسوط أو المحقّق في الشرائع فرعوا على الاختلاف فروعا لا ينبغي ذكر الجميع لعدم الابتلاء بها في زماننا هذا، و نذكر ما يلي:

______________________________

(1)- و هذا لا يرد، فانّ رزق الولد إنّما هو دم أمّه يجري عليه من سرّته، و هذا الدم إنّما يتولد بالنفقة عليها، فكأن بطن أمّه مكينة أو مطبخ لرزق الولد، التعليق مطبوع في حاشية المبسوط.

(2)- الطوسي: المبسوط: 6/ 28.

(3)- ابن حمزة: الوسيلة: 328.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 353

1- لو لم ينفق عليها حتى مضت مدّة أو مجموع العدّة فمن قال بوجوبها للحمل فانّه لا يوجب قضاءها لأنّ نفقة الأقارب لا تقضى، و من قال إنّها لها أوجب القضاء لأنّ نفقة الزوجة تقضى.

يلاحظ عليه: أنّ القدر المتيقن من قضاء نفقة الزوجة فيما إذا كانت هناك زوجية حقيقة أو حكما و المفروض في المقام انتفائها و ليس هنا إطلاق يعمّ المقام، أي الزوجية السابقة المنتفية.

2- لو كانت ناشزة حال

الطلاق أو نشزت بعده فعلى القول بأنّ النفقة لها، تسقط لما علم من أنّ المطلّقة حيث تجب نفقتها كالزوجة، تسقط نفقتها حيث تسقط و تجب حيث تجب، و على القول بأنها للحمل لا تسقط.

يلاحظ عليه: انّه إنّما يصحّ لو كان استحقاقها للنفقة لأجل الزوجية، و إنّما تستحق لها، لأجل الحمل، و بقائه و حفظه إلى أن تلده، ففي مثله لا يكون النشوز مؤثرا، و بالجملة أنّ الحمل واسطة في الثبوت على وجوب الإنفاق على الأمّ، و ليس واسطة في العروض حتى يكون الإنفاق للحمل فينسب وجوبه إلى الأمّ مجازا.

3- لو ارتدّت بعد الطلاق فلا تسقط على القول بأنّ النفقة للحمل دون القول الآخر.

4- تسقط النفقة بموت الزوج على القول بأنّ النفقة للحمل دون الآخر فإنّ فيه قولين.

5- لا تسقط بالإبراء بناء على أنّ النفقة للحمل دون القول الآخر، فإنّ النفقة للحمل فلا وجه لإبراء الأمّ حقّ الغير.

6- وجوب الفطرة لها على الزوج على الثاني دون الأوّل مضافا إلى فطرة الولد إلى غير ذلك من الفروع التي ذكرها الشهيد في المسالك «1» و إن كان أكثرها

______________________________

(1)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 451.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 354

خاضعة للنقاش.

ثمّ إنّه يظهر من صاحب الجواهر تحرير النزاع بغير ما يتبادر من ظواهر كلمات القائلين بأنّ النفقة للحمل، و حاصل ما أفاده «أنّ مرجع القولين إلى أنّ حكم هذه النفقة، حكم نفقة الزوجة على معنى أنّ وجود الحمل يجعلها بحكمها كالرجعية في غيرها فيجري حينئذ على نفقتها حكم نفقة الزوجة أو حكم نفقة القريب، فيجري عليها حكمه لأجل انقطاع الزوجية بينهما و صار الحمل علّة في الإنفاق عليها كالإنفاق على القريب.

ثمّ إنّه- قدّس سرّه-

جعل ما هو المتبادر من كلمات القوم من المضحكات حيث قالوا: إنّ الإنفاق عليها مقدّمة للإنفاق على الحمل ليعيش. ثمّ إنّه اختار الوجه الأوّل، من أنّ الإنفاق عليها بحكم نفقة الزوجة، غاية الأمر أنّ النشوز و الارتداد، لا يؤثران في السقوط كما يؤثران في الزوجة الواقعية و ذلك لانتفاء الزوجية في المقام «1».

و لو صحّ ما ذكره من تحرير محلّ النزاع بطلت الفروع المفرعة على النزاع إلّا القليل، و هو أنّ نفقة الزوجة مقدّرة بحال الزوج، بخلاف نفقة الأقارب فهي غير مقدّرة إلّا بحد الكفاية و إن كانت أقلّ بالنسبة إلى شأنها أو شأنه.

و على كلّ تقدير ظاهر النصوص يؤيّد الأوّل لأنّ الضمير في قوله: وَ إِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ كسائر الضمائر الواردة في الآية ظاهر في أنّ الموضوع هي المرأة المطلّقة، أمكن الرجوع عليها أو لا، قال سبحانه: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَ لٰا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَ إِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ (الطلاق/ 6) و الضمائر ترجع إلى المطلّقات من غير فرق

______________________________

(1)- النجفي: الجواهر: 31/ 323- 324.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 355

بين الرجعيّة و البائنة، و وحدة السياق تطلب كون الإنفاق على نسق واحد في القسمين (الرجعية و البائنة) و في حديث محمّد بن قيس: «و عليه نفقتها بالمعروف حتّى تضع حملها». «1»

و الظاهر أنّه لا يمكن استكشاف أحد القولين من الفروع المذكورة لأنّ أكثرها قابلة للنقاش فلا يعدّ تسليمها دليلا على صحّة المفرع عليه. و الأولى:

الاستدلال على كونها للأمّ على نحو ما ذكرناه.

في الحامل المتوفى عنها زوجها

اتّفقت كلّمتهم على أن لا نفقة للمتوفى عنها زوجها إذا كانت حائلا و أمّا إذا كانت حاملا ففيه قولان:

1-

أن لا نفقة لها.

2- ينفق عليها من نصيب ولدها.

و إليك نقل كلمات فقهائنا:

1- قال الشيخ: «و لا نفقة للتي مات عنها زوجها من تركة الرجل فإن كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ولدها الذي في بطنها». «2»

2- و قال الحلبي: «و إذا كانت المتوفى عنها زوجها حاملا أنفق عليها من مال ولدها حتى تضع». «3»

3- و قال ابن البراج: «و إذا مات الرجل عن زوجته، اعتدّت كما قدّمناه، و لم

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 7 من أبواب النفقات، الحديث 3.

(2)- الطوسي: النهاية: 537.

(3)- الحلبي: الكافي: 313.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 356

تكن لها نفقة من تركة زوجها فإن كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ولدها التي هي حامل به». «1»

4- و قال ابن حمزة: «و يلزم الحداد كلّ زوجة صحيحة الزوجية تعتد من الوفاة- إلى أن قال:- و لا يلزم لها النفقة إلّا إذا كانت حاملا فينفق عليها من نصيب ولدها». «2»

5- و قال ابن إدريس: «و لا نفقة للمتوفى عنها زوجها إذا كانت حائلا و إن كانت حاملا أنفق عليها عندنا خاصة من مال ولدها الذي يعزل له حتى تضع على ما روى في الأخبار، و إليه ذهب شيخنا أبو جعفر في جميع كتبه.

و الذي يقوى في نفسي و تقتضيه أصول مذهبنا أن لا ينفق عليها من المال المعزول، لأنّ الانفاق أمر شرعيّ يحتاج إلى دليل شرعي و الأصل أن لا إنفاق، و أيضا النفقة لا تجب للوالدة الموسرة و هذه الأمّ لها مال فكيف تجب النفقة عليها؟

فإن كان على المسألة إجماع منعقد من أصحابنا، قلنا به و إلّا بقينا على نفي الأحكام الشرعية إلّا بأدلّة شرعية.

و ما اخترناه و حرّرناه

مذهب شيخنا محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد في كتابه «التمهيد» فانّه قال: «إنّ الولد إنّما يكون له مال عند خروجه إلى الأرض حيّا فأمّا و هو جنين لا يعرف له موت من حياة، فلا ميراث له و لا مال على الإنفاق فكيف ينفق على الحبلى من مال من لا مال له لو لا السهو في الرواية أو الإدخال فيها». «3»

6- و قال ابن سعيد: «و لا يلزم المتوفى عنها زوجها ملازمة البيت، و لها

______________________________

(1)- ابن البراج: المهذّب: 2/ 319.

(2)- ابن حمزة: الوسيلة: 329.

(3)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 737.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 357

الخروج نهارا و لا سكنى لها و لا نفقة فإن كانت معسرة حاملا أنفق عليها من نصيب الحمل». «1»

7- و قال المحقّق: «و في المتوفى عنها زوجها روايتان: أشهرهما أنّه لا نفقة لها، و الأخرى ينفق عليها من نصيب ولدها». «2»

و لعلّ مرادها من الأشهرية هي الشهرة الروائية لا الفتوائية لأنّه ورد في عدم الإنفاق عليها أربع روايات معتبرات الأسناد، بخلاف الإنفاق عليها فقد وردت فيه رواية واحدة.

7- و قال العلّامة: «و لا نفقة في المتوفى عنها و إن كانت حاملا». «3»

8- و قال الشهيد الثاني: «و عدم الإنفاق مختار ابن إدريس و المصنف و العلّامة و سائر المتأخرين و هو الأقوى». «4»

و يظهر من المختلف أنّ القول بسقوط النفقة مطلقا، بين القدماء كان مختصا بابن أبي عقيل و المفيد. و إلّا فالرأي السائد بينهم إلى عصر ابن إدريس هو القول بكون نفقتها من نصيب الولد و نقله عن ابن الجنيد و عن الصدوق في المقنع، نعم اشتهر القول بسقوط النفقة مطلقا من عصر ابن إدريس و

المحقّق و العلّامة حتى اختاره أكثر المتأخرين، و يظهر من كلام ابن إدريس اتّفاق الأصحاب غير المفيد على الإنفاق من نصيب الولد.

و قال ابن قدامة: «فأمّا المعتدة من الوفاة فإن كانت حائلا فلا سكنى لها و لا نفقة لأنّ النكاح قد زال بالموت، و إن كانت حاملا ففيها روايتان:

______________________________

(1)- ابن سعيد: الجامع للشرائع: 472.

(2)- نجم الدين: الشرائع: 4/ 57.

(3)- العلّامة الحلي: ارشاد الأذهان: 2/ 49.

(4)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 454.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 358

إحداهما: لها السكنى و النفقة لأنّها حامل من زوجها فكانت لها السكنى و النفقة كالمفارقة في الحياة.

الثانية: لا سكنى لها و لا نفقة لأنّ المال قد صار للورثة، و نفقة الحامل و سكناها إنّما هو للحمل و من أجله و لا يلزم ذلك الورثة لأنّه إن كان للميت ميراث فنفقة الحمل من نصيبه و إن لم يكن له ميراث لم يلزم وارث الميّت الانفاق على حمل امرأته كما بعد الولادة قال القاضي هذه الرواية أصحّ. «1»

و يظهر من كلام ابن قدامة أنّ النزاع بينهم مركّز على كون النفقة على الميراث و عدمه و ليس في كلامه إشارة إلى كونها على نصيب الولد و كان هذا القول تختص به الإمامية.

و إليك ما ورد من الروايات في المقام:

1- صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في الحبلى المتوفى عنها زوجها أنّه لا نفقة لها. «2»

2- خبر محمد بن الفضيل عن أبي الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال: «لا». 3

3- خبر زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المرأة المتوفى عنها زوجها هل لها

نفقة؟ فقال: «لا». 4

4- خبر زيد أبي أسامة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحبلى المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال: «لا». 5

5- صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سألته عن المتوفى عنها

______________________________

(1)- ابن قدامة: المغني: 9/ 291، ط عام 1403.

(2)- 5- الوسائل: الباب 9 من أبواب النفقات، الحديث: 1، 2، 3، 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 359

زوجها أ لها نفقة؟ قال: «لا، ينفق عليها من مالها». «1»

و في مقابلها ما ينافيه:

الف: ما يدلّ على أنّه ينفق عليها من مال ولدها.

6- خبر محمّد بن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المرأة الحبلى المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها». «2»

و قد عرفت في روايته السابقة «3» أنّه لا نفقة لها و هل هما متنافيان، أو لا، و لو قصّرنا النظر إلى نفس روايتيه، فهما من قبيل المطلق و المقيّد، و أمّا لو قيس هذا الخبر إلى مجموع روايات الطائفة الأولى فالظاهر انّهما متنافيان إذ فيها ما يدلّ على أنّه ينفق من مالها، كصحيح محمد بن مسلم الذي مضى برقم 5، فأين هذا من هذا الخبر الدال على أنّه ينفق من مال ولده و سيوافيك تفصيله و دفعه.

ب: ما يدلّ على أنّه ينفق عليها من مال الزوج.

7- موثق السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها من جميع المال حتّى تضع». «4» و فسره الشيخ بأنّ المراد ينفق عليها من جميع المال لأنّ نصيب الحمل لم يتميز فإذا وضع و تميّز نصيبه أخذ منه مقدار النفقة، و هو كما ترى.

8- صحيح

محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله». «5»

______________________________

(1)- الوسائل: الباب 9 من أبواب النفقات، الحديث: 7.

(2)- الوسائل: 15، الباب 10 من أبواب النفقات، الحديث 1.

(3)- الوسائل: 15، الباب 9 من أبواب النفقات، الحديث 2.

(4)- الوسائل: 15، الباب 10 من أبواب النفقات، الحديث 2.

(5)- الوسائل: 15، الباب 9 من أبواب النفقات، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 360

و الظاهر أنّ الضمير يعود إلى الزوج، و عندئذ يكون مفاده نفس موثق السكوني، و إن عاد إلى الولد، يكون مفاده، مثل خبر أبي الصباح الكناني الثاني، و لو احتملنا التصحيف في الضمير و انّ الصحيح «من مالها» يتحد مع صحيحه الآخر برقم 6.

نعم ورد في باب الوصي عن أبي جعفر عليه السّلام عن رجل سافر و ترك عند امرأته نفقة ستة أشهر أو نحوا من ذلك ثمّ مات بعد شهر أو اثنين؟ قال: «ترد فضل ما عندها، في الميراث». «1» لكن مورده أو منصرفه الحائل و الكلام في الحامل.

نعم ورد في باب العدد عن امرأة توفي عنها زوجها أين تعتد في بيت زوجها تعتد أو حيث شاءت؟ قال: «حيث شاءت» «2» و كون منصرفه الحائل لا يضر بالمقصود بل يدلّ على أنّ كونه كذلك في الحامل بطريق أولى لكنّه إشعار و ليس بدلالة، لأنّ مجرّد جواز الإقامة في البيت لا يعد دليلا على كون نفقتها على الزوج لأنّ السكنى جزء من النفقة، على أنّ الحديث بصدد بيان حكم آخر و هو جواز خروجها عن بيت الزوج و أنّها ليس كالمطلّقة الرجعيّة.

و الذي تقتضيه صناعة الفقه، هو عدم حجّية ما يدلّ على أنّه ينفق من مال الزوج، أعني:

موثق السكوني و صحيح محمد بن مسلم الأخير بناء على رجوع الضمير إلى الزوج لإعراض الأصحاب عنهما. فلا يبقى في البين إلّا خبر أبي الصباح الكناني من كون النفقة على نصيب ولدها.

فهناك وجوه في الجمع:

الف: ما دلّ من الروايات على أنّه لا نفقة لها، يراد عدم النفقة على الزوج

______________________________

(1)- الوسائل: 13، الباب 99 من أبواب الوصايا، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 15، الباب 32 من أبواب العدد، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 361

و هذا لا ينافي كون نفقتها على ولدها، و ما دلّ من أنّه ينفق عليها من مالها «1» ليس صريحا في الحامل، فيحمل على الحائل و تكون النتيجة عدم النفقة على الحائل و أمّا الحامل فانّ نفقتها على نصيب ولدها، و ما عن شيخنا المفيد أنّ الجنين لا يعرف موته و لا حياته فلا ميراث له و لا مال، كما ترى لأنّهم صرّحوا بصحّة الوصية للجنين كما صرّحوا بأنّ للورثة تقسيم التركة، غاية الأمر يخرج للحمل، السهم الأكبر.

ب: ما ذهب إليه المحدث البحراني من أنّه يحمل ما دلّ على وجوب الإنفاق من مال الولد على ما إذا كانت محتاجة لأنّه نصيب نفقتها عليه، و حمل ما دلّ على عدم الإنفاق على ما إذا لم تكن محتاجة و قال: و هو لا يخلو من قرب. «2»

و هو خيرة ابن سعيد في جامعه كما مرّ و هو صريح كلام ابن إدريس حيث قال:

و هذه الأم لها مال.

يلاحظ عليه: أنّه جمع بلا شاهد.

ج: ما ذهب إليه العلّامة من أنّه إن جعلنا النفقة للحمل فالحقّ ما قاله الشيخ، و إن جعلناها للحامل فالحقّ ما قاله المفيد «3» و لعلّه أراد بذلك الجمع بين

ما دلّ على عدم النفقة لها بالكلّية بحمله على عدم النفقة لها من حيث هي هي، و ما دلّ على وجوب الإنفاق عليها من مال ولدها الذي في بطنها بحمله على أنّ هذه النفقة للولد، لا لنفس الحامل و مرجعه إلى أنّها تستحقّ النفقة للولد و لا تستحقها لنفقتها.

يلاحظ عليه: أنّ هذا الجمع كالسابق بلا شاهد و في الوقت نفسه أشبه

______________________________

(1)- مضى برقم 5.

(2)- البحراني: الحدائق: 25/ 118.

(3)- ابن المطهر: المختلف: 7/ 475، المسألة 120، تحقيق مركز الأبحاث و الدراسات الإسلامية.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 362

باللغز.

فالأولى، هو ما اختاره المتأخّرون لتكاثر الأخبار به، غير أنّ شهرة الفتوى بين المتقدمين يصدّنا عن طرح رواية الكناني فلاحظ.

هل نفقة الزوجة بالكفاية أو بقدر خاصّ

قد عرفت أنّ النفقة تجب بأحد أسباب ثلاثة: الزوجية، و القرابة، و الملك، و سيوافيك الكلام في الثاني، و أمّا الثالث فقد مرّ أنّه خارج عن محلّ الابتلاء، أمّا الزوجة قد عرفت أنّ نفقتها على الزوج بشرط أن تكون دائمة فلا نفقة للمنقطعة و أن تكون مطيعة للزوج فيما يجب إطاعتها له، فلا نفقة للناشزة، و قد مرّ الكلام في ذلك و لا فرق بين أن تكون مسلمة أو ذمّية أخذا بإطلاق الكتاب «1» و السنّة «2»، إنّما الكلام في أنّه هل يرجع في قدر النفقة إلى العرف و العادة و كذا في الإخدام و غيره، أو مقدّر بقدر خاصّ؟ قولان:

1- القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام و إدام و كسوة و فراش و غطاء و سكنى و خادم أو خادمة، و آلة تحتاج إليها لشربها و طبخها و تنظيفها، و غير ذلك من النفقات المستجدة التي أحدثتها الحضارة الصناعية. و بالجملة يجب أن

يقوم الزوج بكلّ ما تحتاج إليه الذي يعدّ حاجة في البلد الذي تسكنه، فلا حاجة للبحث في الطعام و الإدام و جنسهما و قدرهما، و مثلهما البحث في الكسوة، و الفراش و آلة الطبخ و التنظيف و السكنى و الخادم و الخادمة، فإنّ الملاك سدّ الخلّة، و رفع الحاجة حسب شأنها في الظرف الذي يعيش فيه.

2- ذهب بعض الأصحاب كالشيخ إلى كونه مقدرة.

______________________________

(1)- البقرة/ 232، الطلاق/ 7، النساء/ 19- 34.

(2)- لاحظ الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب النفقات.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 363

قال في الخلاف: نفقة الزوجات مقدّرة و هي مدّ، قدره رطلان و ربع، و قال الشافعي: نفقاتهنّ على ثلاثة أقسام: الاعتبار بالزوج إن كان موسرا فمدّان، و إن كان متوسطا فمدّ و نصف، و إن كان معسرا فمدّ واحد، و المدّ عنده رطل و ثلث، و قال مالك: نفقة الزوجة غير مقدّرة بل عليه لها الكفاية و الاعتبار بقدر كفايتها كنفقة الأقارب، و الاعتبار بها لا به، و قال أبو حنيفة: إن كان موسرا فمن سبعة إلى ثمانية في الشهر و إن كان معسرا فمن أربعة إلى خمسة و قال أصحابه: كان يقول هذا و النقد جيّد و السعر رخيص فأمّا اليوم فإنّها بقدر الكفاية، دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم. «1»

و قال ابن قدامة: و النفقة مقدّرة بالكفاية و تختلف باختلاف من تجب له النفقة في مقدارها و بهذا قال أبو حنيفة و مالك. و قال القاضي: هي مقدّرة بمقدار لا يختلف في القلة و الكثرة، و الواجب رطلان من الخبز في كلّ يوم في حقّ الموسر و المعسر، اعتبارا بالكفارات، و إنّما يختلفان في صفته و جودته لأنّ

الموسر و المعسر سواء في قدر المأكول و فيما تقوم به البنية، و إنّما يختلفان في جودته فكذلك النفقة الواجبة.

و قال الشافعي: نفقة المقتر مدّ بمدّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم لأنّ أقلّ ما يدفع في الكفارة إلى الواحد مدّ، و اللّه سبحانه اعتبر الكفارة بالنفقة على الأهل فقال سبحانه: مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ (المائدة/ 89) و على الموسر مدّان لأنّ أكثر ما أوجب اللّه سبحانه للواحد مدّين في كفارة الأذى. و على المتوسط مدّ و نصف، نصف نفقة الموسر و نصف نفقة الفقير. «2»

و الظاهر من كلام الشيخ و ابن قدامة أنّ الخلاف منحصر في الطعام و انّه

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 3، كتاب النفقات، المسألة 3.

(2)- ابن قدامة: المغني: 9، كتاب النفقات: 231.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 364

هل هو مقدّر أو لا، و أمّا الكسوة و السكنى فليس فيهما أي تقدير بشهادة أنّهما لم يشيرا فيهما إلى شي ء فهما متروكان إلى العرف و قضائه، لكن الظاهر من الحديث التالي عمومية التقدير للطعام و الكسوة.

روى شهاب بن عبد ربه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما حقّ المرأة على زوجها؟ قال: «يسدّ جوعتها و يستر عورتها، و لا يقبّح لها وجها فإذا فعل ذلك فقد و اللّه أدّى إليها حقّها» فقلت: فالدهن؟ قال: «غبّا يوم و يوم لا» قلت: فاللحم؟

قال: «في كلّ ثلاثة، فيكون في الشهر عشر مرّات لا أكثر من ذلك، و الصبغ في كلّ ستة أشهر و يكسوها في كلّ سنة أربعة أثواب: ثوبين للشتاء و ثوبين للصيف، و لا ينبغي أن يقفر بيته من ثلاثة أشياء: دهن الرأس، و الخلّ، و الزيت، و

يقوتهنّ بالمد فانّي أقوت به نفسي، و ليقدر لكلّ إنسان منهم قوته فإن شاء أكله، و إن شاء وهبه، و إن شاء تصدّق به، و لا تكون فاكهة عامة إلّا أطعم عياله منها و لا يدع أن يكون للعبد عندهم فضل في الطعام أن يسنى لهم في ذلك شي ء ما لم يسنى لهم في سائر الأيّام». «1»

إذا وقفت على الأقوال فاعلم أنّ القول بالتقدير خلاف المتبادر من الأدلّة قال سبحانه: وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (البقرة/ 233) و قوله سبحانه: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّٰا آتٰاهُ اللّٰهُ لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا مٰا آتٰاهٰا (الطلاق/ 7) فانّ تحديد الرزق و الكسوة بالمعروف، و الإنفاق على حدّ القدرة، دليل على أنّه لا تقدير في الإنفاق بقدر خاص و إلّا كان عليه أن يشير إليه عوض التعليق بهما. و مثله ما ورد في السنة ففي صحيح ابن سنان: «إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة و إلّا فرّق بينهما». «2»

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 2 من أبواب النفقات، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 365

و في رواية إسحاق بن عمار انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن حقّ المرأة على زوجها قال:

«يشبع بطنها و يكسو جثّتها و إن جهلت غفر لها». «1» و في صحيح جميل قال: قد روى عنبسة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كساها ما يواري عورتها، و يطعمها ما يقيم صلبها، أقامت معه و إلّا طلّقها». 2 كلّ ذلك يعرب عن أنّ الواجب رفع الحاجة و سدّ

الخلّة على النحو المعروف و المقدور، قد روى الفريقان أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال لهند زوجة أبي سفيان: «خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف». «3» يأمرها بأخذ ما يكفيها من دون تقدير، و من المعلوم انّ قدر كفايتها لا ينحصر في المدّ الوارد في مرسلة شهاب بن عبد ربه.

و الحاصل: أنّ ايجاب أقلّ من الكفاية من الرزق، و إن كان مدّا، ترك للمعروف، و إيجاب قدر الكفاية و إن كان أقلّ من مدّ إنفاق بالمعروف، فيكون هذا هو الواجب.

و يؤيّد ذلك أنّ الأصحاب يرجعون في نوع الأمور الثمانية «4» إلى العرف قال المحقّق: «و يرجع في جنس المأدوم و الملبوس إلى عادة أمثالها من أهل البلد». «5»

فانّ الطعام يعمّ البرّ و الشعير و التمر و الزيت و الذرة و غيره، كما أنّ الإدام يعمّ السمن و الزيت و الشيرج و اللحم و اللبن، و الكسوة يعمّ القميص و السراويل و المقنعة و الجبّة، و جنسها يعمّ الحرير و القطن و الكتّان، و الإسكان في الدار يعمّ البيوت العالية و المتوسطة و النازلة ككوخ الفلاح و هكذا سائرها ففي كلّ ذلك يرجع إلى عادة أمثالها من أهل البلد، فإذا كان المرجع في تعيين النوع من الأمور

______________________________

(1)- 2- الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 3، 4.

(3)- الطوسي: المبسوط: 6/ 3.

(4)- أعني: 1- الطعام، 2- الادام، 3- الكسوة، 4- الفراش، 5- آلة الطبخ، 6- آلة التنظيف، 7- السكنى، 8- نفقة الخادمة.

(5)- نجم الدين: الشرائع: 4/ 571.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 366

الثمانية، هو العرف فليكن هو المرجع في مقدار الطعام و تعداد اللباس شتاء وصيفا.

الحاجات المستجدّة

إنّ حصر

الحاجات في الثمانية ليس أمرا تامّا لتطور الحاجات حسب تطوّر المجتمعات فانّ الحضارة الحديثة أحدثت أمورا و أوجدت حاجات لم يكن لها سبق فيما غبر فربما تحتاج أمثالها إلى أمور ليست داخلة فيها و لذا يحمل ذكرها على أنّها من باب الأغلب.

و من الحوائج، الأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض و الآلام التي قلّما تخلو منها في الشهور و الأعوام إنّما الكلام في الدواء و ما يصرف في المعالجات الصعبة التي يكون الاحتياج إليها من باب الاتّفاق سواء احتاج إلى بذل مال خطير أو لا.

و لكن الأقوى عدم الفرق، فالإمساك بالمعروف، يعمّ كلّ ذلك، كما انّ قوله: «يقيم ظهرها» يشمله. نعم ذهب السيد الاصفهاني و تبعه السيّد الأستاذ- قدّس سرّهما- إلى عدم وجوب البذل خصوصا إذا احتاج إلى بذل مال خطير. «1»

لو افترضنا قصور تمكن الزوج من بذل النفقة بما يناسب شأنها و شأن أمثالها في البلد فإن كان العجز طارئا بعد التمكن فعليها الصبر إلّا إذا كان حرجيا، و إن لم يكن طارئا و كانت الزوجة عالمة بالقدر المتمكن منه، فكذلك إلّا إذا كانت مغرورة فلها رفع الشكوى إلى الحاكم.

***

______________________________

(1)- وسيلة النجاة، فصل النفقات: 260؛ تحرير الوسيلة، ج 2، فصل النفقات، المسألة 9.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 367

الكلام في اللواحق و فيها مسائل

الأولى: لو قالت: أنا أخدم نفسي و لي نفقة الخادم هل تجب اجابتها أو لا؟

و لو بادرت بالخدمة من غير إذن أ لها المطالبة بالأجرة أم لا؟

أقول: إنّ النساء على قسمين: قسم لا تخدم نفسها بحسب عادة أمثالها و أهل بلدها لشرفها، و علوّ منزلتها بل لها من يخدمها، فهذه يجب على الزوج أن يتخذ خادما عملا بآية المعاشرة بالمعروف،

و قسم من تخدم نفسها بحسب العادة فلا يجب في حقّها ذلك إلّا لمرض و نحوه.

لو افترضنا أنّها تواضعت و أرادت أن تخدم نفسها حتى تكون لها نفقة الخادم، لم تجب إجابتها لأنّ التخيير راجع إليه دونها، أضف إلى ذلك انّه كيف تجب عليه الإجابة، مع انّه يسقط مرتبتها و له أن لا يرضى بها لانّها تصير مبتذلة و له في رفعتها حقّ و غرض صحيح و إن رضيت بإسقاطها. «1»

و قال الشيخ: «لم يكن لها ذلك لأنّ الخدمة لأجل الترفّه و الدعة فإذا لم تختر ذلك و طلبت الخدمة لم يكن لها عوض». «2»

و منه يظهر حكم الفرع الثاني لما عرفت من أنّ التخيير راجع إلى الزوج.

*** الثانية: انّ الزوج مخيّر في دفع الطعام و الإدام بين دفع عين المأكول كالخبز و التمر و اللحم المطبوخ ممّا لا يحتاج في إعداده للأكل إلى علاج و مزاولة و مئونة

______________________________

(1)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 461.

(2)- الطوسي: المبسوط: 6/ 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 368

و كلفة، و بين دفع ما يحتاج في ذلك إلى ذلك كالحبّ و الارز، و الدقيق، بشرط أن يكون كلا النحوين أمرا متعارفا و إلّا فيقتصر بالمتعارف، و لو اختار الثاني و احتاج إعداد المدفوع للأكل إلى مئونة، كانت عليه.

و يتخيّر أيضا بين دفع ثمن المأكول و الملبوس و غيرهما إليها و دفع نفس الحب لكن بشرط أن يكون متعارفا، لما عرفت من كون الواجب هو المعاشرة بالمعروف و العجب من صاحب المسالك حيث قال: «إنّ الواجب عليه دفع الحب و نحوه و مئونة إصلاحه لا عين المأكول عملا بالعادة». «1» مع أنّ العادة في أيّامنا هو

خلافه.

*** الثالثة: تملك الزوجة على الزوج نفقة كلّ يوم من الطعام و الإدام و غيرهما ممّا يصرف و لا يبقى عينه في صبيحته فلها أن تطالبه بها عندها فلو منعها و انقضى اليوم استقرّت في ذمّته و كانت عليه و لو مضت أيّام و لم ينفق عليها فيها، اشتغلت ذمّته بنفقة تلك المدّة سواء طالبته أم سكتت عنها، و سواء قدّرها الحاكم، و حكم بها أم لا، و ذلك لأنّ نفقة الزوجة اعتياض في مقابلة الاستمتاع فتصير بمنزلة الدين، من غير فرق بين المنع يوما أو أيّاما، و بين تقدير الحاكم و عدمه و مطالبتها و عدمها أخذا بحكم الدين.

نعم ليست لها مطالبة نفقة الأيّام الآتية إذ لا وثوق باجتماع الشرائط في باقي الزمان. نعم ربما يكون المعروف في خلاف التدريج، على نحو لو قام بالشراء كلّ يوم لفاتت منها أمور يجب تحصيلها في إقامة الحياة خصوصا في زماننا هذا، و اللازم اتباع المعروف، غاية الأمر لو نشزت، أو ماتت، يجب عليها ردّ الباقي.

______________________________

(1- 2)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 464.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 369

نعم لو دفعت إليها نفقة أيّام و لكنّها خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدّة بموت أحدهما أو نشوزها أو طلاقها بائنا، فيوزع المدفوع على الأيّام الماضية و الآتية و يسترد منها بالنسبة حصة ما بقي من المدّة و يحتمل أن يكون كذلك فيما إذا دفع إليها نفقة يوم و عرض أحد تلك العوارض في أثنائه فيسترد الباقي من نفقة اليوم. و سيوافيك الكلام في الأخير.

[الملك]

ملك أو إمتاع

إنّ النفقة المبذولة على الزوجة تارة تتملّكها الزوجة كما إذا كان الانتفاع موجبا لاستهلاكها كالطعام، و أخرى على وجه الامتاع و

تستحقه على وجه الانتفاع كالمسكن و الثياب، لأنّ عينهما لا يستهلك بالانتفاع و ثالثة يتردد بين الأمرين بين كونه على وجه التمليك أو على وجه الإمتاع كالكسوة و غيرها من أعيان النفقة التي لا يتوقف الانتفاع بها على إتلافها و إن كان الاستعمال يتلفها تدريجا نحو فراش النوم و اليقظة و آلات التنظيف من المشط و نحوه. فذهب الشيخ في المبسوط «1» و المحقّق في الشرائع و العلّامة في الإرشاد «2» إلى التمليك و يظهر رأيهما من الفروع التي ذكروها في المقام.

و اختار القول بالإمتاع السيد الاصفهاني في وسيلته قال: «إنّما تستحقّ في الكسوة على الزوج أن يكسوها بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره و لا تستحقّ عليه أن يدفع إليها بعنوان التمليك ثمّ فرع على مختاره من انّه على وجه الامتاع فروعا و هي:

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 6/ 9- 10 و سيوافيك كلامه عند البحث عن الفروع و الثمرات.

(2)- ابن المطهر: ارشاد الأذهان: 2/ 35، نعم نسب صاحب الجواهر إليه القول بالامتاع في الارشاد و لكن الفروع المذكورة فيه، تتفق مع القول بالتمليك فلاحظ.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 370

1- و لو دفع إليها كسوة لمدّة جرت العادة ببقائها إليها فكستها فخلقت قبل تلك المدّة أو سرقت وجب عليه دفع كسوة أخرى إليها.

2- و لو انقضت المدّة، و الكسوة باقية ليس لها مطالبة كسوة أخرى.

3- و لو خرجت في أثناء المدّة عن الاستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق تسترد إذا كانت باقية.

4- و كذلك الكلام في الفراش و الغطاء و اللحاف و الآلات التي دفعها إليها من جهة الإنفاق ممّا ينتفع بها مع بقاء عينها فانّها كلّها باقية على ملك

الزوج تنتفع بها الزوجة فله استردادها إذا زال استحقاقها إلّا مع التصريح بانشاء التمليك لها». «1»

أدلة القول بالملك

لا شكّ انّه إذا صرّح الزوج بانشاء التمليك، تملكه الزوجة إنّما الكلام فيما إذا لم يقصد التمليك، فيقع الكلام في أنّه هل يجب على الزوج قصد التمليك على وجه لو لم يملّكها لم يكن منفقا، و بعبارة أخرى الكلام في أنّ خطاب الانفاق يقتضي الملك شرعا و إن لم يقصده الدافع أو لا؟

أمّا عدم تحقّق الإنفاق بالإمتاع فهو كما ترى فانّ الواجب عليه أن يقيم ظهرها و يكسو عورتها و هو حاصل بالتمليك تارة، و الإمتاع أخرى، أمّا اقتضاء الخطاب التمليك، فيتوقف على وجود دليل على ذلك فقد استدل له بوجهين:

1- قوله سبحانه: وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ

______________________________

(1)- الاصفهاني: وسيلة النجاة، فصل النفقات: 361 و سيوافيك انّ الفروع المذكورة مبنيّة على القول بالتمليك، أو الملك.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 371

(البقرة/ 233) قائلا بأنّ مقتضى العطف الاشتراك مع المعطوف عليه في حكمه و هو التمليك في الرزق.

يلاحظ عليه: أنّ عطف الكسوة على الرزق، يقتضي المشاركة في الحكم الذي سيق لأجله الكلام و هو نفقة الزوجة على الزوج لا الكسوة مع الرزق في الحكم الخارج عن دلالة الآية و هو التمليك في الرزق، فانّه علم من دليل خارج لا من نفس الآية، و ذلك لأنّ الانتفاع على الاستهلاك، لا ينفك عن كون المنتفع ملكا للمنتفع، و هذا ممّا علم في الخارج لا من دلالة الآية.

2- ما رواه البيهقي عن النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم قوله: «و لهنّ عليكم رزقهنّ و كسوتهن» «1» قائلا بأنّ اللام للتمليك.

يلاحظ عليه:- بعد احراز صحّة

السند- أنّ المتبادر من اللام هو الاستحقاق كقوله سبحانه: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ (التوبة/ 60) نظير قوله سبحانه: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (البقرة/ 228).

و على ذلك فلا دليل على التمليك لا من جهة توقّف النفقة على التمليك، و لا من جهة دلالة الدليل الشرعي عليه، فيبقى في ملك الزوج ما لم يصرح بالتمليك.

و على ذلك تظهر الحال في الفروع التي ذكرها المحقّق و إليك بيانها:

1- لو أخلقت الكسوة قبل المدّة لم يجب عليه بدلها.

إذا أعطى الكسوة لمدّة تلبس في مثلها ستة أشهر تقديرا ... و اخلقت قبل ذلك بشهرين أو ثلاثة لم يكن عليه البدل كما لو سرقت كسوتها قبل انقضاء

______________________________

(1)- البيهقي: السنن: 7/ 304.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 372

المدّة «1» و ما ذكره دليل على أنّ المختار عنده هو الملك.

أقول: إنّ الكلام فيما إذا كانت مقصّرة في الأخلاق فعلى القول بالملك لا يجب لأنّه قام بواجبه، و إخلاقها قبل المدّة المعتادة لا يكون سببا لوجوب الإبدال، كما هو الحال في الطعام، إذا قصّرت في حفظها أو تصدّقت بها و أمّا على الإمتاع فالواجب عليه أن يستر عورتها، و كونها مقصرة يوجب ضمان قيمتها و الواجب على الزوج هو المثل فلا يكون مسقطا.

و أمّا إذا انتفى التقصير فالظاهر عدم الفرق بين القولين.

2- لو انقضت المدّة، و الكسوة باقية لرفقها بها طالبته بكسوة ما يستقبل.

قال الشيخ: متى جاءت المدّة و الثياب جيدة لم تبل و لم تخلق قال قوم ليس عليه تجديد الكسوة لأنّ ما عليها فيه كفاية و قال آخرون: عليه تجديدها، و هو الأقوى. «2»

و ذلك لأنّ ملكها ترتّب على المدّة المعتادة لها، كما لو استفضلت

من طعام يومها، و على القول بالامتاع لا تجب حتى يبلى عندها لبقائها على ملكها و المفروض صلاحيتها لاكتسائها.

و أورد عليه في الجواهر بأنّ بقاء الكسوة لو كان لاتفاق حسن الكسوة أمكن منع وجوب الإبدال على الملك أيضا، ضرورة انّ ملكها بها على جهة الإنفاق لا مطلقا، و لا تقدير للمدّة شرعا و إنّما كان الزوج يزعم بقاء الكسوة إليها، لا أكثر منها فمع فرض البقاء لا دليل على خطابه بالإنفاق.

يلاحظ عليه: أنّ الخطاب بالإنفاق و إن لم يكن مقدّرا بتقدير المدّة، لكن لمّا

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 6/ 9.

(2)- المصدر نفسه/ 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 373

جرت السيرة على التبديل بعد مضي مدّة، وجب عليه التبديل و إن كان الثوب باقيا و إلّا لم يجب التبديل لو استفضلت و ذلك بلبس غيرها مع انّه لا يقول به.

و هناك ثمرات لم يذكرها المحقّق نأت ببعضها:

3- إذا لم يكسها مدّة صارت الكسوة دينا عليه على الأوّل كالنفقة، و على الإمتاع لا يصير دينا.

4- يجوز له أخذ المدفوع إليها و يعطيها غيره على القول بالإمتاع و على القول بالتمليك لا يجوز ذلك إلّا برضاها.

5- لا يصحّ لها بيع المأخوذ و لا التصرّف فيه بغير اللبس إن قلنا بالإمتاع، و يصحّ على القول بالتمليك، إن لم يناف غرض الزوج من التزيّن و التجمّل.

6- جواز إعطائها الكسوة بالإعارة و الإجارة على تقدير القول بالتمليك دون القول بالإمتاع. «1»

هذه هي الثمرات المترتبة على القولين، مع خضوع بعضها للنقاش، و قد مضت أيضا في كلام السيد الاصفهاني- قدّس اللّه سرّه-.

و على كلا القولين لو سلّم إليها نفقة لمدّة ثمّ طلّقها قبل انقضائها و كان الطلاق بائنا، استعاد نفقة

الزمان المتخلف إلّا نصيب يوم الطلاق، من غير فرق بين المؤنة و الكسوة لما مرّ من أنّها لا تملك عندهم إلّا بتجدّد كلّ يوم في مقابل الزوجية فإذا لم يسلم بعض العوض استردّ ما بإزائه فملكها مراعى بسلامة العوض. و أمّا استثناء يوم الطلاق و ذلك لأنّها تملكها صبيحة ذلك اليوم، و لكن التفريق غير وجيه. لأنّه مشروط بتسليم العوض و المفروض عدم تسليمه كلّه فيستعاد بمقدار ما بقي من اليوم خصوصا إذا كانت باقية، إلّا إذا ادّعى الانصراف.

______________________________

(1)- البحراني: الحدائق: 25/ 126- 127.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 374

و أولى من المئونة، الكسوة فله استعادتها ما لم تنقض المدة المضروبة لها على الإمتاع و التمليك أمّا على الإمتاع فواضح لكونها باقية على ملك الزوج و أمّا على الملك، فلأنّ التمليك في مقابل الذي لم يسلم بعضه.

*** الرابعة: إذا دخل بها و استمرت تأكل معه و تشرب على العادة لم يكن لها مطالبته بمدّة مؤاكلته. و ذلك لصدق الإنفاق عليها مضافا إلى السيرة المستمرة.

إنّما الكلام في الفرع التالي:

هل لها الامتناع من المؤاكلة، و طلب أن يكون نفقتها بيدها، تفعل بها ما تشاء من أكل و غيره الظاهر من كلام غير واحد انّ لها ذلك و كأنّه أمر مسلّم بين الأصحاب. قال السيد الاصفهاني: كيفية الإنفاق بالطعام و الإدام إمّا بمؤاكلتها مع الزوج في بيته على العادة كسائر عياله، و إمّا بتسليم النفقة لها و ليس له إلزامها بالنحو الأوّل فلها أن تمتنع من المؤاكلة معه و تطالبه بكون نفقتها بيدها تفعل بها ما تشاء. «1»

و ما ذكره قابل للنقاش فانّه على خلاف السيرة المستمرة بين الناس، و ربما يطلب الامتناع من المؤاكلة،

نفقة كثيرة على الزوج خارجة عن استعداده، على أنّ الخطاب بالانفاق ناظر إلى ما هو المألوف، و منصرف عن غيره و الغاية من النكاح حصول السكينة، و تشكيل العائلة، و هو فرع وجود انسجام و تعطف بين الزوجين فتفرد كلّ واحدة، ينتج خلاف المطلوب و ليست المرأة مجردة العوبة، يلعب بها الزوج لغاية الاستمتاع، فإذا فرغ عنه، يسلك كلّ سبيله و الأولى أن يقال إنّ الاختيار بيد الزوج يختار أيّ واحد شاء.

______________________________

(1)- وسيلة النجاة: 2، فصل النفقات، المسألة 12.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 375

فروع أربعة:
1- لو تزوجها و لم يدخل بها

لو تزوّجها و لم يدخل بها و انقضت مدّة لم تطالبه بنفقة هل تجب النفقة قال المحقّق: «لا تجب على القول بانّ التمكين موجب للنفقة أو شرط فيها إذ لا وثوق بحصول التمكين لو طلبه».

يلاحظ عليه: أنّ مبناه كون العقد جزء السبب و التمكين شرطا له، مع أنّك عرفت انّ العقد هو السبب التام على وجه لو طلب، لأطاعته، غاية الأمر انّ النشوز مانع و مع السبب التام و عدم المانع لا وجه لعدم وجوب النفقة.

أضف إلى ذلك انّ عدم الوثوق بحصول التمكين لا يكون دليلا على عدم الشرط واقعا إذ من المحتمل انّه تمكّن نفسها لو طلبه فلا مجرى لأصل البراءة، مع إمكان الفحص و سهولته. كما هو الحال في كلّ مورد، يكون الفحص أمرا سهلا.

و الأولى أن يقال في وجه عدم الوجوب: إنّ القدر المتيقن من الأدلّة هو كون الزوجة في قبضته و هو فرع كونها في بيت الزوج أو على وجه كلّما طلب الاستمتاع أمكن لها الإجابة، و لأجل ذلك، لو أعلمت استعدادها للزفاف و لكن أخّر الزوج الزفاف فيجب الإنفاق لوجود السبب التام

و عدم الانصراف، فلو لا الإعلام بالاستعداد من جانبها، لا يتحقّق الشرط و هو كونها في قبضته و لو حكما فما ذكره المحقّق صحيح بهذا البيان.

2- لو غاب الزوج و لم يكن قد دخل بها

لو غاب الزوج و كانت غيبته بعد كونها في قبضته وجبت النفقة عليه مدّة غيبته.

و إن كانت غيبته قبل كونها في قبضته و ما في حكمها، لا تجب النفقة لما

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 376

علمت من أنّ القدر المتيقن هو كونها في قبضة الرجل و المفروض انّه غائب فكيف تكون في اختياره إلّا أن تقوم بعمل تحقّق معه كونها في اختياره و لو حكما كما سيوافيك فما لم يقم به لا نفقة لعدم الشرط. و هذا من غير فرق بين القول بأنّ التمكين شرط أو كون النشوز مانعا فإن أريد من شرطية التمكين كونها في قبضة الزوج أو ما في حكمها فنعم الوفاق، و إن أريد منه تصريحها بالتسليم فلا نسلّم كونه شرطا.

و لو حضرت عند الحاكم و أعلمت استعدادها للزفاف فلا يتحقّق الشرط إلّا بعد إعلامه و وصوله إليه و يكفي أيضا اعلامها بنفسها من دون توسط الحاكم.

فلو أعلمت فلم يبادر الزوج سقط عنه نفقة زمان قدر وصوله و ألزم بنفقة ما زاد لأنّ الامتناع حينئذ منه.

فإن قلت: إنّما يصحّ ذلك على القول بشرطية التمكين و أمّا على القول بأنّ العقد هو السبب التام بشرط الطاعة لو طلب فيجب في زمان الاعلام و إن لم يصل إليه.

قلت: قد عرفت انّ أدلّة النفقة منصرفة إلى كون الزوجة في قبضة الزوج واقعا أو حكما، و لا يصدق ذلك إلّا باعلامه و بلوغ الخبر، و مضي زمان أمكن وصوله إليه.

و بعبارة أخرى كون الزوجة في اختيار

الزوج و إن كان شرطا واقعيا لا علميا، لكنّه على وجه لا يصدق إلّا مع علمه، و تمكّنه منه و لأجل ذلك يتوقف على الاعلام و مضي مدّة الوصول.

3- لو نشزت الزوجة قبل غيبته

لو نشزت الزوجة و غاب الزوج و هي ناشزة ثمّ عادت إلى الطاعة فقال المحقّق: لم تجب النفقة إلّا بعد إعلامه و وصوله و لو اعلم فلم يبادر سقطت عنه

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 377

قدر وصوله و ألزم بما زاد. «1» و هو خيرة السيّد الاصفهاني. قال: لو نشزت ثمّ عادت إلى الطاعة لم تستحقّ النفقة حتى تظهرها و علم بها و ينقضي زمان يمكن الوصول إليها. «2»

و علله في المسالك بقوله: «إنّ الزوجة إذا نشزت مع حضور الزوج فغاب عنها و هي كذلك ثمّ عادت إلى الطاعة في غيبته لم تجب نفقتها إلى أن يعلم الزوج بعودها و ينقضي زمان يمكنه الوصول إليها أو وكيله لخروجها بالنشوز عن قبضته فلا يعود إلى أن يحصل تسلّم و تسليم مستأنفين و هما لا يحصلان بمجرّد عودها بذلك فإذا عاد إليها أو بعث وكيله و استأنفت تسليمها عادت النفقة.

يلاحظ عليه: بما مرّ من أنّ العقد سبب تامّ لوجوب الإنفاق بشرط الطاعة لو طلب و مرجعه إلى أنّ النشوز مانع فلو كان النشوز ملازما لخروجها عن اختياره كما إذا تركت البيت بلا إذنه و لم ترجع إليه و غاب الزوج و الحال هذه كان ما ذكره متينا لخروجها عن اختياره و لا تعود إلى اختياره و لو حكما إلّا بتغيّر الوضع و عودها إلى البيت. و لا يتحقّق العود إليه كونها في قبضته إلّا بعلمه بالعود و أمّا إذا لم يكن النشوز ملازما للخروج

عن اختيار الزوج كعدم إزالة المنفرات المضادّة للتمتع و الالتذاذ بها فغاب الزوج و الحال هذه ثمّ عالجت النشوز بالإزالة، فلا وجه للاعلام و انتظار الوصول، نعم لو كان النشوز بالخروج عن الاختيار كما مثلناه، كان لما ذكر وجه.

4- إذا ارتدت الزوجة

إذا ارتدت الزوجة في حضرة الزوج و هي في قبضته سقطت نفقتها لتحريم

______________________________

(1)- الشرائع: 3/ 350.

(2)- الاصفهاني: وسيلة النجاة، فصل النفقات، المسألة 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 378

وطئها بارتدادها، و المانع من قبل الزوجة فإذا غاب الزوج و هي مرتدة مدخولا بها، فعادت إلى الإسلام و هو غائب فذهب الشيخ و المحقّق إلى أنّه تعود نفقتها عند إسلامها من دون حاجة إلى الاعلام و الوصول إلى الزوج و مضي المدّة.

قال الشيخ: إذا ارتدت زوجته سقطت نفقتها على ما بيّنا، فإن غاب زوجها قبل ان عادت إلى الإسلام ثمّ أسلمت و هو غائب عادت نفقتها، لأنّ علّة سقوطها هي الردة، و قد زالت.

فأمّا إن نشزت امرأته سقط نفقتها، فإن غاب قبل أن أطاعته و عادت إلى بيته و هو غائب لم تعد نفقتها، حتى تكتب إليه بذلك، ليعود هو أو وكيله بقبضها.

و الفصل بينهما انّ علّة سقوط نفقة المرتدة الردة، فإذا زالت، زالت العلّة، و العلّة في الناشز خروجها عن قبضته و امتناعها عليه، فلا تعود النفقة حتى تعود إلى قبضته أو بأن تمكّنه ردّها إلى قبضته فلا يفعل فلهذا لم تعد نفقتها. «1»

و إلى ما ذكره الشيخ، يشير المحقّق بقوله: «لأنّ الردة سبب السقوط و قد زالت، و ليس كذلك الأولى الناشزة لأنّها بالنشوز خرجت عن قبضته فلا تستحق النفقة إلّا بعودها إلى قبضته.

و ما ذكره حقّ في الردة على الإطلاق

و لكن الحقّ التفصيل في النشوز بين المخرج عن القبضة و غيره كما عرفت.

نعم أشكل في المسالك في المقام و قال: «الارتداد مانع شرعي من الاستمتاع و قد حدث من جهتها و متى لم يعلم الزوج بزواله فالواجب عليه الامتناع منها و إن حضر و لا يكفي مجرّد كونها في قبضته مع عدم العلم بزوال المانع الذي جاء من

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 6/ 18.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 379

قبلها فأسقط النفقة.

أقول: الظاهر وجود الفرق بين النشوز المخرج عن «كون الزوجة عنده» فانّ عود النفقة يتوقف على حصول «كونها عنده» و لا يحصل ذلك إلّا بعلم الزوج بارتفاع النشوز، و بين الردة فانّها لا تخرجها عن كونها عنده غاية الأمر انّها مانعة عن جواز الوطء، فإذا زال المانع عاد جواز الوطء و كونه غير عالم بارتفاع المانع و عود الجواز مستند إلى غيبته و سفره لا إليها.

فتلخص من جميع ما ذكرنا من أنّ منصرف الأدلّة هو كون الزوجة عند الزوج و في قبضته و اختياره ففي الفرع الأوّل: إذا غاب و لم يكن الشرط حاصلا، فحصوله يتوقف على الاعلام و وصوله إليه و مضيّ زمان يتمكن من الوصول إليها و أمّا الفرع الثاني فالنشوز الذي يوجب خروجها عن كونها «عنده و في قبضته و اختياره» يتّحد حكمه مع الفرع الأوّل، لا ما إذا لم يكن مخلا بهذا الشرط كأن تظهر عبوسا و تقطّبا في الوجه و تثاقلا في الكلام.

و أمّا الفرع الثالث فبما انّ الردة، ليست مخلا للشرط، و إنّما هو مانع عن جواز الاستمتاع فإذا عادت إلى الإسلام يعود الوجوب، و عدم علمه بإسلامها لا يخرجه عن تحت الأدلّة لأنّ القصور

مستند إليه.

المسألة الخامسة: في المطلّقة البائن المدّعية للحمل

إذا ادّعت المطلّقة البائن أنّها حامل من دون أن يتبين صدق قولها، ففيه قولان:

1- صرفت النفقة إليها يوما فيوما فإن تبيّن الحمل و إلّا استعيدت، و هو خيرة المحقّق.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 380

2- أريت القوابل فإن شهدن بأنّها حامل، اطلق النفقة من حين الطلاق إلى حين الشهادة، ثمّ لها يوما بيوم حتى يتبيّن أمرها فإن بانت حاملا فقد استوفت حقّها، و إن بانت حائلا فعليها ردّ ما أخذت. «1»

استدل للوجه الأوّل بأنّ فيه جمعا بين الحقّين و حقّ الزوج على تقدير تبين عدمه فينجبر بالرجوع عليها و لو لا قبول قولها لأدّى إلى الإضرار مع حاجتها إلى النفقة.

يلاحظ عليه: بأنّ في الوجه الثاني أيضا جمعا بين الحقوق فلا وجه لتركه و الأخذ بالأوّل خصوصا إذا أجريت عليها فحوص طبّية رائجة في زماننا هذا و ربما تتبين الحال بشكل واضح و لو قلنا بالوجه الأوّل فالأولى أن تطالب بكفيل لجواز ظهور خلاف ما ادّعته.

ثمّ إنّ المشهور انّه لا نفقة للبائن إلّا المطلّقة الحامل، و ذلك لأنّ أسباب النفقة منحصرة في الثلاثة: الزوجية، و القرابة و الملك و ليس في البائن بغير طلاق الحامل شي ء منها، و أمّا البائن الحامل المطلّقة فقد خرجت بالنص «2» كما عرفت.

نعم يظهر من كلام الشيخ عمومية الحكم لكلّ بائن حامل و إن كان فراقها بغير طلاق قال: «فأمّا ما كان مفسوخا مثل نكاح الشغار عندنا، و عندهم مثل المتعة و النكاح، بلا وليّ و شاهدين- إلى أن قال:- و كذلك لا نفقة لها بعد الفرقة إذا كانت حائلا و إن كانت حاملا فلها النفقة عندنا لعموم الأخبار و من قال إنّ النفقة للحمل قال:

فهاهنا النفقة لأنّه ولده و من قال النفقة للحامل قال:

لا نفقة هاهنا لانّ النفقة يستند إلى نكاح له حرمة و لا حرمة هاهنا إذا وقع

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 6/ 25 ذكره قولا و لم يظهر كونه مختاره و إن نسب إليه في الجواهر: 31/ 358.

(2)- الوسائل: 15، الباب 7 و 8 من أبواب النفقات، و الآية الكريمة من سورة الطلاق/ 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 381

فاسدا. «1»

يلاحظ عليه: بأنّ ما أشار إليه من الأخبار كلّها مقيّدة بالطلاق إلّا رواية محمّد بن قيس حيث روى عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الحامل أجلها أن تضع حملها و عليه نفقتها بالمعروف حتى تضع حملها». «2» و الإطلاق منصرف إلى المطلّقة لقلّة البائن من غير طلاق. و أمّا تسرية الحكم إلى البائن غير المطلّقة، لأجل كون الملاك في الإنفاق هو الحمل، فلم يثبت كونه للحمل.

المسألة السادسة: في الاختلاف في تقدّم الوضع على الطلاق أو بالعكس

إذا طلّقت الحامل رجعية فادّعت أنّ الطلاق بعد الوضع و أنكره هو قال المحقّق: القول قولها. و مع ذلك لا يجوز للزوج الرجوع أخذا بإقراره.

و لو انعكس الفرض بأن ادّعى هو تأخير الطلاق لإرادة إثبات حقّ الرجعة بها و أنكرت هي و ادّعت انّه كان قبل الوضع، كان القول قوله بيمينه- و مع ذلك- ليس للزوجة المطالبة بنفقتها لاعترافها بعدم استحقاقها. «3»

تحقيق كلامه هو أن يقال إنّ للمسألة صورا ثلاث:

1- أن يكون كلّ من الوضع و الطلاق مجهولي التاريخ، فالأصلان إمّا غير جاريين، أو متعارضين و متساقطين على فرض الجريان، فيكون المرجع بقاء العدة أو بقاء كونها معتدة فالقول قول من يدّعي بقاء العدة و هو الزوجة في الصورة الأولى، و الزوج في الثانية.

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 6/ 24.

(2)- الوسائل:

15، الباب 7 من أبواب النفقات، الحديث 3.

(3)- النجفي: الجواهر: 31/ 363.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 382

2- أن يكون تاريخ الطلاق معلوما و تاريخ الوضع مجهولا فقد قلنا في محلّه أنّ الأصل لا يجري في الحادث المعلوم لعدم الشكّ في ظرف تحقّقه، فلا يقبل التأخّر، فيختص الجريان بمجهول التاريخ فيكون الأصل عدم الوضع إلى زمان الطلاق، و لكنّه لا يثبت التقارن و لا التأخّر. لانّهما من لوازمه العقلية، فيكون المرجع أيضا هو بقاء العدّة أو كونها معتدة.

3- عكس المفروض الثاني، و الحكم في الثالث كالحكم في الثاني حرفا بحرف.

هذا و قد عنون الشيخ المسألة في المبسوط «1» و أوضحنا مرامه في محاضراتنا في الطلاق فراجع. «2»

المسألة السابعة إذا كان له على زوجته دين و امتنعت عن أدائه

مع كونها موسرة جاز للزوج أن يقاصّها يوما فيوما، و لا يجوز له ذلك مع عدم امتناعها، لأنّ التخيير في كيفية القضاء مفوض إلى المديون فإذا حاول أداء دينه من غير طريق التقاص، لم يكن للدائن، طلبه من غير هذا الطريق.

و إنّما قلنا مع كونها موسرة، لأنّ اعسارها يمنع عن طلب الدين حتّى تكون متمكّنة منه و إنّما يقضى الدين ممّا يفضل عن المؤنة، و منها القوت.

المسألة الثامنة إذ وجب على الإنسان الإنفاق على أشخاص

فإن وفى ماله فعليه الإنفاق

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 5/ 241، كتاب العدد.

(2)- نظام الطلاق: 286- 287.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 383

على الجميع و إن لم يف ابتدأ بنفقة نفسه، لأنّ نفقتها مقدّمة على جميع الحقوق من الديون و غيرها من أموال المعاوضات، فإن فضل منه نفقة واحدة و دار الأمر بين نفقة الزوجة و نفقة بعض الأقارب فالمعروف تقديمها على غيرها.

قال الشيخ: «إذا كان موسرا و له زوجة و من ذوي الأحارم من تجب عليه نفقته، فإن فضل ما يكفي الكلّ أنفق على الكلّ، و إن فضل ما يكفي أحدهم فالزوجة أحقّ، لأنّ نفقتها على سبيل المعاوضة، و نفقة ذوي الأرحام مواساة، و المعاوضة أقوى بدلالة أنّ الزوجة تستحقّ مع يسارها و إعسارها و الوالد إذا كان موسرا لا نفقة له، و تستحق مع يسار الزوج و إعساره، و الولد لا نفقة له على أب معسر. «1»

و بالإمعان في دليل الشيخ يظهر عدم ورود الاعتراض عليه الذي نقله في المسالك و قال: «و اعترض بأنّ نفقتها إذا كانت كذلك كانت كالديون و نفقة القريب مقدمة على الديون كما علم في باب المفلس، و يؤيّده ما روى عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و

سلم من أنّ رجلا جاء إلى النبيّ فقال: معي دينار فقال: «أنفقه على نفسك» فقال:

معي دينار فقال: «أنفقه على ولدك، فقال: معي آخر فقال: «أنفقه على أهلك»، فقال: معي آخر فقال: «أنفقه على خادمك» فقال: معي آخر، فقال: «أنفقه في سبيل اللّه». «2» فقدم نفقة الولد على الأهل. «3»

و ذلك لأنّ مبدأ البرهان في كلام الشيخ ليس كونه دينا حتى يرد عليه، بأنّ نفقة الأقارب مقدمة على الدين بل مبدأ البرهان انّ نفقة الزوجة من باب المعاوضة و هو تسليم نفسها للاستمتاع، فما ينفقه عوض عن المعوّض الحاضر لا الفائت

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 6/ 35.

(2)- البيهقي: 7/ 466 و رواه الشيخ في المبسوط: 6/ 3 باختلاف يسير في الذيل.

(3)- زين الدين العاملي: المسالك: 1/ 646.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 384

حتى يكون من قبل الدين، أضف إلى ذلك أنّ اهتمام الشارح بالإنفاق على الزوجة في حال الاعسار و اليسار في كلا الحالتين، بخلاف الإنفاق على الوالد، فانّه يخصّ بحالة إعساره، لا يساره، و يسار الولد المنفق، لا إعساره و هذا يكشف تقدّم نفقتها على غيرها و الحديث لم يثبت عندنا بسند يحتج به.

تمّ الكلام في نفقة الزوجة

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 385

في نفقة الأقارب و فيه مسائل:

الأولى: الإنفاق على الوالدين و الأولاد

لا خلاف و لا إشكال في وجوب الإنفاق على الأبوين و إن ارتفعا، و الأولاد، و إن سفلوا، و لم يظهر خلاف منهم إلّا أنّ المحقّق تردد في الشرائع و النافع، ثمّ جزم بالحكم.

و أمّا أهل السنّة فقد ذكر الشيخ آراءهم في الخلاف في ضمن مسألتين فقال:

1- تجب النفقة على الأب و الجدّ معا و به قال الشافعي و أبو حنيفة و قال مالك: لا

تجب النفقة على الجدّ كما لا تجب على الجدّ النفقة عليه (ولد الولد).

2- يجب عليه أن ينفق على أمّه و أمهاتها و إن علون و به قال أبو حنيفة و الشافعي، و قال مالك: لا يجب عليه أن ينفق على أمّه. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم و أيضا قوله تعالى: وَ صٰاحِبْهُمٰا فِي الدُّنْيٰا مَعْرُوفاً (لقمان/ 15) و هذا من المعروف، و روي عن النبيّ انّ رجلا قال: يا رسول اللّه: من أبرّ؟، قال: «أمّك»، قال: ثمّ من؟! قال: «أمّك» قال: ثمّ من؟! قال: «أمّك» قال: ثمّ من؟ قال:

«أباك» فجعل الأب في الرابعة فثبت انّ النفقة عليها واجبة. «1»

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 3، كتاب النفقات، المسألة 24 و 25.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 386

فظهر انّ المخالف هو مالك حيث استثنى الجد و فوقه. و استثنى الأمّ و من فوقها.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 386

و قد استفاضت النصوص على وجوب النفقة على الأبوين و الأولاد جميعا ففي صحيح جميل قال: لا يجبر الرجل إلّا على نفقة الأبوين و الولد «1» و الحديث و إن كان موقوفا غير مسند إلى الإمام لكن اليقين حاصل على أنّه أخذه من الإمام و في صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: من الذي أجبر عليه و تلزمني نفقته؟ قال: الوالدان و الولد، و الزوجة. 2 إلى غير ذلك من النصوص، و أمّا دخول من علا من الآباء و الأمّهات أو سفل من الأولاد، فلأجل صدق الآباء و الأمّهات و الأولاد عليهنّ صدقا حقيقيا،

كصدقها عليهم في باب الميراث و إن كان الأقرب يمنع الأبعد، لكنّهم يرثون بملاك الأبوة و الأمومة و البنوّة كيف و قد سمّى سبحانه إبراهيم أبا للعرب و قال: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ (الحج/ 78) مضافا إلى أنّه مقتضى الجمع بين ما يدلّ على انّه لا يعطى الجدّ و الجدّة من الزكاة، و ما دلّ من النصوص على حرمتها لواجبي النفقة فيستكشف أنّ ملاك النهي هو كونهما واجبي النفقة.

روى زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: في الزكاة يعطى منها الأخ و الأخت و العمّ و العمّة و الخال و الخالة، و لا يعطى الجدّ و لا الجدّة. «3» و عن صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا:

الأب و الأمّ و الولد و المملوك و المرأة و ذلك انّهم عياله، لازمون له. 4

نعم لا تجب على غير العمودين من الأقارب كالإخوة و الأخوات و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات و غيرهم. و يدلّ عليه الحصر الوارد في النصوص و قد

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15، الباب 11 من أبواب النفقات، الحديث 2 و 3.

(3) و 4- الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب المستحقين، الحديث 3 و 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 387

مرّ روايتا جميل و حريز، و قد اتخذ جميل بن دراج «الحصر» الوارد في الروايات سندا لعدم وجوب الإنفاق على الأخت، و الحديث يعرب عن وجود الاجتهاد بين أصحاب الإمام الصادق و جميل من احداث أصحابه عليه السّلام.

روى ابن أبي عمير عن جميل بن دراج قال: لا يجبر الرجل إلّا على نفقة الأبوين و الولد. قال

ابن أبي عمير قلت لجميل: و المرأة؟ قال: قد روى عنبسة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كساها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه و إلّا طلّقها» قلت: فهل يجبر على نفقة الأخت؟ فقال: لو أجبر على نفقة الأخت كان ذلك على خلاف الرواية. «1»

و يؤيّد ذلك ما عرفت من رواية زيد الشحام الدالّة على جواز إعطاء الزكاة للأخ و الأخت و العمّ و العمّة و الخال و الخالة. «2»

ثمّ إنّ الشيخ نقل آراء المذهب الأربعة في الخلاف في وجوب النفقة على الأقارب فانّهم على أصناف، فمن مضيّق كمالك مقتصر على الوالد و الولد و لا يتجاوز بهما، إلى موسع نسبيا كالشافعي يقف على الوالدين و المولدين و لا يتجاوز فعلى كلّ أب و إن علا و على كلّ أمّ و إن علت «و كذلك كلّ جد من قبلها و جدة أو قبل الأب» «3» و على المولدين من كانوا من ولد البنين أو البنات و إن سفلوا فالنفقة تقف على هذين العمودين و لا تتجاوز.

إلى موسّع أكثر كأبي حنيفة فانّه قال يتجاوز عمود الوالدين و المولودين فتدور على كلّ ذي رحم محرّم بالنسب فتجب على الأخ لأخيه، و أولادهم و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات دون أولادهم لانّه ليس بذي رحم محرم بالنسب، إلى

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 4.

(2)- الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب المستحقين، الحديث 3.

(3)- لا يخفى عدم الحاجة إلى ما بين الجيومتين للاستغناء عنه بما تقدّم من «علا» و «علت» فلاحظ.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 388

موسّع عظيم و هو مذهب عمر بن الخطاب

و انّها تجب على من عرف بقرابته منه- ثمّ قال:- و الذي يقتضيه مذهبنا ما قاله الشافعي لانّ أخبارنا واردة متناولة بأنّ النفقة تجب على الوالدين و الولد. و إن كان قد روي في بعضها انّ كلّ من ثبت بينهما موارثة تجب نفقته و ذلك على الاستحباب. «1»

و لعلّه يشير إلى ما ورد في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت:

من الذي أجبر على نفقته؟ قال: «الولدان، و الولد و الزوجة و الوارث الصغير». «2»

أو ما في خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أتي أمير المؤمنين عليه السّلام بيتيم فقال: «خذوا بنفقته أقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه». «3»

و الروايتان محمولتان على الندب لما عرفت من استفاضة النصوص على الحصر- و استقرار المذهب عليه في جميع الأعصار فيكون الإنفاق على غير من ورد في الحصر من باب صلة الرحم الذي قال سبحانه: وَ اتَّقُوا اللّٰهَ الَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحٰامَ (النساء/ 1) مضافا إلى ما في مرفوعة زكريا المؤمن. «4» و تفسير الإمام العسكري عليه السّلام.

بقي الكلام في تفسير قوله سبحانه: وَ عَلَى الْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ الوارد في الآية التالية: وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لٰا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلّٰا وُسْعَهٰا لٰا تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا وَ لٰا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَ عَلَى الْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ (البقرة/ 233) حيث استدل به على قول أبي حنيفة قال الشيخ: فأوجب سبحانه على الوارث مثل ما أوجب على الوالد. و قال عليه السّلام: «لا صدقة و ذو رحم محتاج» 5

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف 3، كتاب النفقات، المسألة 31.

(2)- الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 9 و

10.

(3)- الوسائل: 15، الباب 11 من أبواب النفقات، الحديث 4.

(4) و 5- الوسائل: 15، الباب 12 من أبواب النفقات، الحديث 1، 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 389

و المهم هو الوقوف على المراد من المماثلة أمّا من جانب الروايات ففي صحيح الحلبي: انّه نهى أن يضارّ بالصبي أو يضار أمّه في الرضاعة، و ليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين. «1»

و في مرسلة العياشي عن أبي الصباح قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه: وَ عَلَى الْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ قال: «لا ينبغي للوارث أن يضار المرأة فيقول:

لا أدع ولدها يأتيها، يضار ولدها إن كان لهم عنده شي ء و لا ينبغي أن يقتر عليه». «2»

و على هذين الروايتين لا صلة للآية بالإنفاق على الوارث.

و في مرسلة أخرى للعياشي عن محمد بن مسلم عن أحدهما قال: سألته عن قوله: وَ عَلَى الْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ قال: «هو في النفقة على الوارث مثل ما على الوالد». 3 و هو كلام مجمل لا يعرب عن شي ء واضح.

و أمّا ظاهر الآية فقد استظهر صاحب الجواهر انّ الوارث كناية عن الصبي أي عليه في ماله الذي ورثه من أبيه مثل ما كان على أبيه من الإنفاق بالمعروف على أمّه. «4» و لكنه استنباط لا يدل عليه ظاهرها.

***

المسألة الثانية: في اشتراط الفقر في الأقارب
اشارة

تفترق الزوجة عن الأقارب بأنّه يجب عليها الإنفاق و إن كانت غنيّة، فلا يشترط في استحقاق الزوجة النفقة، فقرها و احتياجها فعلى زوجها الإنفاق

______________________________

(1)- البحراني: البرهان: 1/ 484، الحديث 1.

(2) و 3- الوسائل: 15، الباب 12 من أبواب النفقات، الحديث 4، 3.

(4)- الجواهر: 31/ 369.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 390

و بذل

مقدار النفقة و إن كانت من أغنى الناس لما عرفت من أنّها باب المعاوضة للشي ء الحاضر و هذا بخلاف الأقارب، فيشترط في وجوب الإنفاق، الفقر فالأب الفقير و الأمّ الفقيرة و الأولاد الفقراء هم الذين يجب الإنفاق عليهم. لانصراف الأدلة إلى غير صورة الغنى.

إنّما الكلام في انّه هل يشترط المنفق عليه- مع ذلك- العجز عن الاكتساب اللائق بحاله، ظاهر الأصحاب هو الاشتراط لأنّ النفقة معونة على سدّ الخلّة و المكتسب قادر فهو كالغني و لذا منع من الزكاة و الكفّارة المشروطة بالفقر فعن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم «لا تحلّ الصدقة لغني و لا لقويّ مكتسب». «1»

نعم يعتبر في الكسب كونه لائقا بحاله عادة، فلا يكلّف من كان شريف القدر و العالم بالكنس و الدباغة. و لو أمكن للمرأة التزويج بمن يليق بها و تقوم بنفقتها فهل هي بحكم القادر أو لا؟ الظاهر لا، لأنّ الظاهر هو القادر بالفعل، لا بالقوّة كما ستوافيك نظائره.

إذا أمكن له الاكتساب عن طريق الاقتراض و الاستعطاء و السؤال، فهل يمنع ذلك عن وجوب الإنفاق عليه، الظاهر لا خصوصا إذا كان غير لائق بشأنه فإن تكلّفها و سدّ الخلة و الحاجة فلا تجب الإنفاق و إلّا فينفق عليه.

و لو أمكن له الاكتساب بالقوة، بمعنى أنّه يقتدر على تعلّم الكتابة و الصياغة أو التجارة و لكن ترك التعلم فبقي بلا نفقة، فينفق عليه.

و لو أمكن له الاكتساب بالفعل كالحائك و النجّار و الكاتب و لكن ترك ذلك طلبا للراحة فلا يجب الإنفاق، لكونه قادرا بالفعل على سدّ حاجته.

______________________________

(1)- النوري: المستدرك: 7، الباب 6 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 391

و

اعلم أنّ المراد من القريب الفقير، هو من لا يملك قوته فعلا، فمن ملك في الصيف دون الشتاء لا يجب الإنفاق ما لم يدخل الشتاء و ذلك لأنّ الوجوب يتجدد يوما فيوما فما لم يتجدد الشتاء فلا يجب الإنفاق، فهو قبل الشتاء مالك بالفعل لنفقته و أمّا الشتاء فليس تكليف بالنسبة إليه و هذا بخلاف الفقير في باب مستحق الزكاة، فهو من لا يملك قوت سنته لا فعلا و لا قوّة، فلو ملك في فترة من السنة دون فترة، فيجوز له أخذ الزكاة حتى في الفترة التي يملك فيها قوته فيها و إن كان لا يجب عليه الإنفاق، و السبب ما عرفت من أنّ الوجوب في باب النفقة يتجدد يوما فيوما بخلاف الزكاة فانّ الموضوع فيها من لا يملك قوت السنة لنفسه و عياله لا قوت يومه.

و لذلك يقول السيد الاصفهاني: «يشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره و احتياجه بمعنى عدم وجدانه لما يتقوى به فعلا فلا يجب إنفاق من قدر على نفقته فعلا، و إن كان فقيرا لا يملك قوت سنته و جاز له أخذ الزكاة و نحوها. «1»

ليس نقصان الخلقة و الحكم شرطا

لا عبرة بنقصان الخلقة بعمى و إقعاء و لا بنقصان الحكم بجنون أو صغر، و إنّما الملاك هو الفقر و العجز عن الكسب و يظهر الاشتراط من غيرنا، قال الشيخ: «الوالد إذا كان كامل الأحكام مثل أن يكون عاقلا و كان كامل الخلقة بأن لا يكون زمنا إلّا انّه فقير محتاج، وجب على ولده أن ينفق عليه و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، و الثاني: لا يجب عليه.

و قال أيضا: «الولد إذا كان كامل الأحكام و الخلقة و كان معسرا وجب على

والده أن ينفق عليه و للشافعي فيه طريقان: أحدهما أنّ المسألة على قولين كالأب،

______________________________

(1)- الاصفهاني: الوسيلة: القول في نفقة الأقارب، المسألة 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 392

و منهم من قال ليس عليه أن ينفق عليه قولا واحدا لأنّ حرمة الأب أقوى لأنّه يقاد بوالد و لا يقاد بولد. «1»

ليس الكفر و الفسق مانعين

لا يشترط الإسلام و العدالة فيجب الإنفاق و لو كان كافرا أو فاسقا، لإطلاق الأدلّة كيف و قد أمر سبحانه مصاحبتهما بالمعروف مع كونهما مشركين قال تعالى:

وَ صٰاحِبْهُمٰا فِي الدُّنْيٰا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنٰابَ إِلَيَّ (لقمان/ 15) و أمّا النهي عن موادّة من حادّ اللّه و رسوله من غير فرق بين الآباء و الأبناء و الأخوال و العشيرة و غيرهم. فليس الإنفاق منها لأنّ المراد هو الموالاة في الدين و هو الذي لا يجتمع مع الإيمان، و أمّا المواساة و المودة بما أنّهما العمودان، فهو أمر فطري، لا ينازعه التشريع الإلهي، نعم قد نقل من الفخر أنّه جعل الكفر مانعا من الوجوب و لم نعثر عليه في موضعه من الإيضاح قال العلّامة في المتن: «و لا يشترط الموافقة في الدين بل تجب نفقة المسلم على الكافر و بالعكس». «2» و لم يعلق الفخر عليه شيئا.

اشتراط قدرة المنفق

قد تقدّم أنّه لو حصل له قدر كفايته خاصة اقتصر على نفسه المقدّمة على غيرها، شرعا و عادة، فإن فضل منه شي ء فلزوجته، و إن فضل منه شي ء فللأبوين و الأولاد.

أمّا سدّ خلة نفسه فيجب عليه بأيّ وسيلة حتى بالاستعطاء و السؤال، و الاكتساب غير اللائق بشأنه فضلا عن اللائق لصيانة النفس عن الهلكة.

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 3/ كتاب النفقات، المسألة 26 و 25.

(2)- فخر الدين: الايضاح: 3/ 285.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 393

و أمّا الإنفاق على الزوجة و الأولاد فلو توقف على الكسب اللائق بشأنه و حاله يجب من غير فرق بين الزوجة و الأقارب كالولد و الأبوين لكونه متمكنا و قادرا عرفا، و التكليف فرع القدرة العرفية، نعم لا يجب عليه التوسل إلى

تحصيله بمثل الاستيهاب و السؤال لانصراف الأدلة عن مثل هذه القدرة، نعم يدخل فيها ما إذا أمكن له الاقتراض أو الشراء نسيئة بشرط أن يتمكن من الوفاء من دون مشقة.

و ربما يحتمل أنّ وجوب الإنفاق في الأقارب مشروط بالغنى لا بالقدرة لقوله سبحانه: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّٰا آتٰاهُ اللّٰهُ (الطلاق/ 7) و لم يقل فليكتسب.

يلاحظ عليه:

أوّلا: الآية بصدد بيان كيفية الإنفاق و قدره لا لبيان وجوبه حتى يصحّ ما ذكره.

و ثانيا: انّ قوله سبحانه في ذيلها: لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا مٰا آتٰاهٰا بمعنى «اقدرها» و القادر على التكسب بما يليق بشأنه، داخل فيه، و لو وقف الإنفاق على بيع شي ء ممّا يتملكه كالعقار و غيره فيجب عليه البيع.

لا تقدير في الإنفاق

لا تقدير في نفقة الأقارب بل الواجب قدر الكفاية من الطعام و الإدام و الكسوة و السكنى مع ملاحظة الحال و الشأن و الزمان و المكان و لو كان هناك قول بالتقدير فإنّما كان في الزوجة اعتمادا على صحيح شهاب بن عبد ربّه «1» لكونه

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 2 من أبواب النفقات، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 394

مقتضى إطلاق الأدلّة و لو كان تقدير معين لزم التصريح.

نعم فرق بين الزوجة و الأقارب بوجوه:

1- اشتراط الحاجة في الأقارب دون الزوجة.

2- انّ الإنفاق في المقام إمتاع فلا تملك الأقارب المأكول و الملبوس بخلاف الزوجة.

إذا لم تقم الزوج بواجبه تتعلّق بذمته في الزوجة دون الأقارب.

في إعفاف من تجب نفقته

المراد من الإعفاف أن يصيره ذا عفة إمّا بتزويجه أو إعطاء شي ء يتزوج به أو بتمليك جارية من غير فرق بين الولد أو الوالد في ذلك فالظاهر عدم وجوبه لأنّ الأدلة منصرفة إلى الإنفاق المتعارف.

ربما يحكي عن غيرهم القول بالوجوب للأب و إن علا، لكونه من أهمّ المصاحبة بالمعروف المأمور بها في الآية و لأنّه من حاجاته المهمّة فيجب على الولد القيام به.

يلاحظ على الأوّل: أنّ القدر المتيقن من المصاحبة بالمعروف، هو أن لا يكون الاختلاف في الدين سببا للعقوق و الخشونة بل يعامل معهما معاملة الرفق. و أين هذا من الإعفاف و لو قلنا بسعة معنى المصاحبة فيدخل فيها، الإنفاق المتعارف المقيم للظهر، و الساتر للعورة و أمّا وجوبه من باب أداء حاجاته فللقول به مجال لكن بشرط أن يكون على وجه لو لا التزويج لما استقامت حياته، يقول السيد الاصفهانى: لا تجب إعفاف من وجبت نفقته ولدا كان أو والدا ... و إن كان أحوط

مع حاجته إلى النكاح و عدم قدرته على التزويج و بذل الصداق خصوصا في الأب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 395

نعم ورد في بعض الروايات انّ من حقوق الأولاد على الآباء التزويج «1» و لكنّه محمول على الاستحباب.

الإنفاق على زوجة الأب و أولاده

لا يجب الإنفاق على أولاد الأب لكونهم إخوة المنفق، و قد مرّ عدم وجوبه على حواشي النسب و أمّا زوجته، فلو كانت أمّه فيجب الإنفاق بملاك الأمومة. لا الزوجية، و إن لم تكن كذلك كما هو المفروض، فلا يجب الإنفاق لعدم الدليل لانحصاره في الزوجة و الأبوين و الأولاد، نعم لو كانت من جملة مئونته و ضرورته فيجب الإنفاق بهذا الملاك لا بما انّها زوجة الأب.

الإنفاق على ولد الولد

قد عرفت أنّه لا يجب على الولد الإنفاق على أولاد الأب، لكونهم إخوة المنفق و لكن تجب على الأب الإنفاق على أولاد الولد لكونهم أولادا له حقيقة، إذا كان الولد معسرا.

***

المسألة الثالثة: نفقة الأقارب لا تقضى

اشتهر بين الأصحاب انّ نفقة الأقارب إذا فاتت يوما أو أيّاما سقطت و لا تقضى بخلاف الزوجة فانّها تقضى.

قال الشيخ: «و نفقة الأقارب تجب يوما بيوم، فإن فات ذلك اليوم قبل الدفع، سقطت، و نفقة الزوجة يستحقّ أيضا يوما بيوم فإن مضى الزمان استقرّت

______________________________

(1)- راجع الوسائل: 15/ 200، الباب 86 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 9، و المستدرك:

15/ 166 ح 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 396

لما مضى. و الفصل بينهما أنّ نفقة الزوجات تجب على وجه المعاوضة و نفقة الأقارب على وجه المواساة». «1»

و قال ابن البرّاج في تقديم نفقة الزوجة على الأقارب: «و إن فضل ما يكفي أحدهم كانت الزوجة أحقّ بها لأنّ نفقتها على سبيل المعاوضة، و نفقة ذوي الأرحام مواساة، و المعاوضة أقوى، لانّها تستحق مع إعسارها و يسارها، و الوالد إذا كان موسرا لا نفقة له، و تستحق مع يسار الزوج و إعساره، و الولد لا نفقة له على أب معسر». «2».

و قال المحقّق: «لا تقضى نفقة الأقارب لأنّها مواساة لسدّ الخلّة فلا تستقر في الذمة و لو قدرها الحاكم». «3»

و قال السيد الاصفهاني: «لا تقضى نفقة الأقارب، و لا يتدارك لو فات في وقته و زمانه، و لو بتقصير من المنفق و لا يستقرّ في ذمّته بخلاف الزوجة». «4»

و الحكم بعدم القضاء مقتضى الفروع المذكورة في نفقة الأقارب التي أشار إلى بعضها صاحب المهذب، لكن القدر المسلم من الإجماع ما إذا كانت الفائت

للضيافة و التقتير و التعسر، لا ما إذا استقرض و دفع الحاجة، فانّ القول بعدم القضاء خلاف الأصل المسلّم في كلّ حقّ ماليّ لآدميّ، و لأجل ذلك ذهب صاحب الجواهر إلى القضاء في هذه الصورة و لا تخلو من قوة.

و لو امتنع من عليه النفقة من أدائها أجبره الحاكم، فإن امتنع من الدفع فإن كان له مال، و كان نقدا يبذل منه بقدر النفقة، و إن كان عروضا أو عقارا باعه

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 6/ 35.

(2)- ابن البراج: المهذب: 2/ 351.

(3)- نجم الدين: الشرائع: 2/ 574.

(4)- السيد الاصفهاني: الوسيلة: 364.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 397

الحاكم و دفع من ثمنه بقدر النفقة، و إن لم يكن له مال في متناول الأيدي أمره الحاكم بالاستدانة على المنفق الممتنع، فإذا استدان وجب عليه القضاء لكون الحاكم وليّ الممتنع و لو تعسّر الحاكم قام مقامه عدول المؤمنين و لو تعذّر جاز للمنفق عليه الاستدانة بنيّته، دفعا للحرج.

هذا من غير فرق بين المنفق الحاضر و الغائب.

و الظاهر أنّ الواجب على الحاكم هو سدّ خلته من مال المنفق، و لا ينحصر تحقيق تلك الغاية بما ذكرناه فلو كانت هناك صورة أنفع بحال المنفق، اختاره و بذلك يظهر انّ ما ذكره الشيخ في المبسوط من التفصيل في المقام ليس إلّا صورة عملية لما هو الواجب و ليس نفسه.

***

المسألة الرابعة: في ترتيب المنفقين

قد عرفت انّ وجوب الإنفاق ثابت بشروطه في عمودي النسب أعني بين الأصول و الفروع (الآباء و الأولاد)، دون الحواشي كالإخوة و الأعمام و الأخوال، و على ذلك نقدّم الكلام في المنفق، على الكلام في المنفق عليه فنقول: إنّ المنفق تارة يكون هو الأصول أي الآباء و الأمّهات، و

أخرى يكون هو الفروع أي الأولاد.

أمّا إذا كان المنفق هو الأصول فنفقة الولد ذكرا كان أو أنثى على أبيه دون أمّه، و إن كانت موسرة لقوله تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (الطلاق/ 6) فأوجب أجرة الرضاع على الأب فكذا غيرها من النفقات، و يؤيّده انّ لها الامتناع و انّها كغيرها من المستأجرات، و لو كانت النفقة واجبة عليها لما صحّ ذلك. مضافا إلى عدم ورودها في الروايات.

و لو عدم الأب أو كان معسرا فعلى أب الأب الأقرب فالأقرب لكونه أبا

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 398

حقيقة، و مقتضى ذلك و إن كان التسوية بين الأب و الجدّ في الإنفاق، لكن الظاهر التسالم على الترتيب و إن لم يكن دليل نقلي عليه.

و الاستئناس بآية وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ.

(الأنفال/ 75) له وجه، مثل الاستئناس بخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أتي أمير المؤمنين عليه السّلام بيتيم فقال: «خذوا بنفقته أقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه». «1»

و لو فقد الآباء أو كانوا معسرين، تجب النفقة على الأمّ و مع عدمها أو فقرها فعلى أبيها و أمّها، و إن علوا مقدما في الوجوب الأقرب فالأقرب و على ذلك فالنفقة بعد الأم، على أبيها و أمّها يشاركون في الإنفاق بالسوية لدعوى انسياق المشاركة في خطاب الإنفاق. فلو عدما أو كانا معسرين فعلى أبي أبيها و أمّ أبيها و أبي أمّها و أمّ أمّها يشاركون في الإنفاق بالسوية، و إن اختلفوا في الذكورة و الأنوثة و يترتب على ذلك انّه لو اجتمع جدّ الأمّ مع أمّ الأمّ فالنفقة على أمّ الأمّ لكونها أقرب، و

لو اجتمعت جدّتها مع أبيها فانّه على أبيها و هكذا.

و أمّا إذا كان المنفق هو الفروع فنفقة الأب أو الأمّ عند الإعسار على الولد مع اليسار من غير فرق بين الذكر و الأنثى، و مع فقده أو إعساره فعلى ولد الولد: ابن الابن، و ابن البنت، و بنت الابن، أو بنت البنت، و مع التعدد و التساوي في الدرجة يشاركون بالسوية، مثلا لو كان له ابن أو بنت مع ابن الابن، فالنفقة على الابن، و البنت، و لو كان له ابنان أو بنتان، أو ابن و بنت شاركا بالسوية.

و إذا جمعت الأصول و الفروع يراعى الأقرب فالأقرب و مع التساوي يشاركون فإذا كان له أب مع ابن أو بنت تشاركا بالسوية، و إذا كان له أب مع ابن الابن أو ابن البنت فعلى الأب وحده، و إن كان ابن و جدّ لأب فعلى الابن، و إن

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 11، من أبواب النفقات، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 399

كان ابن الابن، مع جدّ لأب تشاركا بالسوية، و إن كانت له أمّ مع ابن الابن أو ابن البنت مثلا فعلى الأمّ، حفظا لأصل الأقربية.

نعم إذا أجمعت الأمّ مع الابن أو البنت قال السيد الاصفهاني: فالأحوط التراضي و التصالح على الاشتراك بالسوية. لكن الظاهر، كون النفقة على الابن لما عرفت من انّه يجبر الرجل على نفقة الوالدين و الولد و الزوجة. «1»

*** هذا كلّه حول ترتيب المنفق عليه و أمّا ترتيب المنفق فإذا كان عنده زائد على نفقته و نفقة زوجته ما يكفي لإنفاق جميع أقاربه المحتاجين وجب عليه نفقة الجميع و إذا لم يكف إلّا لإنفاق بعضهم ينفق على الأقرب

فالأقرب منه.

فإذا كان معه ابن أو بنت، مع ابن الابن و كان عنده ما يكفي أحدهما ينفق على الابن و البنت دون ابن الابن.

و إذا كان عنده أبواه، مع ابن الابن و ابن البنت و كان ما عنده يكفي اثنين أنفق على الأبوين.

و إذا كان عنده أبواه مع جد و جدّة لأب أو لأمّ، انفق على الأبوين و لو كان عنده قريبان أو أزيد في مرتبة واحدة و كان عنده ما لا يكفي الجميع فالأقرب التقسيم بينهم بالسوية و الملاك هو الأقرب فالأقرب ففي صورة المساواة التقسيم بالعدل.

لو كان له ولدان و لم يقدر إلّا على نفقة أحدهما، لكن كان للمنفق أب موسر (جدّ الولدين) فهما بالخيار في أن يشاركا في الإنفاق عليهما، أو يختار كلّ واحدا منهما، و لو تشاحا يرجع إلى القرعة.

و لو كان الأقرب مثلا معسرا، و الأبعد موسرا فدفع النفقة، ثمّ أيسر الأقرب

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 11، من أبواب النفقات، الحديث 3 و 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 400

كانت النفقة على الأقرب لو افترضنا يسار الأقرب مع وجود عينها بيد المنفق عليه، قال في الجواهر: «أمكن الرجوع بها لأنّها امتاع بيده و الخطاب قد توجه إلى الأقرب بيساره». «1»

بقي الكلام في نفقة المملوك و البهائم، و نحن في غنى عن إفاضة الكلام في الأولى، و أمّا الثانية فتليق بالافراد في التأليف، حيث صار حقوق الحيوان موضوعا خاصا في الحضارة الغربية، و سبقهم الإسلام بوضع حدود و حقوق في ذلك المجال، لعلّنا نقوم به في المستقبل بإذنه سبحانه.

*** كلمة المؤلّف قد فرغت من تسويد هذه الأوراق في شهر رجب المرجب من شهور عام 1396 في جوار الحضرة

الفاطمية المعصومة- سلام اللّه عليها و على آبائها الطاهرين-، ثمّ أعدت النظر فيها في الدورة الثانية و قد لاح بدر تمامها يوم العشرين من جمادي الأولى من شهور عام 1410، و تمت المراجعة النهائية إليها، ليلة الرابع عشر من شهر رمضان المبارك، ميلاد الإمام الطاهر، الحسن السبط عليه السّلام، عام 1416. و أرجو منه سبحانه أن يوفقني على تبييض ما صدر من قلمي من بحوث فقهية و يجعلها ذخرا ليوم لا ينفع مال و لا بنون و يعينني على الاستنان بسنّة نبيّه و نيل الشفاعة لديه.

اللّهم اجعله لي شفيعا مشفّعا، و طريقا إليك مهيعا، و اجعلني له متّبعا، حتى ألقاك يوم القيامة عنّي راضيا، و عن ذنوبي غاضيا، و صلّى اللّه عليه و على عترته الطاهرة و النجوم الزاهرة صلاة دائمة ما دامت السماوات أبراج و الأرض ذات فجاج آمين يا ربّ العالمين.

______________________________

(1)- الجواهر: 31، 387 و ما ذكره مناف لما أفاده فيما سبق.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.